الجمعة، 14 أغسطس 2020

رب أوزعني أن أشكرك نعمتك بقلم محمد أبوغدير المحامي

 هيا نتدبر الآيات الكريمة الآتية :

لنشكر الله المنعم علينا وعلى آبائنا ، 

ونسآله العمل المرضي وصحبة الصالحين 

وإصلاح الذرية ، متضرعين  بالتوبة والإستسلام للرب الكريم .

 

قال الله تعالى : ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) سورة النمل ، الآية : 19.


كما قال الله تعالى : ( ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) سورة الأحقاف، الآية : 15.


وقد تماثلت الفقرة الأولي في الآيتين السالف بيانهم  ، حيث قال الله تعالى ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ  وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ) .


وإنتهت الآية من سورة النمل بقوله تعالى : ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) .

في حين إنتهت الآية من سورة الأحقاف بقوله تعالى ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .


وهكذا بدأ اللَّه تعالى في الفقرة المتماثلة من الآيتين في السورتين بالدعاء  للوالدين لكونهما كانا سبباً في الجود في هذه الحياة الدنيا بعد اللَّه عز وجل وبالإحسان إليهما وبرِّهما ، ثم طلب التوفيق للعمل الصالح ألذي يرضي الله وتعالى .

وكان معنى الدعاء : ربي ألهمني ووفقني لشكر نعمائك وأفضالك عليَّ وعلى والدي بالنعم الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تُحصى ، والتي أعظمها نعمة الإسلام التي مغبون فيها كثير من الناس .

وبعد الوالدين كَان سؤال اللَّه تعالى التوفيق بالقيام بالأعمال الجليلة والكثيرة التي تستوجب رضاه الذي وهو أمنية كل مؤمن ، فإن تمام الشكر وأكمله أن يكون باللسان والقلب والأركان ، وقد تضمن هذا السؤال طلب الآتي :

1-  التوفيق للشكر على النعم الدنيوية والشرعية .

2-  أداء الطاعات المرضية لله تعالى المصحوبة بالمتابعة والإخلاص.


الفقرة الثانية من الآية الأولى : ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) معناها : 

أسالك اللهم أن تدخلني الجنة دار رحمتك التي لا يدخلها أحد إلا أن تتغمَّده برحمتك وفضلك ، والإلتحاق بالصالحين من عباد الله تعالى في جنات الخلد التي لا يدخلها إلا الصالحون .


والفقرة الثانية من الآية الثانية : ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) معناها : 

أن طلب الصلاح في الذرية راسخاً فيهم متمكنين منه ، ولا شك أن صلاح الآباء يورث صلاح الأبناء ، وفي ذلك كمال السعادة البشرية المرجوة في الدنيا والآخرة ، وفيه أيضا تجديد التوبة والاستسلام للَّه تعالى في أمره ونهيه .

الأحد، 31 مايو 2020

الثبات على الاستقامــة إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الثبات على الاستقامــة

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة :
المسلم الحق ينشد الإستقامة في كل أحواله وطول حياته  فلسانه دائما ذاكرا وداعيا وتاليا قول الله تعالى: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾.

والمؤمن المستقيم على نهج الله يستشعر معيتة سبحانه وتعالى فلا يخشى بطش ظالم متجبر ولا يحزن على دنيا زائلة فاتته ، فقلبه مرتبط بربه وروحه متعلقة بالآخرة راجيا ومستبشرا بالجنة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فصلت : 30 .

والاستقامة هذه طاعة مطلقة لله وإيمان صادق به عز وجل ، واقتداء تام برسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بسنة  ، وأداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات والمكروهات ، الإكثار من النوافل والتطوعات ، والمداومة على أعمال البر والخير لنيل مرضاته قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

والإستقامة واجب المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ؛ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج : 77.
وأن يصلح نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية .

والحديث عن الاستقامــة والثبات عليها يقتضي بيان الآتي :
تعريف الإستقامة لغة واصطلاحا
ومعناها في القرآن الكريم
وأهميتها ،
ثم تعريف الثبات
ومشروعية المواطن التي يمتحن فيها ،
ثم وسائل الثبات على الاستقامة ،
وأخيرا ثمرات  الثبات ،
وبيان ذلك في الآتي .

أولا : تعريف الإستقامة :

أ -  تُعرَف الاستِقامة في لغة بأنّها :

مَصدر مشتق من الفعل السداسي استقام : أي اعتدل واستوى ،
ومضارعه يستقيم وفاعله مستقيم .

ب - معنى الاستقامة إصطلاحا :

هي سلوك الصراط المستقيم ، واتّباع تعاليم الدّين الحنيف ، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وهي وسط بين الغلو والتقصير ، وكلاهما منهي عنه شرعاً.

ثانيا : الاستقامة في القرآن الكريم :

 ذكرت الإستقامة في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:

أ - الإستقامة هي الثبات والدوام على الدعوة إلى الدين :
من ذلك قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت}، قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة.

ب - والإستقامة ثبات على التوحيد :
وعلى هذا قوله سبحانه: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} (فصلت:30)،
وروي الطبري أيضاً عن سعيد بن عمران ، قال: قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً.

ج - والإستقامة ثبات على طاعة الله والتزام أحكامه :
على ذلك قوله سبحانه: { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (الجن:16)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة} يعني بالاستقامة: الطاعة. أي: لو ثبتوا واستداموا على طاعة الله، لأسقيناهم ماء نافعاً كثيراً.

ء - والإستقامة وفاء بالعهد والثبات عليه وذلك قوله سبحانه: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} (التوبة:7)، قال قتادة : فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم.

ثالثا : أهمية الاستقامة :

أ - الإستقامة هي تحقيق للعبودية لله تعالى :
والعبودية هي الغاية من خلق الإنس والجن ، وبها يحصل  الفوز بالجنان والابتعاد عن النيران .

ب - الامتثال لأمر الله تعالى :
المؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة ، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته : { أهدنا الصراط المستقيم } آية : 6 من سورة الفاتحة .
وهي فريضة على المسلمى كما في قوله: ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) هود : 112 ، وقال أيضا : { فلذلك فأدع واستقم كما أمرت ..} آية 112 من سورة هود .

ج . الامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم  :
فمن سنته تحقيق الإستقامة ، فقد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي ـ رضي الله عنه ـ يقول له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قل آمنت بالله ، فاستقم ) رواه مسلم .

د - بها تتحقق مقامات الدين التي يطالب بها العبد :
فقد قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري ،
والسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة ، أو هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.
وقوله : ( قاربوا ) أي: اجتهدوا في الوصول إلى السداد، فإن اجتهدتم ولم تصيبوا فلا يفوتكم القرب منه.
والمؤمن ينبغي عليه أن لا يفارق هاتين المرتبتين .

ه - والإستقامة واجب المسلم بأن  يصلح المسلم نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ،

و - والخروج عن الاستقامة يستوجب الإستغفار :
 فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه }  آية : 6 من سورة فصلت ، وقل صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها) رواه أحمد والترمذي .


رابعا : الثبات تعريفه ومشروعية ومواطنه :

والحديث عن وسائل الثبات على الإستقامة يقتضي تعريف الثبات ومشروعية في الكتاب والسنة والمواطن التي يمنح فيها الثبات وبيان ذلك في الآتي .

أ - تعريف الثبات

1 . الثبات في اللغة :
ورد في لسان العرب لابن منظور أن الثبات هو :
أصل مادة الثاء والباء والتاء وهو : ثَبَتَ الشيء ُيَثْبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فهو ثابتٌ وثَبِيتٌ .
ويقال: ثَبَتَ فلانٌ في المَكان يَثْبُتُ ثبُوتاً، فهو ثابتٌ إِذا أَقام به.

2 . الثبات في الاصطلاح :
الاستقامة على الهدى والتماسك بالتقى وإلجام النفس وقهرها على سلوك طريق الحق والخير وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان ونوازع النفس والطغيان مع سرعة التوبة والأوبة حال ملابسة الإثم أو الركون إلى الدنيا.

ب - مشروعية  الثبات في الكتاب والسنة :

1 . الثبات في القرآن الكريم :
قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) إبراهيم- 27.
وقال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة إبراهيم – آية رقم 10.
و قال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة الإسراء

 2 . الثبات في السنة :
عن عبد الله بن عمرو  بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب
واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك). رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم  .

.
خامسا : المواطن التي يمتحن فيها  الثبات :

1 . الثبات في الفتن والاضطهاد والطغيان والظلم :
ويُمثِّلها أروع تمثيل قول الله عز وجل:"قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ  ذَاتِ الوَقُودِ * إذْ هُمْ عَلَيْهَاقُعُودٌ * وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ"(البروج: 4 -9).

2 . الثبات في الجهاد:
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا" (الأنفال: 45)، وقال الله تعالى:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ"(آل عمران:142 - 143).

3 . الثبات على المنهج :
قال الله تعالى: "مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب: 23

4 . الثبات أمام بطش الظالمين:
يُعْتَبر البطش والتنكيل من أساليب المبطلين الشائعة والمتكررة عبرالتاريخ، حين يغيظهم استمساك أهل الحق وصلابتهم، فيثورون عليهم محاولين القضاء عليهم -إن استطاعوا- أو إزاحتهم عن طريقهم على الأقل بكل الوسائل الدنيئة، وهذا يستوجب الصبر والثبات .

5 . الثبات عند علوِّ الأعداء:
فقد يُصَاب الإنسان بحالة من اليأس والقنوط عند ارتفاع شأن الأعداء وعلو راياتهم، ولكن المسلم يثبت بثقته بنصر الله تعالى .

6 . الثبات فى الميدان عند الزحف :
فحين  تتقابل الصفوف والرايات فى ساحة من الساحات يكون الثبات هو واجب الساعة؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الأنفال: 45

7 . الثبات عند الممات:
والثبات فى هذا الموقف لن يتم إلا بجهدٍ جهيد، وعملٍ دءوبٍ ومتواصل، وإخلاصٍ وتجردٍ  تَامَّيْن لله سبحانه؛ ليتمَّ التثبيت عند الممات ،قال الله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاتَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا  وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت: 30)،

سادسا : وسائل الثبات على الاستقامة :

 أسباب ووسائل الثبات المؤدية إلى الاستقامة كثيرة  نذكر منها الآتي :

1 . إخلاص النيّة لله تعالى :
اخلاص نيته لله تعالة عند القيام بكل عمل  فتكون أعمال صالحة ، فتتحقق بذلك الإستقامة ، قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .. } آية 5 من سورة البينة .

2 . الإكثار من الاستغفار وذكر الله تعالى :
أستغفر الله العظيم من كلّ ذنبٍ عظيم، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه }  آية : 6 من سورة فصلت
وذكر الله من أعظم أسباب التثبيت تأمل هذا الاقتران بين الذكر والثبات في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال/45

3 . الإقبال على القرآن والدعاء :
القرآن العظيم هو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، هو الوسيلة الثبات الأولى ، قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الإسراء 9 .
ومن شيم عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } آل عمران 8 .

4 . الحرص على أداء الصلوات الخمس :
فالصّلاة عمود الدين وهي صلة وصل بين العبد وربّه تُهذّب النفس وتُعين على ترك الفواحش، فيجب على المرء أن الصلاة جماعةً في المسجد؛  قال تعالى: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت:45 .

5 . التزام بالعمل الصالح واجتناب الحرام :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ،
وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
ويندرج تحت اجتناب الحرام حفظ اللسان عن الكلام البذيء، والكذب، والغيبة، والنميمة، وغضّ البصر؛ فالنّظرة الأولى لك والثانية عليك، قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:36
والحذر من وساوس الشيطان الرجيم؛ فإبليس يوسوس للمرء تدريجياً حتى يغويه ثم يتبرّأ منه.

6 .  تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود 129.

7 . الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران .

8 . ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) الشورى:15 .

9 . معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
فيقول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196 وفي ذلك تسرية
وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 ،
وفي ذلك عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .

10. استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري ،
وأشد الصبر عند الصدمة الأولى .

11. الالتفاف حول الصحبة الصالحة المثبتة :
هءه العناصر التي تتوافر في من صفات من أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة ، والبحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبيرعلى الثبات .
ولأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم ، وينهيه على أخطائه ، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً ، قال تعالى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } آية 67 من سورة الزخرف.

12 . التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت :
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطينا لأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.

13 . وصية الرجال الصالحين :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه، وجنته ، وناره .

.
سابعا : ثمرات  الثبات :

1 . والإستقامة - الثبات منارة مشعّة عاجية، مقصد كل مؤمن عبث فيه نادي الشيطان ليأخذ بيده إلى بر الأمان.

2 . والإستقامة ثبات الشخص في الدنيا، امتداد لثبات الشخص على الصراط المستقيم، تجاوز السقوط في جهنّم، والتخلّص من قبضة الكلاليب.

3 . العون والتوفيق والإلهام والإرشاد والسداد والبركة من الله عز وجل، إذ أن الثابت على دين الله، يكون صالحا في نفسه ودينه ومجتمعه ويكون صالح الدعاء، مما يجعل أبواب الخير تفتّح له من كل جانب.

4 . اصطفاء الله للثابت على دينه ، فإن من كان موضع رعايةمن الله، فقد نجا في الدنيا والآخرة، وكفى بالله ناصرا ومعينا.

ه . حفظ قلب العبد، الموطن الذي يتشرب الشبهات، وهو أساس كل عمل ثم يتلوه الإتباع، فإن العمل مرهون باثنتين النية والإتباع، فإن كان من غير نيةخالصة من قلبه، وإلا فلا يقبل عمله, فحفظ القلب من الثمار المهمة.

6 . الثابت على دين الله لا يتعرى مع هبوب الفتن وأعاصير الهوى والشهوات والشبهات، بل هو ثابت بما أمده الله من يقين ورسوخ.

7 . اتحاد كلمة العلماء والدعاة والعامة على مبدأ التناصح وإظهار الحق.

8 . في الثبات إلجام لأعداء الدين، وعز للدعاة والمصلحين والتمكين لأهل الحق.

9 . صيانة عرض العلماء من أن يخوض فيه أهل الأهواء والأباطيل، فلو كان صف العلماء متذبذب الوحدة، ومشتت الكلمة، لأصبحوا محط السخرية والشتم، وفي ثباتهم تثبيت للعامة وباقي الأمة.

سادسا : من ثمرات الاستقامة :

قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }
من هذه الآية وغيرها نستنتج بعضاً من ثمرات الاستقامة:

1ـ طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله عز وجل.
2ـ أن الاستقامة تعصم صاحبها ـ بإذن الله عز وجل ـ من الوقوع في المعاصي والزلل وسفاسف الأمور والتكاسل عن الطاعات.

3ـ تنزل الملائكة عليهم عند الموت :
 وقيل: عند خروجهم من قبورهم ، قائلين : { ألا تخافوا ولا تحزنوا} على ما قدمتم عليه من أمور الآخرة ، ولا ما تركتم من أمور الدنيا من مال وولد وأهل.

4ـ حب الناس واحترامهم وتقديرهم للمسلم  :
سواء كان صغيراً أو كبيراً على ما يظهر عليه من حرص على الطاعة ، والخلق الفاضل.

5ـ وعد الله المتقين أن لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذ أعينهم ، وتطلبه ألسنتهم ، ‘حساناً من الله تعالى.

الأربعاء، 15 أبريل 2020

#التضرع_في_زمن_البلاء إعداد : محمد أبوغدير المحامي

#التضرع_في_زمن_البلاء

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة:

من سنن الله تعالى ان يصاب الإنسان بالبلاء  كالفقر والضيق في العيش ، ويبتليه الله بالضَّرَّاءِ   كالأمراض والأسقِام والآلام ، لكي يَتَضَرَّعَُ ويتمسكن إلى الله تعالى ويخشع له ويدعوه سبحانه .

ولقد نزل البلاء والكرب هذه الأيام بالناس - كل الناس - ، ولا نرى ما يقابله من التضرع والتذلل والانكسار المطلوب إلى الله تعالى في مثل هذه الظروف والأحوال العصيبة التي تمر بها الأمة.

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 42 ، 43 سورة الأنعام

وإذا كانت هذه الآية الكريمة تتحدث عن أقوام كذبوا رسلهم وأصروا على كفرهم حسب ما هو منصوص عليه في كتب التفسير، فإنها نبهت إلى شدة حاجة المسلمين اليوم إلى تدبرها والاتعاظ بها .

قد تكون هناك فئة قليلة من المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى بالليل والنهار ، ويتذللون بين يديه بالدعاء طالبين منه سبحانه أن يرفع المحنة ويكشف الغمة عن الأمة ، إلا أن العدد الأكبر من المسلمين غافلين عن هذه الوسيلة الناجعة في رفع البلاء والنصر على الأعداء.

ومن ثم وجب اللجوء إلى علام الغيوب إذا ضاقت الطرق وانقطعت السبل ، فطريق الله هو فقط الموصل إلى بر الأمان ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. ) .

والتضرع حال البلاء موضوع الساعة يستوجب بيان العناصر الآتية :
أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء والفارق بينهما :
ثانيا : ثمرات البلاء :
ثالثا : التضرع من حيث مفهوم لغة وإصطلاحا :
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة
رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة ،
خامسا : الرسول المتضرع الاول لله تعالى ،
سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين ،
سابعا : التضرع في الشعر العربي ،
وبيان هذه العناصر في الآتي :


أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء
والفارق بينهما :

قال تعالى : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا "،
لذلك فإن الإنسان في امتحان مستمر بالخير والشر وبالنعمة والنقمة لاختبار مدى قدرة الإنسان على التحمّل، فهو في هذه الحياة الدنيا محل اختبار وامتحان ووسيلة ذلك هو البلاء والإبتلاء ، والبلاء رغم شدته وقسوته له وجه مشرق هي ثمراته التي يجنيها المرء من المحنة .

ومن ثم وجب تعريف كل من البلاء والإبتلاء والفرق بينهما ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - تعريف البلاء :

البلاء هو :
المحن والمصاعب التي تصيب عموم الناس المسلمون منهم والكافرون ويكون بمثابة العقاب الذي يرسله الله سبحانه عليهم لظلمهم .
قال الله تعالى : ” ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبراها إن ذلك على الله يسيرا ”.

ب - تعريف الإبتلاء :

الإبتلاء هو :
الإختبار والإمتحان الذي يخص المؤمنون الذين  يقعون في المعصية ، فإذا احتسبه عند الله وصبر عليه فجزاءه حسنة في الدنيا ، وجنات في الآخرة .
قال الله تعالى : “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”.

ج - بيان الفرق البلاء والإبتلاء :

الإبتلاء عادةً ما يكون للإنسان المؤمن والصالح لإختبار درجة إيمانه وصبره على حكم الله وهنا يكون الإبتلاء بمثابة الإمتحان أو الإختبار الذي يجازى الإنسان عنه خيرا إن شاء الله.

أما البلاء هنا فيقع على عموم الناس المسلمون منهم والكافرون وهو العقاب الذي يرسله الله سبحانه وتعالى للناس الظالمين .

والإبتلاء أقل عموم وشمول من البلاء لأنه يخص فقط المؤمنين الذين قد يقعون في المعصية ومع ذلك يتذكرون الله ولا يبتعدون ، فيحب الله عز وجل أن يردهم إليه مرة أخرى فيعطيهم الله الابتلاء حتى يمحو ذنوبهم وينقيهم منها .


ثانيا : ثمرات البلاء :

رغم ما يترد اليوم عبر وسائل الإعلام الراصدة لتحركات “ كورونا ” أن هذا الفيروس عدو للبشرية ، إلا أن المسلم الواعى يرى أن للبلاء وجه مشرق هو ثمرات يجنيها المرء من المحنة والتي تتمثل في الآتي :

1. تمييز الخبيث من الطيب :
مصداقا لقوله تعالى: { ما كان الله ليَذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } آل عمران : 179.
فكشف البلاء الفارق الجلي بين افراد الجماعة المؤمنة سواء في معركة أحد ،أو في حادثة الإفك، أو غيرها من الوقائع المتعددة التي حددت مواطن الخبث في كيان المجتمع الإسلامي آنذاك.

2 . كشف تفاوت همم الناس :
من حيث حقيقة سعيهم ، ومنسوب التدين الذي يحكم سلوكهم الخاص والعام ، يقول الحسن البصري : “ الناس في العافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقيقتهم ”.
فالبلاء مؤشر على مدى تشبع النفس البشرية  بالحس التضامني الذي تفرضه مبادئ الأخوة الإيمانية، والبنيان المرصوص، والجسد الواحد الذي تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر .

3. تحقيق معنى الإنابة :
وذلك بالرجوع إلى الله تعالى والانكسار له، والتحرر من قيد الغفلة والشهوات التي لها أثرا عجيبا يهز مشاعر الإنسان من داخله، ويوقظ حسه المفعم بالولاء للأسباب .
كما أن الإنابة تكسر حدة العجب والكبر الذي ينتاب الإنسان حال الاستقرار والعافية. وتُذكره بعجزه عن الاستقلال بذاته وإمكاناته في مواجهة صنوف البلاء التي تعترض مسيرته ووجوده .

4. الانتباه إلى المسافة الفاصلة بين المجتمع المسلم وبقية المجتمعات الأخرى :
وذلك من حيث مستوى الفهم والتقدير بشان رضى المؤمن بما يصيبه، وإذعانه لمراد الله تعالى وابتلائه، وما يُرسخ في النفس قناعة بأن كل صنوف البلاء مأمورة، و أن الاجتهاد لدفع آثارها لا يجب أن يوقع المسلم في دائرة الفزع والذعر الذي يَذهل بسببه عن مقتضى العبودية ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال َ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ, تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ, وَمَثَلُ الْكَافِرِ؛ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْء, حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً رواه البخاري عن :عن كَعْب بن مالك .

فإذا تـعـرض الـمـسلم للمصائب والمحن بقدر من الله ولحكمة يريدها الله ، فلابد أن يصبر ويتقي الله ، وبعدهـا يؤتي الله نصره من يشاء ، وعندما يتعرض المسلمون للمحن والرزايا فلاشك أن في ذلك فوائـد كثـيـرة يريدهــا الله ، كتمحيص الصفوف ومعرفة الصابرين المجاهدين ، والدخلاء الذين هم غثاء كغثاء السيل .


ثالثا : مفهوم التضرع لغة وإصطلاحا ،
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة :

أ - التضرع لغة :

من ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشَّع له وسأله أن يعطيه.


ب -  والتضرع اصطلاحاً :

هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة .

وقال صاحب البصائر : التضرع معناه التذلل في الدعاء ، قال تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا } الأعراف: ٥٥ ، أي مظهرين الضراعة وهي شدة الفقر إلى الله تعالى وحقيقته الخشوع .

ج -  التضرع في القرآن الكريم :

1- قول الله تعالى: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " الأعراف: 55 .

2- قوله تعالى: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ " الأعراف : 205  .

3- قوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ " الأنعام: 40- 45 .

4 - قوله تعالى" قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" الأنعام: 63- 64 .

5 - قول الله تعالى: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " المؤمنون:76 .

6 , قوله تعالى: " وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ " الأعراف : 94 .


ء - التضرع في السنة المطهرة :

1- عن الفضل بن عبّاس - رضي اللّه عنهما - أنّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : "الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع ، وتضرّع ، وتمسكن ، وتذرّع  وتقنع  يديك - يقول : ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك - وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا " رواه الترمذي .

   2 - عن أبي أمامة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا"، قلت: "لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال : كشف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال : " أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن  أن يستجاب لكم" رواه مسلم .

4 - عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال : نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال : " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز ما وعدتني، اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا"، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين َ) الأنفال: 9 رواه أحمد .


رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة :

إن من منازل العبد في سيره إلى الله افتقاره التامُّ إلى ربه الجليل، ويقينه أنه لا يكشف الضرّ عنه إلا هو، ولا يأتيه بالخير سواه، وهذا يدفعه إلى الاستسلام التام لربه سبحانه، وهذا من كمال توحيده وتمام إيمانه، وسلامة قلبه، قال الله تبارك وتعالى: { وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
يونس: 107 .

 ولقد أخبرنا ربنا سبحانه في القرآن العظيم أن التضرع والدعاء الصادق يرفع العذاب ويرد البلاء ، فقال عن الأمم السابقة: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام: 42، 43 ؛

فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله، ويرجعوا إليه، قال ابن القيم: «فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه ، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم » .


خامسا : الرسول عليه الصلاة والسلام المتضرع الاول لله تعالى :

روى الترمزي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا ، قُلْتُ : لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا - أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ )
وهكذا رفض صلى الله عليه وسلم التنعم والترف ورضي بالبلاء ليكون متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى في كل أحواله ،

وهذه امثله لحالات لتضرعه صلى الله عليه وسلم وسائلها :

1 - تضرع محمد صلى الله عليه وسلم  بقوله ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) حين اجتمع المشركون ليؤذوه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها محمد صلى الله عليه وسلم  حين قيل له ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) رواه البخاري .
كان رسول الله يتضرع إلى الله بالتكبير عن رمي الجمرات في أيام التشريق بمنى .

2- تضرعه صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتكبير والصلاة في يوم عيد دون أداء خطبة العيد :

عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: " إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن عائشة- رضي اللّه عنها - أنّها قالت : " أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر ، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها" رواه أبو داود .


سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين حال مسهم الضر :

1- قول إبراهيم عليه السلام ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) مستغيثاُ من النار المتأججة التي اضطرمها قومه بإحراق بعد أن حطم أصنامهم :

لما تكافت قوى الكفر والطغيان على إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله فتشاوروا وتباحثوا و( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) وشرعوا بجمع الحطب من كل مكان فأشعلوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط ، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق بعد أن قيدوه وكتفوه وأوثقوا رباطه ثم ألقوه في النار فقال وهو في هذه الكربة العظيمة والمحنة الكبيرة داعياً ربه متضرعاً إليه مستغيثاُ به ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فاستجاب الله له ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فما ضرته ولا آذته ولم تحرق سوى وثاقه الذي كان مشدوداً به .
البداية والنهاية لابن كثير .

2- قول يونس عليه السلام  ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) حينما التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث :

لما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت لجأ إلى عالم السر والنجوى وكاشف البلوى سامع الأصوات وإن ضعفت وعالم الخفيات وإن دقت ومجيب الدعوات وإن عظمت فقال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فاستجاب الله دعاءه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار فنجاه وفك كربته فقال(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ).
قال أبو هريرة رضي الله عنه طرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطينة ـــ شجرة الدباء ـــ وهيأ الله له دابة تأكل من هشاش الأرض فكان يشرب من لبنها رحمة به ونعمة عليه وإحساناً إليه .
البداية والنهاية بتصرف يسير .

3 - قول أيوب عليه السلام ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ردَّ الله عليه جسده ، ثم صب عليه المال وأخلف له أهله ومثلهم معهم :

لما ابتلى الله نبيه أيوب عليه السلام فسلبه كل ما حباه من نعمة المال والماشية والعبيد والأراضي والأهلين والأولاد ونزل بجسده أنواع الأسقام والأمراض ، ومكث على هذه الحال ثمانية عشرة سنة ،
وكان له أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيراً لما ابتلاه بهذا ،
فجزع عليه السلام من مقالهما فلجأ إلى ربه مسترحماً مستغيثاً وقال ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، فأوحى الله إليه (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عيناً باردة الماء فشرب واغتسل وأذهب الله ما كان به من بلاء ظاهر وباطن وعاد على أحسن ما كان .

أورد ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله ألبسه حلة من حلل الجنة ، ثم تنحى من مكانه وجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة ، قال : ولعل أنا أيوب !! قالت أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ويحك أنا أيوب قد ردَّ الله عليَّ جسدي ، ثم صب الله عليه المال صباً وأخلف له أهله ومثلهم معهم قال تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) ،

قال ابن كثير: أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه .  البداية والنهاية بتصرف كبير  .

4 - تضرع العلماء في عهد داود عليه السلام حين أصابهم القحط بنصوص التوراة :

قال يحيى الغسّانيّ - رحمه اللّه تعالى - : " أصاب النّاس قحط على عهد داود - عليه السّلام - فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم ،
فقال أحدهم : اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا،
وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا ، اللّهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا ،
وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا ، اللّهمّ إنّا مساكينك ، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا ، فسقوا» " الأذكار ، للنووي .


سابعا : التضرع في الشعر العربي :

1- قال محمد بن أبي حازم

اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس ***
واقْنَـــعْ بِيـأسٍ فـــإنّ العِـــزَّ في اليَــاس .

واستغنِ عن كل ذي قربى وذي ***
رَحِم إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس .

العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي1/330 .


2- قد أحسن من قال :

دواء قلبك خمس عند قسوته  ***
فأذهب عليها تفز بالخير والظفر .

خلاء بطن وقرآن تدبره ***
كــذا تضرع بـــــاك ساعــة السحــر .

ثم التهجد جنح الليل أوسطه ***
وأن تجـــالس أهل الخير والخـــبر .

أعمال القلوب خالد السبت 1/ 27 .


3- رحم الله من قال:

تضرع في دجى الليل إلى مولاك يكفيكــا *** ولا تأمن هجوم الموت إن الموت يأتيكـا .

كـأني بالذي يهـواك في القـــبر يدليـكـــا ***
وقد أفردت في لحدك فردا بمساويكــا .

واسلمك الذي قد كان في الدنيا يصافيكا ***
فيا سؤلي ويا ذخري وكل الخلق راجيكــا .

ويا من ليس منا أحد يحصى أياديكـــا ***
 تجــاوز عن مقــال ثم حــقق أمــلي فيكــا

بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزى .

#التضرع_في_زمن_البلاء

إعداد : محمد أبوغدير المحامي
مقدمة:

من سنن الله تعالى ان يصاب الإنسان بالبلاء  كالفقر والضيق في العيش ، ويبتليه الله بالضَّرَّاءِ   كالأمراض والأسقِام والآلام ، لكي يَتَضَرَّعَُ ويتمسكن إلى الله تعالى ويخشع له ويدعوه سبحانه .

ولقد نزل البلاء والكرب هذه الأيام بالناس - كل الناس - ، ولا نرى ما يقابله من التضرع والتذلل والانكسار المطلوب إلى الله تعالى في مثل هذه الظروف والأحوال العصيبة التي تمر بها الأمة.

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 42 ، 43 سورة الأنعام

وإذا كانت هذه الآية الكريمة تتحدث عن أقوام كذبوا رسلهم وأصروا على كفرهم حسب ما هو منصوص عليه في كتب التفسير، فإنها نبهت إلى شدة حاجة المسلمين اليوم إلى تدبرها والاتعاظ بها .

قد تكون هناك فئة قليلة من المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى بالليل والنهار ، ويتذللون بين يديه بالدعاء طالبين منه سبحانه أن يرفع المحنة ويكشف الغمة عن الأمة ، إلا أن العدد الأكبر من المسلمين غافلين عن هذه الوسيلة الناجعة في رفع البلاء والنصر على الأعداء.

ومن ثم وجب اللجوء إلى علام الغيوب إذا ضاقت الطرق وانقطعت السبل ، فطريق الله هو فقط الموصل إلى بر الأمان ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. ) .

والتضرع حال البلاء موضوع الساعة يستوجب بيان العناصر الآتية :
أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء والفارق بينهما :
ثانيا : ثمرات البلاء :
ثالثا : التضرع من حيث مفهوم لغة وإصطلاحا :
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة
رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة ،
خامسا : الرسول المتضرع الاول لله تعالى ،
سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين ،
سابعا : التضرع في الشعر العربي ،
وبيان هذه العناصر في الآتي :


أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء
والفارق بينهما :

قال تعالى : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا "،
لذلك فإن الإنسان في امتحان مستمر بالخير والشر وبالنعمة والنقمة لاختبار مدى قدرة الإنسان على التحمّل، فهو في هذه الحياة الدنيا محل اختبار وامتحان ووسيلة ذلك هو البلاء والإبتلاء ، والبلاء رغم شدته وقسوته له وجه مشرق هي ثمراته التي يجنيها المرء من المحنة .

ومن ثم وجب تعريف كل من البلاء والإبتلاء والفرق بينهما ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - تعريف البلاء :

البلاء هو :
المحن والمصاعب التي تصيب عموم الناس المسلمون منهم والكافرون ويكون بمثابة العقاب الذي يرسله الله سبحانه عليهم لظلمهم .
قال الله تعالى : ” ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبراها إن ذلك على الله يسيرا ”.

ب - تعريف الإبتلاء :

الإبتلاء هو :
الإختبار والإمتحان الذي يخص المؤمنون الذين  يقعون في المعصية ، فإذا احتسبه عند الله وصبر عليه فجزاءه حسنة في الدنيا ، وجنات في الآخرة .
قال الله تعالى : “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”.

ج - بيان الفرق البلاء والإبتلاء :

الإبتلاء عادةً ما يكون للإنسان المؤمن والصالح لإختبار درجة إيمانه وصبره على حكم الله وهنا يكون الإبتلاء بمثابة الإمتحان أو الإختبار الذي يجازى الإنسان عنه خيرا إن شاء الله.

أما البلاء هنا فيقع على عموم الناس المسلمون منهم والكافرون وهو العقاب الذي يرسله الله سبحانه وتعالى للناس الظالمين .

والإبتلاء أقل عموم وشمول من البلاء لأنه يخص فقط المؤمنين الذين قد يقعون في المعصية ومع ذلك يتذكرون الله ولا يبتعدون ، فيحب الله عز وجل أن يردهم إليه مرة أخرى فيعطيهم الله الابتلاء حتى يمحو ذنوبهم وينقيهم منها .


ثانيا : ثمرات البلاء :

رغم ما يترد اليوم عبر وسائل الإعلام الراصدة لتحركات “ كورونا ” أن هذا الفيروس عدو للبشرية ، إلا أن المسلم الواعى يرى أن للبلاء وجه مشرق هو ثمرات يجنيها المرء من المحنة والتي تتمثل في الآتي :

1. تمييز الخبيث من الطيب :
مصداقا لقوله تعالى: { ما كان الله ليَذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } آل عمران : 179.
فكشف البلاء الفارق الجلي بين افراد الجماعة المؤمنة سواء في معركة أحد ،أو في حادثة الإفك، أو غيرها من الوقائع المتعددة التي حددت مواطن الخبث في كيان المجتمع الإسلامي آنذاك.

2 . كشف تفاوت همم الناس :
من حيث حقيقة سعيهم ، ومنسوب التدين الذي يحكم سلوكهم الخاص والعام ، يقول الحسن البصري : “ الناس في العافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقيقتهم ”.
فالبلاء مؤشر على مدى تشبع النفس البشرية  بالحس التضامني الذي تفرضه مبادئ الأخوة الإيمانية، والبنيان المرصوص، والجسد الواحد الذي تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر .

3. تحقيق معنى الإنابة :
وذلك بالرجوع إلى الله تعالى والانكسار له، والتحرر من قيد الغفلة والشهوات التي لها أثرا عجيبا يهز مشاعر الإنسان من داخله، ويوقظ حسه المفعم بالولاء للأسباب .
كما أن الإنابة تكسر حدة العجب والكبر الذي ينتاب الإنسان حال الاستقرار والعافية. وتُذكره بعجزه عن الاستقلال بذاته وإمكاناته في مواجهة صنوف البلاء التي تعترض مسيرته ووجوده .

4. الانتباه إلى المسافة الفاصلة بين المجتمع المسلم وبقية المجتمعات الأخرى :
وذلك من حيث مستوى الفهم والتقدير بشان رضى المؤمن بما يصيبه، وإذعانه لمراد الله تعالى وابتلائه، وما يُرسخ في النفس قناعة بأن كل صنوف البلاء مأمورة، و أن الاجتهاد لدفع آثارها لا يجب أن يوقع المسلم في دائرة الفزع والذعر الذي يَذهل بسببه عن مقتضى العبودية ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال َ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ, تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ, وَمَثَلُ الْكَافِرِ؛ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْء, حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً رواه البخاري عن :عن كَعْب بن مالك .

فإذا تـعـرض الـمـسلم للمصائب والمحن بقدر من الله ولحكمة يريدها الله ، فلابد أن يصبر ويتقي الله ، وبعدهـا يؤتي الله نصره من يشاء ، وعندما يتعرض المسلمون للمحن والرزايا فلاشك أن في ذلك فوائـد كثـيـرة يريدهــا الله ، كتمحيص الصفوف ومعرفة الصابرين المجاهدين ، والدخلاء الذين هم غثاء كغثاء السيل .


ثالثا : مفهوم التضرع لغة وإصطلاحا ،
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة :

أ - التضرع لغة :

من ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشَّع له وسأله أن يعطيه.


ب -  والتضرع اصطلاحاً :

هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة .

وقال صاحب البصائر : التضرع معناه التذلل في الدعاء ، قال تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا } الأعراف: ٥٥ ، أي مظهرين الضراعة وهي شدة الفقر إلى الله تعالى وحقيقته الخشوع .

ج -  التضرع في القرآن الكريم :

1- قول الله تعالى: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " الأعراف: 55 .

2- قوله تعالى: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ " الأعراف : 205  .

3- قوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ " الأنعام: 40- 45 .

4 - قوله تعالى" قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" الأنعام: 63- 64 .

5 - قول الله تعالى: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " المؤمنون:76 .

6 , قوله تعالى: " وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ " الأعراف : 94 .


ء - التضرع في السنة المطهرة :

1- عن الفضل بن عبّاس - رضي اللّه عنهما - أنّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : "الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع ، وتضرّع ، وتمسكن ، وتذرّع  وتقنع  يديك - يقول : ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك - وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا " رواه الترمذي .

   2 - عن أبي أمامة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا"، قلت: "لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال : كشف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال : " أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن  أن يستجاب لكم" رواه مسلم .

4 - عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال : نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال : " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز ما وعدتني، اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا"، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين َ) الأنفال: 9 رواه أحمد .


رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة :

إن من منازل العبد في سيره إلى الله افتقاره التامُّ إلى ربه الجليل، ويقينه أنه لا يكشف الضرّ عنه إلا هو، ولا يأتيه بالخير سواه، وهذا يدفعه إلى الاستسلام التام لربه سبحانه، وهذا من كمال توحيده وتمام إيمانه، وسلامة قلبه، قال الله تبارك وتعالى: { وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
يونس: 107 .

 ولقد أخبرنا ربنا سبحانه في القرآن العظيم أن التضرع والدعاء الصادق يرفع العذاب ويرد البلاء ، فقال عن الأمم السابقة: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام: 42، 43 ؛

فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله، ويرجعوا إليه، قال ابن القيم: «فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه ، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم » .


خامسا : الرسول عليه الصلاة والسلام المتضرع الاول لله تعالى :

روى الترمزي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا ، قُلْتُ : لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا - أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ )
وهكذا رفض صلى الله عليه وسلم التنعم والترف ورضي بالبلاء ليكون متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى في كل أحواله ،

وهذه امثله لحالات لتضرعه صلى الله عليه وسلم وسائلها :

1 - تضرع محمد صلى الله عليه وسلم  بقوله ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) حين اجتمع المشركون ليؤذوه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها محمد صلى الله عليه وسلم  حين قيل له ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) رواه البخاري .
كان رسول الله يتضرع إلى الله بالتكبير عن رمي الجمرات في أيام التشريق بمنى .

2- تضرعه صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتكبير والصلاة في يوم عيد دون أداء خطبة العيد :

عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: " إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن عائشة- رضي اللّه عنها - أنّها قالت : " أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر ، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها" رواه أبو داود .


سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين حال مسهم الضر :

1- قول إبراهيم عليه السلام ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) مستغيثاُ من النار المتأججة التي اضطرمها قومه بإحراق بعد أن حطم أصنامهم :

لما تكافت قوى الكفر والطغيان على إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله فتشاوروا وتباحثوا و( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) وشرعوا بجمع الحطب من كل مكان فأشعلوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط ، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق بعد أن قيدوه وكتفوه وأوثقوا رباطه ثم ألقوه في النار فقال وهو في هذه الكربة العظيمة والمحنة الكبيرة داعياً ربه متضرعاً إليه مستغيثاُ به ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فاستجاب الله له ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فما ضرته ولا آذته ولم تحرق سوى وثاقه الذي كان مشدوداً به .
البداية والنهاية لابن كثير .

2- قول يونس عليه السلام  ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) حينما التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث :

لما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت لجأ إلى عالم السر والنجوى وكاشف البلوى سامع الأصوات وإن ضعفت وعالم الخفيات وإن دقت ومجيب الدعوات وإن عظمت فقال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فاستجاب الله دعاءه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار فنجاه وفك كربته فقال(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ).
قال أبو هريرة رضي الله عنه طرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطينة ـــ شجرة الدباء ـــ وهيأ الله له دابة تأكل من هشاش الأرض فكان يشرب من لبنها رحمة به ونعمة عليه وإحساناً إليه .
البداية والنهاية بتصرف يسير .

3 - قول أيوب عليه السلام ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ردَّ الله عليه جسده ، ثم صب عليه المال وأخلف له أهله ومثلهم معهم :

لما ابتلى الله نبيه أيوب عليه السلام فسلبه كل ما حباه من نعمة المال والماشية والعبيد والأراضي والأهلين والأولاد ونزل بجسده أنواع الأسقام والأمراض ، ومكث على هذه الحال ثمانية عشرة سنة ،
وكان له أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيراً لما ابتلاه بهذا ،
فجزع عليه السلام من مقالهما فلجأ إلى ربه مسترحماً مستغيثاً وقال ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، فأوحى الله إليه (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عيناً باردة الماء فشرب واغتسل وأذهب الله ما كان به من بلاء ظاهر وباطن وعاد على أحسن ما كان .

أورد ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله ألبسه حلة من حلل الجنة ، ثم تنحى من مكانه وجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة ، قال : ولعل أنا أيوب !! قالت أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ويحك أنا أيوب قد ردَّ الله عليَّ جسدي ، ثم صب الله عليه المال صباً وأخلف له أهله ومثلهم معهم قال تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) ،

قال ابن كثير: أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه .  البداية والنهاية بتصرف كبير  .

4 - تضرع العلماء في عهد داود عليه السلام حين أصابهم القحط بنصوص التوراة :

قال يحيى الغسّانيّ - رحمه اللّه تعالى - : " أصاب النّاس قحط على عهد داود - عليه السّلام - فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم ،
فقال أحدهم : اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا،
وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا ، اللّهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا ،
وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا ، اللّهمّ إنّا مساكينك ، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا ، فسقوا» " الأذكار ، للنووي .


سابعا : التضرع في الشعر العربي :

1- قال محمد بن أبي حازم

اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس ***
واقْنَـــعْ بِيـأسٍ فـــإنّ العِـــزَّ في اليَــاس .

واستغنِ عن كل ذي قربى وذي ***
رَحِم إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس .

العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي1/330 .


2- قد أحسن من قال :

دواء قلبك خمس عند قسوته  ***
فأذهب عليها تفز بالخير والظفر .

خلاء بطن وقرآن تدبره ***
كــذا تضرع بـــــاك ساعــة السحــر .

ثم التهجد جنح الليل أوسطه ***
وأن تجـــالس أهل الخير والخـــبر .

أعمال القلوب خالد السبت 1/ 27 .


3- رحم الله من قال:

تضرع في دجى الليل إلى مولاك يكفيكــا *** ولا تأمن هجوم الموت إن الموت يأتيكـا .

كـأني بالذي يهـواك في القـــبر يدليـكـــا ***
وقد أفردت في لحدك فردا بمساويكــا .

واسلمك الذي قد كان في الدنيا يصافيكا ***
فيا سؤلي ويا ذخري وكل الخلق راجيكــا .

ويا من ليس منا أحد يحصى أياديكـــا ***
 تجــاوز عن مقــال ثم حــقق أمــلي فيكــا

بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزى .




الجمعة، 24 يناير 2020

الاستغفار إعداد : محمد ابوغدير المحامي

الاستغفار
إعداد : محمد ابوغدير المحامي

اولا : تعريف الاستغفار :

هو طلب المغفرة للذنوب والإقالة من العثرات من الله العزيز الغفار،


ثانيا : أفضل وقت للاستغفار هو :

 وقت السحر قال تعالى : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات :18 .


ثالثا :الإستغفار في القرآن الكريم :

حث الله المؤمنين ورغبهم في الاستغفار :
فقال تعالى  ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]،

 وقوله: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]
 وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135]،

وقوله: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].

فضائل كثرة الاستغفار في السنة المطهرة :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيْفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً» (صحيح: رواه ابن ماجة، ورواه أبو نعيم في (الحلية) عن عائشة، وأحمد في (الزهد)


رابعا : أفضل صيغ الإستغفار :

سيد الإستغفار :
 عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْت منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا  فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ(.

خامسا : من فضائل الاستغفار:

 1- مغفرة الله تعالى للمستغفرين:

قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]

٢ - الاستغفار دلالة على الإيمان:

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» (أحمد

 3- رفع العذاب وجلب الرحمة بالاستغفار:

لقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال:33]،

 4- الاستغفار بعد الذنب سبب لصلاح القلب:

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عز وجل فِي الْقُرْآنِ: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» (حسن: أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة، وابن حبان.

 5- إن الله تعالى ليعجب ممن يستغفره عالماً بأنه لا يغفر الذنوب غيره:

 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي، وهُو يعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» (صحيح: رواه أبو داود، والترمذي،

 6- الاستغفار من جماع خيري الدنيا والآخرة وتعليمه صلى الله عليه وسلم لمن أسلم وفي الصلاة:

لقوله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].

 7- الاستغفار من أسباب الفوز العظيم بأن يزحزح العبد عن النار ويدخل الجنة:

 َعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ فَرُّوخَ، انَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي ادَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّه، وَحَمِدَ اللَّه، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ». قَالَ أبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ يُمْسِى" (مسلم ).

 8- الاستغفار من أسباب النصر على الأعداء:

لقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286.

 9- سقوط الإثم لمسارعة العبد بالتوبة والاستغفار:

لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]. يقول الإمام السعدي رحمه الله: "أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود.

 10- الاستغفار خير علاج لكيد الشيطان للإنسان:

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ الرَّبُّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» (حسن: رواه أحمد وأبو يعلى.

 11- انتفاع الوالد باستغفار ولده له:

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (مسلم)، وعنه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُبَلِّغُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» (أحمد )