الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

الجهاد في سبيل الله ، تعريف الجهاد لغة واصطلاحا ، ومفهومه الواسع ، والقتال في الإسلام ، أهداف وغايات الجهاد ، التربية الجهادية . إعداد : محمد أبوغدير المحامي



أولا : تعريف الجهاد لغة واصطلاحا :

الجهاد في اللغة :

بذل ما في الوسع من القول والفعل
فتعريف الجهاد لغة يطل على بذل الطاقة أو الوسع أو المشقة .

تعريف الجهاد شرعًا :

عرف الإمام ابن تيمية الجهاد بأنه : ( بذل الوسع والقدرة في حصول محبوب الحق ، ودفع ما يكرهه) ، وقال أيضًا : ( هو الاجتهاد في حصول ما يحبه من الإيمان ، والعمل الصالح ، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان .

قال الكاساني : ( الجهاد في عرف الشرع يستعمل في بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله - عز وجل - بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك  .

قال الحافظ ابن حجر : ( بذل الجهد في قتال الكفار )
وبهذا يتضح أن الجهاد في تعريفه الشرعي عند العلماء لا ينحصر عند الفقهاء في قتال الكفار ، وإنما يتسع ليشمل جهاد المنافقين ، وجهاد النفس ، وليدخل فيه الجهاد باليد واللسان والقلب .


ثانيا : المفهوم الواسع للجهاد :


أ - أنواع الجهاد ومراتبه عند الإمام ابن القيم  :

ويقول الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد: الجهاد على أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.

1 . فجهاد النفس :
وهو أيضا على أربع مراتب:
أن يجاهدها على تعلم الهدى ، وعلى العمل به بعد علمه ، وعلى الدعوة إليه ، وعلى الصبر على مشاق الدعوة ،
فإذا استكمل المسلم هذه الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يكون ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به، ويعلمه، ويدعو إليه.

2 . وجهاد الشيطان :
 وهو على مرتبتين :
جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات ، وجهاده على دفع ما يلقي من الشهوات .
فالأول يكون بعدة اليقين، والثاني يكون بعدة الصبر، قال تعالى: وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون السجدة- 24 .

3 . وجهاد الكفار والمنافقين :
وهو أربع مراتب:
بالقلب . واللسان . والمال . والنفس.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وجهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع، وهو ثلاث مراتب:
• الأولى باليد إذا قدر،
• فإن عجز انتقل إلى اللسان،
• فأن عجز جاهد بقلبه.


ب - مظاهر أخرى للجهاد عند الإمام حسن البنا :

يقول في رسالة التعاليم: وأريد بالجهاد: الفريضةَ الماضية إلى يوم القيامة، والمقصودَ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية )
وأول مراتبه إنكار القلب ، وأعلاها القتال في سبيل الله ، وبين ذلك : جهاد اللسان والقلم واليد ، وكلمة الحق عند السلطان الجائر
ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها ، وجزالة الثواب للعاملين فيها  ، قال الله تعالى : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) الحج- 78 ،وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم : الجهاد سبيلنا .

واتساقا مع هذا الفهم الأصيل الواسع لمعنى الجهاد وأنواعه كتب الإمام حسن البنا في رسالة هل نحن قوم عمليون فقال:
1. فالجهاد في الإسلام عاطفة حية قوية، تفيض حنانا إلى عز الإسلام ومجده :
تهفو شوقا إلى سلطانه وقوته، وتبكي حزنا على ما وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة، وتشتعل ألما على هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا يرضي محمدا صلى الله عليه وسلم ولا يرضي نفسا مسلمة، وقلبا مؤمنا، (ومن لم  يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
2. فمن الجهاد في الإسلام  أن يحملك هذا الهم الدائم والجوى اللاحق على التفكير الجدي في طريق النجاة :
 وتلمس سبيل الخلاص، وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل، وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لأمتك منفذا أو تصادف منقذا، ونية المرء خير من عمله، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
3. ومن الجهاد في الإسلام :أن تنزل عن بعض وقتك، وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين :
فإن كنت قائدا ففي مطالب القيادة تنفق، وإن كنت تابعا ففي مساعدة الداعين تفعل، وفي كل خير، وكلا وعد الله الحسنى . الحديد- 10.
4.   ومن الجهاد في الإسلام : أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تنصح لله ورسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم:
وأن تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ترك قوم التناصح إلا ذلوا، وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، إلا خذلوا، {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون  المائدة - 79.
5.  ومن الجهاد في الإسلام : أن تتنكر لمن تنكر لدينه، وأن تقاطع من عادى الله ورسوله :
فلا يكون بينك وبينه صلة ولا معاملة، ولا مؤاكلة ولا مشاربة، وفي الحديث (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) أبو داود.
6.  ومن الجهاد في الإسلام : أن تكون جنديا لله، تقف له نفسك ومالك، لا   تبقي على ذلك من شيء :
 فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام ، ودوى نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام، كنت أول مجيب للنداء، وأول متقدم للجهاد ، قال الله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ) التوبة-111.
7. ومن الجهاد في الإسلام : أن تعمل على إقامة ميزان العدل :
 وإصلاح شؤون الخلق، وإنصاف المظلوم، والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه.
جاء في الحديث: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر)  البخاري.
وجاء أيضا: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) ابن ماجه بإسناد صحيح .
8.  ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى إن لم توفق إلى شيء من ذلك كله : أن تحب المجاهدين من كل قلبك، وتنصح لهم بمحض رأيك :
وقد كتب الله لك بذلك الأجر، وأخلاك من التبعة، ولا تكن غير ذلك فيطبع الله على قلبك، ويؤاخذك أشد المؤاخذة. قال تعالى: (  ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَنا ألاّ يجدوا ما ينفقون. إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) التوبة-  ( 91-93)..


ثالثا : الجهاد القتالي في الإسلام :

أ - الجهاد القتالي حفظ لهويَّة الأمَّة وكيانِها :

أنَّ الحرب في الإسلام ليستْ عدوانيَّة، ولا استِفْزازيَّة، ولا همجيَّة، ولكنَّها للدِّفاع عن الدِّين والبلاد، وإنقاذ المستضعفين من المسلمين في أيِّ دولةٍ كانت؛ وذلك أنَّ الإسلام يعتبر بلاد المسلمين كلَّها دارًا واحدةً وبلدًا واحدًا، يَجب حمايتُه والجهاد دونه إن كان دارَ عدْل بيد المسلمين، ويجب استِرْداده إن كان مسلوبًا، كما يَعتبر المسلمين جميعًا أمَّة واحدة يَجب الدِّفاع عنْهم لاستِنقاذ المستضعفين وحمايتهم في أيِّ بلد أو دولة .

ويقول الأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الجهاد في الإسلام، إنَّ الجهاد القتالي في حقيقته هو الحصْن الَّذي لا بدَّ منه لحفظ هويَّة الأمَّة وكيانِها، لا مندوحة عنه لنجاح مسعاها الَّذي كلَّفها به الله - عزَّ وجلَّ - نحو إنشاء حضارة إنسانيَّة عادلة، تكلأُ الإنسان من ظلم أخيه الإنسان، وتقيه من الوقوع في مغبَّات منجزاته العلميَّة والحضاريَّة، تلك المغبَّات الَّتي من شأنِها أن تفسِد وتُشْقي بدلاً من أن تُصلح وتُسعد.


ب - حالات الجهاد القتالي في الإسلام :

1 .أنَّ الإسلام أجاز الجِهاد القتالي في حالتين اثْنتَين فقط :
حالة الدِّفاع عن النَّفس وعن الدِّين وعن حريَّة العقيدة ؛ قال الحق - سبحانه وتعالى -: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ سورة الحج: 40 - 41..

2 . وحالة دفْع العدْوان وردّ اعتِداء المعتَدين بالقدر اللازم دون مجازاة أو تنكيل ، ورفْع الظُّلْم عن المستضعفين، وإقامة العدْل في الأرض؛ قال الله - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ سورة البقرة: من الآية 194 ، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ سورة البقرة: 190 .


ج  - الجهاد القتالي للنبي صلى الله عليه وسلم :

ومَن تأمَّل في جهادِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم – القِتالي، يجد أنَّه لم يرفع سيفَه إلاَّ إذا اضطرَّ إليْه نصرةً لكلمة الله ودفاعًا عن دين الله وعنِ المستضْعفين؛ وخير دليلٍ على هذا أنَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لم يقتُل بيده الشَّريفة إلاَّ رجُلا واحدًا وهو أُبي بن خلف يوم أُحُد، فما بُعث - عليْه صلوات ربّي وسلامه - للقتال، ولكن بُعث لتبْليغ الرِّسالة وهداية النَّاس أجْمعين، وما القِتال إلاَّ للدِّفاع عن الدَّعوة الإسلاميَّة وردّ الَّذين يقفون في وجهِها بالعداء والكيد، وصدق ربُّنا - تبارك وتعالى - الَّذي خاطب نبيَّه وصفوة خلقه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ سورة المائدة: 67.


الجهاد القتالي ليس بديلا عن الجهاد السياسي :

أنَّ الجهاد القتالي، إن تعيَّن، لا يقيل من الجهاد السياسي قبله وبعده، ولربَّما كان الجهاد السياسي التَّربوي البنائي أصعبَ منالا وأشْقى طريقًا، وأحْوج إلى خصال الصَّبر الطَّويل والمرابطة المستمرَّة والرِّفْق من القِتال الذي تهوِّنُ ريح الشَّهادة وكرامات التَّأْيِيد الإلهي فيه صبر ساعة وصبر الإصابة.
كلا الجهادين مِرْقاة إحسانيَّة ومدرسة تربويَّة، وامتحان يوشِّح القرآن وتوشح السنَّة صدور مستحقِّيه بأوسمة الفلاح الأبدي، وقد أصبح العالم كلُّه يُبصر ويسمع تميُّز الجهاد الإسلامي بالمضاء والعزيمة والقوَّة.



رابعا : أهداف وغايات الجهاد :


أ - هداية الناس إلى الحق :

لأجل أن يعبد الله وحده ، وأن يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان، يقول عليه الصلاة والسلام : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله
والجهاد سبيل لإعلاء كلمة الله ، وإزالة الشرك والكفر ، قال تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39

ب -  رفع الظلم عن المظلومين ونصرهم  :

قال تعالى : وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) النساء: 75 .

جـ -  حفظ الإسلام والدفاع عن الأوطان والأعراض والأموال ورد العدوان :

وفي هذه الحالة يتعين الجهاد على أهل البلد المعتدى عليهم ، قال الله تعالى : الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) البقرة: 194 .

د – التمكين لدين الله وإقامة الخلافة الإسلامية  :

إن دعوة الإسلام تسعى إلى التمكين لدين الله وإقامة الخِلافةَ الإسلاميَّة وجمْعَ الأمَّة تحت سُلطان واحد يَحكمُهم بشِرعة الله على منهاج النُّبوَّة ، وذلك واجب كلُّ مسلِمٍ في هذه الحياة ، قال الله تعالى}:   وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ{ المؤمنون:51]، وقال:  }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { آل عمران:103
ولا شك أن هذه الدعوة تواجه كل يوم مكر الأعداء وكيد العملاء ، وانحراف القادة والرؤساء ، وهذه القوى تمتلك كل أسباب القهر والتنكيل والإبادة ، وتحقيقه هدف التمكين لدين الله وإقامة الخِلافةَ الإسلاميَّة يحتاج إلى حركة أعدت نفسها للجهاد الطويل والمرير ولكل أنواع المعاناة والمواجهات .


خامسا : التربية الجهادية :

أهداف وغايات الجهاد الضخمة السالف بيانها يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى  تربية جهادية  تخرج أنماطًا من المجاهدين ، يحبون الموت كما يحب الناس الحياة ، ويعيشون هم الإسلام وقضايا الإسلام ليلهم ونهارهم .
والتربية الجهادية ليست فقرة خاصة تضاف إلى منهج التربية في ظرف من الظروف أو في فترة من الفترات ، وإنما هي روح المنهج كله ، والسمة المشتركة بين جميع فقراته .
إن تحول حركات ( فكرية وتربوية ) علنية إلى حركات جهادية يحمل معه كثيرًا من المحاذير والأخطار ، في حين أن نشأة هذه الحركات على الأسس الجهادية ابتداء يجعلها أكثر أثرًا وأشد خطرًا على الكيانات الجاهلية ، وأقدر على اقتلاعها ، وإقامة البديل الإسلامي مكانها .

أ - الإسلام دعوة جهادية :

تحت هذا العنوان من كتاب أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي ذكر الأستاذ فتحي يكن أنه :
من صفات الإسلام الرئيسية أنه دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة : وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : (  وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله ) رواه الشيخان .
فمن طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلات لها : قال الله تعالى :  ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء : 214  .
ومن طبيعته أنه يرفض كل الحلول المطروحة ويعتبرها مشكلات وليست بحلول ، فهو لا يقبل مع الإسلام منهجًا غير منهجه ، ولا دينًا غير دينه ، ولا شرعة غير شرعته : قال الله تعالى :(  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا ) المائدة 3 ، وقال الله تعالى : ) ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين  (آل عمران : 19  .
ومن طبيعته أنه يجعل التشريع حق الله وحده ، ولا يقبل بالاحتكام لغير شرع الله ، ولهذا فهو يرفض التشريعات الوضعية جميعًا ، سواء كانت أجنبية أم عربية ، شرقية أم غربية : قال الله تعالى : ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون )  المائدة : 52  .
ومن طبيعته أنه لا يرضى لأتباعه الدنية في شيء ولا يقبل لهم الذل والهوان في أمر قال الله تعالى : (  ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } المنافقون : 8   ، وقال الله تعالى : (  محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... ) الفتح : 29.
ثم إن الإسلام يعتبر الجهاد طريق المؤمنين إلى الجنة ، وسبيلهم إلى مرضاة الله ـ تعالى ـ ونعيم الآخرة ، وإن ترك الجهاد والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) رواه الشيخان وأبو داود .

ب - الجماعة المسلمة حركة جهادية :

لم تكن الجماعة المسلمة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة فكرية أو فلسفية ) هدفها نشر الفكر والفلسفة بين الناس قبلوها أو رفضوها ، أو حتى تخريج مفكرين وفلاسفة ، ولم تكن فرقة صوفية تعيش معزولة عن دنيا الناس وصراعاتهم في أجواء الرياضة الروحية ، لا تدري ما يجري حولها من كيد للإسلام ، وتآمر عليه وتشويه لشخصيته ، واستئصال لوجوده ، حسبه منها صلاة وصوم وإنشاد .
فكتاب الله ـ تعالى ـ يصف الجماعة المسلمة بقوله:  (  إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون(  حجرات : 15 قال الله تعالى :  (  ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) محمد : 31
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه الشيخان، ويقول أيضا :  )  لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) للحاكم في المستدرك .
والمسلمون الأولون عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم .

ج - ماذا نعني بالتربية الجهادية ؟

التربية الجهادية لا تعني بحال إسقاط جوانب التربية الأخرى من الحساب ، لا تعني التفرغ للتربية العسكرية وشئون القتال ، لا تعني إهمال التربية الروحية والفكرية وإغفال التربية السياسية والحركية ، إنما تعني تأصيل الروح الجهادية لدى الفرد والجماعة ، وجعل هذه الروح وشيجة الربط بين سائر الاهتمامات والعنوان الرئيسي لها ، تعني إيجاد الإنسان الذي يعيش من أجل الإسلام .. الإنسان الذي يدرك عظمة دوره وخطورته ودقته ، فهو لا يتوانى يهيئ نفسه ويستعد للقيام بهذا الدور على أكمل وجه .. الإنسان المعلق قلبه بالله وبالآخرة ، فهو لا يعيش لدنياه مقدمًا فضول الوقت والجهد لآخرته ودعوته .. الإنسان المتلهف إلى الشهادة في سبيل الله ، والذي يعيش حقيقة الشعار الذي يردده : ( الموت في سبيل الله أسمى أمانينا (.

إن التربية الجهادية هي التربية التي تجعل الإنسان كائنًا ما كان اختصاصه وعمله مجاهدًا في سبيل الله ، مسخرًا اختصاصه للجهاد في سبيل الله .. فهو عالم ومجاهد ، وهو طبيب ومجاهد ، وهو كاتب ومجاهد ، وهو مهندس ومجاهد ، وهو معلم ومجاهد ، وهكذا يكون الجهاد السمة المميزة والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعًا .

إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الاهتمام بأمرين أساسيين :
أولاً : الاهتمام بالنفس بربطها بالله والشوق إلى لقائه والموت في سبيله ، وبالتالي صونها عن كل ما يركن بها إلى الأرض وشهواتها ، ولو كان حلالاً طيبًا ، وبذلك تكون نفسًا مجاهدة .

ثانيًا : الاهتمام بالجسد ليكون معافى قويًّا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم ، وبخاصة في عصر تعددت فيه هذه الخبرات والعلوم ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق