الأربعاء، 27 يوليو 2016

اليقظة مفهومها وأسبابها وثمراتها وحال الغافلين عنها إعداد : محمد أبوغدير المحامي

تمهيد :
أين المسلمون من المساجد ؟ أين هم من تعلم القرآن وعلومه ؟ تراهم ينغمسون في الدنيا وشهواتها وينسون الآخرة ، عطلوا حواسهم عن الحق وأطلقوا لشهواتهم العنان ، تمر الأيام والليالي لا يتحسرون على فواتها من غير طاعة ولا التزود منها كما ينبغي ، و الكثير من الغافلين لا يعلمون أنهم في غفلة ، وإذا أردت أن تخبرهم بحقيقة حالهم رفضوا وأصروا إنهم هم الأيقاظ ، يقول الله تعالى : (( لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف 179.
نعم أنها الغفلة ، واليقظة علاجها ، وبيان ذلك في العناصر الآتية :

أولا بيان مفهوم اليقظة  ، ثانيا : بيان حال الغافلين وصفاتهم  ، ثالثا : بيان الأسباب المؤثرة المؤدية إلى اليقظة  ، رابعا : بيان ثمرات اليقظة .

أولا : مفهوم اليقظة  :

أ - اليَقَظَةُ في اللغة هي:

انتباه ، صَحْوَة ، عكس غفلة ، أَو خلافُ النوم ، وفي القرآن الكريم ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) الكهف 18

ب - واليقظة اصطلاحا :

عرفها الإمام ابن القيّم بأنها : انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين .

ج - وبيان هذا التعريف هو :

تحرُّك القلب وجلا وخوفا إلى الله عز وجل بسبب حادث مؤلم او فكرة إيجابية أو موعظة مؤثرة ، ينشغل بها العقل ويقلق بها المضجع فيفزع بسببها المرء إلى الله مزعنا إليه سبحانه بعد لهوه ولعبه ، راغبا في الآخرة بعد حبه للدنيا وطول أمله .
واليقظة بموجب هذا التعريف تتضمن عناصر ثلاثة هي : بيان حال الغافلين وصفاتهم ، والأسباب المؤثرة المؤدية إلى اليقظة ، وثمراتها ، نبينها تفصيلا في الآتي :

ثانيا : بيان حال الغافلين وصفاتهم  :

الغفلة داء عضال ومرض خطير، بل أخطر من الأمراض العصرية ، حيث يقضي على الدين ويدمر القلب، ويؤدي إلى الهلاك، وخسارة الدنيا والآخرة. وهذا المرض يصاب به كثير من الناس وهم لا يشعرون، وتقع الكارثة حين يموتون ، فهذا حال الغافلين وصفاتهم   :

 . 1 حب الدنيا :
إن الاستغراق في حب الدنيا وملذاتها هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار ؛ وأن زينة الدنيا ومتاعها قد يكون سبباً من أسباب الهلاك والخسارة في الدنيا والآخرة ، قال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ إبراهيم: 3.
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ) أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني
أن شهوات الدنيا حينما تشغل القلب تجعل المرء عبداً لها قال صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتفش ) أخرجه البخاري. عن أبي هريرة .

 . 2 طول الأمل :

طول الأمل ينسي الْآخِرَة وَيذكر الدُّنْيَا ، لذلك حذَّر صلى الله عليه وسلم ابن عمر من طول الأمل صلى فقال له : ( كُنْ في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل ) ، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: ( وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتِك لمرضك ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري عن ابن عمر .
والغافلون هم الذين جعلوا الدين آخر القضايا التي يفكرون فيها ، وقال الله تعالى فيهم { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) الأعراف: 51

 . 3 اتخاذ الدين لهواً ولعباً :

والغافل هو الذي يتخذ الدين لهوا ولعبا ، يعرض عن دين الله فلا يتعلمه ولا يَسْأَلُ عنه من أمر ونهى وحلال وحرام ، ويصف شريعته بالجمود والتخلف ، وترك التحاكم إلى شرع الله ، أو موالاة الكافرين موالاة كاملة ومودتهم وإعانتهم في حربهم على المسلمين ، ويستحل ما حرم الله ورسوله كالربا وغيره ، وقد يقع في الكبائر ولا يتوب منها .
ومن فعل ذلك أو بضع منه فهو الغافل عن الله ورسوله ، وهو المخاطب بقوله تعالى : ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )الأعراف: 51

ثالثا :أسباب اليقظة وزوال الغفلة :

 . 1تذكر الموت ومشاهد الآخر ة:
تزول الغفلة وتحدث اليقظة بتذكر الموت ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ , إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلَاقِيهِ . روى الحاكم من حديث سهل بن سعد .
قال النضر بن المنذر : ( زوروا الآخرة بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهمكم، وتوسدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أن ذلك كائن لا محالة، فاختار لنفسه ما أحب من المنافع والضرر ).

 . 2معرفة الغاية التي خلقنا من أجلها :

إذا عرف المرء الغاية التي خلقه الله الخلق من أجلها فاشغل بها فكرك واملأ بها أوقاتك فلم يغفل عنها لحظة وكانت كل همه ومبلغ علمه ، ,قال تعالى" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"  الذاريات
وعن الغافلين قال الله تعالى" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ" الأعراف 172

 . 3تحديد هدفك في الحياة :

فإنسان بدون هدف لا قيمة له ولا وزن له بين الناس,وما ضيع المضيعون وأنفقوا حياتهم في اللهو واللعب إلا بسبب عدم تحديد الهدف,واعلم أن أعظم أسباب التخلص من الغفلة هو تحديد الهدف بصدق.,فقف مع نفسك وقفة صادقة واسألها ما هو هدفي في هذه الحياة؟ وعند تحديد الهدف انظر في سير العظماء من سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ورضي عنهم وانظر كيف كانت أهداف القوم,وإليك مثال من هؤلاء أبو إدريس الخولاني كان يقول: أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لُتُزاحمَنَّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً.هذا هدف من أهداف القوم,فأين شباب المسلمين من مثل هذا الهدف وغيره من الأهداف السامية بدلاً من الأهداف التافهة التي نسمعها كثيراً من شبابنا؟!

 . 4اختيار الصحبة الصالحة :

أهل اليقظة والهمة العالية هم طلاب الآخرة ومن في صحبتهم ، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"
وكل صحبة لا تبنى على تقوى اله فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة,كما قال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) . الزخرف

 . 6الدعاء والتضرع إلى الله :

عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُه كَيْفَ يَشَاءُ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ "فالدعاء سلاح المؤمن وملاذه فعلينا أن نتضرع إلى الله عز وجل أن يصلح قلوبنا وينجنا من الغفلة.

رابعا : ثمرات اليقظة ، ومظاهرها :

أ – ثمرات اليقظة :

بعد أن عرف الإمام ابن القيم اليقظة قال :فإنه إذا نهض من ورطة الغفلة أوجب تحقق له أمرين هما :

1 . ملاحظة نعم الله الباطنة والظاهرة ، وتذكر الله وخضوعه له وإزراءه على نفسه ، فصار متحققا بـقوله صلى الله عليه وسلم  : ( أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) رواه البخاري . وعلم حينئذ أن هذا الاستغفار حقيق بأن يكون سيد الاستغفار  .

2 .  مطالعة الجناية والوقوف على الخطر فيها ، فينظر إلى ما سلف منه من الإساءة ويعلم أنه على خطر عظيم فيها ، فعليه بالاستغفار والندم ، وان يشمر ليتخلص من رق الجناية بطلب التمحيص .

ب – مظاهر ملاحظة نعم الله الباطنة والظاهرة :

 . 1 الاهتمام بالنعم الإلهية:

بعد حصول اليقظة يصبح للنعم الإلهية معنًى جديدًا فينظر العارف إلى أيّ مكان فيراه مليئًا بنعم الله تعالى ، ويشعره بأنّه غارق فيها وعاجز عن شكر الله تعالى لأجلها
يقول ابن القيم رحمه الله: معرفة الزيادة والنقصان من الإيمان تستقيم بثلاثة أشياء هي سماع العلم ، وإجابة داعي الحرمة ، وصحبة الصالحين ، والمتيقظ بسبب علمه بمراتب الأعمال ونفائس الكسب تكون معرفته بالزيادة والنقصان في حاله وإيمانه .

. 2 تحول عاداتهم إلى عبادات :

قال أحد العلماء: «أهل اليقظة عاداتهم عبادات، وأهل الغفلة عاداتهم عادات ، ويستطيع المؤمن اليقظ أن يجعل عاداته وتصرفاته كلها عبادات؛ فيجعل أكله عبادة، وكذلك شربه ولباسه ودخوله وخروجه ونومه عبادة ، حتى مخاطبته للناس يمكن أن يجعلها عبادة ،و هذه أمثلة من ذلك:

 * الأكل والشرب :
فالإنسان اليقظ ينوي به الامتثال لأمر الله قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. وهو أمر المباح يجعله ، بحسن النية طاعة لله يثاب عليها المسلم ، وينوي به التقوى على طاعة الله؛ فيكون عبادة ، وينوي التبسط في طعامه وشرابه فيكون تبسطه بنعمة الله عبادة.

 * النوم:
يحرص الإنسان اليقظ على شكر الله على نعمة النوم ؛ لأنه يستريح بها من تعب سابق، وينشط لعمل لاحق ، فينوي بالنوم التقوي على طاعة الله. وبذلك يجعل نومه ينقلب إلى عبادة ، ولكون النوم من كمال الحياة الدنيا؛ وآية من آيات الله حيث قال تعالى: ( وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ. ) 23  سورة النور .

*  زيارة الأصدقاء والجيران:
يحتسب اليقظ الأجر في أي زيارة يقوم بها بأن يجعلها الله في ميزانه، ويبتغي بها وجه الله؛ لأن الله يثيب من زار أخًا له، أو عاده لغير أمر دنيوي ولكن لمحبته في الله: «إن الله أحبك كما أحببته فيه».
كذلك حينما يحدد قصده من الزيارة ، صلة الرحم إذا كان المزور قريب ، وتكون إصلاحا بين الناس حال تأليف القلوب، وتجمع الناس على الخير، وتكون دعوة الى الله حال تذكير الناسي، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل.

*  كسب الرزق:
المسلم المتيقظ إذا كان معلما يشكر الله الذي أكرمه بحمل هذه الرسالة، وهيأه لتربية أبناء المسلمين، وأمنه على عقولهم وقلوبهم وأفكارهم وينوي بذلك طاعة الله ويرجوا ثوابه ورضاه ، وليس فقط الحصول على الراتب آخر الشهر .
وكذلك التاجر: النية الصادقة في طلب الحلال وتجديدها، والإخلاص في البيع والشراء مع نية عون المسلمين في التعامل معهم، والإتباع للسنة وللثواب في نفسه وعياله ، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ هذا هو اليقظ.

. 3  معرفة الحق:

تختلف معرفة الحقّ عند الإنسان بمقدار يقظته، والغفلة عن عظمة الحقّ تعالى يترك عليه آثارًا مهلكة، من أبرزها: استصغار الذنب، نقصان العبادة والطاعة، عدم رعاية أدب العبودية، وعدم الخوف من الله.
فيدرك المؤمن عظمة الخالق من خلال نور اليقظة، وعند ذلك يكبر الذنب في عينيه، وينظر إلى عبادته على أنّها ناقصة لا تتناسب مع مقام العظمة والجلال, فيسعى ويعمل ويبذل جهده ليصل إلى أعلى المراتب.

 . 4 طلب العلم الشرعي العلم :

العلم نجاة في زمن عمت فيه الفتن وطمت ، العلم هو المصباح في زمن أظلمت فيه دروب الناس وقلوبهم إلا من رحم ربي ، قال علي بن أبي طالب: الناس ثلاثة : فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال ، العلم يحرسك .

ب - مظاهر مطالعة الجناية والوقوف على خطرها:

 . 1 التعرّف إلى الأخطاء:

يتمكّن المؤمن من خلال اليقظة من الالتفات إلى أخطائه فتكبر في عينيه ، ثمّ يتحرّك لجبران الخطأ والبحث عن طرق النجاة، يقول الأنصاري: "والثاني مطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها... والتشمّر لتداركها، والتخلّف من ربقها... وطلب النجاة بتمحيصها".

. 2  معرفة النفس الأمارة:

اليقظة تجعل السالك عارفًا بالنفس وأهوائها، وبواسطتها يدرك أنّ أعظم حجاب نُصب بينه وبين الله هو النفس وأهواؤها. وبذلك يدرك حقيقة الحديث الشريف : ( أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك ). رواه البيهقي   عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وإذا عرف ذلك تحرّك نحو النجاة، وفتّش عن طريق محاربة النفس، وكبح جماحها.

 . 3 الندم والاستغفار :

الندم : فهو رجوع القلب مع التحسر والتأسف، عن شيء قد كان هم العبد به، مما يسخط الله تعالى فعله كالمعاصي أو تركه كالفرائض وقد يقع على الانهماك في المباحات، وعلى التأخر عن نوافل القربات.
والمؤمن اليقظ يندم على ما حمل على مجانبة التقصير وملازمة التشمير وعند صحته يكاد يتضمن جميع شرائط التوبة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ  ) حديث حسن عن ابي سعيد الأنصاري صحيح الجامع ،  والذي يندم على إتيان القبائح مع الملابسة لها متلاعب لا يغني عنه ندمه شيئا.
وأما " الاستغفار ": فهو طلب المغفرة من الله وهو الستر على الذنوب ، وأشرف أنواع المغفرة أن يجعل الله بين العبد سترا من الذنوب حاجزا بينه وبينها حتى لا يقع في شيء منها .

. 4  تمحيص الذنوب :

والتمحيص: تخليص إيمانه ومعرفته من خبث الجناية كتمحيص الذهب والفضة . ولا يمكن دخوله الجنة إلا بعد هذا التمحيص فإنها طيبة لا يدخلها إلا طيب ، وليس في الجنة ذرة خبث ولهذا تقول لهم الملائكة: (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) الزمر 73.

والتمحيص في الدنيا بأربع :وهذا التمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء: التوبة ، والاستغفار ، وعمل الحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة.
فإن محصته هذه الأربعة وخلصته كان من الذين تتنزل عليهم الملائكة عند الموت (ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فصلت 30

و التمحيص في البرزخ بثلاث :وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه محص في البرزخ بثلاثة أشياء : صلاة أهل الإيمان الجنازة عليه واستغفارهم له وشفاعتهم فيه ، تمحيصه بفتنة القبر وروعة الفتان والعصر والانتهار وتوابع ذلك ، ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال ، وقد أجمع على وصول الصدقة والدعاء قال الإمام أحمد لا يختلفون في ذلك وما عداهما فيه اختلاف.

و التمحيص في الآخرة بأربع :فإن لم تف هذه بالتمحيص محِّص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء هي : أهوال القيامة ، شدة الموقف ، وشفاعة الشفعاء ، وعفو الله عز وجل .

والتمحيص لدخول النار : فإن لم تف هذه الثلاثة : بتمحيصه فلا بد له من دخول الكير رحمة في حقه ليتخلص ويتمحص ويتطهر في النار. فتكون النار طهرة له وتمحيصا لخبثه ويكون مكثه فيها على حسب كثرة الخبث وقلته وشدته وضعفه فإذا خرج خبثه وصفى ذهبه وصار خالصا طيبا أخرج من النار وأدخل الجنة.


( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ) أخرجه مسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق