الثبات على الاستقامــة
إعداد : محمد أبوغدير المحامي
مقدمة :
المسلم الحق ينشد الإستقامة في كل أحواله وطول حياته فلسانه دائما ذاكرا وداعيا وتاليا قول الله تعالى: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾.
والمؤمن المستقيم على نهج الله يستشعر معيتة سبحانه وتعالى فلا يخشى بطش ظالم متجبر ولا يحزن على دنيا زائلة فاتته ، فقلبه مرتبط بربه وروحه متعلقة بالآخرة راجيا ومستبشرا بالجنة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فصلت : 30 .
والاستقامة هذه طاعة مطلقة لله وإيمان صادق به عز وجل ، واقتداء تام برسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بسنة ، وأداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات والمكروهات ، الإكثار من النوافل والتطوعات ، والمداومة على أعمال البر والخير لنيل مرضاته قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والإستقامة واجب المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ؛ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج : 77.
وأن يصلح نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية .
والحديث عن الاستقامــة والثبات عليها يقتضي بيان الآتي :
تعريف الإستقامة لغة واصطلاحا
ومعناها في القرآن الكريم
وأهميتها ،
ثم تعريف الثبات
ومشروعية المواطن التي يمتحن فيها ،
ثم وسائل الثبات على الاستقامة ،
وأخيرا ثمرات الثبات ،
وبيان ذلك في الآتي .
أولا : تعريف الإستقامة :
أ - تُعرَف الاستِقامة في لغة بأنّها :
مَصدر مشتق من الفعل السداسي استقام : أي اعتدل واستوى ،
ومضارعه يستقيم وفاعله مستقيم .
ب - معنى الاستقامة إصطلاحا :
هي سلوك الصراط المستقيم ، واتّباع تعاليم الدّين الحنيف ، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وهي وسط بين الغلو والتقصير ، وكلاهما منهي عنه شرعاً.
ثانيا : الاستقامة في القرآن الكريم :
ذكرت الإستقامة في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:
أ - الإستقامة هي الثبات والدوام على الدعوة إلى الدين :
من ذلك قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت}، قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة.
ب - والإستقامة ثبات على التوحيد :
وعلى هذا قوله سبحانه: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} (فصلت:30)،
وروي الطبري أيضاً عن سعيد بن عمران ، قال: قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً.
ج - والإستقامة ثبات على طاعة الله والتزام أحكامه :
على ذلك قوله سبحانه: { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (الجن:16)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة} يعني بالاستقامة: الطاعة. أي: لو ثبتوا واستداموا على طاعة الله، لأسقيناهم ماء نافعاً كثيراً.
ء - والإستقامة وفاء بالعهد والثبات عليه وذلك قوله سبحانه: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} (التوبة:7)، قال قتادة : فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم.
ثالثا : أهمية الاستقامة :
أ - الإستقامة هي تحقيق للعبودية لله تعالى :
والعبودية هي الغاية من خلق الإنس والجن ، وبها يحصل الفوز بالجنان والابتعاد عن النيران .
ب - الامتثال لأمر الله تعالى :
المؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة ، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته : { أهدنا الصراط المستقيم } آية : 6 من سورة الفاتحة .
وهي فريضة على المسلمى كما في قوله: ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) هود : 112 ، وقال أيضا : { فلذلك فأدع واستقم كما أمرت ..} آية 112 من سورة هود .
ج . الامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم :
فمن سنته تحقيق الإستقامة ، فقد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي ـ رضي الله عنه ـ يقول له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قل آمنت بالله ، فاستقم ) رواه مسلم .
د - بها تتحقق مقامات الدين التي يطالب بها العبد :
فقد قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري ،
والسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة ، أو هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.
وقوله : ( قاربوا ) أي: اجتهدوا في الوصول إلى السداد، فإن اجتهدتم ولم تصيبوا فلا يفوتكم القرب منه.
والمؤمن ينبغي عليه أن لا يفارق هاتين المرتبتين .
ه - والإستقامة واجب المسلم بأن يصلح المسلم نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ،
و - والخروج عن الاستقامة يستوجب الإستغفار :
فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه } آية : 6 من سورة فصلت ، وقل صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها) رواه أحمد والترمذي .
رابعا : الثبات تعريفه ومشروعية ومواطنه :
والحديث عن وسائل الثبات على الإستقامة يقتضي تعريف الثبات ومشروعية في الكتاب والسنة والمواطن التي يمنح فيها الثبات وبيان ذلك في الآتي .
أ - تعريف الثبات
1 . الثبات في اللغة :
ورد في لسان العرب لابن منظور أن الثبات هو :
أصل مادة الثاء والباء والتاء وهو : ثَبَتَ الشيء ُيَثْبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فهو ثابتٌ وثَبِيتٌ .
ويقال: ثَبَتَ فلانٌ في المَكان يَثْبُتُ ثبُوتاً، فهو ثابتٌ إِذا أَقام به.
2 . الثبات في الاصطلاح :
الاستقامة على الهدى والتماسك بالتقى وإلجام النفس وقهرها على سلوك طريق الحق والخير وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان ونوازع النفس والطغيان مع سرعة التوبة والأوبة حال ملابسة الإثم أو الركون إلى الدنيا.
ب - مشروعية الثبات في الكتاب والسنة :
1 . الثبات في القرآن الكريم :
قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) إبراهيم- 27.
وقال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة إبراهيم – آية رقم 10.
و قال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة الإسراء
2 . الثبات في السنة :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب
واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك). رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم .
.
خامسا : المواطن التي يمتحن فيها الثبات :
1 . الثبات في الفتن والاضطهاد والطغيان والظلم :
ويُمثِّلها أروع تمثيل قول الله عز وجل:"قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إذْ هُمْ عَلَيْهَاقُعُودٌ * وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ"(البروج: 4 -9).
2 . الثبات في الجهاد:
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا" (الأنفال: 45)، وقال الله تعالى:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ"(آل عمران:142 - 143).
3 . الثبات على المنهج :
قال الله تعالى: "مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب: 23
4 . الثبات أمام بطش الظالمين:
يُعْتَبر البطش والتنكيل من أساليب المبطلين الشائعة والمتكررة عبرالتاريخ، حين يغيظهم استمساك أهل الحق وصلابتهم، فيثورون عليهم محاولين القضاء عليهم -إن استطاعوا- أو إزاحتهم عن طريقهم على الأقل بكل الوسائل الدنيئة، وهذا يستوجب الصبر والثبات .
5 . الثبات عند علوِّ الأعداء:
فقد يُصَاب الإنسان بحالة من اليأس والقنوط عند ارتفاع شأن الأعداء وعلو راياتهم، ولكن المسلم يثبت بثقته بنصر الله تعالى .
6 . الثبات فى الميدان عند الزحف :
فحين تتقابل الصفوف والرايات فى ساحة من الساحات يكون الثبات هو واجب الساعة؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الأنفال: 45
7 . الثبات عند الممات:
والثبات فى هذا الموقف لن يتم إلا بجهدٍ جهيد، وعملٍ دءوبٍ ومتواصل، وإخلاصٍ وتجردٍ تَامَّيْن لله سبحانه؛ ليتمَّ التثبيت عند الممات ،قال الله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاتَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت: 30)،
سادسا : وسائل الثبات على الاستقامة :
أسباب ووسائل الثبات المؤدية إلى الاستقامة كثيرة نذكر منها الآتي :
1 . إخلاص النيّة لله تعالى :
اخلاص نيته لله تعالة عند القيام بكل عمل فتكون أعمال صالحة ، فتتحقق بذلك الإستقامة ، قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .. } آية 5 من سورة البينة .
2 . الإكثار من الاستغفار وذكر الله تعالى :
أستغفر الله العظيم من كلّ ذنبٍ عظيم، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه } آية : 6 من سورة فصلت
وذكر الله من أعظم أسباب التثبيت تأمل هذا الاقتران بين الذكر والثبات في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال/45
3 . الإقبال على القرآن والدعاء :
القرآن العظيم هو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، هو الوسيلة الثبات الأولى ، قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الإسراء 9 .
ومن شيم عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } آل عمران 8 .
4 . الحرص على أداء الصلوات الخمس :
فالصّلاة عمود الدين وهي صلة وصل بين العبد وربّه تُهذّب النفس وتُعين على ترك الفواحش، فيجب على المرء أن الصلاة جماعةً في المسجد؛ قال تعالى: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت:45 .
5 . التزام بالعمل الصالح واجتناب الحرام :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ،
وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
ويندرج تحت اجتناب الحرام حفظ اللسان عن الكلام البذيء، والكذب، والغيبة، والنميمة، وغضّ البصر؛ فالنّظرة الأولى لك والثانية عليك، قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:36
والحذر من وساوس الشيطان الرجيم؛ فإبليس يوسوس للمرء تدريجياً حتى يغويه ثم يتبرّأ منه.
6 . تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود 129.
7 . الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران .
8 . ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) الشورى:15 .
9 . معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
فيقول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196 وفي ذلك تسرية
وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 ،
وفي ذلك عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .
10. استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري ،
وأشد الصبر عند الصدمة الأولى .
11. الالتفاف حول الصحبة الصالحة المثبتة :
هءه العناصر التي تتوافر في من صفات من أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة ، والبحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبيرعلى الثبات .
ولأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم ، وينهيه على أخطائه ، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً ، قال تعالى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } آية 67 من سورة الزخرف.
12 . التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت :
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطينا لأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
13 . وصية الرجال الصالحين :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه، وجنته ، وناره .
.
سابعا : ثمرات الثبات :
1 . والإستقامة - الثبات منارة مشعّة عاجية، مقصد كل مؤمن عبث فيه نادي الشيطان ليأخذ بيده إلى بر الأمان.
2 . والإستقامة ثبات الشخص في الدنيا، امتداد لثبات الشخص على الصراط المستقيم، تجاوز السقوط في جهنّم، والتخلّص من قبضة الكلاليب.
3 . العون والتوفيق والإلهام والإرشاد والسداد والبركة من الله عز وجل، إذ أن الثابت على دين الله، يكون صالحا في نفسه ودينه ومجتمعه ويكون صالح الدعاء، مما يجعل أبواب الخير تفتّح له من كل جانب.
4 . اصطفاء الله للثابت على دينه ، فإن من كان موضع رعايةمن الله، فقد نجا في الدنيا والآخرة، وكفى بالله ناصرا ومعينا.
ه . حفظ قلب العبد، الموطن الذي يتشرب الشبهات، وهو أساس كل عمل ثم يتلوه الإتباع، فإن العمل مرهون باثنتين النية والإتباع، فإن كان من غير نيةخالصة من قلبه، وإلا فلا يقبل عمله, فحفظ القلب من الثمار المهمة.
6 . الثابت على دين الله لا يتعرى مع هبوب الفتن وأعاصير الهوى والشهوات والشبهات، بل هو ثابت بما أمده الله من يقين ورسوخ.
7 . اتحاد كلمة العلماء والدعاة والعامة على مبدأ التناصح وإظهار الحق.
8 . في الثبات إلجام لأعداء الدين، وعز للدعاة والمصلحين والتمكين لأهل الحق.
9 . صيانة عرض العلماء من أن يخوض فيه أهل الأهواء والأباطيل، فلو كان صف العلماء متذبذب الوحدة، ومشتت الكلمة، لأصبحوا محط السخرية والشتم، وفي ثباتهم تثبيت للعامة وباقي الأمة.
سادسا : من ثمرات الاستقامة :
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }
من هذه الآية وغيرها نستنتج بعضاً من ثمرات الاستقامة:
1ـ طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله عز وجل.
2ـ أن الاستقامة تعصم صاحبها ـ بإذن الله عز وجل ـ من الوقوع في المعاصي والزلل وسفاسف الأمور والتكاسل عن الطاعات.
3ـ تنزل الملائكة عليهم عند الموت :
وقيل: عند خروجهم من قبورهم ، قائلين : { ألا تخافوا ولا تحزنوا} على ما قدمتم عليه من أمور الآخرة ، ولا ما تركتم من أمور الدنيا من مال وولد وأهل.
4ـ حب الناس واحترامهم وتقديرهم للمسلم :
سواء كان صغيراً أو كبيراً على ما يظهر عليه من حرص على الطاعة ، والخلق الفاضل.
5ـ وعد الله المتقين أن لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذ أعينهم ، وتطلبه ألسنتهم ، ‘حساناً من الله تعالى.
إعداد : محمد أبوغدير المحامي
مقدمة :
المسلم الحق ينشد الإستقامة في كل أحواله وطول حياته فلسانه دائما ذاكرا وداعيا وتاليا قول الله تعالى: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾.
والمؤمن المستقيم على نهج الله يستشعر معيتة سبحانه وتعالى فلا يخشى بطش ظالم متجبر ولا يحزن على دنيا زائلة فاتته ، فقلبه مرتبط بربه وروحه متعلقة بالآخرة راجيا ومستبشرا بالجنة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فصلت : 30 .
والاستقامة هذه طاعة مطلقة لله وإيمان صادق به عز وجل ، واقتداء تام برسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بسنة ، وأداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات والمكروهات ، الإكثار من النوافل والتطوعات ، والمداومة على أعمال البر والخير لنيل مرضاته قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والإستقامة واجب المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ؛ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج : 77.
وأن يصلح نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية .
والحديث عن الاستقامــة والثبات عليها يقتضي بيان الآتي :
تعريف الإستقامة لغة واصطلاحا
ومعناها في القرآن الكريم
وأهميتها ،
ثم تعريف الثبات
ومشروعية المواطن التي يمتحن فيها ،
ثم وسائل الثبات على الاستقامة ،
وأخيرا ثمرات الثبات ،
وبيان ذلك في الآتي .
أولا : تعريف الإستقامة :
أ - تُعرَف الاستِقامة في لغة بأنّها :
مَصدر مشتق من الفعل السداسي استقام : أي اعتدل واستوى ،
ومضارعه يستقيم وفاعله مستقيم .
ب - معنى الاستقامة إصطلاحا :
هي سلوك الصراط المستقيم ، واتّباع تعاليم الدّين الحنيف ، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وهي وسط بين الغلو والتقصير ، وكلاهما منهي عنه شرعاً.
ثانيا : الاستقامة في القرآن الكريم :
ذكرت الإستقامة في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:
أ - الإستقامة هي الثبات والدوام على الدعوة إلى الدين :
من ذلك قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت}، قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة.
ب - والإستقامة ثبات على التوحيد :
وعلى هذا قوله سبحانه: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} (فصلت:30)،
وروي الطبري أيضاً عن سعيد بن عمران ، قال: قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً.
ج - والإستقامة ثبات على طاعة الله والتزام أحكامه :
على ذلك قوله سبحانه: { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (الجن:16)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة} يعني بالاستقامة: الطاعة. أي: لو ثبتوا واستداموا على طاعة الله، لأسقيناهم ماء نافعاً كثيراً.
ء - والإستقامة وفاء بالعهد والثبات عليه وذلك قوله سبحانه: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} (التوبة:7)، قال قتادة : فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم.
ثالثا : أهمية الاستقامة :
أ - الإستقامة هي تحقيق للعبودية لله تعالى :
والعبودية هي الغاية من خلق الإنس والجن ، وبها يحصل الفوز بالجنان والابتعاد عن النيران .
ب - الامتثال لأمر الله تعالى :
المؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة ، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته : { أهدنا الصراط المستقيم } آية : 6 من سورة الفاتحة .
وهي فريضة على المسلمى كما في قوله: ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) هود : 112 ، وقال أيضا : { فلذلك فأدع واستقم كما أمرت ..} آية 112 من سورة هود .
ج . الامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم :
فمن سنته تحقيق الإستقامة ، فقد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي ـ رضي الله عنه ـ يقول له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قل آمنت بالله ، فاستقم ) رواه مسلم .
د - بها تتحقق مقامات الدين التي يطالب بها العبد :
فقد قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري ،
والسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة ، أو هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.
وقوله : ( قاربوا ) أي: اجتهدوا في الوصول إلى السداد، فإن اجتهدتم ولم تصيبوا فلا يفوتكم القرب منه.
والمؤمن ينبغي عليه أن لا يفارق هاتين المرتبتين .
ه - والإستقامة واجب المسلم بأن يصلح المسلم نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ،
و - والخروج عن الاستقامة يستوجب الإستغفار :
فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه } آية : 6 من سورة فصلت ، وقل صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها) رواه أحمد والترمذي .
رابعا : الثبات تعريفه ومشروعية ومواطنه :
والحديث عن وسائل الثبات على الإستقامة يقتضي تعريف الثبات ومشروعية في الكتاب والسنة والمواطن التي يمنح فيها الثبات وبيان ذلك في الآتي .
أ - تعريف الثبات
1 . الثبات في اللغة :
ورد في لسان العرب لابن منظور أن الثبات هو :
أصل مادة الثاء والباء والتاء وهو : ثَبَتَ الشيء ُيَثْبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فهو ثابتٌ وثَبِيتٌ .
ويقال: ثَبَتَ فلانٌ في المَكان يَثْبُتُ ثبُوتاً، فهو ثابتٌ إِذا أَقام به.
2 . الثبات في الاصطلاح :
الاستقامة على الهدى والتماسك بالتقى وإلجام النفس وقهرها على سلوك طريق الحق والخير وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان ونوازع النفس والطغيان مع سرعة التوبة والأوبة حال ملابسة الإثم أو الركون إلى الدنيا.
ب - مشروعية الثبات في الكتاب والسنة :
1 . الثبات في القرآن الكريم :
قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) إبراهيم- 27.
وقال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة إبراهيم – آية رقم 10.
و قال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة الإسراء
2 . الثبات في السنة :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب
واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك). رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم .
.
خامسا : المواطن التي يمتحن فيها الثبات :
1 . الثبات في الفتن والاضطهاد والطغيان والظلم :
ويُمثِّلها أروع تمثيل قول الله عز وجل:"قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إذْ هُمْ عَلَيْهَاقُعُودٌ * وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ"(البروج: 4 -9).
2 . الثبات في الجهاد:
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا" (الأنفال: 45)، وقال الله تعالى:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ"(آل عمران:142 - 143).
3 . الثبات على المنهج :
قال الله تعالى: "مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب: 23
4 . الثبات أمام بطش الظالمين:
يُعْتَبر البطش والتنكيل من أساليب المبطلين الشائعة والمتكررة عبرالتاريخ، حين يغيظهم استمساك أهل الحق وصلابتهم، فيثورون عليهم محاولين القضاء عليهم -إن استطاعوا- أو إزاحتهم عن طريقهم على الأقل بكل الوسائل الدنيئة، وهذا يستوجب الصبر والثبات .
5 . الثبات عند علوِّ الأعداء:
فقد يُصَاب الإنسان بحالة من اليأس والقنوط عند ارتفاع شأن الأعداء وعلو راياتهم، ولكن المسلم يثبت بثقته بنصر الله تعالى .
6 . الثبات فى الميدان عند الزحف :
فحين تتقابل الصفوف والرايات فى ساحة من الساحات يكون الثبات هو واجب الساعة؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الأنفال: 45
7 . الثبات عند الممات:
والثبات فى هذا الموقف لن يتم إلا بجهدٍ جهيد، وعملٍ دءوبٍ ومتواصل، وإخلاصٍ وتجردٍ تَامَّيْن لله سبحانه؛ ليتمَّ التثبيت عند الممات ،قال الله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاتَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت: 30)،
سادسا : وسائل الثبات على الاستقامة :
أسباب ووسائل الثبات المؤدية إلى الاستقامة كثيرة نذكر منها الآتي :
1 . إخلاص النيّة لله تعالى :
اخلاص نيته لله تعالة عند القيام بكل عمل فتكون أعمال صالحة ، فتتحقق بذلك الإستقامة ، قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .. } آية 5 من سورة البينة .
2 . الإكثار من الاستغفار وذكر الله تعالى :
أستغفر الله العظيم من كلّ ذنبٍ عظيم، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه } آية : 6 من سورة فصلت
وذكر الله من أعظم أسباب التثبيت تأمل هذا الاقتران بين الذكر والثبات في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال/45
3 . الإقبال على القرآن والدعاء :
القرآن العظيم هو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، هو الوسيلة الثبات الأولى ، قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الإسراء 9 .
ومن شيم عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } آل عمران 8 .
4 . الحرص على أداء الصلوات الخمس :
فالصّلاة عمود الدين وهي صلة وصل بين العبد وربّه تُهذّب النفس وتُعين على ترك الفواحش، فيجب على المرء أن الصلاة جماعةً في المسجد؛ قال تعالى: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت:45 .
5 . التزام بالعمل الصالح واجتناب الحرام :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ،
وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
ويندرج تحت اجتناب الحرام حفظ اللسان عن الكلام البذيء، والكذب، والغيبة، والنميمة، وغضّ البصر؛ فالنّظرة الأولى لك والثانية عليك، قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:36
والحذر من وساوس الشيطان الرجيم؛ فإبليس يوسوس للمرء تدريجياً حتى يغويه ثم يتبرّأ منه.
6 . تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود 129.
7 . الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران .
8 . ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) الشورى:15 .
9 . معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
فيقول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196 وفي ذلك تسرية
وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 ،
وفي ذلك عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .
10. استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري ،
وأشد الصبر عند الصدمة الأولى .
11. الالتفاف حول الصحبة الصالحة المثبتة :
هءه العناصر التي تتوافر في من صفات من أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة ، والبحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبيرعلى الثبات .
ولأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم ، وينهيه على أخطائه ، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً ، قال تعالى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } آية 67 من سورة الزخرف.
12 . التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت :
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطينا لأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
13 . وصية الرجال الصالحين :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه، وجنته ، وناره .
.
سابعا : ثمرات الثبات :
1 . والإستقامة - الثبات منارة مشعّة عاجية، مقصد كل مؤمن عبث فيه نادي الشيطان ليأخذ بيده إلى بر الأمان.
2 . والإستقامة ثبات الشخص في الدنيا، امتداد لثبات الشخص على الصراط المستقيم، تجاوز السقوط في جهنّم، والتخلّص من قبضة الكلاليب.
3 . العون والتوفيق والإلهام والإرشاد والسداد والبركة من الله عز وجل، إذ أن الثابت على دين الله، يكون صالحا في نفسه ودينه ومجتمعه ويكون صالح الدعاء، مما يجعل أبواب الخير تفتّح له من كل جانب.
4 . اصطفاء الله للثابت على دينه ، فإن من كان موضع رعايةمن الله، فقد نجا في الدنيا والآخرة، وكفى بالله ناصرا ومعينا.
ه . حفظ قلب العبد، الموطن الذي يتشرب الشبهات، وهو أساس كل عمل ثم يتلوه الإتباع، فإن العمل مرهون باثنتين النية والإتباع، فإن كان من غير نيةخالصة من قلبه، وإلا فلا يقبل عمله, فحفظ القلب من الثمار المهمة.
6 . الثابت على دين الله لا يتعرى مع هبوب الفتن وأعاصير الهوى والشهوات والشبهات، بل هو ثابت بما أمده الله من يقين ورسوخ.
7 . اتحاد كلمة العلماء والدعاة والعامة على مبدأ التناصح وإظهار الحق.
8 . في الثبات إلجام لأعداء الدين، وعز للدعاة والمصلحين والتمكين لأهل الحق.
9 . صيانة عرض العلماء من أن يخوض فيه أهل الأهواء والأباطيل، فلو كان صف العلماء متذبذب الوحدة، ومشتت الكلمة، لأصبحوا محط السخرية والشتم، وفي ثباتهم تثبيت للعامة وباقي الأمة.
سادسا : من ثمرات الاستقامة :
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }
من هذه الآية وغيرها نستنتج بعضاً من ثمرات الاستقامة:
1ـ طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله عز وجل.
2ـ أن الاستقامة تعصم صاحبها ـ بإذن الله عز وجل ـ من الوقوع في المعاصي والزلل وسفاسف الأمور والتكاسل عن الطاعات.
3ـ تنزل الملائكة عليهم عند الموت :
وقيل: عند خروجهم من قبورهم ، قائلين : { ألا تخافوا ولا تحزنوا} على ما قدمتم عليه من أمور الآخرة ، ولا ما تركتم من أمور الدنيا من مال وولد وأهل.
4ـ حب الناس واحترامهم وتقديرهم للمسلم :
سواء كان صغيراً أو كبيراً على ما يظهر عليه من حرص على الطاعة ، والخلق الفاضل.
5ـ وعد الله المتقين أن لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذ أعينهم ، وتطلبه ألسنتهم ، ‘حساناً من الله تعالى.