الأربعاء، 27 يوليو 2016

اليقظة مفهومها وأسبابها وثمراتها وحال الغافلين عنها إعداد : محمد أبوغدير المحامي

تمهيد :
أين المسلمون من المساجد ؟ أين هم من تعلم القرآن وعلومه ؟ تراهم ينغمسون في الدنيا وشهواتها وينسون الآخرة ، عطلوا حواسهم عن الحق وأطلقوا لشهواتهم العنان ، تمر الأيام والليالي لا يتحسرون على فواتها من غير طاعة ولا التزود منها كما ينبغي ، و الكثير من الغافلين لا يعلمون أنهم في غفلة ، وإذا أردت أن تخبرهم بحقيقة حالهم رفضوا وأصروا إنهم هم الأيقاظ ، يقول الله تعالى : (( لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف 179.
نعم أنها الغفلة ، واليقظة علاجها ، وبيان ذلك في العناصر الآتية :

أولا بيان مفهوم اليقظة  ، ثانيا : بيان حال الغافلين وصفاتهم  ، ثالثا : بيان الأسباب المؤثرة المؤدية إلى اليقظة  ، رابعا : بيان ثمرات اليقظة .

أولا : مفهوم اليقظة  :

أ - اليَقَظَةُ في اللغة هي:

انتباه ، صَحْوَة ، عكس غفلة ، أَو خلافُ النوم ، وفي القرآن الكريم ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) الكهف 18

ب - واليقظة اصطلاحا :

عرفها الإمام ابن القيّم بأنها : انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين .

ج - وبيان هذا التعريف هو :

تحرُّك القلب وجلا وخوفا إلى الله عز وجل بسبب حادث مؤلم او فكرة إيجابية أو موعظة مؤثرة ، ينشغل بها العقل ويقلق بها المضجع فيفزع بسببها المرء إلى الله مزعنا إليه سبحانه بعد لهوه ولعبه ، راغبا في الآخرة بعد حبه للدنيا وطول أمله .
واليقظة بموجب هذا التعريف تتضمن عناصر ثلاثة هي : بيان حال الغافلين وصفاتهم ، والأسباب المؤثرة المؤدية إلى اليقظة ، وثمراتها ، نبينها تفصيلا في الآتي :

ثانيا : بيان حال الغافلين وصفاتهم  :

الغفلة داء عضال ومرض خطير، بل أخطر من الأمراض العصرية ، حيث يقضي على الدين ويدمر القلب، ويؤدي إلى الهلاك، وخسارة الدنيا والآخرة. وهذا المرض يصاب به كثير من الناس وهم لا يشعرون، وتقع الكارثة حين يموتون ، فهذا حال الغافلين وصفاتهم   :

 . 1 حب الدنيا :
إن الاستغراق في حب الدنيا وملذاتها هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار ؛ وأن زينة الدنيا ومتاعها قد يكون سبباً من أسباب الهلاك والخسارة في الدنيا والآخرة ، قال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ إبراهيم: 3.
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ) أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني
أن شهوات الدنيا حينما تشغل القلب تجعل المرء عبداً لها قال صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتفش ) أخرجه البخاري. عن أبي هريرة .

 . 2 طول الأمل :

طول الأمل ينسي الْآخِرَة وَيذكر الدُّنْيَا ، لذلك حذَّر صلى الله عليه وسلم ابن عمر من طول الأمل صلى فقال له : ( كُنْ في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل ) ، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: ( وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتِك لمرضك ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري عن ابن عمر .
والغافلون هم الذين جعلوا الدين آخر القضايا التي يفكرون فيها ، وقال الله تعالى فيهم { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) الأعراف: 51

 . 3 اتخاذ الدين لهواً ولعباً :

والغافل هو الذي يتخذ الدين لهوا ولعبا ، يعرض عن دين الله فلا يتعلمه ولا يَسْأَلُ عنه من أمر ونهى وحلال وحرام ، ويصف شريعته بالجمود والتخلف ، وترك التحاكم إلى شرع الله ، أو موالاة الكافرين موالاة كاملة ومودتهم وإعانتهم في حربهم على المسلمين ، ويستحل ما حرم الله ورسوله كالربا وغيره ، وقد يقع في الكبائر ولا يتوب منها .
ومن فعل ذلك أو بضع منه فهو الغافل عن الله ورسوله ، وهو المخاطب بقوله تعالى : ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )الأعراف: 51

ثالثا :أسباب اليقظة وزوال الغفلة :

 . 1تذكر الموت ومشاهد الآخر ة:
تزول الغفلة وتحدث اليقظة بتذكر الموت ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ , إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلَاقِيهِ . روى الحاكم من حديث سهل بن سعد .
قال النضر بن المنذر : ( زوروا الآخرة بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهمكم، وتوسدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أن ذلك كائن لا محالة، فاختار لنفسه ما أحب من المنافع والضرر ).

 . 2معرفة الغاية التي خلقنا من أجلها :

إذا عرف المرء الغاية التي خلقه الله الخلق من أجلها فاشغل بها فكرك واملأ بها أوقاتك فلم يغفل عنها لحظة وكانت كل همه ومبلغ علمه ، ,قال تعالى" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"  الذاريات
وعن الغافلين قال الله تعالى" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ" الأعراف 172

 . 3تحديد هدفك في الحياة :

فإنسان بدون هدف لا قيمة له ولا وزن له بين الناس,وما ضيع المضيعون وأنفقوا حياتهم في اللهو واللعب إلا بسبب عدم تحديد الهدف,واعلم أن أعظم أسباب التخلص من الغفلة هو تحديد الهدف بصدق.,فقف مع نفسك وقفة صادقة واسألها ما هو هدفي في هذه الحياة؟ وعند تحديد الهدف انظر في سير العظماء من سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ورضي عنهم وانظر كيف كانت أهداف القوم,وإليك مثال من هؤلاء أبو إدريس الخولاني كان يقول: أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لُتُزاحمَنَّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً.هذا هدف من أهداف القوم,فأين شباب المسلمين من مثل هذا الهدف وغيره من الأهداف السامية بدلاً من الأهداف التافهة التي نسمعها كثيراً من شبابنا؟!

 . 4اختيار الصحبة الصالحة :

أهل اليقظة والهمة العالية هم طلاب الآخرة ومن في صحبتهم ، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"
وكل صحبة لا تبنى على تقوى اله فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة,كما قال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) . الزخرف

 . 6الدعاء والتضرع إلى الله :

عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُه كَيْفَ يَشَاءُ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ "فالدعاء سلاح المؤمن وملاذه فعلينا أن نتضرع إلى الله عز وجل أن يصلح قلوبنا وينجنا من الغفلة.

رابعا : ثمرات اليقظة ، ومظاهرها :

أ – ثمرات اليقظة :

بعد أن عرف الإمام ابن القيم اليقظة قال :فإنه إذا نهض من ورطة الغفلة أوجب تحقق له أمرين هما :

1 . ملاحظة نعم الله الباطنة والظاهرة ، وتذكر الله وخضوعه له وإزراءه على نفسه ، فصار متحققا بـقوله صلى الله عليه وسلم  : ( أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) رواه البخاري . وعلم حينئذ أن هذا الاستغفار حقيق بأن يكون سيد الاستغفار  .

2 .  مطالعة الجناية والوقوف على الخطر فيها ، فينظر إلى ما سلف منه من الإساءة ويعلم أنه على خطر عظيم فيها ، فعليه بالاستغفار والندم ، وان يشمر ليتخلص من رق الجناية بطلب التمحيص .

ب – مظاهر ملاحظة نعم الله الباطنة والظاهرة :

 . 1 الاهتمام بالنعم الإلهية:

بعد حصول اليقظة يصبح للنعم الإلهية معنًى جديدًا فينظر العارف إلى أيّ مكان فيراه مليئًا بنعم الله تعالى ، ويشعره بأنّه غارق فيها وعاجز عن شكر الله تعالى لأجلها
يقول ابن القيم رحمه الله: معرفة الزيادة والنقصان من الإيمان تستقيم بثلاثة أشياء هي سماع العلم ، وإجابة داعي الحرمة ، وصحبة الصالحين ، والمتيقظ بسبب علمه بمراتب الأعمال ونفائس الكسب تكون معرفته بالزيادة والنقصان في حاله وإيمانه .

. 2 تحول عاداتهم إلى عبادات :

قال أحد العلماء: «أهل اليقظة عاداتهم عبادات، وأهل الغفلة عاداتهم عادات ، ويستطيع المؤمن اليقظ أن يجعل عاداته وتصرفاته كلها عبادات؛ فيجعل أكله عبادة، وكذلك شربه ولباسه ودخوله وخروجه ونومه عبادة ، حتى مخاطبته للناس يمكن أن يجعلها عبادة ،و هذه أمثلة من ذلك:

 * الأكل والشرب :
فالإنسان اليقظ ينوي به الامتثال لأمر الله قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. وهو أمر المباح يجعله ، بحسن النية طاعة لله يثاب عليها المسلم ، وينوي به التقوى على طاعة الله؛ فيكون عبادة ، وينوي التبسط في طعامه وشرابه فيكون تبسطه بنعمة الله عبادة.

 * النوم:
يحرص الإنسان اليقظ على شكر الله على نعمة النوم ؛ لأنه يستريح بها من تعب سابق، وينشط لعمل لاحق ، فينوي بالنوم التقوي على طاعة الله. وبذلك يجعل نومه ينقلب إلى عبادة ، ولكون النوم من كمال الحياة الدنيا؛ وآية من آيات الله حيث قال تعالى: ( وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ. ) 23  سورة النور .

*  زيارة الأصدقاء والجيران:
يحتسب اليقظ الأجر في أي زيارة يقوم بها بأن يجعلها الله في ميزانه، ويبتغي بها وجه الله؛ لأن الله يثيب من زار أخًا له، أو عاده لغير أمر دنيوي ولكن لمحبته في الله: «إن الله أحبك كما أحببته فيه».
كذلك حينما يحدد قصده من الزيارة ، صلة الرحم إذا كان المزور قريب ، وتكون إصلاحا بين الناس حال تأليف القلوب، وتجمع الناس على الخير، وتكون دعوة الى الله حال تذكير الناسي، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل.

*  كسب الرزق:
المسلم المتيقظ إذا كان معلما يشكر الله الذي أكرمه بحمل هذه الرسالة، وهيأه لتربية أبناء المسلمين، وأمنه على عقولهم وقلوبهم وأفكارهم وينوي بذلك طاعة الله ويرجوا ثوابه ورضاه ، وليس فقط الحصول على الراتب آخر الشهر .
وكذلك التاجر: النية الصادقة في طلب الحلال وتجديدها، والإخلاص في البيع والشراء مع نية عون المسلمين في التعامل معهم، والإتباع للسنة وللثواب في نفسه وعياله ، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ هذا هو اليقظ.

. 3  معرفة الحق:

تختلف معرفة الحقّ عند الإنسان بمقدار يقظته، والغفلة عن عظمة الحقّ تعالى يترك عليه آثارًا مهلكة، من أبرزها: استصغار الذنب، نقصان العبادة والطاعة، عدم رعاية أدب العبودية، وعدم الخوف من الله.
فيدرك المؤمن عظمة الخالق من خلال نور اليقظة، وعند ذلك يكبر الذنب في عينيه، وينظر إلى عبادته على أنّها ناقصة لا تتناسب مع مقام العظمة والجلال, فيسعى ويعمل ويبذل جهده ليصل إلى أعلى المراتب.

 . 4 طلب العلم الشرعي العلم :

العلم نجاة في زمن عمت فيه الفتن وطمت ، العلم هو المصباح في زمن أظلمت فيه دروب الناس وقلوبهم إلا من رحم ربي ، قال علي بن أبي طالب: الناس ثلاثة : فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال ، العلم يحرسك .

ب - مظاهر مطالعة الجناية والوقوف على خطرها:

 . 1 التعرّف إلى الأخطاء:

يتمكّن المؤمن من خلال اليقظة من الالتفات إلى أخطائه فتكبر في عينيه ، ثمّ يتحرّك لجبران الخطأ والبحث عن طرق النجاة، يقول الأنصاري: "والثاني مطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها... والتشمّر لتداركها، والتخلّف من ربقها... وطلب النجاة بتمحيصها".

. 2  معرفة النفس الأمارة:

اليقظة تجعل السالك عارفًا بالنفس وأهوائها، وبواسطتها يدرك أنّ أعظم حجاب نُصب بينه وبين الله هو النفس وأهواؤها. وبذلك يدرك حقيقة الحديث الشريف : ( أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك ). رواه البيهقي   عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وإذا عرف ذلك تحرّك نحو النجاة، وفتّش عن طريق محاربة النفس، وكبح جماحها.

 . 3 الندم والاستغفار :

الندم : فهو رجوع القلب مع التحسر والتأسف، عن شيء قد كان هم العبد به، مما يسخط الله تعالى فعله كالمعاصي أو تركه كالفرائض وقد يقع على الانهماك في المباحات، وعلى التأخر عن نوافل القربات.
والمؤمن اليقظ يندم على ما حمل على مجانبة التقصير وملازمة التشمير وعند صحته يكاد يتضمن جميع شرائط التوبة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ  ) حديث حسن عن ابي سعيد الأنصاري صحيح الجامع ،  والذي يندم على إتيان القبائح مع الملابسة لها متلاعب لا يغني عنه ندمه شيئا.
وأما " الاستغفار ": فهو طلب المغفرة من الله وهو الستر على الذنوب ، وأشرف أنواع المغفرة أن يجعل الله بين العبد سترا من الذنوب حاجزا بينه وبينها حتى لا يقع في شيء منها .

. 4  تمحيص الذنوب :

والتمحيص: تخليص إيمانه ومعرفته من خبث الجناية كتمحيص الذهب والفضة . ولا يمكن دخوله الجنة إلا بعد هذا التمحيص فإنها طيبة لا يدخلها إلا طيب ، وليس في الجنة ذرة خبث ولهذا تقول لهم الملائكة: (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) الزمر 73.

والتمحيص في الدنيا بأربع :وهذا التمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء: التوبة ، والاستغفار ، وعمل الحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة.
فإن محصته هذه الأربعة وخلصته كان من الذين تتنزل عليهم الملائكة عند الموت (ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فصلت 30

و التمحيص في البرزخ بثلاث :وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه محص في البرزخ بثلاثة أشياء : صلاة أهل الإيمان الجنازة عليه واستغفارهم له وشفاعتهم فيه ، تمحيصه بفتنة القبر وروعة الفتان والعصر والانتهار وتوابع ذلك ، ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال ، وقد أجمع على وصول الصدقة والدعاء قال الإمام أحمد لا يختلفون في ذلك وما عداهما فيه اختلاف.

و التمحيص في الآخرة بأربع :فإن لم تف هذه بالتمحيص محِّص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء هي : أهوال القيامة ، شدة الموقف ، وشفاعة الشفعاء ، وعفو الله عز وجل .

والتمحيص لدخول النار : فإن لم تف هذه الثلاثة : بتمحيصه فلا بد له من دخول الكير رحمة في حقه ليتخلص ويتمحص ويتطهر في النار. فتكون النار طهرة له وتمحيصا لخبثه ويكون مكثه فيها على حسب كثرة الخبث وقلته وشدته وضعفه فإذا خرج خبثه وصفى ذهبه وصار خالصا طيبا أخرج من النار وأدخل الجنة.


( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ) أخرجه مسلم .

#التنمية_البشرية_في_السيرة_النبوية ٣. هيا نتعلم فن الإقناع . إعداد : محمد أبوغدير المحامي



الإقْناع هو :
حث الآخرين على فهم وتأييد وجهة نظرك ، وكسبهم الى جانبك ، فيما تحاول نقله اليهم من معلومات .

والإقناع المؤثر هو خطاب العقل والقلب ، المبني على ثلاث عناصر هي : الــثــقــة ، والمــنــطــق  ، والــعـاطـفـة .

ومؤدى ذلك أن الإقناع يستوجب الآتي :
١. أن تزرع الثقة في نفسية الطرف الاخر ، و أن تكون واثقاً من صحة ما تريد الإقناع به ،
٢. أن تعرض وجهة نظرك بطريقة منطقية بأن يكون حديثك متناسقا و منظّما و نقاطك متسلسلة ،
٣. وان تحرك مشاعر الطرف الاخر  لتقنعه بأن هدفك الوحيد هو مساعدته .

وهذا كان منهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حال إقناع الناس برسالته وإصلاحه للأفراد والمجتمعات ، وهنا نذكر مثالا واحدا من بين الأمثلة العديدة التي برع فيها رسول الله في إقناع الناس وهو كالآتي :

روى الإمام  أحمد عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا  ،
فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه ،
فقال صلى الله عليه وسلم : ( ادنه ) ، فدنا منه قريبا ، قال : فجلس ،
قال صلى الله عليه وسلم  ( أتحبه لأمك ؟ ) قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال :صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( أفتحبه لابنتك ) ، قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لبناتهم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( أفتحبه لأختك ) قال : لا والله جعلني الله فداءك ؤقال صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لأخواتهم ) قال ( أفتحبه لعمتك ) قال : لا والله جعلني الله فداءك قال ( ولاالناس يحبونه لعماتهم ) ، قال : ( أفتحبه لخالتك) قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ( ولا الناس يحبونه لخالاتهم ) ،
قال : فوضع يده عليه صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه ) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) صححه الألباني .

وتتضح عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذا الموقف الصعب واقناع الفتى بعكس ما يطلب ، من خلال  الآتية :

أولا : الرسول يزرع الثقة في نفس الفتى ويجيش مشاعره وذلك من خلال المشاهد الآتية :

١ . الرسول يقدر حاجة الفتى المراهق :

لما طلب الفتى من النبي صلى الله عليه وسلم عليه الإذن في الزنا ، نظر إليه فرآه في عنفوان فتوته ، وقدر صلى الله عليه وسلم أن لديه شهوة متوقدة  في نفسه وجسده ، قد عجز عن إشباعها في الحلال لعدم قدرته على الزواج ، وهكذا وقع صلى الله عليه وسلم على حال الشاب  .

٢ . الرسول يرفق بالفتى رغم غرابة طلبه :

كان طلب الفتى غريب وعجيب ، إذ لم يستحيي من الرسول صلى الله عليه وسلم - حامى الشريعة ومنفذ حدودها - حال إستئذانه في ارتكاب كبيرة حرمها الله في الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، والمقرر كجزاء مخالفتها حد الجلد أو الرجم ، ومع ذلك رفق به صلى الله عليه وسلم ، ورفض رد فعل أصحابه وطلب منهم الكف عن زجره وتعنيفه.

٣ . الرسول يهيئ جو الحوار مع الشاب وصولا لإقناعه :

طلب صلى الله عليه وسلم من الفتى أن يدنو منه ليكون بين يديه ، قرَّبه اليه ليضمد جراح الزجر ويبعده عن الضجيج الذي لاقاه من القوم ، وليصنع صلى الله عليه وسلم الجو الهادئ الذي يتم فيه خطاب القلب والعقل ، وليزرع الثقة في نفسية الغلام حتى يبلغه الرسالة والنصح بالتي هي أحسن ، وليهيئ نفسيته لقبول الصواب .

ثانيا : الرسول يحاور الفتى بالمنطق فقط ، وبيان ذلك في المشاهد الآتية :

 ١ . لم يذكره صلى الله عليه وسلم بالنصوص الشرعية :

بعد أن زرع الرسول صلى الله عليه وسلم الثقة والطمأنينة في قلب الفتى ، لم يتكلف صلى الله عليه وسلم ذكر الأدلة الموجودة في القرآن ، ولم يذكر العقوبة المترتبة على ذلك ، ولم يحصل التوبيخ أو التحذير ، فقط استخدام معه أسلوب الإقناع بوسائل منطقية .

٢ . خطاب صلى الله عليه وسلم فيه العقل والضمير :

لا شك أن الزنا رذيلة يأباها ويتأفف منها كل عاقل ، وقد يغيب العقل إذا إشتدت الشهوة وزاد سعارها فيسقط المرء ويفعلها ، لكنه يأبى بشدة أن تُفعل الفاحشة في ارحامه ، لذلك خاطب الرسول الفتى بهذا المنطق ، وقد تدرج معه في خمسة أسئلة تشمل كل ارحامه فقال :
"أتحبه لأمك؟ " ، أتحبه لابنتك ؟ ، لأختك؟ ، لعمتك؟ أتحبه لخالتك؟
وفي كل مرة يجيب الفتى نافيا ذلك ورافضا بشدة قائلا :
لا والله جعلني الله فداءك  .
 فيرد عليه صلى الله عليه وسلم بخطاب المنطق والعقل - أيضا - ان كل الناس كذلك يبغضون ذلك ويرفضونه ، قائلا :
ان الناس لا يحبون الزنا لأمهاتهم ، ولا لبناتهم ، ولا لأخواتهم ، ولا لعماتهم  ، ولا لخالاتهم .

 ٣ . ومن المنطق أن تفعل الأسباب وترجو العاطي الوهاب :

لذلك كان حرص الرسول على أن يلتمس كافة الأسباب المادية أن يرفع أكف الضراعة إلى الله داعيا بصوت يسمعه الفتى وكل الحضور ، فقال : ( اللهم اغفر ذنبه ، وطهِّر قلبه ، وحصِّن فرجه ) .
وهكذا عالج صلى الله عليه وسلم الموقف بكلمات يسيرات وبأساليب راقية جعلت هذا الشاب يخرج من عند الرسول والزنا أبغض شيء لديه .

وتلك هي تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته على مهارة وفن اقناع الآخرين بوجهة نظرك وكسبهم الى جانبك برسالة الإسلام في إصلاحه الفراد وبناء المجتمعات ، فليكن الرسول زعيمنا وقدوتنا في التنمية البشرية .

الثلاثاء، 19 يوليو 2016

#التنمية_البشرية_في_السيرة_النبوية ٢. التفكير الإيجابي والروح المتفائلة . إعداد : محمد أبوغدير المحامي

التفكير الإيجابي هو :
اختيار الأفكار التي تُشْعِرُكَ بالارْتِياح والتَّفاؤُل - عند مواجه موقف سلبي - وتجنب الأفكار المُثيرة للقلق والألم والغضب  .

تعرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه الكرام للكثير من الأذى والمحن من المشركين - في مواقف متعددة - حيث لاقوا الجوع والحرمان ، والنَصَب والتعب الشديد ، وقد تلقى صلى الله عليه وسلم ذلك كله صابرا محتسبا ، مشفقا على قومه أن يصيبهم مثل ما أصاب الأمم الماضية من العذاب ، واثقا من نصر ربه ، ونذكر من ذلك موقفا واحدا يتجلى فيه تفكيره صلى الله عليه وسلم الإيجابي وروحه المتفائلة ، وبيانه في الآتي :

عن عائشة رضي الله عنها زوج الحبيب المصطفى أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : " لقد لقيت ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلالى فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئا ) رواه البخاري .

وتتضح ملامح التفكير الإيجابي عند رسول الله في هذه القصة من خلال المشاهد الآتية :

١ . ارتفاعه صلى الله عليه وسلم عن جراحه وآلامه :

ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى الطائف داعيًا ، يحدوه الأمل في هداية ثقيف وذهب إليهم بقلب يحمل الخير والهدى للعالمين ، إلا انه لاقى الأذي البدني والألم النفسي من اهل الطائف ، فقد ذكرت كتب السيرة  هذه الوقائع التي لم تذكر في الحديث السالف بيانه  ، أن رسول الله لما انتهى إلى الطائف عمد إلى سادات ثقيف وأشرافهم وكانوا إخوة ثلاثة ، وقد وقع منهم استهزاء بشخص الرسول الكريم ، وسلطوا عليه سفهاءهم وعبيدهم فرجموه بالحجارة على قدميه حتى اختضبت نعلاه بالدماء ، وكان إذا قعد إلى الأرض - من شدة آلامه - يأخذون بعضديه فيقيمونه ، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون .

ولم ينشغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بآلامه وجراحه ، والدليل على ذلك أنه لم يذكر في حديثه الذي رواه السيد عائشه ما وقع على نفسه الزكية من استهزاء وما لحق بجسده الطاهر من جراح والتي حكتها كتب السيرة .

وهكذا كان صلى الله عليه وسلم صاحب التفكير الإيجابي والروح المتفائلة يتناسى آلامه ومعاناته ليحلق في الأفق البعيد بنظرة إيجابية مستقبلية كلها أمل وثقة في توفيق الله تعالى .

٢ . رسول الله يشكو إلى الله ويطلب منه المدد :

فلما شعر صلى الله عليه وسلم بعجزه عن تبليغ رسالته توجه إلى ربه فقال :
"اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك" .
وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم قد خلا من طلب إهلاك قومه أو تعذيبهم ، غير عابئ بجراحه البدنية وآلامه النفسية السالف بيانها ، فقط امتزجت كلماته بحرقه وجدانه الخائف على نفسه من غضب الله .

٣ . رفض رسول الله إهلاك قومه ورجى هدايتهم  :

ومع جراحه وآلامه الشديدة السالف بيانها عفى صلى الله عليه وسلم عن الجناة واعراض عن الجاهلين ، ورفض ان يؤاخذ اهل ثقيف بما صدر منهم ، فلم يستجب لطلب ملك الجبال حين قال : " إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ ‘‘ ، فقال  صلى الله عليه وسلم بكل رحمة وعفو ، ‘‘ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ’’
وعفى عنهم  ليس طمعا في هدايتهم أنفسهم وإنما في صلاح ذريتهم القادمة .

٤ . بشائر نصر الله وتأييده للنبي :

جلس رسول الله  الى  الحائط ليستريح بعض الوقت فرآه أصحاب الحائط وهما عتبة وشيبة ابنا ربيعة كانا كافرين من مكة ولهما أملاك بالطائف ، وقد أشفقا على رسول الله لما وصل إليهما حاله من الألم والتعب والحزن، فرقت القلوب الكافرة له وحنت ، فأخذا عنقودًا من العنب ووضعاه في طبق ، وأرسلا به غلامهما إلى رسول الله ، كان هذا الغلام نصرانيًّا اسمه عَدَّاس وقد أسلم عدَّاس لما رأى وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إسلامه وَمْضَةٌ في الظلمة .

٥ . ثمرات التفكير اإلإيجابي والروح المتفائلة :

وكان من نتائج تلك النظرة الإيجابية والروح المتفائلة من الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ أنه في سنوات معدودة جاء نصر الله والفتح ، ودخلت مكة ثم الطائف في دين الله أفواجا ، وذلك في السنة الثامنة من الهجرة ، وتحقق أمل رسول الله بأن أخرج الله من أصلابهم من عبدوا الله ولم يشركوا به شيئًا ، وحدثت مأساة الردة الضخمة في جزيرة العرب بعد وفاة رسول الله ، وارتدت جزيرة العرب بكاملها، ولم يثبت على الإيمان إلا ثلاث مدن فقط في الجزيرة العربية ، وهذه المدن هي مكة والطائف و المدينة المنورة .

وهكذا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نتعامل مع المواقف الحياتية التي تمر به - مؤلمة كانت أو مفرحة - بعقلية إيجابية بعيدة المدى وبنظرة متفائلة الى مستقبل أفضل ، وهذه هي الصفات التي تدفع صاحبها إلى مكان السمو والرفعة .
وتلك هي تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته على التفكير اإلإيجابي والروح المتفائلة  ، فليكن الرسول زعيمنا وقدوتنا في التنمية البشرية .

#التنمية_البشرية_في_السيرة_النبوية ١. هيا نتعلم كيف نسيطر على انفعلاتنا ونتحكم في مشاعرنا إعداد : محمد أبوغدير المحامي

#التنمية_البشرية_في_السيرة_النبوية
١. هيا نتعلم كيف نسيطر على انفعلاتنا ونتحكم في مشاعرنا إعداد : محمد أبوغدير المحامي

روى ابن سعد عن ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب فجاء يستفتح الباب ، فأبيت أن أفتح له، فقال صلى الله عليه وسلم : « أقسمت عليك أن تفتحي » فقلت له: تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي؟ قال: « ما فعلت ولكن وجدت حقنا من بولي » !

حدث ذلك من السيدة ميمونة ام المؤمنون ، فلم يعنّفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلتها العظيمة وسوء ظنها ، ولم يتهمها بسوء الأدب ، ولم يقاطعها ولم يهجرها ولم يهددها ولم يرفع صوته ، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يتفهّم نفسية المرأة وغيرتها .

فهل لنا معشر المسلمين ان نتخذ الرسول زعيما وقدوته ، وان نسيطر على انفعلاتنا ، ونتحكم في مشاعرنا ، وتتسع صدورنا لكثير مما يصدر من أهلينا وأرحامنا وأحبابنا  .
#التنمية_البشرية_في_السيرة_النبوية