الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

فقه محاسبة النفس إعداد : محمد أبوغدير المحامي

فقه محاسبة النفس

تعريف المحاسبة ، ومشروعيتها ، وأهميتها ،
وأنواعها وكيفيتها ، وثمراتها وسائل تنميتها ، وأسباب فقدانها  وآثارها .

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة
المؤمن يعلم علم اليقين أنه محاسب على القليل والكثير من الأعمال وإن خفيت ، وأن الله عز وجل لهم بالمرصاد ، وسيناقش في الحساب عن مثاقيل الذر من الخطرات واللحظات .
ويوقن – كذلك - أنه لا نجاة له إلا بلزوم محاسبة، ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات .
فمَن حاسب نفسه قبل أن يُحاسب خفّ حسابه يوم القيامة، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.

والحديث عن محاسبة النفس يقتضي التعرض لتعريف المحاسبة ، ومشروعيتها ، وأهميتها ، وأنواعها وكيفيتها ، وثمراتها وسائل تنميتها ، وأسباب فقدانها  وآثارها ، ونبين ذلك بإيجاز في الآتي  :

أولا : تعريف المحاسبة :

قال الماوردي في معنى المحاسبة:
( أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل ).
.
وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله:
(هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله ـ عز وجل ـ جانبه بعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله ـ عز وجل ـ ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه )

ثانيا : مشروعية المحاسبة :

جاءت نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح ترغب محاسبة النفس وترهيب في تركها، وبيان ذلك في الآتي :

أ - محاسبة النفس في القرآن الكريم :

. 1 يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر:18 ، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.

. 2 وقد قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (   الشمس:7-10 ، قال الإمام البدوي رحمه الله في تفسيره: قال الحسن: معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل قَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا أهلكها وأضلها وحملها على المعصية.

ب - محاسبة النفس في السنة النبوية :

 . 1 روى رواه الإمام أحمد والترمذي عن أنس بن مالك عن رسول الله قال: ( الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) ، ومعنى دان نفسه : أي حاسبها .

. 2 وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) الحاقة:18

ج - محاسبة النفس في أقوال الصحابة والسلف الصالح :

كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله : ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة )، أخرجه البيهقي وابن عساكر .
ونقل ابن القيم عن الحسن أنه قال: ( المؤمن قوّام على نفسه يحاسب نفسه لله، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسـبة )

ثالثا : أهمية المحاسبة :

 - 1طريق لاستقامة القلوب وتزكية النفوس :

 فإن زكاتها وطهارتها موقوف على محاسبتها ، فبها تزكو تطهر.

 - 2أنها دليل على صلاح الإنسان وعلى خوفه من الله ؛ فبالخوف يحاسب تفسه و يعاتبها على تقصيرها .

 - 3أنها طريق للتوبة ؛ وذلك لأنه إذا حاسب نفسه أدرك تقصيره في جنب الله ، فقاده هذا إلى التوبة .

- 4 أنها طريق الراحة من محاسبة الله للعبد في يوم القيامة ، وإذا أهملها في الدنيا اشتد عليه الحساب يوم القيامة .

- 5 أنها طريق سكن الفردوس ، والنظر إلى وجه الرب سبحانه ، وتركها يؤدي به إلى دخول النار ، والحجاب عن الرب تعالى .

رابعا : أنواعها محاسبة النفس وكيفية :
النوع الأول - المحاسبة المطلقة :

وهي غير مقيدة بوقت أو بحالة ، بل تحدث يومياً ، في أول النهار يوصيها بالأعمال الصالحة وينهاها عن الأعمال السيئة ، فكأنه يضع لها جدول أعمال ينبغي تحقيقه ، ويمثل لنفسه أنه مات ثم يطلب أن يعاد إلى الدنيا ولو يوماً واحداً ، فكأنه أعيد .
في آخر النهار يكون له وقفة أخرى : ينظر ماذا عمل ، وماذا أنجز ، فيبدأ بالفرائض : هل هي خالصة لله ؟ ، هل اتبع فيها الرسول ؟ ، هل ازداد بها رفعة ، هل فيها نقص فيتداركه بقضاء أو إصلاح ؛ ثم يحاسبها على المناهي : فإن ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار .
ثم يحاسب نفسه على نعم الله : هل تذكرها واستشعرها وأسندها إلى المنعم سبحانه وقام بشكرها بصرفها في طاعة الله ولم يستعملها في معصية الله ؟ فمثلاً : نعمة النظر : هل قام بغضه عن الحرام ؟ وهل استعمله في ما يحبه الله ، واللسان نعمة : فهل حفظه عن الغيبة والكذب والنميمة وكافة آفاته وهل استعمله في الذكر ونشر العلم والدعوة إلى الله وتلاوة القرآن وغير ذلك من الأعمال الصالحة ؟ .

النوع الثاني - المحاسبة المقيدة :

وهي التي تكون في وقت محدد أو عند حالة معينة ، وهي أربعة أحوال :

الحال الأول . محاسبة قبل العمل :

يقف مع نفسه وقفة محاسبة : هل يقدم على هذا العمل أو لا ؟ ، وهل الأفضل أن يعمله أو يتركه ؟ ، وهل الدافع لعمله ابتغاء مرضات الله أو له أهداف دنيوية ؟ ،
قال الحسن رحمه الله : (رحم الله عبدا وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر) ، فإذا نظر في هذه الأشياء أقدم على العمل أو أحجم عنه .

الحال الثاني . محاسبة بعد العمل :

. 1  محاسبتُها على التقصير في الطاعات في حق الله ـ تعالى :
بأن يسأل نفسه: هل أديتُ هذه الفريضة على الوجه الأكمل مخلصاً فيها لله ووفق ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم يجبر نقصها بأداء النوافل .
 . 2 محاسبتها على معصية ارتكبتها:
لماذا ارتكبها ؟ ، وما الذي دفعه إليها والسبيل الى كل ما يبعده عنها ، وأن يتوب منها توبة نصوحاً ويستغفر ويعمل الحسنات الماحيةِ والمذهبة للسيئات ، كما قال الله ـ سبحانه ـ: (( إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)) هود:114

 . 3 محاسبتها على أمرٍ كان تركه خيراً من فعله :
لِمَ فعلهُ هذا الأمر؟ أليس الخير في تركه؟ وما الفائدة التي جنيتها منه؟ هل هذا العمل يزيد من حسناتي؟ ونحو ذلك من الأسئلة.
. 4  محاسبتها على أمر مباح أو معتاد لم فعله :
وهل أردت به وجه الله والدار الآخرة فيكون ذلك ربحاً لي ؟ أو فعلتُه عادةً وتقليداً بلا نيّةٍ صالحة ولا قصدٍ في المثوبة؛ فيكون فعلي له مضيعة للوقت على حساب ما هو أنفع وأنجح ؟ ثم ينظر لنفسه بعد عمله لذلك المباح، فيلاحظ أثره على الطاعات الأخرى من هل قللها أو أضعف روحها، أو كان له أثرٌ في قسوة القلب وزيادة الغفلة .

الحال الثالث : محاسبة النفس عند نهاية الأسبوع أو الشهر أو السنة :

فتقف مع نفسك وقفة محاسبة تكون بمثابة جرد لأعمالك ، ما ذا قدمت ؟ ، وبما ذا قصرت ؟ ، هل ازددت من الله قرباً أو ازددت منه بعدا ؟ ، هل أنت خاسر أو رابح أو حافظت على رأس المال على الأقل ؟ .

الحال الرابع : محاسبة النفس عند الأوقات والأماكن الفاضلة :

في مواسم الخير كرمضان ، وعشر ذي الحجة ، ويوم الجمعة ، وآخر الليل ، هل اغتنمها بما يقربه إلى الله أو مرت عليك دون فائدة ؟، وكذلك إذا كنت في مكان فاضل كالحرم هل اغتنمت وجودك فيه بما يقربك إلى الله أو لم تلق لذلك بالاً ؟.

خامسا : الثمار المترتبة على المحاسبة :

1 -  مراقبة الله :
لأنه كلما هم بمعصية حاسب نفسه ، وكلما هم بتقصير في واجب حاسب نفسه ، وهذه هي المراقبة لله حتى يصل إلى مرتبة الإحسان .

- 2 يطلع على عيوب نفسه:
 لأنه بالمحاسبة لابد أن يجد في نفسه عيباً ، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى ، وأما من لم يحاسب نفسه لم يطلع على عيوبها ، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته .

 - 3إخلاص النية لله :
لأن المحاسبة وقفة خفية بينك وبين نفسك لا يعلمها إلا الله ، وأنت أدرى بنفسك وبحقيقة أعمالك ؛ تعرف هل عملت هذا العمل رياء أو سمعة أو عملته لله ، وهذا يقودك بإذن الله إلى أن تجعل أعمالك كلها خالصة لله.

 - 4استشعار المسلم للهدف الذي خلق من أجله:
إذا حاسبت نفسك علمت أنك لم تخلق عبثاً ولن تترك سدى ، لم تخلق للأكل والشرب والنكاح وجمع الأموال ، خلقت لأمر عظيم وهيئت لأمر جسيم ، فحينها تستشعر الهدف الذي خلقت من أجله .

 - 5الاجتهاد في الطاعة :
فإن الصائمين في حر النهار ما صاموا إلا بعد محاسبتهم لأنفسهم ، والقائمين الليل لماذا كانوا يقومون الليل ، والتالين للقرآن ، والباذلين أموالهم في سبيل الله ، وغيرهم ما فعلوا ما فعلوا إلا بعد محاسبتهم لأنفسهم .

 - 6البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها :
لأنه إذا حاسب نفسه على المعصية دعاه ذلك إلى أن لا يعملها مرة أخرى ، وبذلك يبتعد قدر الإمكان عن المعاصي .

 - 7الزهد في الدنيا:
 لأنه سيعرف حقيقة الدنيا وحقية نفسه وما تريد ، وسيدرك أن الدنيا دار ممر وفناء ، يزرع بها العبد ما يحب أن يراه غداً ، مما يجعله ينظر إلى الدنيا على أنها مزرعة للآخرة ؛ فلا ينافس أهلها عليها

سادسا : وسائل تنمية المحاسبة :

- 1 الاطلاع على أخبار السلف في محاسبتهم لأنفسهم :
فعليك إن كنت من المحاسبين لنفسك أن تطالع أحوال الرجال والنساء من المجتهدين ؛ لينبعث نشاطك ويزيد حرصك ، وإياك أن تنظر إلى أهل عصرك ؛ فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، وسيأتي طرفاً من أخبارهم في ذلك .

- 2 صحبة أهل الهمة العالية المحاسبين لأنفسهم ؛ لأنك ستقتدي بهم في ذلك .

- 3  معرفة طبيعة النفس :
وأنها داعية إلى العصيان والجهل ؛ فلابد من محاسبتها وإلا قادتك إلى مهاوي الردى .

- 4  العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل :
 والهدى والضلال ، والضار والنافع ، والكامل والناقص ، والخير والشر ، ويبصر به مراتب الأعمال : راجحها ومرجوحها ، ومقبولها ومردودها ؛ وبقدر هذا العلم يكون التفاوت بين العباد من ناحية المحاسبة ، فمن كان حظه من هذا العلم أقوى كان حظه من المحاسبة أكمل وأتم .

 - 5 سوء الظن بالنفس :
لأن حسن الظن بالنفس يمنع الإنسان من أن يبحث عن عيوبه ، بل وربما لبَّس عليه فيرى المساوىء محاسن والعيوب كمالاً ، ومن عرف نفسه حق المعرفة أساء الظن بها ، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه .

 - 6 أن تقارن بين نعمة الله عليك وبين أفعالك :
 فالله سبحانه أنعم عليك نعماً كثيرة وأنت لم تقم بحقها ، وحينها تعلم أنه ليس إلا أن يعفو عنك ويرحمك أو تهلك.

- 7  أن تقارن بين حسناتك وسيئاتك أيهما أكثر وأرجح قدراً وصفة :
فهذا سيعينك على محاسبة نفسك ؛ لأنك لا بد أنك ستجد معاصي عملتها ؛ إذ لا يوجد معصوم بيننا .

سابعا : أسباب فقدان المحاسبة وآثارها :

أ - أسباب فقدان المحاسبة  :

- 1 المعاصي : سواء كان ذلك بفعل الكبائر أو بالإصرار على الصغائر ؛ حيث إن هذه المعاصي تسبب الران على القلب ، فإذا لم يحاسب العبد نفسه ويتوب تراكم هذه الران على قلبه ، وتقل محاسبته لنفسه حتى يصبح قلبه لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً .

 - 2التوسع في المباحات:  لأن هذا التوسع يرغبه في الدنيا ويقلل تفكيره في الآخرة ، وإذا لم ينظر إلى آخرته ، أو قل نظره إليها قلت محاسبته لنفسه .

 - 3عدم استشعار عظمة الله وما يجب له من العبودية والخضوع :فلو استشعرنا ذلك وعرفنا لله حقه لأكثرنا من محاسبتنا لأنفسنا ، ولقارنا بين نعم الله علينا وبين معاصينا ، ولقارنا بين حقه علينا وبين ما قدمناه لآخرتنا .

 - 4تزكية النفس وحسن الظن بها:  لأن حسن الظن بالنفس يمنع من التعرف على عيوبها وإذا لم تكتشف الداء كيف ستعالجه .

- 5 عدم تذكر الآخرة : والانشغال بالدنيا ولو وضعنا الآخرة نصب أعيننا لما أهملنا محاسبة أنفسنا .

ب - آثار فقد المحاسبة :

1 - عدم محاسبة النفس تسهل على العبد الوقوع في المعاصي:
حيث إن محاسبة النفس تجعله يندم على فعله المعصية ، وإذا ندم أوشك أن لا يعملها مرة أخرى ، أما إذا لم يأبه للمعصية ولم يحاسب نفسه عليها فإنه من السهل أن يقع فيها أو في معصية غيرها مرة أخرى .

- 2 يعسر عليه ترك المعاصي والبعد عنها :
لأنه يكون حينئذ ألفها واعتاد عليها ، وتشربها قلبه فيصعب عليه تركها .

- 4 استثقال الطاعات:
لأن الطاعة تحتاج إلى جهد وعزيمة ،وهذه العزيمة لا تأتي إلا بالوقوف مع النفس وقفة محاسبة ، وأخذها بالحزم والجد .

 - 5هلاك القلب:
قال ابن القيم : في إغاثة اللهفان : ( وترك المحاسبة يؤول إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرور : يغمض عينيه عن العواقب ، ويمشي الحال ، ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه.

الأحد، 2 أكتوبر 2016

منزلة الأم وفضلها في القرآن والسنة إعداد : محمد ابوغدير المحامي

أولا : منزلة الأم في القرآن الكريم :

 1. ولقد أوصى القرآن الكريم بالأم وفضل الأم على الأب لموجبات الحمل والرضاع والرعاية :
فقال سبحانه : (ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) . لقمان:14-15

2. وكرر الله تعالى تلك الوصية لفضل الأم ومكانتها :
فقال: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهراً ).(الأحقاف:15).

3. والإسلام قدّس رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات:
فحرم الزواج من الأمهات قال سبحانه: ( حُرمت عليكم أمهاتكم ) النساء:23.

4. كما بيّن أن رباط الزوجية لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة أبداً ، وشتان بينهما :
قال سبحانه: (وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتكم ) . الأحزاب: 4 . (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هُنَّ أمهاتهم. إنْ أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم ).(المجادلة:2)

5. و رباط الأمومة يبيح للولد أن يأكل من بيت أمه:
فقال تعالى ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم ) . النور:61 .

6. الأم مسؤولة عن تربية ولدها، فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها، وأشار سبحانه إل هذه المسؤولية الأخلاقية :
فقد قال تعالى : ( ما كان أبوك امرأ سَوء وما كانت أمك بغياً ) . مريم: 28. وأوجب الله سبحانه وتعالى للأم ميراث ولدها إن مات في حياتها كما أوجب له ميراثها إن ماتت في حياته فقال سبحانه وتعالى: (فإن لم يكن له ولد ووَرِثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) . النساء:11 .

7 . والأم يستعطف ويسترحم بها ولما ترمز إليه من الحنان والرحمة والشفقة :
فقال تعالى على لسان هارون عليه السلام لما اخذ موسى عليه السلام برأسه : ( قال ابنَ أمَّ إن القوم استضعفوني..) الأعراف: 150 . وفي موضع آخر قال: ( يا بنَ أُم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) . طه:94 .

8 . وجعل الله سبحانه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين :
من حيث واجبُ البر وحرمةُ الزواج والحقوق الواجبة لهن من الاحترام والتقدير، قال سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) . الأحزاب:6 .

9 . ضربها الله سبحانه في القرآن للأمهات المثاليات أسوة للمؤمنات مريم وأم موسى عليهما السلام :
فقال عن ام عيسى عليه السلام (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى رَبْوة ذات قرار ومعين) . المؤمنون: 50. ( وأمه صدِّيقة ). المائدة:75 ، وعن أم موسى قال: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين … وأصبح فؤاد أُم موسى فارغاً إنْ كادت لتُبدي به لولا أن رَبطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) . القصص: 7-10 .

10. وعن عاطفة الأمومة - حق رعاية وامتنّ بذلك على موسى لعظيم تلك المنة وأهميتها :
فقال سبحانه: (فرددناه إلى أمه كيف تقرّ عينها ولا تحزن ) . القصص: 23 .


ثانيا : منزلة الأم في السنة النبوية:

سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: [أمك] . قيل : ثم من ؟ قال: [أمك] . قيل ثم من؟ قال [أمك] . قيل ثم من؟ قال: [أبوك] . رواه البخاري .

2. وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: [الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس، وشهادة الزور] . رواه البخاري .

3. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سَبّ الوالدين وبيّن أنه من الكبائر فقال: [إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه] . قيل يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: [يسُب الرجل أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ أمه] . رواه البخاري .

4. ومن تمام الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى أهل وُدّهما قال صلى الله عليه وسلم: [إن أبرّ البرّ صلةُ الولد أهل ودّ أبيه] . رواه مسلم.

5. ومن تمام الإحسان أيضاً قضاءُ ما كان عليهما من دَين لله أو للناس فقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه، وتُوفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فاقضِه عنها] . رواه مسلم.

6. وجاءت امرأة تسأله عن أمها التي ماتت وعليها صوم شهر؟ فقال: أرأيتِ لو كان على أمك دَين أكُنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فدين الله أحق بالقضاء] .
وكذلك امرأة سألت عن أمها وماتت ولم تحجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ حُجيّ عنها ] . رواه مسلم.

7. ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في البر فاستأذن ربّه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذن في زيارتها فأذن له. رواه مسلم.  8. وكان صلى الله عليه وسلم شديد البر بمرضعاته ومربياته من ذلك أنه جاءت حليمة أمه بالرضاعة فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه. (الإصابة لابن حجر 4/274) .

9. وحين سيق إليه السّبيُ من هوازن كانت الشيماء بنت حليمة فيهم فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني لأُختك من الرّضاعة وعرّفته بعلامة عرفها صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، ودمعت عيناه وقال لها: [ ههنا ] ، فأجلسها على ردائه وخيّرها بين أن تقيم معه مُكرمة محبّبة أو أن ترجع إلى قومها، فأسلمت ورجعت إلى قومها، وأعطاها رسول الله نَعَماً وشاه وثلاثة أعبد وجارية.