الثلاثاء، 25 أبريل 2017

( صحيح العبادة ) من صفات الفرد المسلم ... إعداد : محمد أبوغدير المحامي

أولا : المفهوم الصحيح للعبادة


1- تعريف العبادة لغة واصطلاحا :

١ . العبادة في اللغة :
الذل والخضوع والانقياد.
 قال القرطبي : سميّت عبادة لأن العباد يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تبارك وتعالى ،

٢ . وفي الاصطلاح:
عرفها ابن تيمية بأنها :اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
 ومثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.

٣ . الدين كله داخلٌ في العبادة :
الدين يتضمن معنى الخضوع والذل، يقال: ندين الله وندين لله، أي نعبده ونطيعه ونخضع له، فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له.

 فالمدلول اللغوي لكلمتي الدين والعبادة يدل على أنهما وجهان لحقيقة واحدة ، وقد ثبت فى الصحيح أن جبريل لمَّا جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- في صورة أعرابي، وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان في الحديث المشهور، قال- عليه الصلاة والسلام- في آخر الحديث: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"، فجعل هذا كله من الدين.
 فالدين كله داخل في العبادة وهي أشرف المقامات وأعلاها وبها نجاة العبد ورفعته في الدنيا والآخرة.


٤ . الفرق بين العبادة والطاعة :
ذكره أبو هلال العسكري فقال:   أن العبادة غاية الخضوع ، والطاعة هي الفعل الواقع من العبد .


ثانيا : العبادة غاية والعبودية سمة:

أ - العبادة هي الغاية من خلق الله الخلق :

وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له، التي خلق الخلق لها، قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)،

ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى:{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } النحل:36 .

وبالعبادة وصف الله ملائكته ، فقال تعالى:{ وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } الأنبياء: 19 .

وبها أرسل جميع رسله ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل: من الآية 36).

وجعل العبادةَ لازمةً لرسوله وصفوةِ خلقه- صلى الله عليه وسلم- حتى الموت، فقال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾  الحجر: 99

ب - العبودية لله سمة المرسلين والصالحين:

نعت الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية له في أكمل أحواله، فقال في الإسراء:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } الإسراء: .

وقال في شأن المسيح الذي نُسبت إليه الألوهية والبنوة ( إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الزخرف: 5

ونعت الله الصالحين بأنهم من عباده : فقال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ (الفرقان: 63)،

ونعت أهل جنته بالعبودية له، فقال سبحانه:{ عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا } الإنسان:6 .


ثالثا : شمولية العبادة :

أ - الشعائر جزء من العبادة :

وبما أن الحكمة من خلق الخلق عبادة الله _تعالى_ وتقواه، فمن غير الممكن قصرها على ركعات خاشعة يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، ولا على أيام من العام معدودة يصومها العبد طاعة لله سبحانه ، ولا على جزء من المال يدفعه زكاة ليطهِّر بها نفسه وماله، ولا على حج البيت الحرام عند الاستطاعة مرة في العمر، فإن هذه شعأئر من العبادات وليست كلها لأنها لا تستغرق من حياة العبد إلا جزءاً يسيراً، فهل يُعقل أن يُترك أغلب ساعات عمره وأيام حياته .

ب - تعدّد وتنوع العبادة ومنها :

1. عبادة قلبية:
العبادة القلبية هي أساس الأنواع الأخرى ؛ وهي من قول القلب وعمله، وأعظم العبادات القلبية وأساسها: الاعتقاد بوحدانية الله فهو رب العالمين، الذي له الملك والخلق والأمر، والاعتقاد وأن له الأسماء الحسنى، والصفات العلا .
ومن العبادة القلبية أيضا : الإخلاص والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والخشوع والخضوع والتوبة والإنابة وطهارة القلب، ونحو ذلك.

2. عبادات قولية:
 سمّيت بذلك؛ لأنها من قول اللسان ولفظه، وأعظمها النطق بكلمة التوحيد، ومنها: الذكر والدعاء والاستعاذة والبسملة والاستغفار، ونحو ذلك.

3 – عبادات بدنية:
وهي التي يؤديها العبد  ببدنه، ومن أعظمها: الصلوات، والصيام، والجهاد في سبيل الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى دين الله _تعالى_، والإحسان إلى الناس، والتحلّي بمكارم الأخلاق ، والعمل من أجل كسب لقمة العيش، سوار بالتجارة أو الوظائف، ونحو ذلك .

– 4  عبادات مالية:
وهي التي تعتمد على المال وحده، كالزكاة والصدقات.

– 5 عبادات بدنية مالية:
وهي التي ترتكز على عمل البدن وبذل المال كالحج والعمرة والأضاحي. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .

6 . والعبادة غذاء للروح :   فإذا حُرمت الروح غذاءها أصابها ما يصيب الجسد عند الجوع، فيتخبط ويصيبه الجزع والهلع والانحراف، ولذا يلجأ البعيدون عن الله تعالى إلى كل مسكر حتى ينسوا أنفسهم .


ثالثا : شروط صحة العبادة :

قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا }(هود: 7) قال أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال:الخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة.
 والعمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ،

 لذلك فإنه لصحة العبادة شرطان:

أحدهما: أن لا يعبد إلا الله :

 وهو الإخلاص الذي أمر الله به، ومعناه أن يقصد العبد بعبادته وجه الله سبحانه، قال تعالى : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } البينة:5 ، وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم

 وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا ".

والثاني: أن يعبد الله بما أمر وشرع :

 لا بغير ذلك من الأهواء والبدع، قال تعالى: { أَم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }(الشورى: 21 ،  وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه.


رابعا : ثمرات العبادة :

أ - ثمرات العبادة على الفرد:

1 . طمأنينة القلب وراحته ورضاه
 قال تعالى : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } الرعد:28.

2 . نور الوجه
كما قال تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } الفتح:299 ، وقال عن الكافرين:{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } يونس:27.

3 . تربية الروح وتغذيتها :
فلا يجد الروح إشباعا لحاجته إلا بالقرب من الله تعالى إيمانا به واتباعا حتى يشعر بمعية نصرته تعالى له وحفظه ورعايته وذلك لا يتحقق إلا بالعبادة سواء في الضراء أو في السراء كما قال الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ }{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } .

4 . سعة الرزق والبركة فيه :
ويدل على ذلك قصة أصحاب الجنة الذين بارك الله لهم في جنتهم في حياة والدهم بطاعته ورحمته بالفقراء، حتى إذا مات وورثوا الأرض من بعده عزموا على حرمان الفقراء، فأرسل الله على جنتهم صاعقة فجعلتها كالصريم محترقة سوداء كالليل البهيم، قال تعالى: { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون }(القلم:17).
 وقال تعالى { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ }{ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا }{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } فدل رسوله عليه الصلاة و السلام إلى التقرب إليه تعالى وعبادته.

ب ثمرات العبادة على المجتمع :

1 . سبب نظام الكون وصلاحه :
فمن ثمرات العبادة أنها السبيل إلى سعادة الإنسان ورفعته في الدنيا والآخرة، وكلما كان الناس أقرب إلى العبادة كان الكون أقرب إلى الصلاح، والعكس بالعكس، فإن انهمكوا في المعاصي والسيئات وتركوا الواجبات والطاعات كان ذلك مؤذنا بخراب الكون وزواله، ومن تأمل كيف أن القيامة لا تقوم إلا على شرار الخلق حين لا يقال في الكون كله " الله الله " علم صحة ما ذكرنا.

2 . سبب للرخاء الاقتصادي :
وهي سبب للرخاء الاقتصادي واستنزال رحمات الله وبركاته على البلاد والعباد، قال تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) الأعراف:96.

3 . يكبح جماح النفس البشرية :
والعبادة هي الزمام الذي يكبح جماح النفس البشرية أن تلغ في شهواتها، وهي السبيل الذي يحجز البشرية عن التمرد على شرع الله تعالى، قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }(العنكبوت:45) فالعبادة ضمانة أخرى من أن تنحرف البشرية في مهاوي الردى وطرق الضلال.

4 . تحقيق حرية الإنسان :
فالعبادة لله تعالى تحرر المؤمن من الخضوع لغير الله تعالى فيصبح بذلك حرا طليقا من سلطان سوى سلطان الله تعالى وبذلك يصل إلى شاطئ الأمان ويحس بالسكينة إلى الله تعالى فإن مصدر العزة إنما هو اللجوء إلى الله تعالى { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }
 قال شيخ الإسلام رحمه الله :” وَأَمَّا مَنْ اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ فَصَارَ عَبْدًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَهَذَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَلِكَ النَّاسِ . فَالْحُرِّيَّةُ حُرِّيَّةُ الْقَلْبِ وَالْعُبُودِيَّةُ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ” الفتاوى .

5 . تمحيص المؤمن بابتلائه بالعبادة إعدادا له للحياة الآخرة :
قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام { يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } فالدنيا دار ابتلاء ومادة هذا الابتلاء هي عبادة الله تعالى تحقيقا لأمره { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا  )