الخميس، 29 ديسمبر 2016

التغافر والتغافل سياج الأخوة ، إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الأخوة من نعم الله تعالى ، فإذا استوفت شروطها وجبت محبة الله لعباده كما في الحديث القدسي: ( وجبت محبتـي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ ) رواه أحمد  ، وتكرار لفظة " فيّ" في هذا الحديث القدسي يقطع بأن قوة الأخوة تكمن في إخلاص المصاحبة والصداقة لله .
والأخوة في الله تآلف بين القلوب واتحاد بين النفوس، لأن راية المؤمنين واحدة، وغايتهم واحدة، وطريقهم واحد ، ومن ثم تتلاشى بينهم الأحقاد والضغائن والأطماع والوساوس، لأن القلوب الصافية النقية تملك القدرة على التغافل عن الخطأ والتغافر من الذنب ، فيبين الله تعالى حال هؤلاء وهم يدعون لبعضهم بعضا : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) سـورة الحـشر :10 .
يقول الإمام أحمد : "تسعة أعشار حُسن الخلق في التغافل" .
فما معنى كل من التغافل ، والتغافر وما مشروعيتهما وكونه من أخلاق السلف  ؟ ، وما الداعي إليهما ؟ ، وما ثمراتهما ؟ والإجابة في هذه السطور .

.
أولا : التغافر معناه ومشروعيته وتخلق السلف به  :

.
أ - معنى التغافر :

 . 1 التغافر لغة  : تَغافَرَ ( فعل ): طلب المغفرة .
وتَغَافَرَ القومُ : دعاء كلُّ واحدٍ منهم لصاحبه بالمغفرة .

. 2  التغافر اصطلاحا : والتغافر : أن تقول لأخيك المخطئ رب اغفر لي ولأخي هذا ، ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك .

ب - مشروعية التغافر :

ولقد أمر الإسلام بالعفو والصفح والتغافر :
 . 1 قال تعالى: ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن:14 .
 . 2 وقال أيضاً: (... وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور/ 22 .
 3 .)  وقال أيضاً: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون َ) الجاثية :14

ج – التغافر من أخلاق السلف  :

ومن الأمثلة الراقية عن التغافر لدى السلف الصالح ما يأتي :
1. روي أن صديقا حدث له ما يغضبه من ابن السماك فقال له : الميعاد بيني وبينك غدًا نتعاتب "فرد عليه ابن السماك رحمه الله تعالى بأبلغ جواب قال : بل بيني وبينك غدًا نتغافر" .

2. روى ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة، فعثرت فصبّت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: "يا مولاي! استعمل قول الله تعالى: {والكاظمين الغيظ}، فقال: "قد فعلت"، فقالت: "اعمل بما بعده": {والعافين عن الناس}، قال: "قد عفوت"، فقالت: "اعمل بما بعده" {والله يحب المحسنين} (آل عمران:134)، فقال ميمون: "أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى".

3. دخل عمر بن عبد العزيز المسجدَ في ليلةٍ مظلمة، فمرَّ برجل نائم فعَثَر به، فرفع الرجلُ رأسَه وقال: أمجنونٌ أنت؟ (وما علم أنَّه أمير المؤمنين)، فقال عمر: لا، فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مَهْ، إنَّما سألني أمجنون؟ فقلت: لا.

4. خرج يومًا إبراهيم بن أدهم رحمه الله يمشي فمرَّ على رجلٍ من اليهود وكان معه كلب، فأراد الرَّجل أن يُغضب إبراهيم، فقال الرجل لإبراهيم: يا إبراهيم، لحيتُك هذه أطهر من ذَنَب كلبي أم ذَنَبُ كلبي أَطهر من لحيتك؟ فإذا إبراهيم يقول: إن كنتُ من أهل الجنَّة فإنَّ لحيتي أطهر من كلبك، وإن كنتُ من أهل النَّار فذَنَب كلبك أَفْضل من لحيتي، فقال الرجل: هذه أخلاق النبوَّة، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

.
ثانيا التغافل من أخلاق السلف  :

أ - معنى التغافل :

. 1  التغافل لغة : هو : تعمد الغفلة .

 . 2 التغافل اصطلاحا : هو : إعراضك عن قول أو فعل صدر من صديق وانت تتيقن غرضه السيء منه ، وتقابل ذلك بالتحلم والتسامح في التعامل معه .
وعرف - كذلك - بأنه : قصد الإنسان للغفلة، مع العلم والإدراك بما يتغافل عنه ؛ تكرما وترفعا عن سفاسف الأمور.

فالمتغافل : من يتعمد الغفلة عن أخطاء وعيوب مَن حوله، مع أنه مدركٌ لها وعالمٌ بها ، وكذلك يتغافل عن ما يقع أمامه من المواقف المحرجة للبعض , فمن حسن الخلق التغافل عن ذلك وعدم إشعار صاحب الموقف بأنه شوهد أو شُعِر به.

ب – مشروعية التغافل :

قد علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الخلق الكريم والأدب الرفيع ، وهذه أمثلة لذلك :
1. أسرّ صلّى الله عليه وسلّم إلى بعض أزواجه ببعض الأسرار ونبأت به وأظهره الله تعالى عليه، فلم يعاتب عليه الصلاة والسلام بكل ما علم حتى لا يُحرج زوجته بمواجهتها بكل ما قالت، وفي ذلك قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير  )

2. عن أنس رضي الله عنه قال : ( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين, فما قالَ لي قطُّ أفٍ, وما قالَ لشيءٍ فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا؟ ) متفقٌ عليه .

3. وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف داعيًا ، يحدوه الأمل في هداية ثقيف وذهب إليهم بقلب يحمل الخير والهدى للعالمين ، إلا انه لاقى منهم وقد استهزؤا بشخصه الكريم ، وسلطوا عليه سفهاءهم فرجموه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء ، وحين رفع صلى الله عليه وسلم اكف الضراعة إلى الله داعيا لم يطلب إهلاكهم أو تعذيبهم ، غير عابئ بجراحه البدنية وآلامه النفسية السالف بيانها ، فقط امتزجت كلماته بحرقه وجدانه الخائف على نفسه من غضب الله  ، ولم يستجب لطلب ملك الجبال حين قال : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ ‘‘ ، فقال صلى الله عليه وسلم بكل رحمة وعفو ، ‘‘ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ’’

ج - التغافل من أخلاق السلف  :

ومن الأمثلة الراقية عن التغافل لدى السلف الصالح ما يأتي :
1. وروى عن أبو علي الدقاق انه قال : جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فحدث أن خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ، فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت ، فلقّب بحاتم الأصم .

2. ومنها ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.

3. ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فنمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.

.
ثالثا : لماذا التغافر والتغافل ؟

أ - لأن كل ابن آدم خطاء :

الخطأ صفة ملازمة للبشر لا ينجو منه أحد إلا من عصمه الله من الأنبياء والمرسلين ، ولقد صدر الخطأ عن أصحاب النبي الكرام صلى الله عليه وسلم ، والعلماء والأولياء يخطئون أيضا ، ، وبيان ذلك في الآتي :
لقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " أخرجه الترمذي .
وعن خطأ الصحابة الكرام رضي الله عنهم وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين من الخطأ ، قال عليه الصلاة والسلام : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" أخرجه مسلم والترمذي .
وعن خطأ العلماء والأولياء قال الإمام الترمذي : "وإنما تفاضل أهل العلم بالحق الصدق والإتقان ، والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ليس من شرط أولياء الله المتقين ترك الصغائر مطلقاً ، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه توبة .
وإذا كان لا عصمة لبشر فمن مصلحة الجميع أن يتغافل ويتغافر بعضهم عن ذنوب بعض حتى تتصافى القلوب وتطيب النفوس وتبقى الأخوة الصادقة على قلب رجل واحد لتقيم شرائع الإسلام ومناهجه .
ومن ناحية أخرى يقول الإمام ابن القيم : يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو , فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده , وأن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده , فإنما الجزاء من جنس العمل .

ب - الخطأ اليسير مغتفر في جانب الخير الكثير :

نتغافر ونتغافل عن أخطاء إخواننا لأن المسلم يوزن بسيئاته وحسناته معا ، فأيهما غلب كان الحكم له ، كما قال تعالى : ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) المؤمنون : 102 ، 103 .

فمن كانت حسناته هي الراجحة على سيئاته مع الندم على السيئات كان على سبيل النجاة وطريق الفوز والفلاح ،  وبيان ذلك في الآتي :
قال الحافظ ابن رجب : "والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه" .
وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" أخرجه أبو داود .
قال الشافعي : "ذوو الهيئات الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة" .
وبهذا المنهج عامل النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب لكفار قريش عن تحرك جيش المسلمين لغزوهم ، فقال عمر : إنه خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أليس من أهل بدر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم" رواه البخاري.
وعن هذه الواقعة قال ابن القيم رحمه الله : فدل ذلك على أن مقتضى عقوبة حاطب قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه لما له من المشهد العظيم ، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات" .

ج - تجنب الجدال والمراء والخصومة :

التغافر والتغافل عن الأخطاء بين الأحباب ضرورة حتى لا نقع في مذمة الجدال والمراء والخصومة ، قال الإمام النووي – رحمه الله : ( مما يذم من الألفاظ المراء , والجدال , والخصومة  ) .
والمراء كما عرفه الإمام أبو حامد الغزالي : هو طعنك في كلام الغير لإظهار خلل فيه , لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيتك عليه .
ولكون ترك المراء شاق على النفوس التي اعتادته ، فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من تركه بهذه البشارة العظيمة : فقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا ) رواه أبو داود وحسنه الألباني .
الجدال المذموم الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك ، كقوله -صلى الله عليه وسلم : ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل ) ، ثم تلا قوله تعالى ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) أخرجه الترمذي .
وقال الأوزاعي : ( إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل ) .
وقال محمد بن علي بن حسين – ( الخصومة تمحق الدين ، وتنبت الشحناء في صدور الرجال .

د - سلامة الصدر تجاه المؤمنين  :

التغافر والتغافل عن الأخطاء بين الأحباب ضرورة لسلامة الصدر ونقاء القلب، امتلاؤه إيمانًا ويقينًا وتقوى ومحبة ورحمة ، وخُلوُّه من كل غلٍّ وحسد وحقد على المسلمين.
والصدر السليم هو الذي لا غشَّ فيه، ولا غلَّ فيه، ولا حقد فيه، ولا حسد فيه، ولا ضغينة فيه، ولا كراهية ولا بغضاء فيه لأحد من المسلمين.
وقال الفضيل بن عياض : ( لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صلاة ولا صيام ، وإنما أدرك بسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة )

.
رابعا : من ثمرات التغافر والتغافل :

أ - الستر وعدم الإشاعة :

التغافر والتغافل وسيلة فعالة لستر العيوب والأخطاء ، وغلق أبواب الإشاعات المغرضة وحماية أعراض المؤمنين ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري  .
ومن الستر بيان الأخطاء دون التعرف للأشخاص ما أمكن ذلك ، ومن ذلك حديث القبرين اللذين مر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير" رواه البخاري ، فلم يذكر اسمي الرجلين ، بل أشار إلى ما وقعا فيه من الخطأ محذراً من ذلك ، فحصل المقصود والغرض .
ومن الستر أيضا استخدام أسلوب التعريض وعدم فضح صاحب الخطأ ، روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بال أقوم يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) أخرجه البخاري  .

ب - تحول العداوة إلى صداقة  :

إنّ مجتمع المؤمنين لا ينبغي أن تقوم فيه المعاملة بين أفراده على المؤاخذة والمحاسبة والانتصار للذات، والانتصاف لها في كل صغيرة وكبيرة. وإنما ينبغي أن تقوم فيه المعاملة على المسامحة والتغاضي والصفح والصبر، وهذا ما دعت إليه نصوص الشرع، وحثّ عليه رب العالمين: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ فصلت: 34، 35 .

ج - العفو والصفح :

العفو : التجاوز وترك الانتقام ، والصفح : ترك التأنيب والعتاب .
العفو والصفح من ثمرات التغافر والتغافل ، وبهما تخلو القلوب من العداوة ويغيب تربَّص الفرصََ للانتقام ، فلا إضمار للشّرَّ لمن أساء ولا تكدر لعيشُة الأحباب ولا اضطراب لنفوسهم ولا وهنَ لأجسادهم ، ولا نيل من أعراضهم ، فلا مكان للمحبة والأخوة في الله تعالى إلا بسلامةِ القلب من وسَاوس الضغينة وغواشي الغِلّ ونيران العداوة وحسائِك الحقد .
قال الله تعالى : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ الأعراف: 199 .
وقال سبحانه ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ البقرة: 109 .
 وقال الله تعالى أيضا : ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ المائدة: 13 .
وقال الله تعالى أيضا : ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾  الحجر: 85.

الجمعة، 9 ديسمبر 2016

مراقبة الله ، إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مراقبة الله مفهومها ، ورودها في القرآن والسنة ، درجاتها ، فضلها ، وكيفية تحقيقها ، والطريق اليها ، قصص حولها .

المراقبة لغة:

مصدر مأخوذ من راقب يراقب مراقبة، وتدل على الانتصاب لمراعاة الشيء.
والرقيب : الحافظ .
وراقب الله في أمره : أي خافه.

المراقبة شرعا :

قال المحاسبي: ( المراقبة دوام علم القلب بعلم الله عز وجل في السكون والحركة علماً لازماً مقترناً بصفاء اليقين ) .

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
 المراقبة : هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه ،
فاستدامته لهذا العلم، واليقين بذلك هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على عمله.
ومن راقب الله في خواطره ؛ عصمه الله في حركات جوارحه ..

ثانيا : المراقبة في الكتاب والسنة :

أ- في القرآن الكريم  :

 1 . قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} سورة آل عمران : 5.
2 . وقال سبحانه : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ٌ} سورة الحديد : 4.
3 . وقال سبحانه : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } سورة غافر : 19 .
4 . وقال سبحانه : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} سورة البقرة: 235 .
5 . وقال سبحانه : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا } سورة الأحزاب : 52.
6 . وقال سبحانه : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ٰ} سورة العلق: 14 .

ب - في السنة النبوية  :

1 .  عن معاذ رضي الله عنه قال يا رسول الله أوصني { قال اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله قال هذا وأشار بيده إلى لسانه } قال الألباني صحيح لغيره .

2 . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق علي  رواه البخاري .
وإذا نظرت إلى هؤلاء السبعة تجد أن الشيء المشترك والوصف الذي تحقق فيهم جميعاً هو المراقبة لله تبارك وتعالى.

3 . في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم؛ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) رواه البخاري .

ثالثاً:  درجات المراقبة:

أ - الدرجة الأولى: استدامة السير إلى الله والقرب إليه مع الأنس والسرور به:

قال ابن القيم في معرض شرحه لهذه الدرجة: "فإن الحضور يوجب أنساً ومحبة، وإن لم يقارنهما تعظيم أورثاه خروجاً عن حدود العبودية ورعونة ، فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب فهو سبب للبعد عنه ، والسقوط من عينه . وأما السرور الباعث فهو الفرحة والتعظيم ، واللذة التي يجدها في تلك المداناة ، فإن سرور القلب بالله وفرحه به، وقُرّة العين به لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا ألبتة... ولا ريب أن هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل، وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته" .

ب - الدرجة الثانية: مراقبة الله بصيانة الباطن والظاهر:

قال ابن القيم شارحاً لهذه الدرجة: "هذه مراقبةٌ لمراقبة الله لك، فهي مراقبة لصفة خاصة معينة، وهي توجب صيانة الباطن والظاهر، فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة" .

ج- الدرجة الثالثة: مراقبة الله بشهود انفراده سبحانه بأزليته وحده، دوكل ما سواه فكائن بعد عدمه بتكوينه:
قال ابن القيم مبينا معنى هذه الدرجة: "وهذا الشهود متعلّق بأسمائه وصفاته، وتقدُّم علمه بالأشياء ووقوعها في الأبد مطابقة لعلمه الأزلي، فهذا الشهود يُعْطي إيماناً ومعرفة، وإثباتا للعلم والقدرة، والفعل، والقضاء والقدر .


رابعاً: فضيلة المراقبة:

أ - أن المراقبة سبب من أسباب دخول الجنة:

قال تعالى: {هَلْ جَزَاء ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَـٰنُ} [الرحمن:60].
قال ابن القيم مفسراً الآية: "الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنك تراه... وفي الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل، ومراقبته، ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان" .

ب - أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه :

قال تعالى: {رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} [البينة:8].
قال أهل العلم: "ذلك لمن راقب ربه عز وجل، وحاسب نفسه وتزود لمعاده" .

ج - باعثة على المسارعة إلى الطاعات:

قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101].
قال القصري: "إذا عرف العبد مقام الإحسان، سارع إلى طاعته قدر وسعه، فهذا حال المحب الذي يعبد الله كأنه يراه" .

د-  يحصل بها معية الله وتأييده:

قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128].
قال ابن كثير: "أي معهم بتأييده ونصره ومعونته، وهذه معية خاصة" .

هـ-  معينه على ترك المعاصي والمنكرات:

قال ابن الجوزي: "فقلوب الجهال تستشعر البُعْد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكُفَّ عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط" .
وقال ابن القيم:  "فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته"[9].

و- من أفضل الطاعات وأعلاها:

قال ابن عطاء: "أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات".

ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته:

قال القصري: "فأما كونه من الإيمان فبيّن؛ لأنه في نفسه تصديق بالنظر إلى الله في الحال، أو تصديق بأن الله ينظر إليه، إلا أنه ثمرة الإيمان، وأعلاه وخالصه" .

ح- بالمراقبة يسعد العبد، وتصلح أحواله في الدارين:

قال ابن علان: "فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً، بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن، وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية، والفضائل العلية التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية... وذلك إنما يكون بالمراقبة، ومعرفة أن فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه" .

خامساً: كيف تراقب الله؟:

أ- أن تنظر قبل العمل وأثناءه :

للمراقب أن ينظر قبل العمل الى همه وحركته أهي لله خاصة أو لهوى النفس و الحق، فإن كان لله تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله، وانكف عنه، ثم لام نفسه على رغبته فيه، وهمه به، وميله إليه، وعرّفها سوء فِعْلها، وأنها عدوّة نفسها" .

ب-  أن تراقب الله قبل الهم بالمعصية فتكفّ عنها :

إن العبد مأمور بأن يعلم أن الله يراه، فإذا هم بمعصية وعلم أن الله يراه، ويبصرُه على أي حالة كان، وأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور كفَّ عن المعصية ورجع عنها" .

ج- أن تراقب الله بعد الوقوع في المعاصي بالتوبة:

قال ابن القيم: "ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع" .

د- مراقبته في المباحات بشكره سبحانه على نعمه :

قال ابن القيم في مدارج السالكين : "ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنه لا يخلو العبد من نعمة لا بد له من الشكر عليها".

     سادساً: الطرق المعينة على المراقبة:

أ- التعبد لله بأسماء الله وصفاته العلى :

ومن المراقبة التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة" .
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء/1، وقال: ( إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) هود/57 ، وقال: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [المجادلة/7]، وقال:  ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

ب- قطع أشغال الدنيا عن القلب وتعاهده بالرعاية والعناية :

جاء في كتاب الوصايا : سئل المحاسبي: عن ما يوصل المرء إلى حالة المراقبة ، فأجاب : "قطع علائق الأشغال، ولزوم العلم، والتعاهد بالعناية والرعاية" .

ج- تعظيم الله سبحانه وتعالى :

إذا ثبت تعظيم الله في قلب العبد أورثه الحياء من الله، والهيبة له، فاستحى  أن يطلع الله على قلبه وهو معتقد لشيء مما يكره، أو على جارحة من جوارحه، تتحرك بما يكره، فطهّر قلبه من كل معصية، ومنع جوارحه من جميع معاصيه" .

د- التفكر في أمور الآخرة:

 فإن العبد إذا فكر في مواطن الآخرة من موت، وقبر، وحشر،... وعلى أنه معروض على الله في ذلك العالم ومواطنه؛ تهيأ لذلك العرض"

ه - العلم بشهادة الجوارح في الآخرة.

قال تعالى: }حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 20 فصلت
وقال تعالى: }الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [يس/65].

و - العلم بشهادة الأرض بما عُمِل فوقها من المعاصي.

قال تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا » رواه الترمذي.


سابعا : قصص في المراقبة :
جاء في  إحياء علوم الدين أن عبد الله بن دينار قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرّسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله ؟ قال: فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تُعتقك في الآخرة .

سابعا قصة في المراقبة :
قصة عمر بن الخطاب حين كان يتفقد رعيته ليلاً، إذ مر على باب من أبواب بيوت المدينة، فسمع امرأة تهيئ اللبن لتبيعه نهارًا، فخلطته بالماء، فقالت لها ابنتها: إن أمير المؤمنين عمر نهانا أن نخلط الماء باللبن، فقالت لها أمها: ولكن عمر لا يرانا الآن، فقالت الفتاة المؤمنة: ولكن رب عمر يرانا.

قصة أخرى :
قصة عمر بن الخطاب حين كان يتفقد رعيته ليلاً، إذ مر على باب من أبواب بيوت المدينة، فسمع امرأة تهيئ اللبن لتبيعه نهارًا، فخلطته بالماء، فقالت لها ابنتها: إن أمير المؤمنين عمر نهانا أن نخلط الماء باللبن، فقالت لها أمها: ولكن عمر لا يرانا الآن، فقالت الفتاة المؤمنة: ولكن رب عمر يرانا.

الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

الكلمة الطيبة رسالة إعداد : محمد أبوغدير المحامي

قال الله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ إبراهيم: 24-26 .

الكلمة الطيبة رسالة : تزكو بها الأنفس والأرواح ويفتح الله بها قلوب عباده ، والكلمة دعوة إلى الله : فهي أحسن ما يقال في الأرض ويصعد إلى السماء ، والكلمة الطيبة إصلاح وجهاد : فهي معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح وأفضل جهاد في مواجهة السلطان الظالم ،
والكلمة أمانة وشهادة : فهي السبيل لوصول الولاية لمن يستحقها عبر صندوق الانتخاب فبها لا  يصل إلى الولاية إلا مستحقيها فالناخب إما أن يكون شاهد حق ، أو شاهدة زور ، ومن ثم فمن حقوق الناخب : أن يعرفة المهمة التي التي يقوم بها للمرشح حال فوزه و من واجب العلم بشخصية المرشح وسماته قبل إنتخابه .
وبيان ذلك في الصفحات الآتية :


أولا : الكلمة الطيبة تزكية للنفس ودعوة للغير :

أ - الكلمة تزكية للنفس  :

فالكلمة الطيبة تخرج من لسان العبد الصالح تكون عنوانه ودليله ولباسه الساتر وجماله الظاهر وعطره الفواح ، فيفتح الله بها قلوب العباد وتزكو بها أرواحهم .
والكلمة الطيبة ذكر لله تعالى وتسبيح وتهليل وتكبير، وحمد ودعاء، وشكر وقراءة قرآن ، وعلم نافع، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ونصيحة نافعة، وغير ذلك من العبادات القولية.
قال تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ فاطر: 10
والمؤمن الحق يعلم أن سلامة إيمانه مرتبط بنزاهة لسانه قال صلى الله عليه وسلم: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري ومسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم ) رواه البخاري ومسلم .

ب - الكلمة الحسنة دعوة إلى الله :

قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 33) سورة فصلت
وكلمة الدعوة هي أحسن كلمة تقال في الأرض ، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ؛ ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ .
والكلمة الطيبة الخالية من السباب وتجريح الأعراض، وإيذاء الأسماع وإيلام القلوب ووغر الصدور تنزع العداوة من القلوب وتزرع المحبة والولاية بين المؤمنين ، قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) 34 سورة فصلت
وليس للداعية أن يرد بالسيئة ، فإن الحسنة لا يستوي أثرها كما لا تستوي قيمتها مع السيئة والصبر والتسامح ، والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر ، يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة ، فتنقلب من الخصومة إلى الولاء ، ومن الجماح إلى اللين .

ثانيا : الكلمة الطيبة إصلاح وجهاد :

.
أ - الكلمة منهج إصلاح :

والمؤمن الحق يشعر بقيمة كلمته فهي معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح والإصلاح في الدنيا ، والفوز والنجاة في الآخرة ، يقول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا ) سورة الأحزاب: الآيتان 70-71 .
وللكلمة الطيبة قوة عظيمة في الانتصار على النفس خاصة عند الخصام والجدال والعداوة حينما تصدر من المؤمن القوي الحق الذي ينتصر على نفسه. عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم  ) :ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ( متفق عليه  .
والكلمة الطيبة لها آثارها الحسنة العاجلة والآجلة على صاحبها وعلى من بلغته ، فكم من كلمة طيبة غيرت مجتمعاً من الشر إلى الخير ، ومن الذل إلى العز، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة.

ب - الكلمة أفضل جهاد :

إن كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا قيلت في مواجهة صاحب السلطان فقد يتعرض من قالها للأذى والهلاك ، لذلك كان أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف .
أخرج الإمام أحمد في مسنده : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل قال : ( كلمة حق عند سلطان جائر ( .
وإنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير ، فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير ، وإن مات فى سبيلها فهو سيد الشهداء كقوله صلى الله عليه وسلم ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله )

.
ثالثا : الكلمة أمانة وشهادة :

من أعظم الأمانات ولاية أمور الناس ، وقد تكون الولاية عامة وضخمة كرئيس الدولة الذي يحكم أو البرلمان الذي يسن التشريعات والقوانين ، وقد تكون الولاية خاصة وبسيطة كاختيار مجلس إدارة نادي أو جمعية .
ومن الأمانة أن تعطى الولاية لمن يستحقها من أهلها ، وتستحق هذه الولاية بكلمة يدلي بها الناخب في انتخاب يشهد بها على كفاءة المرشح على تولي الولاية ، لذلك كانت الانتخابات أمانة وشهادة .

أ - معنى الانتخاب :

 1 . الانتخابات لغة :
انتخب الشيءَ : اختارَه.
ونُخْبةُ القَوم ونُخَبَتُهم : خِيارُهم.

2 .  الانتخابات اصطلاحا :
هي تلك العملية التي بواسطتها يقوم المواطنون باختيار ممثليهم لاستلام مناصب السلطة التشريعية أو التنفيذية أو المؤسسات المحلية، وذلك من خلال التصويت .

3 . والتصويت :
هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات.

ب - الانتخابات أمانة :

قال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء :58 .
والانتخاب أمانة للناخبين كي يولوا هذه الولايات مستحقيها ، ممن هم كفؤ لها ، فإن الناخب أعطي هذه الأمانة وهي تولية من يعتقد أنه الأصلح للمنصب الذي ينتخب له ، وعلى الناخب أن يؤدي الأمانة ولا يضيعها .
سأل أبو ذر الرسول صلى الله عليه وسلم الإمارة ، فكان الجواب صريحا وواضحا قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها )   .
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن يزيد بن أبي سفيان قال : قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ، ذلك أكثر ما أخاف عليك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم  ) .
وأخرج الشيخان عن معقل قال : سمعت رسول الله يقول : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) .
وفي كتاب السياسة الشرعية يقول ابن تيمية رحمه الله : فليس عليه أن يستعمل إلا الأصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجودة من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ، فإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذ الولاية بحقها ، فقد أدى الأمانـة وقام بالواجب في هذا  .

ج - الانتخـاب شهادة  :

الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره ، لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : ( أترى الشمس ؟ قال نعم ، فقال : على مثلها فاشهد ، أو دع ) رواه
والشهادة أمر خطير دنيا ودينا ، لذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة الزور ، وجعلها صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر فقال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) رواه مسلم .
فكلمة الناخب إما أن تكون شهادة حق ، أو شهادة زور ، فإذا تحققت شروط الناخب ، وأدى الشهادة كما يرضي الله ورسوله فهذه شهادة حق يثاب عليها حال إدلائه بصوته ، وتبقى صدقة جارية يثاب هذا الناخب على كل عمل خير يقوم به هذا المرشح بعد فوزه .
أما إذا أعطى صوته لمرشح ليس كفئاً ، وكان بين المرشحين من هو أرضى منه لله ورسوله ، فهذا الانتخاب شهادة زور والعياذ بالله ، وقد سبق تشديد الوعيد لشهادة الزور ، وأنها تعدل الشرك بالله .

د - حق الناخب وواجبه  :

1 .  الحق في معرفة المهمة التي يرشح لها :
فمن حق الناخب على الجهة المشرفة على الانتخاب أن تحيطه علما بالمهام والواجبات التي تقع على عاتق من يشغل الموقع المرشح له ، وكذلك بيان دوره في المجتمع وأهميته .

2 .  واجب العلم بشخصية المرشح وسماته :
ولقد لخص القرآن الكريم السمات العامة للمسئول في القوة والأمانة حال ذكر حكاية عن بنت الرجل الصالح شعيب ، فقال الله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) القصص : 26 .
ومن ثم ينبغي أن تتوفر في المراد انتخابه ثلاث صفات رئيسة هي :
 * أن يكون لديه معرفة وإلمام بالحاجات المرتبطة بالناس وبالقوانين الخاصة بالشأن المرشح له حتى يتمكن من أداء دوره بنجاح.
 * أن يمتلك القوة والجرأة التي تمكنه من الدفاع عن حقوق المواطنين ضمن إطارها الطبيعي.
 * أن يكون لديه شعور بالمسؤولية تجاه الناس الوطن ، والأمانة المانعة من أن يستغل الموقع لمصالحه الشخصية .
وعليه يجب على الناخب أن يتحقق من وجود تلك السمات في شخصية المرشح حتى ينتخبه .

3 .  وسؤال أهـل الـذكر إن كان لا يعلم :
بهذا العلم يتمكن الناخب من المقارنة بين المرشحين ، ويعرف الأفضل منهم والأرضى لله ورسوله فينتخبه أو يشهده بأنه هو الأصلح لهذه المهمة ، وعندئذ تكون شهادته صحيحة ، وموافقة للشرع .
أما إذا كان الناخب لا يقدر على أداء الشهادة صحيحة على النحو السالف بيانه ، لكونه لا يعرف المرشحين ، فيتعين عليه أن يسأل عنهم من يثق بدينهم وعلمهم ليعرف من هو الأرضى لله ورسوله فيقدم له صوته .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من استعمل رجلا ً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) رواه الحاكم3 والتصويت :
هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات.

ب - الانتخابات أمانة :

قال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء :58 .
والانتخاب أمانة للناخبين كي يولوا هذه الولايات مستحقيها ، ممن هم كفؤ لها ، فإن الناخب أعطي هذه الأمانة وهي تولية من يعتقد أنه الأصلح للمنصب الذي ينتخب له ، وعلى الناخب أن يؤدي الأمانة ولا يضيعها .
سأل أبو ذر الرسول صلى الله عليه وسلم الإمارة ، فكان الجواب صريحا وواضحا قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها )   .
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن يزيد بن أبي سفيان قال : قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ، ذلك أكثر ما أخاف عليك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم  ) .
وأخرج الشيخان عن معقل قال : سمعت رسول الله يقول : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) .
وفي كتاب السياسة الشرعية يقول ابن تيمية رحمه الله : فليس عليه أن يستعمل إلا الأصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجودة من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ، فإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذ الولاية بحقها ، فقد أدى الأمانـة وقام بالواجب في هذا  .

ج - الانتخـاب شهادة  :

الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره ، لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : ( أترى الشمس ؟ قال نعم ، فقال : على مثلها فاشهد ، أو دع ) رواه
والشهادة أمر خطير دنيا ودينا ، لذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة الزور ، وجعلها صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر فقال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) رواه مسلم .
فكلمة الناخب إما أن تكون شهادة حق ، أو شهادة زور ، فإذا تحققت شروط الناخب ، وأدى الشهادة كما يرضي الله ورسوله فهذه شهادة حق يثاب عليها حال إدلائه بصوته ، وتبقى صدقة جارية يثاب هذا الناخب على كل عمل خير يقوم به هذا المرشح بعد فوزه .
أما إذا أعطى صوته لمرشح ليس كفئاً ، وكان بين المرشحين من هو أرضى منه لله ورسوله ، فهذا الانتخاب شهادة زور والعياذ بالله ، وقد سبق تشديد الوعيد لشهادة الزور ، وأنها تعدل الشرك بالله .

د - حق الناخب وواجبه  :

. 1  الحق في معرفة المهمة التي يرشح لها :
فمن حق الناخب على الجهة المشرفة على الانتخاب أن تحيطه علما بالمهام والواجبات التي تقع على عاتق من يشغل الموقع المرشح له ، وكذلك بيان دوره في المجتمع وأهميته .

. 2  واجب العلم بشخصية المرشح وسماته :
ولقد لخص القرآن الكريم السمات العامة للمسئول في القوة والأمانة حال ذكر حكاية عن بنت الرجل الصالح شعيب ، فقال الله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) القصص : 26 .
ومن ثم ينبغي أن تتوفر في المراد انتخابه ثلاث صفات رئيسة هي :
 * أن يكون لديه معرفة وإلمام بالحاجات المرتبطة بالناس وبالقوانين الخاصة بالشأن المرشح له حتى يتمكن من أداء دوره بنجاح.
 * أن يمتلك القوة والجرأة التي تمكنه من الدفاع عن حقوق المواطنين ضمن إطارها الطبيعي.
 * أن يكون لديه شعور بالمسؤولية تجاه الناس الوطن ، والأمانة المانعة من أن يستغل الموقع لمصالحه الشخصية .
وعليه يجب على الناخب أن يتحقق من وجود تلك السمات في شخصية المرشح حتى ينتخبه .

 . 3 وسؤال أهـل الـذكر إن كان لا يعلم :
بهذا العلم يتمكن الناخب من المقارنة بين المرشحين ، ويعرف الأفضل منهم والأرضى لله ورسوله فينتخبه أو يشهده بأنه هو الأصلح لهذه المهمة ، وعندئذ تكون شهادته صحيحة ، وموافقة للشرع .
أما إذا كان الناخب لا يقدر على أداء الشهادة صحيحة على النحو السالف بيانه ، لكونه لا يعرف المرشحين ، فيتعين عليه أن يسأل عنهم من يثق بدينهم وعلمهم ليعرف من هو الأرضى لله ورسوله فيقدم له صوته .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من استعمل رجلا ً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) رواه الحاكم