السبت، 21 نوفمبر 2015

فقه الاختلاف ، مفهوم الإختلاف ، وأسبابه ، وآدابه ، وإدارته .... أعداد : محمد أبوغدير المحامي



مقدمة :

قال الله تعالى : ( ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين   )  سورة هود: 118، 119.

الاختلاف سنة كونية من سنن المولى عز وجل ، مظاهرها تتجلى في اختلاف الليل والنهار، والفصول الأربعة ، واختلاف ألوان البشر , وفى الأحزب السياسة المتعددة ، وفي المذاهب الفقهية التي تعدد فيها الآراء في المسألة الواحدة ، وكذلك في تتعدد الحركات الإسلامية العاملة للأسلام .

وحتى يكون الإختلاف ظاهرة صحية معتبرة ونافعة بعيدة عن الخلاف المذموم الذي يفرق الصف ويزرع العداوة والبغضاء بين أفرادة ، ويبدد الطاقات المبذولة ، لابد من  الإحاطة بفقه الاختلاف من حيث مفهومه في اللغة واصطلاح الفقهاء ، والفرق بين الخلاف والاختلاف وأسبابه ، والوقوف على حال الصحابة حال اختلافهم في عصر النبوة ، وآداب الاختلاف في الإسلام ، قواعد إدارة الاختلاف وسياسات حل الخلاف ، الوسائلُ المؤدية إلى الاتفاق ووحدة الصف ، حرية اختلاف الرأي و قبول الآخر .

المبحث الأول : مفهوم الإختلاف والخلاف والفرق بينهما :

المطلب الأول : مفهوم الإختلاف لغة وإصطلاحا :

أولا : الإختلاف في اللغة :

قال الراغب الأصفهاني  : الخلاف والاختلاف في اللغة: ضد الاتفاق، وهو أعم من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين" .
فمثلاً: السواد والبياض ضدان ومختلفان، أما الحمرة والخضرة فمختلفان وليسا ضدين، والخلاف أعم من الضدية؛ لأنه يحمل معنى الضدية، ومعنى المغايرة مع عدم الضدية .

ثانياً : الأختلاف والخلاف في الاصطلاح:

الخلاف والاختلاف كما في المصباح المنير هو : "أن يذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر" .
وعرفه علي بن محمد الجرجاني في كتاب التعريفات بأنه : "منازعة تجري بين المتعارضين؛ لتحقيق حق أو لإبطال باطل" .

المطلب الثاني : الفرق بين الخلاف والاختلاف :

وقد فرق بعض العلماء بين الخلاف وبين الاختلاف في الاصطلاح، من أربعة وجوه ذكرها أبو البقاء الكفوي في كلياته، وهي :

1- (الاختلاف): ما اتحد فيه القصد، واختلف في الوصول إليه، و(الخلاف): يختلف فيه القصد مع الطريق الموصل إليه.

2- (الاختلاف): ما يستند إلى دليل، بينما (الخلاف): لا يستند إلى دليل
.
3- (الإختلاف) الممدوح فيه رحمة ، فقد خلقنا الله مختلفين لا لنتصادم بل لنتكامل ، تحت مظلة الاختلاف والتنوع كل يدلي برأيه وإن تباينت الآراء أما (الاختلاف) يُحدث في الأمة الشرخ والشقوق ، ويخلق الأحقاد والضغائن ولا يوحد الأهداف بل يشتتها وتغدو كل فئة ولها هدف فتتصارع لتثبته .

4- (الاختلاف): لو حكم به القاضي لا يجوز فسخه من غيره، بينما (الخلاف): يجوز فسخه. وخلاصة قوله: إنه إذا جرى الخلاف فيما يسوغ سمي اختلافاً، وإن جرى فيما لا يسوغ سمي خلافاً.

5- (الاختلاف) من سنن الكون وهو يضفي عليه رونقا وجمالا متناسقا وتكاملا يبهج العين ويسعد الروح ، أما (الخلاف) فهو ينسف البناء من أساسه ولو اختلت قوانين الكون قيد أنملة لاندثر الكون .

6- (الاختلاف) غالبا ما يكون ايجابي ، كل منا يكمل نقص الآخر ، أما (الخلاف) فهو يفضي للتناحر ويضعف الأمة ويجعلها لقمة سائغة ينال منها عدوها ويزيد من تفتيتها ..

المطلب الثالث : الاختلاف في القرآن الكريم :

وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم منها :

قال تعالى: "فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ" [مريم: 37]،
وقال تعالى: "يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" [البقرة: 113]، وقال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ" [البقرة:213]،
وقال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ..." [الشورى:10].

أما الخلاف فهو مصدر من خالف إذا عارضه،
قال تعالى :  "وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ" [هود:88]، وقال تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه" [النور:63].
وجاء بصيغة المصدر قال تعالى "لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً" [الاسراء: 76]، وقال تعالى "وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ" [المائدة:33].

والاختلاف قد يوحي بشيء من التكامل والتناغم :
 كما في قوله تعالى "فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا" [فاطر:27] ، أما الخلاف فإنه لا يوحي بذلك وينصب الاختلاف غالباً على الرأي اختلف فلان مع فلان في كذا والخلاف ينصب على الشخص.

المبحث الثاني :  أسباب الاختلاف

الفرع الأول : الأسباب العامة للإختلاف

1. عدم وصول الدليل:

مَن غاب عنه الدليل حارب عن ما يفهمه ويتبناه.. فإن كان يبغي الحق وقف مع الحق وإن خالف رأيه عندما يصل إليه الدليل.
وهذا السبب وجد عند الصحابة أنفسهم رضي الله عنهم، فقد يوجد دليل عند صحابي، ويخفي الدليل على صحابي آخر، ولذلك كان بعضهم إذا أخبر بالدليل يرجع إليه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ قُلْتُ اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَالَ وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ. البخارى ومسلم.
 ولذلك كان الشافعي رحمه الله يقول للإمام أحمد: ” إذا صح عندك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرونا به حتى نرجع إليه“.

2 . الهوى والتعصب:
وهذا السبب لا شك أنه مدعاة للخلاف المذموم، ولسنا ندعي أن جميع من خالف في مسألة متبع لهوى،ولكن قد يوجد من يقول في مسالة على سبيل التعصب والهوى.
والتعصب له خطره العظيم في تاريخ المسلمين، فكم هدم من أمم ودول ومدن؟! وكم أنشأ من فتن وصراعات وقتال؟!

3. التفاوت في القوة:

 سواء كانت قوة الشخصية وتحمل التبعات، أو قوة الذكاء وحدته، ومن ذلك: اختلاف عمر مع بعض الصحابة، وما ذلك إلا لما أعطاه الله تعالى من قوة الفهم والعقل أولا، وقوة الشخصية ثانيا.

4. الاختلاف في مقدار العلم:

وهذا يقع في اختلاف شخص عن آخر ، كما يقع للشخص الواحد، فإنك تجده يقول أقوالا معينة ، وكلما زاد علمه أعاد النظر في هذه الأقوال ، أو غيَّر فتواه التي كان يقول بها، وما من عالم إلا وقد وقع له ذلك.
5. اختلاف الظروف والأحوال:
قد تختلف الظروف والأحوال والبيئات والأوضاع، من حيث القوة والضعف، والشدة والرخاء، والغنى والفقر.
هذه بعض أسباب الخلاف، وربما وجد غيرها… إلا أن الذي ننتهي إليه من ذلك أن الخلاف لابد منه.

الفرع الثاني : أسباب وقوع الاختلاف بين العلماء :

ماذا يختلف المسلمون والعلماء منهم، وهم جميعاً يصدرون يحدث ذلك لأسباب أهمها :

1- اختلاف العلماء في حجية بعض المصادر الفقهية أو اختلافهم في رتبة الاحتجاج بها :

كما في خلاف الفقهاء في حجية القراءات الشاذة والحديث المرسل والاستحسان وشرع من قبلنا وإجماع أهل المدينة.

2- اختلافهم في فهم النصوص :

 كما في قوله: {أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً} [المائدة:6]. ففسرها الجمهور بأنها الجماع، ولم يجعلوا لمس المرأة مما ينقض الوضوء، فيما أخذ الشافعي بظاهرها فجعل مجرد لمس المرأة ناقضاً للوضوء.

3- الاختلاف في فهم علة الحكم :

كما في الخلاف في مشروعية القيام للجنازة هل هو للمؤمن أم للكافر؟ وهل يقام تعظيماً للملائكة أم لهول الموت؟ أم أنه خاص بالكافر حتى لا تعلو جنازة الكافر رأس المسلم؟

4- الجهل بالدليل لعدم بلوغه، مثاله :

خفي على عمر حكم دخول أرض الطاعون، بل وعلى كثير من الصحابة، فاختلفوا حتى أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
5- عدم الوثوق بصحة الدليل الذي عند الآخرين :
فقد يضعف العالم المخالف الحديث في حين يصححه الآخرون، لاختلاف العلماء في تعديل أحد الرواة، أو لعلة يراها في السند أو المتن تجعل الرواية شاذة أو لغير ذلك من أسباب رد الرواية مما هو مسطر في كتب علم الحديث.
ومن ذلك قصة عمر مع فاطمة بنت قيس حين رد حديثها بقوله: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت) [مسلم ح1480].

6- الاختلاف في دلالات الألفاظ والنصوص :

لكون اللفظ مشتركاً أو مجملاً كقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)) [أحمد ح25828، أبو داودح2193 وابن ماجه ح2046]. فقد اختلفوا في تفسير الإغلاق ففسره بعضهم بالإكراه، وآخرون بالغضب، وآخرون بغياب العقل بثورة الغضب. وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء في بعض أحكام الطلاق.

المبحث الثالث : آداب الإختلاف في الإسلام :

المطلب الأول : أدب الاختلاف في عصر النبوة :

يمكن أن نلخص معالم «أدب الاختلاف» في هذا العصر النبوي فيما يلي:

1­ - كان الصحابة رضوان الله عليهم يحاولون ألا يختلفوا ما أمكن فلم يكونوا يكثرون من المسائل والتفريعات بل يعالجون ما يقع من النوازل في ظلال هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعالجة الأمر الواقع ­ عادة ­ لا تتيح فرصة كبيرة للجدل فضلا عن التنازع والشقاق.

2­- إذا وقع الاختلاف رغم محاولات تحاشيه سارعوا في ردّ الأمر المختلف فيه إلى كتاب الله والى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسرعان ما يرتفع الخلاف.

3­ - سرعة خضوعهم والتزامهم بحكم الله ورسوله وتسليمهم التام الكامل به.

4­ - تصويب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمختلفين في كثير من الأمور التي تحتمل التأويل، ولدى كل منهم شعور بأن ما ذهب إليه أخوه يحتمل الصواب كالذي يراه لنفسه، وهذا الشعور كفيل بالحفاظ على احترام كل من المختلفين لأخيه، والبعد عن التعصب للرأي.

5­ - الالتزام بالتقوى وتجنب الهوى، وذلك من شأنه أن يجعل الحقيقة وحدها هدف المختلفين حيث لا يهم أي منهما أن تظهر الحقيقة على لسان أو على لسان أخيه.

6­ - التزامهم بآداب الإسلام من انتقاء أطايب الكلم وتجنب الألفاظ الجارحة بين المختلفين مع حسن استماع كل منهما للآخر.

7­- تنزههم عن المماراة ما أمكن وبذلهم أقصى أنواع الجهد في موضوع البحث مما يعطي لرأي كل من المختلفين صفة الجد والاحترام من الطرف الآخر ويدفع المخالف لقبوله أو محاولة تقديم الرأي الأفضل منه.
تلك هي أبرز معالم «أدب الاختلاف» التي يمكن ايرادها.. استخلصناها من وقائع الاختلاف التي ظهرت في عصر الرسالة.

المطلب الثاني : آداب الاختلاف في الفقه الإسلامي :

1. الحوار بالحسنى واللين وانتقاء أطايب الكلام وتقدير كل صاحب قول للآخر .

وفي القرآن الكريم أكثر من آية تأمر بالقول الحسن والجميل كما في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل.
وفي السنة من حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها ، فقال أبو مالك الأشعري: لمن يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام و أطعم الطعام و بات قائما و الناس نيام”

2. الحرص على الوصول للحق والصواب وليس المماراة والمجادلة والتشبث بالمواقف.

وهذا هو ما كان عليه السلف الصالح حتى في المناظرات التي كانت تشهد حضورا كثيفا ورغبة من صاحب القول في الانتصار لرأيه.
إن الجدل والمراء من أكثر آفات أهل العلم والعلماء بل من أسباب الهلاك والضلال لأي أمة أو قوم يفشو فيهم الجدل ويقل فيهم العمل ويعتد كل طرف برأيه ، {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (54) سورة الكهف.
وقد نقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ما ناظرت أحدا إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته. ”

3. إحسان الظن في المخالف اعتقادا وعملا .

إحسان الظن ليس مجرد أدب بين المختلفين بل خلق إسلامي أصيل يجب أن يتحلى به المجتمع المسلم في علاقة بعضه ببعض  ، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } (12) سورة الحجرات، والمراد به: ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم.
وفي البخاري عن أبي هريرة رض الله عنه  – قَالَ: « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا إِخْوَانًا”.

4. الرجوع للحق والصواب إذا بان أو ظهر وترك التعصب للرأي .

هذه سمة المؤمن دائما أنه وقاف عند حدود الله ، يعترف بالخطأ الذي وقع فيه ، ويرجع عنه ، كان هذا الخطأ قولا أم فعلا ، وخير الخطائين التوابون ، هذا معنى قول أبي حنيفة رحمه الله ” علمنا هذا رأي وهذا ما قدرنا عليه ، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه ”.

5. الإنصاف في عرض مسائل الخلاف .

المقصود بالإنصاف في عرض مسائل الخلاف : ألا يتعمد أحد بخس أحد القولين أو الأقوال الواردة في مسألة خلافية بحجب بعض أدلتها ، أو التدليس على أصحابها ، أو انتقاصهم ، أو المبالغة في عرض القول الذي يميل إليه ويعتقده صوابا  .
كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: ” ثلاثة من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعَالِم، والإنفاق من الإقتار“.

ومن صور عدم الإنصاف :
أ- إنكار الخلاف وادعاء الاتفاق وأحيانا الإجماع .
ب- وضع الأدلة والقواعد الشرعية وأقوال العلماء في غير موضعها .
ج- بتر الكلام المستشهد به من سياقه بحيث يظهر موافقته لمعتقده أو ضحالته وضعفه  أو تحميل الكلام من المعاني ما لا يحتمله . .
د –  تهميش أدلة المخالف وذكر أضعفها   .
هـ – الانتقائية في نقل الأدلة وأقوال الفقهاء  .
و – عدم التثبت في نقل الأقوال .
ح – ترك ما يصدر من قول معتبر عن المخالف .

6. احترام رأي المخالف وتقديره ، ومراعاته ، بل والعمل به لمصلحة شرعية معتبرة

إن الاختلاف لا يمنع كما ذكرنا من التحقيق العلمي النزيه الذي يسفر عن صواب قول وخطأ آخر ، لكن ليس معنى كون الآخر خطأ أن يسفه ، وأن يهان  أو أن يوصف بما توصف به الأقوال الكفرية ، فيقال مثلا : قول ساقط  ، وهو هدر ، لا يعول عليه ، قول جهول لا يصدر إلا عن جاهل …ونحو ذلك من الأوصاف.

من صور التقدير والمراعاة لأقوال المخالف اختلافا معتبرا :
أ- صلاة المختلفين في المذاهب خلف بعضهم .
ب- العمل بالقول المرجوح إذا كان فيه مصلحة راجحة .
ج –  ألا يوصف المخالف ببدعة ولا فسق ولا خروج من الملة .
د – ألا تخدش حقوق الأخوة والمحبة وألا تجلب العداوة والخصومة .
هـ – عذر المخالف في الرأي والتأول له .
و- العمل على تضييق مساحة الخلاف ما أمكن .

المبحث الرابع :  إدارة الاختلاف

المطلب الاول : قواعد إدارة الاختلاف في المنهج الإسلامي :

1- الاعتصام بالكتاب والسنة:

“وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” الشورى:10.
جاء في الصحيحين ” أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل،أتاه جبريل – عليه السلام – فقال: قد وضـعت السلاح ! والله ما وضعناه، فاخرج إليهم ، قال: فإلى أين ؟ قال: ههنا، وأشار إلى بني قريظة، فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم -إليهم ونادى – صلى الله عليه وسلم – ” ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة “، فسار الناس، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم، لا نصلي حتى نأتيها،
وقال بعضهم: بل نصلي، وذكروا ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فلم يعنف واحدًا منهم “.
ولقد وضع النبي – صلى الله عليه وسلم – بتصرفه الحكيم الذي لم يعنف فيه أحدًا من الفريقين على ما وضع قاعدة إدارية وتربوية هامة يتحتم بموجبها احترام وجهات النظر في فهم النصوص..

 2- الحوار:

والحوار لا يكون إلا بين مختلفين، والله سبحانه أمر بالمجادلة بالتي هي أحسن، حتى مع أهل الكتاب، قال الله تعالى : ”وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ “ العنكبوت:46.
وكذلك ما قاله للملائكة في شأن خلق آدم.

3- الشورى:

 ” وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ” آل عمران:159، ” وأمرهم شورى بينهم” الشورى:38.
ومن صور ذلك: مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: في بدر، وأحد، والخندق وفي غيرها من المواقف.
ومن أمثلتها حل الخلاف الذي حدث بين مجموعات المسلمين في الموقف من مانعي الزكاة بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فكان لعمر رأي ولأبي بكر رأي مخالف، ثم تمت المناقشة أو المواجهة واقتنع عمر وباقي أصحاب رسـول الله – صلى الله عليه وسلم – بصحة رأي أبي بكر فاتبعه الجميع في ظل روح المحبة والإخاء.

4- تفعيل دائرة المتفق عليه:

كما قال محمد رشيد رضا: نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
ولكنها تخضع للمصلحة والاجتهاد، والنظر وتغير الأحوال.

5- تشجيع النقد البناء والمراجعة الهادفة للأوضاع:

سواء كانت أوضاعاً سياسية تتعلق بالدولة، أو أوضاعا اجتماعية تتعلق بالموروثات عند الناس…. فمراجعة هذه الأساليب والطرائق بهدوء وتجرد وتدرج ضرورة حياتية شرعية.

6 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ”

 : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ “ التوبة: 71.

7- الوضوح والمكاشفة، وعدم التعتيم أو التقليل من شأن الخلاف:

كثير من الخلافات ربما تكون بسبب إشاعة مغرضة، أو قول لم يتثبت منه صاحبه، أو انطباع سيئ لم يكن مبنيا على علم صحيح.. إلى غير ذلك من الأشياء التي توغر الصدور.
فنحن بحاجة إلى أن نفهم بعضنا بعضاً قبل الاختلاف بشكل صحيح.

8- الاستفادة من علم الإدارة في الخلاف ودراسته المتخصصة:

فثمة كتب كثيرة في إدارة الخلاف بين الأفراد والجماعات والشركات وغيرها، يمكن الاستفادة منها ، مثل كتاب: ” فقه الائتلاف، قواعد التعامل مع المخالفين بالإنصاف” لمحمود محمد الخزندار إذ جمع فيه عدداً طيبا من الأخلاق والآداب التي ينبغي مراعاتها بين المختلفين.
هذا ونؤكد على أن الاختلاف سنة من سنن الله، فمن علم ذلك ووقف على ما ذكرناه، أحسن الاختلاف وتجنب الخلاف.

المطلب الثاني  : سياسات انهاء الخلاف :

خمس سياسات مقترحة لإنهاء الخلاف هي : الانسحاب أو التنازل ، التهدئة أو التلطيف ، التسوية أو الحل الوسط ، الإكراه أو استخدام النفوذ ، أو الطرق التكاملية ، وفي الآتي بيان لكل سياسة وتقييمها :

1 – سياسة الانسحاب أو التنازل :

وتجمع بين اهتمام قليل جدا بالنتائج واهتمام قليل جدا بالعلاقة مع الناس ، فالشخص المنسحب أو الهروبي شخص يرى الخلاف الذي نشأ هو خبرة لا نفع منها ، وبالتالي فإن أحسن شيء هو الانسحاب من مصدر الخلاف – أنه مستعد لأن يذعن حتى يتلافى عدم التوافق أو التوتر ، ولن يشارك أيضا في حل نزاع بين الآخرين.
الهروبي يعمد إلى أن يغير موضوع الحديث بسرعة عندما يحس بأن هناك بداية لخلاف وقد يتغاضى عن ملاحظات أو نقد.
طريقة أخرى بأن يرمي المسؤولية على فرد أكبر منه درجة أو قد يغفل أمر الخلاف على الأقل إلى أن ينسى الطرف الآخر.
 وهذه السياسة إن كانت ناجحة في بعض حالات الخلاف إلا أنها تغفل أن أسباب الخلاف لا زالت قائمة واجتناب الخلاف لن يجعلها تختفي.

2 – سياسة الإكراه أو إستغلال النفوذ :

وهي سياسة يتبعها الذين يهتمون بالنتائج أو المهمة التي هم بصددها ، ولا يلقون بالا للعلاقات مع الناس الآخرين أبدا.
 والأفراد الذين ينتهجون هذه السياسة يحرصون في أي خلاف أن يخرجوا منتصرين مهما كلفهم ذلك، وتؤثر هذه السياسة على ألفاظهم وتصرفاتهم بينما تحل هذه السياسة الخلافات بشكل سريع فإنها تؤثر على الأهداف بعيدة المدى وعلى إنتاجية الأفراد ما دام أن هناك طرفا واحدا سيستمتع بالانتصار.

3 – سياسة التهدئة أو التلطيف :

والأفراد الذين ينتهجون هذه السياسة يحاولون جهدا أن يتعاملوا مع الخلاف بجعل أ"رافه راضية وسعيدة.
فهم يهتمون بالعلاقة مع الناس إلى درجة كبيرة حتى لو تصادمت مع مصالحهم وواجباتهم.
الأفراد من هذا الطراز يرون أن التحدي والمجابهة مدمرة، ولذا فهم عند بدء الخلاف يعمدون إلى أن يكسروا حاجز التوتر بطرفة أو بكوب من القهوة أو بأي نشاط اجتماعي كإقامة حفلة.
وبالرغم من أن هؤلاء يقيمون علاقات ودية مع جميع الأفراد إلا أن سياستهم قد لا تفيد دائما وخصوصا في حالات الخلاف القوي.

4 – سياسة التسوية أو إمساك العصا من المنتصف :

وهي سياسة وسط بين التهدئة والإكراه.
وهذه السياسة تشعر الأطراف في أي نزاع أنهم رابحون لأول وهلة مع أنهم في حقيقة الأمر خاسرون، لأن هذه السياسة تعطي بعض الكسب لكلا الطرفين بدلا من نصر من جانب واحد، ولذا تعد هذه السياسة في معظم الخلافات سياسة مرضية.
فيما سبق من سياسات ليس ضروريا أن ينتهجها أطراف النزاع أنفسهم، بل يمكن أن يقوم بفض النزاع طرف ثالث من خارج أطراف النزاع.

5 – سياسة التكامل ، أو سياسة الأطراف الرابحة :

وهي سياسة تمثل قمة النجاح والفعالية لحل الخلافات إلا أنها تتطلب مهارة إدارية واتصالية عالية المستوى.
وهي طريقة مشتركة لحل المشاكل يلزم لجميع الأطراف افتراض وجود حل ما وبالتالي هم يجهدون لهزيمة المشكلة لا أنفسهم.
وحتى تنجح هذه السياسة بشكل فعال لا بد من توفر أربعة مسلمات لدى الشخص الذي بصدد تطبيقها.

أولا: لا بد من التيقن أن التعاون أفضل من التنافس وقد يكون اختلاف الآراء جزءا هاما من عملية التعالآراء المختلفة قد تؤدي إلى التبصر والإبداع ما دام ذلك لا يعيق تقدم المجموعة في عملها ولذا فلا بد من أن نوقن أن آراء الآخرين قد تكون مفيدة.

ثانيا: عامل الثقة مهم في هذه السياسة. فالأطراف التي يتوفر فيها عامل الثقة لن تخفي أو تحرف أي معلومات مفيدة لحل الخلاف، كما لن يخافوا من قول الحقائق أو الأفكار التي يرونها تعبر بصراحة عما يريدون بالرغم من أنه يصعب الشعور (شعور الثقة) في حالات الخلاف إلا أن وجوده لدى طرف يعزز وجوده لدى الطرف الآخر.

ثالثا: لا بد من تقليل حالات التباين بين الأطراف المختلفة. التباين في القوة أو المستويات والتي قد تسبب في فصل أو تمايز الأطراف، فالطرف ذو القوة والجاه قد يغريه ذلك باللجوء لقوته تبريرا لعدم قبوله رأي أو حل ما.

رابعا: هو أن يوقن كل طرف في الخلاف بوجود حل له فإذا لم يتوفر هذا الشرط أو لم يوقن أحد الأطراف باحتمالية وجود حل فإن العملية تنقلب إلى خاسر ورابح بدلا من رابح ورابح. وليس يعني ذلك أن على الأطراف أن تتوافق في الأهداف، إنما يصل كل طرف لأهدافه بالطريقة المقبولة. فلا بد من التأكد من هذه المسلمة وإلا فإن عملية حل النزاع تصبح مضيعة للوقت.

المطلب الثالث : وسائلُ الاتفاق ووحدة الصف :

 الاتفاق ووحدة الصف ليس فقط هو صمام الأمان الواقي من الخلاف ولا يطلب  إلا لتلبيةً حاجة ملحة ولظروف محيطة بالأمة المسلمة فقط ، وإنما هو استجابةً لأمر إلهي وتحقيقٌ لمطلب شرعي ، كما قال ربُّنا تبارك وتعالى: ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (سورة الأنفال:63) ، ووسائل الإتفاق ووحدة الصف متعددة منها ما يأتي :

1 . الالتزام بالعقيدة الحقة :

 أولُ الأسس في وحدة الصف، فالعقيدة توحد بين القريب والبعيد، والعربي والأعجمي والغني والفقير، والأحمر والأسود، وتعجز أية رابطة أخرى أن توحد صفَّ المسلمين وتؤلفَ بين قلوبهم.
إن هذه العقيدة ضرورة للفرد ليسعد ويطمئن، وتزكو نفسهُ، وضرورةً للمجتمع ليستقر ويتآخى ويتعاون ويتماسك ويتناصر.

2 . التخلّقُ بكريم الأخلاق التي أمر بها الشرع :

عاملٌ مهم في الوحدة كالمحبة والإيثار والعفو والصفح وخفض الجناح وسلامة الصدر والعدل والإنصاف ونحوها من أخلاق تجمعُ ولا تفرق، وتهذب النفوس، وإذا كنا نتفق على أهمية هذه الأخلاق في أحاديثنا فالأهمُ أن نمارسها في واقعنا وأن نتحلى بها في سلوكياتنا .
وانظروا إلى إمام من أئمة الجرح والتعديل وهو يمارسُ الخلق الرفيع ويقول: "ما رأيت على رجلٍ خطأً إلا سترته وأحببت إن أزين أمره، وما أستقبلتُ رجلاً في وجهه بأمرٍ يكرهه، ولكن أبيِّن له خطأه فيما بيني وبينه فإن قبل وإلا تركته (سير أعلام النبلاء 11/83).
3 . العلم والورع سببٌ ووسيلة عظمى لجمع كلمة المسلمين :
 فكلما كان المرءُ ذا علم واسع وورع كلما اجتمعت عليه القلوب، وكلما اتسع أفقُ الإنسان كان أقدرَ على تقدير الآخرين واتسع صدره للمخالفين، أما الجهلُ أو التعالم فهو سببٌ للفرقةِ وضيق الأفق .

4 . التثبتُ مما يُروى والتحري فيما يُقال :

إذا كانت الشائعاتُ مفسدةً للمجتمعات مفرقةً للجماعات فإن دواءها بالتثبت والتحري وعدم الاستعجال في اتخاذ المواقف، وتلك المواقف المتأنيةُ تُسهم في جمع الكلمة، كما تسهم العجلة في الفرقة والشتات، ألا فتثبتوا ولا تستعجلوا، يا عباد الله، ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون.
 ذلك منهجٌ رباني ندب إليه المؤمنون: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ)) (سورة الحجرات :6) .
ومع التثبت إقالة ذوي الهيئات عثراتهم ، ففي الحديث الصحيح: ((مَنْ أَقَالَ عَثْرَةً أَقَالَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) .

5 .  جمع الكلمة من ضبط النفس عند حدوث الخلاف :

 فالشيطانُ حريص على الوقيعة والفرقة بين المسلمين، والشديد ليس بالصرعة إنما الذي يملك نفسه عند الغضب، ولتضيق هَوّة الخلاف ندب الإسلام المتهاجريَن إلى الإسراع بالسلام وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق