الطغاة الظالمون يغيظهم استمساك أهل الحق بدعوة الله تعالى وجهادهم لتحكيم شريعته ، ويستفزهم جهدهم الدءوب في الإصلاح والتغيير ، فيثورون محاولين القضاء عليهم - إن استطاعوا - أو على الأقل إزاحتهم عن طريقهم بكل الوسائل .
ولقد فعل الإنقلابيون في حق الإسلاميين ما يعد إبادة جماعية ، بعد أن افلح الأحرار المصلحون بعد ثورة 25 يناير 2011 في إزاحة الطغاة المستبدين ، واختاروا رئيسا مدنيا مسلما أعلن أن الله غايته والجهاد سبيله لإنتزاع حقوق الشعب من الظالمين وإسترداد حرياتهم وكرامتهم من المستبدين .
فما لبث أن انقلب العسكر على الحكم وخطفو الرئيس ، وتحالف الإنقلابيون مع شياطين الشرق والغرب وحاربوا الإسلاميين بإعتبارهم ارهابيين ، ثم تنوعت المحن الواقعة على كل الأحرار المصلحين ، ولم يبالوا لكونهم يعلمون يقينا أن طريق الدعوة حافل بالعقبات والأشواك مفروش بالدماء والأشلاء ، محفوف بالمخاطر والفتن والابتلاءات.
ولكونهم يفقهون قول الله تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت: 1-3 ، فهم مؤمنون أن المحن على طريق الدعوة سنة لازمة لا انفكاك عنها ، ولا يمكن تفاديها ولا التخفيف من حدتها ولا تقليص مدتها ، وأن عدم تعرض أصحاب الدعوات للمحن يشكك في صحة الطريق الذي يسلكونه ، فأنبياء الله الذين اصطفاهم الله أوذوا فصبروا كان الألم طريقهم للأمل الموصل للنصر والتمكين .
والقرآن يغرس في الأمة الأمل ويبشرها بالنصر القرآن ، وكذلك كانت انتصاراتها الأمة السابقة فى حطين حيث الغلبة على الرومان وعين جالوت حيث الغلبة التتار فذلك طريقها إلى الأمل واثقين بنصر الله تعالى .
لكننا نؤمن بأن الأمل يجب أن يرافقه العمل؛ لان الأخذ بالأسباب منهج ألهي في إقامة الدين ، وأن للغلبة والتمكين أسباب أولها التربية الجهادية ، القائمة على التماس أسباب القوة وهي ثلاث : قوة العقيدة والإيمان وقوة الوحدة والارتباط وقوة الساعد والسلاح .
والحديث عن : الأمل يدفع إلى العمل يقتصي تعريف الأمل ودوره في حياة الأنبياء ، وكون القرآن يغرس الأمل ويبشر بالنصر ، وأن انتصارات التاريخية حافز إلى النصر القادم ،
وأن الحديث عن أنه : لا أمل بلا عمل ، يقتضي بيان ان الأخذ بالأسباب منهج ألهي في إقامة الدين ، وأن للغلبة والتمكين أسباب لا يمكن للأمة أن تنتصر بدونها ، وبيان ذلك في الآتي :
أولا : الألم يصنع الأمل :
إ - تعريف الأمل :
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات ؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، ويأمل في إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه .
ب - الأمل في حياة الأنبياء :
وفي المحن حيث الضيق والألم يشعر المؤمن بضعفه البشري وحاجته إلى الله القوي ، فيرجع إلى كتاب الله الكريم ويتدبر آياته ليجد أن الألم طريق المؤمن إلى الأمل ، فيتعرف على حال خير خلق الله الأنبياء الذين اصطفاهم الله كيف أوذوا فصبروا وكان الألم طريق الأمل ، فيصنع الأمل ويدفعه الألم إلى العمل .
روى الترمذي عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَــدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : ( الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ) ، صححه الألباني
ومع شدة البلاء الواقع على الأنبياء نجد الأمل والرجاء جل أخلاقهم ، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وآذي ؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام .
- 1محمد صلى الله عليه واله وسلم :
قال الله تعالى : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )
هذه الجملة القصيرة ذات الكلمات القوية الشجاعة سجلها القرآن الكريم على لسان النبي الأمين صلى الله عليه وسلم يطمئن بها صاحبه الصدّيق ، وقد لحق يهما الكفار في الغار حال هجرتهما من مكة إلى المدينة وأحاطوا بهما من كل جانب ، بعد أن قال له لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا يا رسول الله ، فقالها النبي ، فقال الله تعالى : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/40.
( كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه )
قالها الرسول صلى الله عليه واله وسلم في أحداث الهجرة لسراقة لما أدركما ، وكان يسعى للحصول على جائزة القبض على رسول الله وتسليمه المشركين حيا او ميتا ، وكاد يمسك بهما ، فلما رآه سيدنا أبو بكر قال أُتينا يا رسول الله فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على سراقة فساخت يدا فرسه في الرمل فقال سراقة : إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب ، فدعا له النبي صلى الله عليه ووعده سواري كسرى وتاجه .
( الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام ، وفارس ، و اليمن )
ويربي أصحابه على الثقة واليقين بموعود الله، وعلى التفاؤل والأمل، في هول وشدة غزوة الأحزاب التي وصفها الله هذا الموقف بقوله تعالى: ( إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (الأحزاب ، فيروي البراء بن عازب قال: ( أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله ، فضرب ضربة ، فكسر ثلث الحجر، وقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال : باسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال : باسم الله، وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا )
- 2 نوح -عليه السلام :
قال الله تعالى : { قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا . ثم إني دعوتهم جهارًا ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا } نوح : 5-9.
ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن ، فُرَادَى وجماعات ، لم يترك طريقًا من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله ، فأوحى الله -تعالى- إليـه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة ، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
- 3 يعقوب -عليه السلام :
قال الله تعالى : {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) يوسف:87،
ابتلى الله -سبحانه- نبيه يعقوب -عليه السلام- بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكنه -عليه السلام- ظل صابرًا بقضاء الله ، وازداد أمله ورجاؤه في الله سبحانه- أن يُعِيدَهما إليه، فقال لهم : ( تيأسوا من روح الله ) وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
- 4 موسى -عليه السلام-:
قال الله تعالى : {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) 61 الى 66 الشعراء ،
حين طارد فرعون وجنوده موسى عليه السلام وقومه ، فظن أَصْحَابُ مُوسَى أن فرعون سيدركهم ، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر ، هنا ظهر الأمل عند موسى عليه السلام فقال ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فأمره الله -سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه ، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
- 5 أمل أيوب -عليه السلام :
قال الله تعالى : { وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } الأنبياء: 83
ابتلى الله سبحانه- نبيه أيوب عليه السلام في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه ، وكان دائم الدعاء لله ؛ ، فلم يُخَيِّب الله أمله ، فحقق رجاءه ، وشفاه الله وعافاه ، وعوَّضه عما فقده .
ج - القرآن يغرس في الأمة الأمل ويبشرها بالنصر :
أمة القرآن أمة محمد يبشرهم ربهم بأنهم الأعلون :
وإن كانوا في أحط منازل القدرة المادية ، وإن كنا في وقت من الأوقات في دائرة الهزيمة العسكرية القرآن. { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آل عمران/139 .
أمة القرآن تثق دائما بنصر الله :
لقول الحق تعالى : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } التوبة/32، 33 .
أمة القرآن بالوعد الرباني :
حين قال الله تعالى : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الروم/47 { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } غافر/51 { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ } إبراهيم/27 .
ونصر الله لعباده المؤمنين يقين لا يتزعزع :
يعيشه المسلم حتى في أوقات الشدة التي لا تطاق ، واثقا في قول تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ، أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } البقرة/214 .
د - انتصاراتها الأمة طريقها إلى الأمل في النصر القادم :
نحن أمة حطين التي استعادت فلسطين دون أن يمر على احتلالها قرن من الزمان .
نحن أمة عين جالوت التي انتصرت في معركة واإسلاماه على التتار الذين أبادوا الأخضر واليابس وقتلوا مئات الآلاف من المسلمين حتى كان مجرد ذكر إسمهم تنخلع له القلوب وحتى كان بعض المسلمين قد أيس أن يكون ثمة قدرة على مواجهة .
نحن أمة عبدا لقادر الجزائري الذي قاد التحرير ضد فرسنا من الجزائر .
نحن أمة عبد الكريم الخطابي الذي أخرج بقيادته الفرنسيين من المغرب .
نحن أمة عبد القادر الحسيني الذي جاهد الإنجليز واليهود في فلسطين .
نحن أمة نحن أمة عمر المختار البطل الذي أخرج الإيطاليين من ليبيا .
نحن أمة أطفال الحجارة وشباب الانتفاضة ورجال المقاومة، وأبطال الجهاد في فلسطين الذين علموا الدنيا كلها أن الإيمان واليقين لا يهزمه شيء مهما كانت القوى المدججة بالسلاح .
نحن أمة قوة وعزة، نحن أمة إيمان ويقين، لا يمكن أن تهزمنا الأحداث ، لكننا لا نبقى مع الأمل الحالم ، بل مع الأمل المدعوم بالعمل كما كانت أمتنا في كل وقت وحين .
ثانيا : لا أمل بلا عمل :
الأمل يجب أن يرافقه حسن العمل؛ لأن الذي يحسن الظن ويحسن العمل هو الذي يحسن الظن حقيقة بربه ، أما الذي يحسن الظن بالله ويسيء العمل فهذا يسيء الظن بالله ، يقول الحسن البصري : [ إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ]
أ - الأخذ بالأسباب منهج ألهي في إقامة الدين :
يقول السيد قطب في كتابه هذا الدين : المنهج الإلهي، الذي يمثله "الإسلام" في صورته النهائية، كما جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، لا يتحقق في الأرض، وفي دنيا الناس، بمجرد تنزله من عند الله. لا يتحقق بكلمة: “كن” الإلهية، مباشرة لحظة تنزله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب.
إنما يتحقق بان تحمله جماعة من البشر. تؤمن به إيماناً كاملاً، وتستقيم عليه - بقدر طاقتها- وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك... تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل النفوس. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدى...
ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها بقدر ما تبذل من الجهد . وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة للزمان ولمقتضيات الأحوال. وقبل كل شيء... بمقدار ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج، ومن ترجمته ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي.
إن الله قادر - طبعاً - على تبديل فطرة الإنسان، عن طريق هذا الدين أو عن غير طريقه. ولكنه - سبحانه - شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة لحكمة يعلمها ، وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والرغبة في الهدى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " .
ب - أسباب الغلبة والتمكين :
الله عز وجل يقول : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ سورة النور الآية : 55 .
هذا وعد من الله تعالى لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين لهم في الأرض ، ولكن سنة الله غلابة فلا ينزل نصره إلا بإلتماس الأسباب الحقيقية الكامنة وراء النصر والغلبة والتي لا يمكن لجماعة مؤمنة أن تنتصر بدونها وهي :
1 ـ الإيمان بالله :
الإيمان هو السبب الأول لنصرة الإسلام والتمكين للمسلمين في الأرض فهذا وعد الله تعالى كما أثبت القرآن الكريم :قال الله تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة النور (55).
والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بهذه الصفات الواردة في القرآن الكريم :يقوله الله تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} سورة الأنفال (2).
وقال سبحانه أيضا: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} سورة الأنفال (3-4).
. 2 طاعة الله ورسوله :
وإشترط الله تعالى تحقيق نصره لعباده بنصرة العباد له سبحانه فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) سورة محمد الآية 7.
ونصر الله من المؤمنين هو : طاعتهم لله تعالى باتباع شريعته ونصرة دينه والقيام بحقه تعالى ، مع اليقين بأن الله سبحانه ليس في حاجة إلى عباده بل هم المحتاجون إليه .
فالجماعة المؤمنة يجب أن تكون حريصة على طاعة ربها وطاعة رسولها ، تتحرى وتلتزم في كل شئونها وأحوالها بشرع الله ، دون أن تقدم بين يديه شرائع الهوى والطاغوت .
يقول الله تعالى ـ : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا } ( الأحزاب : 36 .
- 3 التماس أسباب القوة وهي ثلاث :
أولها : قوة العقيدة والإيمان :
وبها يقوم الفرد المسلم ، وتتمثل في الإيمان بالله والتوكَّل عليه ، والحياة في معينه سبحانه ، كما ربى رسول الله ابنِ عبّاسٍ-رضي الله عنه- حيث قال : ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف)) رواه الترمذي.
وثانيها : قوة الوحدة والارتباط :
وبها تتماسك الجماعة ويتوحد الصف ، وعنها قال تعالى :(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» .
وقوة الوحدة والإرتباط ضمان عدم التفرق والتنازع المؤدي الى الفشل والهزيمة ، ووقاية من تشقق صف الجماعة وتتفرق كلمتها ، ولذلك يحذر رب العالمين منها حين يقول سبحانه: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}54 .
وثالثها : قوة الساعد والسلاح :
وهي َضرورية لحماية الأوطان من العدو الغادر ، ولنشر الإسلام بقيام فريضة الدعوة إلى الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله يحتاج إلى قوة ، لذلك كان النداء الرباني للجماعة المسلمة : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [(60) سورة الأنفال].
4 ـ التربية الجهادية :
ولن يتمكن المسلمون ولن ينتصر دينهم إلا إذا سلكوا مسلك الأولين عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم ، وكانوا لا يرهبهم سطوة حاكم ، أو سوط جلاد ، ولا حبل مشنقة ، بل إنهم ليستعذبونه في سبيل الله ،
فيجاهروا الطغاة الظالمين بكراهة باطلهم وجاهليتهم ومجاهدتهم باللسان بالتبليغ والبيان ، ومجاهدتهم باليد بالدفع والإزالة من طريق الهدى حين يعترضونه بالقوة الباغية والبطش الغشوم ،
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [(7) سورة محمد] فلا بد من الأخذ بالأسباب بالنصر والتمكين.
ولقد فعل الإنقلابيون في حق الإسلاميين ما يعد إبادة جماعية ، بعد أن افلح الأحرار المصلحون بعد ثورة 25 يناير 2011 في إزاحة الطغاة المستبدين ، واختاروا رئيسا مدنيا مسلما أعلن أن الله غايته والجهاد سبيله لإنتزاع حقوق الشعب من الظالمين وإسترداد حرياتهم وكرامتهم من المستبدين .
فما لبث أن انقلب العسكر على الحكم وخطفو الرئيس ، وتحالف الإنقلابيون مع شياطين الشرق والغرب وحاربوا الإسلاميين بإعتبارهم ارهابيين ، ثم تنوعت المحن الواقعة على كل الأحرار المصلحين ، ولم يبالوا لكونهم يعلمون يقينا أن طريق الدعوة حافل بالعقبات والأشواك مفروش بالدماء والأشلاء ، محفوف بالمخاطر والفتن والابتلاءات.
ولكونهم يفقهون قول الله تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت: 1-3 ، فهم مؤمنون أن المحن على طريق الدعوة سنة لازمة لا انفكاك عنها ، ولا يمكن تفاديها ولا التخفيف من حدتها ولا تقليص مدتها ، وأن عدم تعرض أصحاب الدعوات للمحن يشكك في صحة الطريق الذي يسلكونه ، فأنبياء الله الذين اصطفاهم الله أوذوا فصبروا كان الألم طريقهم للأمل الموصل للنصر والتمكين .
والقرآن يغرس في الأمة الأمل ويبشرها بالنصر القرآن ، وكذلك كانت انتصاراتها الأمة السابقة فى حطين حيث الغلبة على الرومان وعين جالوت حيث الغلبة التتار فذلك طريقها إلى الأمل واثقين بنصر الله تعالى .
لكننا نؤمن بأن الأمل يجب أن يرافقه العمل؛ لان الأخذ بالأسباب منهج ألهي في إقامة الدين ، وأن للغلبة والتمكين أسباب أولها التربية الجهادية ، القائمة على التماس أسباب القوة وهي ثلاث : قوة العقيدة والإيمان وقوة الوحدة والارتباط وقوة الساعد والسلاح .
والحديث عن : الأمل يدفع إلى العمل يقتصي تعريف الأمل ودوره في حياة الأنبياء ، وكون القرآن يغرس الأمل ويبشر بالنصر ، وأن انتصارات التاريخية حافز إلى النصر القادم ،
وأن الحديث عن أنه : لا أمل بلا عمل ، يقتضي بيان ان الأخذ بالأسباب منهج ألهي في إقامة الدين ، وأن للغلبة والتمكين أسباب لا يمكن للأمة أن تنتصر بدونها ، وبيان ذلك في الآتي :
أولا : الألم يصنع الأمل :
إ - تعريف الأمل :
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات ؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، ويأمل في إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه .
ب - الأمل في حياة الأنبياء :
وفي المحن حيث الضيق والألم يشعر المؤمن بضعفه البشري وحاجته إلى الله القوي ، فيرجع إلى كتاب الله الكريم ويتدبر آياته ليجد أن الألم طريق المؤمن إلى الأمل ، فيتعرف على حال خير خلق الله الأنبياء الذين اصطفاهم الله كيف أوذوا فصبروا وكان الألم طريق الأمل ، فيصنع الأمل ويدفعه الألم إلى العمل .
روى الترمذي عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَــدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : ( الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ) ، صححه الألباني
ومع شدة البلاء الواقع على الأنبياء نجد الأمل والرجاء جل أخلاقهم ، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وآذي ؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام .
- 1محمد صلى الله عليه واله وسلم :
قال الله تعالى : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )
هذه الجملة القصيرة ذات الكلمات القوية الشجاعة سجلها القرآن الكريم على لسان النبي الأمين صلى الله عليه وسلم يطمئن بها صاحبه الصدّيق ، وقد لحق يهما الكفار في الغار حال هجرتهما من مكة إلى المدينة وأحاطوا بهما من كل جانب ، بعد أن قال له لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا يا رسول الله ، فقالها النبي ، فقال الله تعالى : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/40.
( كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه )
قالها الرسول صلى الله عليه واله وسلم في أحداث الهجرة لسراقة لما أدركما ، وكان يسعى للحصول على جائزة القبض على رسول الله وتسليمه المشركين حيا او ميتا ، وكاد يمسك بهما ، فلما رآه سيدنا أبو بكر قال أُتينا يا رسول الله فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على سراقة فساخت يدا فرسه في الرمل فقال سراقة : إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب ، فدعا له النبي صلى الله عليه ووعده سواري كسرى وتاجه .
( الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام ، وفارس ، و اليمن )
ويربي أصحابه على الثقة واليقين بموعود الله، وعلى التفاؤل والأمل، في هول وشدة غزوة الأحزاب التي وصفها الله هذا الموقف بقوله تعالى: ( إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (الأحزاب ، فيروي البراء بن عازب قال: ( أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله ، فضرب ضربة ، فكسر ثلث الحجر، وقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال : باسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال : باسم الله، وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا )
- 2 نوح -عليه السلام :
قال الله تعالى : { قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا . ثم إني دعوتهم جهارًا ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا } نوح : 5-9.
ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن ، فُرَادَى وجماعات ، لم يترك طريقًا من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله ، فأوحى الله -تعالى- إليـه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة ، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
- 3 يعقوب -عليه السلام :
قال الله تعالى : {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) يوسف:87،
ابتلى الله -سبحانه- نبيه يعقوب -عليه السلام- بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكنه -عليه السلام- ظل صابرًا بقضاء الله ، وازداد أمله ورجاؤه في الله سبحانه- أن يُعِيدَهما إليه، فقال لهم : ( تيأسوا من روح الله ) وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
- 4 موسى -عليه السلام-:
قال الله تعالى : {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) 61 الى 66 الشعراء ،
حين طارد فرعون وجنوده موسى عليه السلام وقومه ، فظن أَصْحَابُ مُوسَى أن فرعون سيدركهم ، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر ، هنا ظهر الأمل عند موسى عليه السلام فقال ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فأمره الله -سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه ، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
- 5 أمل أيوب -عليه السلام :
قال الله تعالى : { وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } الأنبياء: 83
ابتلى الله سبحانه- نبيه أيوب عليه السلام في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه ، وكان دائم الدعاء لله ؛ ، فلم يُخَيِّب الله أمله ، فحقق رجاءه ، وشفاه الله وعافاه ، وعوَّضه عما فقده .
ج - القرآن يغرس في الأمة الأمل ويبشرها بالنصر :
أمة القرآن أمة محمد يبشرهم ربهم بأنهم الأعلون :
وإن كانوا في أحط منازل القدرة المادية ، وإن كنا في وقت من الأوقات في دائرة الهزيمة العسكرية القرآن. { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آل عمران/139 .
أمة القرآن تثق دائما بنصر الله :
لقول الحق تعالى : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } التوبة/32، 33 .
أمة القرآن بالوعد الرباني :
حين قال الله تعالى : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الروم/47 { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } غافر/51 { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ } إبراهيم/27 .
ونصر الله لعباده المؤمنين يقين لا يتزعزع :
يعيشه المسلم حتى في أوقات الشدة التي لا تطاق ، واثقا في قول تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ، أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } البقرة/214 .
د - انتصاراتها الأمة طريقها إلى الأمل في النصر القادم :
نحن أمة حطين التي استعادت فلسطين دون أن يمر على احتلالها قرن من الزمان .
نحن أمة عين جالوت التي انتصرت في معركة واإسلاماه على التتار الذين أبادوا الأخضر واليابس وقتلوا مئات الآلاف من المسلمين حتى كان مجرد ذكر إسمهم تنخلع له القلوب وحتى كان بعض المسلمين قد أيس أن يكون ثمة قدرة على مواجهة .
نحن أمة عبدا لقادر الجزائري الذي قاد التحرير ضد فرسنا من الجزائر .
نحن أمة عبد الكريم الخطابي الذي أخرج بقيادته الفرنسيين من المغرب .
نحن أمة عبد القادر الحسيني الذي جاهد الإنجليز واليهود في فلسطين .
نحن أمة نحن أمة عمر المختار البطل الذي أخرج الإيطاليين من ليبيا .
نحن أمة أطفال الحجارة وشباب الانتفاضة ورجال المقاومة، وأبطال الجهاد في فلسطين الذين علموا الدنيا كلها أن الإيمان واليقين لا يهزمه شيء مهما كانت القوى المدججة بالسلاح .
نحن أمة قوة وعزة، نحن أمة إيمان ويقين، لا يمكن أن تهزمنا الأحداث ، لكننا لا نبقى مع الأمل الحالم ، بل مع الأمل المدعوم بالعمل كما كانت أمتنا في كل وقت وحين .
ثانيا : لا أمل بلا عمل :
الأمل يجب أن يرافقه حسن العمل؛ لأن الذي يحسن الظن ويحسن العمل هو الذي يحسن الظن حقيقة بربه ، أما الذي يحسن الظن بالله ويسيء العمل فهذا يسيء الظن بالله ، يقول الحسن البصري : [ إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ]
أ - الأخذ بالأسباب منهج ألهي في إقامة الدين :
يقول السيد قطب في كتابه هذا الدين : المنهج الإلهي، الذي يمثله "الإسلام" في صورته النهائية، كما جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، لا يتحقق في الأرض، وفي دنيا الناس، بمجرد تنزله من عند الله. لا يتحقق بكلمة: “كن” الإلهية، مباشرة لحظة تنزله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب.
إنما يتحقق بان تحمله جماعة من البشر. تؤمن به إيماناً كاملاً، وتستقيم عليه - بقدر طاقتها- وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك... تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل النفوس. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدى...
ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها بقدر ما تبذل من الجهد . وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة للزمان ولمقتضيات الأحوال. وقبل كل شيء... بمقدار ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج، ومن ترجمته ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي.
إن الله قادر - طبعاً - على تبديل فطرة الإنسان، عن طريق هذا الدين أو عن غير طريقه. ولكنه - سبحانه - شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة لحكمة يعلمها ، وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والرغبة في الهدى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " .
ب - أسباب الغلبة والتمكين :
الله عز وجل يقول : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ سورة النور الآية : 55 .
هذا وعد من الله تعالى لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين لهم في الأرض ، ولكن سنة الله غلابة فلا ينزل نصره إلا بإلتماس الأسباب الحقيقية الكامنة وراء النصر والغلبة والتي لا يمكن لجماعة مؤمنة أن تنتصر بدونها وهي :
1 ـ الإيمان بالله :
الإيمان هو السبب الأول لنصرة الإسلام والتمكين للمسلمين في الأرض فهذا وعد الله تعالى كما أثبت القرآن الكريم :قال الله تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة النور (55).
والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بهذه الصفات الواردة في القرآن الكريم :يقوله الله تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} سورة الأنفال (2).
وقال سبحانه أيضا: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} سورة الأنفال (3-4).
. 2 طاعة الله ورسوله :
وإشترط الله تعالى تحقيق نصره لعباده بنصرة العباد له سبحانه فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) سورة محمد الآية 7.
ونصر الله من المؤمنين هو : طاعتهم لله تعالى باتباع شريعته ونصرة دينه والقيام بحقه تعالى ، مع اليقين بأن الله سبحانه ليس في حاجة إلى عباده بل هم المحتاجون إليه .
فالجماعة المؤمنة يجب أن تكون حريصة على طاعة ربها وطاعة رسولها ، تتحرى وتلتزم في كل شئونها وأحوالها بشرع الله ، دون أن تقدم بين يديه شرائع الهوى والطاغوت .
يقول الله تعالى ـ : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا } ( الأحزاب : 36 .
- 3 التماس أسباب القوة وهي ثلاث :
أولها : قوة العقيدة والإيمان :
وبها يقوم الفرد المسلم ، وتتمثل في الإيمان بالله والتوكَّل عليه ، والحياة في معينه سبحانه ، كما ربى رسول الله ابنِ عبّاسٍ-رضي الله عنه- حيث قال : ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف)) رواه الترمذي.
وثانيها : قوة الوحدة والارتباط :
وبها تتماسك الجماعة ويتوحد الصف ، وعنها قال تعالى :(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» .
وقوة الوحدة والإرتباط ضمان عدم التفرق والتنازع المؤدي الى الفشل والهزيمة ، ووقاية من تشقق صف الجماعة وتتفرق كلمتها ، ولذلك يحذر رب العالمين منها حين يقول سبحانه: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}54 .
وثالثها : قوة الساعد والسلاح :
وهي َضرورية لحماية الأوطان من العدو الغادر ، ولنشر الإسلام بقيام فريضة الدعوة إلى الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله يحتاج إلى قوة ، لذلك كان النداء الرباني للجماعة المسلمة : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [(60) سورة الأنفال].
4 ـ التربية الجهادية :
ولن يتمكن المسلمون ولن ينتصر دينهم إلا إذا سلكوا مسلك الأولين عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم ، وكانوا لا يرهبهم سطوة حاكم ، أو سوط جلاد ، ولا حبل مشنقة ، بل إنهم ليستعذبونه في سبيل الله ،
فيجاهروا الطغاة الظالمين بكراهة باطلهم وجاهليتهم ومجاهدتهم باللسان بالتبليغ والبيان ، ومجاهدتهم باليد بالدفع والإزالة من طريق الهدى حين يعترضونه بالقوة الباغية والبطش الغشوم ،
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [(7) سورة محمد] فلا بد من الأخذ بالأسباب بالنصر والتمكين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق