الإقْناع هو :
حث الآخرين على فهم وتأييد وجهة نظرك ، وكسبهم الى جانبك ، فيما تحاول نقله اليهم من معلومات .
والإقناع المؤثر هو خطاب العقل والقلب ، المبني على ثلاث عناصر هي : الــثــقــة ، والمــنــطــق ، والــعـاطـفـة .
ومؤدى ذلك أن الإقناع يستوجب الآتي :
١. أن تزرع الثقة في نفسية الطرف الاخر ، و أن تكون واثقاً من صحة ما تريد الإقناع به ،
٢. أن تعرض وجهة نظرك بطريقة منطقية بأن يكون حديثك متناسقا و منظّما و نقاطك متسلسلة ،
٣. وان تحرك مشاعر الطرف الاخر لتقنعه بأن هدفك الوحيد هو مساعدته .
وهذا كان منهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حال إقناع الناس برسالته وإصلاحه للأفراد والمجتمعات ، وهنا نذكر مثالا واحدا من بين الأمثلة العديدة التي برع فيها رسول الله في إقناع الناس وهو كالآتي :
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ،
فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه ،
فقال صلى الله عليه وسلم : ( ادنه ) ، فدنا منه قريبا ، قال : فجلس ،
قال صلى الله عليه وسلم ( أتحبه لأمك ؟ ) قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال :صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( أفتحبه لابنتك ) ، قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لبناتهم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( أفتحبه لأختك ) قال : لا والله جعلني الله فداءك ؤقال صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لأخواتهم ) قال ( أفتحبه لعمتك ) قال : لا والله جعلني الله فداءك قال ( ولاالناس يحبونه لعماتهم ) ، قال : ( أفتحبه لخالتك) قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ( ولا الناس يحبونه لخالاتهم ) ،
قال : فوضع يده عليه صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه ) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) صححه الألباني .
وتتضح عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذا الموقف الصعب واقناع الفتى بعكس ما يطلب ، من خلال الآتية :
أولا : الرسول يزرع الثقة في نفس الفتى ويجيش مشاعره وذلك من خلال المشاهد الآتية :
١ . الرسول يقدر حاجة الفتى المراهق :
لما طلب الفتى من النبي صلى الله عليه وسلم عليه الإذن في الزنا ، نظر إليه فرآه في عنفوان فتوته ، وقدر صلى الله عليه وسلم أن لديه شهوة متوقدة في نفسه وجسده ، قد عجز عن إشباعها في الحلال لعدم قدرته على الزواج ، وهكذا وقع صلى الله عليه وسلم على حال الشاب .
٢ . الرسول يرفق بالفتى رغم غرابة طلبه :
كان طلب الفتى غريب وعجيب ، إذ لم يستحيي من الرسول صلى الله عليه وسلم - حامى الشريعة ومنفذ حدودها - حال إستئذانه في ارتكاب كبيرة حرمها الله في الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، والمقرر كجزاء مخالفتها حد الجلد أو الرجم ، ومع ذلك رفق به صلى الله عليه وسلم ، ورفض رد فعل أصحابه وطلب منهم الكف عن زجره وتعنيفه.
٣ . الرسول يهيئ جو الحوار مع الشاب وصولا لإقناعه :
طلب صلى الله عليه وسلم من الفتى أن يدنو منه ليكون بين يديه ، قرَّبه اليه ليضمد جراح الزجر ويبعده عن الضجيج الذي لاقاه من القوم ، وليصنع صلى الله عليه وسلم الجو الهادئ الذي يتم فيه خطاب القلب والعقل ، وليزرع الثقة في نفسية الغلام حتى يبلغه الرسالة والنصح بالتي هي أحسن ، وليهيئ نفسيته لقبول الصواب .
ثانيا : الرسول يحاور الفتى بالمنطق فقط ، وبيان ذلك في المشاهد الآتية :
١ . لم يذكره صلى الله عليه وسلم بالنصوص الشرعية :
بعد أن زرع الرسول صلى الله عليه وسلم الثقة والطمأنينة في قلب الفتى ، لم يتكلف صلى الله عليه وسلم ذكر الأدلة الموجودة في القرآن ، ولم يذكر العقوبة المترتبة على ذلك ، ولم يحصل التوبيخ أو التحذير ، فقط استخدام معه أسلوب الإقناع بوسائل منطقية .
٢ . خطاب صلى الله عليه وسلم فيه العقل والضمير :
لا شك أن الزنا رذيلة يأباها ويتأفف منها كل عاقل ، وقد يغيب العقل إذا إشتدت الشهوة وزاد سعارها فيسقط المرء ويفعلها ، لكنه يأبى بشدة أن تُفعل الفاحشة في ارحامه ، لذلك خاطب الرسول الفتى بهذا المنطق ، وقد تدرج معه في خمسة أسئلة تشمل كل ارحامه فقال :
"أتحبه لأمك؟ " ، أتحبه لابنتك ؟ ، لأختك؟ ، لعمتك؟ أتحبه لخالتك؟
وفي كل مرة يجيب الفتى نافيا ذلك ورافضا بشدة قائلا :
لا والله جعلني الله فداءك .
فيرد عليه صلى الله عليه وسلم بخطاب المنطق والعقل - أيضا - ان كل الناس كذلك يبغضون ذلك ويرفضونه ، قائلا :
ان الناس لا يحبون الزنا لأمهاتهم ، ولا لبناتهم ، ولا لأخواتهم ، ولا لعماتهم ، ولا لخالاتهم .
٣ . ومن المنطق أن تفعل الأسباب وترجو العاطي الوهاب :
لذلك كان حرص الرسول على أن يلتمس كافة الأسباب المادية أن يرفع أكف الضراعة إلى الله داعيا بصوت يسمعه الفتى وكل الحضور ، فقال : ( اللهم اغفر ذنبه ، وطهِّر قلبه ، وحصِّن فرجه ) .
وهكذا عالج صلى الله عليه وسلم الموقف بكلمات يسيرات وبأساليب راقية جعلت هذا الشاب يخرج من عند الرسول والزنا أبغض شيء لديه .
وتلك هي تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته على مهارة وفن اقناع الآخرين بوجهة نظرك وكسبهم الى جانبك برسالة الإسلام في إصلاحه الفراد وبناء المجتمعات ، فليكن الرسول زعيمنا وقدوتنا في التنمية البشرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق