السبت، 23 مارس 2019

تأثير القرآن الكريم والسنة المطهرة في حياة المسلم إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة :
قال الإمام ابن تيمية: "من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعقله وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والهدى وشفاء القلوب والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام، لا منظومه ولا منثوره ".

فإذا تم الإصغاء وحصل التدبر تزوق المسلم حلاوة النص القرآني والهدي النبوي وأثمر نهوضا وهمة عالية لامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وبهذا النهوض تحدث الهداية وتتحقق البشرى للمؤمنين الصالحين ،
حيث يقول الله تعالى : {ِ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء: 9 .
وقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران: 164.

 والحياة مع القرآن الكريم والتأسي بالرسول القدوة بها تتعمق جذور الإيمان والخشية من الله تعالى وتتهذب النفوس وتسود الأخلاق الحسنة ، وتحل السكينة والرحمة وشفاء وهدى ، وتكون سلاحا واقيا وسيلة للصبر والثبات ،

فهيا بنا نعيش مع القرآن تلاوة وتدبرا ودعاء وذكرا ونقف عند أهمية التمسك بالسنة النبوية وفضلها ، لنستمتع بثمرات القرآن والسنة والعمل بأحكامهما ، ونقف عند الشخصيات القيادية التي أثمرتها التربية الكتاب والسنة .

 أولا : الحياة مع القرآن وكيفية التأثر به :

1 . استشعارُ أن القرآنِ كلام الله تعالى إلى عباده لهدايتهم ، وانه منهجاً قويما لإصلاح الفردَ والمجتمع وأنه شفاءٌ من أمراض الشهوات والشبهات، قال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ).

2 . الإقبالِ على الله تعالى والقُرْبِ مما يحبُّه الله والامتثالِ لأمره، والابتعادِ عما نهى عنه، قال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) .

3 .  تَكْرارُ الآيةِ وتَرديدُها، : فذلك له أثرٌ عظيمٌ في خشوع القلبِ ، وتثبيتٌ لها في الصدر، وسكينةٌ وطمأنينةٌ للقلب ، روى النسائي وابن ماجه عن أَبي ذَرٍّ أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ). .

4 . التفاعل مع الآيات بالدعاء والتعوذ والاستغفار ونحوِهِ : كان ذلك هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ، روى مسلم. حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: (يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).

5 . أنْ يربطَ المؤمن  بين آياتِ القرآنِ والواقعِ الذي يعيشُهُ، ويجعلَ من الآيات منطلقاً لإصلاح حياتِه وواقعِه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.، وذلك من غير تكلُّفٍ .

6 . أنْ يَعْرِضَ المؤمنُ نفسَهُ على كتاب الله :
فينظرَ في صفات المؤمنين هل هو من المتصفين بها، وفي صفات المنافقين والكافرين هل هو بعيد عنها، أم أنه يتصف بشيء منها .


ثانيا : أهمية التمسك بالسنة النبوية وفضلها :

1- أن السنة مصدر من مصادر التشريع لأنها وحي من الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه.. رواه أحمدولذا كان جاحدها ومنكرها كافرا كفرا مخرجا من الملة

2- السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال شيخ الإسلام في الواسطية: فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه .
قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).
وقال تعالى: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ) َ.
قال الإمام الشافعي :
( كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ).

3- أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التمسك بالسنة ورغب فيها لاسيما وقت الفتن والاختلاف، فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) .. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

ثالثا : ثمرات  القرآن والسنة والعمل بأحكامهما :

1 .  تعميق جذور الإيمان والخشية من الله تعالى :

القرآن كلام رب العالمين، فمن آثاره أن الذين يتلون القرآن هم أهل الله ، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) الأنفال:2 .
 وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ » ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجه .
كما أن تلاوة القرآن تورث الدرجات العالية في جنة المأوى:
 وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا » رواه أَبُو داود والترمذي .
وبالقرآن تعميق لجذور الإيمان ،

وعن الخشية من الله تعالى فقد  وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ) ، وفي لفظ آخر : وفي رواية  مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( إني أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقي ) ،  وفي صحيح أبي داود ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .

2 . تهذيب النفوس والتحلي بالأخلاق الحسنة،:

 في الإلتزام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة تهذيب للنفوس والتحلي بالأخلاق الحسنة، قال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران: 164.
وقال ابن سعدي في تفسيره لقوله تعالى  "ويزكيكم " أي يطهر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية" .
وروى أبو هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى : (فألهمها فجورها وتقواها) فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها" .

3 . سكينة ورحمة وشفاء وهدى :

وتلاوة القرآن ومدارسته سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف والله يذكرهم عنده سبحانه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » رواه مسلم .

أما عن كون القرآن والسنة شفاء ورحمة وهدى فذلك ثمرة أحسان المؤمن لتدبُّرَ القرآن ،قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الإسراء: 82 ؛
وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ فصلت: 44 .
وفي تدبر آيات الله مخرج من الحيرة والقلق النَّفسي ومسكب للشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار، كما يزحزحه من حال التَّعاسة إلى السَّعادة وراحة البال.

4 . سلاح واق وسيلة للصبر والثبات :

كتاب الله وسنة رسول سلاح واق من الضلال ، قال صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ).
وهما أيضا سلاح مضاد للأخطار  المحدقة بالفرد والمجتمع من الدَّاخل والخارج، فهذا ثمرة تدبر آياته والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ التحريم: 9 .
وما تسلَّط أعداء المسلمين أحْكموا قبضتهم على المسلمين  إلاَّ عندما هجروا  القرآن، ولم يلتزموا بما جاء فيه.

وهما كذلك الطريق إلى الصبر والثبات  فقال الله تعالى : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا )
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} النساء: 66  أي على الحق ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل ، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة» سنن الترمذي .
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 . قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .


رابعا : شخصيات قيادية من ثمرات الكتاب والسنة :

1 . اصبح عمر بن الخطاب الرجل قَبَلي الفكر والعاطفة المحدود التصور والإدراك إلى عمر الفاروق رجل الدولة العظيم ورمز العدل الذي يجمع بين الحزم والرحمة ، وسعة الأفق وصدق الإدراك وحسن الفراسة ، ولولا التزامه بالكتاب والسنة لعاش عمر  ومات وما أحس به أحد .

2 . وكان مصعب في الجاهلية الفتى المدلل، وكانت أمه من أغنى أهل مكة تكسوه أحسن وأجمل اللباس ، وكان أعطر أهل مكة ، فلما أسلم وتربى على يدي رسول الله انخلع من ذلك كله ، وأصابه من التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه وأنهك جسمه، وكان أول سفير وأول داعية إلى الإسلام ، وقتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة إذا وضعت على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعت على رجليه برزت رأسه, فتحول الفتى المدلل إلى المجاهد الشهيد .

3 . وكان عبد الله بن مسعود راعي غنم مجهول لا يعرفه إلا سيده  عقبة بن أبي معيط ، فلما التزم بكتاب الله وسنة رسوله خاض المعارك الظافرة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع خلفائه ، وعزف عن المناصب والأموال ، ولم يصرفه صارف عن إخباته وتواضعه ، أصبح الرجل الذي يعتبر مؤسس مدرسة الرأي في الفقه الإسلامي والتي ينتسب إليها أبو حنيفة النعمان ، ويقول فيه عمر ابن الخطاب لأهل الكوفة لقد آثرتكم بعبد الله على نفسي .

4 . حاطب بن أبي بلتعة يجابه المقوقس حين قال لحاطب : ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده ؟ فقال حاطب: ما منع عيسى وقد أخذه قومه ليقتلوه أن يدعو الله عليهم فيهلكهم ؟ فقال المقوقس: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم أخرجه البيهقي .

5 .  المرأة التي كانت توءد ارتقت لتطالب بحقوقها إذا فقدتها وتجد من يسمع لها ويعطيها إياه ومن الأمثلة على ذلك ما أخرج النسائي عن عائشة – رضي الله عنها – أن فتاة قالت – يعني للنبي صلى الله عليه وسلم -: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فجاء فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله ! إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلّم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء”.

القرآن الكريم تلاوته ، وتدبره ، وهجره إعداد : محمد أبوغديرالمحامي

مقدمة :
القرآن الكريم نور من الله ورحمته المهداة للعالمين ، تلاوته سبب للرفعة في الدنيا والآخرة  ، وتدبره يُخرج من الحيرة والقلق النَّفسي؛ ليسكب فيه الشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار ، فإذا تضايق ولم يجد أحداً يواسيه ، والقرآن راحة القلوب وربيعُها ، فينبغي للمسلم أن يكون له عهد مع القرآن الكريم يوميَّاً .

والقرآن كالصاحب كلما طالت صحبته عرفت أسرارَه ، فالصاحب لا يُعطي سرَّه لمن يُجالسه لحظات ثم ينصرف ، فإذا أراد المسلمَ بركةً في وقتِـه وَعمله فَـليجعل من بينِ زحام مواعيدِهَ موعداً مع القرآن ، فلا يجوز للمسلم أن يكون لتلاوة القرآن هاجراً أو لأحكامه معطلاً .

والحديث عن مصاحبة القرآن تلاوة وتدبرا يستوجب بيان العناصر الآتية : تعريف القرآن الكريم وذكر أسمائه ، ومكانته وواجب المسلم نحوه ، وتلاوته وآدابها وفضلها ، وتدبره ووسائله وثمراته ، وأخيرا هجره وأنواعه ومظاهره :

أولا : تعريف القرآن الكريم وبيان أسمائه :

أ - تعريف القرآن الكريم :

يُعرَّف القرآن الكريم في الاصطلاح الشرعيّ :
بأنَّه كلام الله تعالى المُعجَز ، المُوحَى به إلى النّبي محمد عليه الصّلاة والسّلام بواسطة جبريل عليه السّلام ، المنقول بالتّواتر ، المَكتوب بين دفَّتَي  المُصحف ، المتعبَّد بتلاوته، المَبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة النّاس .

المقصود بأنَّه مُعجَز : أي أنَّ الله تعالى أنزل القرآن الكريم ليكون مُعجزةً مُؤيِّدةً للنبي -عليه الصّلاة والسّلام-، وتمثَّل الإعجاز بما حواه القرآن الكريم من فصاحةٍ وبلاغةٍ، وإخبارٍ عن الغيب وقصصٍ للأمم السَّابقة، وما تضمَّنه من إعجازٍ علميٍّ وتشريعي .
والمُراد بالمُوحَى به : أنه المُنزّلٌ من الله تعالى على النبيّ محمد عليه الصّلاة والسّلام بواسطة جبريل عليه السّلام .
أمَّا المُراد من أنَّه منقولٌ بالتَّواتر : أنَّه نُقِل من جمعٍ إلى جمعٍ بحيث يستحيل اتِّفاقهم على الكذب في نقله .
والمقصود بمتعبَّدٍ بتلاوته : أي أنَّ في تلاوته عبادةً وطاعة يتقرَّب بها المُؤمن لله تعالى ، وينال بموجبها الأجر والثَّواب العظيمين .

ب - أسماء القرآن الكريم :

للقرآن الكريم أسماءٌ ورد ذكرها في آيات القرآن منها الآتي :

. 1 الكتاب : في قول الله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) سورة الدخان، آية: 1-2

. 2 الفرقان : في قول الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) سورة الفرقان، آية: 1.

. 3 الذّكر: في قول الله تعالى: (وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) سورة الأنبياء، آية: 50.

. 4 النّور: في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) سورة النساء، آية: 174.

. 5 تّنزيل رب العالمين: في قول الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة الشعراء، آية: 192.

ثانيا : مكانة القرآن الكريم وواجب المسلم نحوه :

أ - مكانة القرآن الكريم :

للقرآن الكريم مكانةٌ وأهميَّةٌ عظيمةٌ اختصَّه الله تعالى وميَّزه بها، ومن ذلك:

. 1 أنَّ القرآن الكريم رسالة الله إلى الإنسانيّة كافَّةً؛ لكونه أُنزِل على النّبي محمد -عليه الصّلاة والسّلام- الذي بعث للنّاس كافَّة، وكذلك فهو خاتم الكتب السماويَّة وآخرها.

. 2 أنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظه من التّحريف والتّبديل دوناً عن الكتب الأخرى، وفي ذلك قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر، آية: 9.

. 3 أنَّ القرآن الكريم بفصاحته وبيانه شكَّل إعجازاً تحدّى الله به العرب أهل الفصاحة والبيان .

4 . أنَّ القرآن الكريم كتابٌ جامعٌ حوى في سُوَرِه وبين آياته علاجاً وإجاباتٍ شافيةً لقضايا روحيَّةٍ، وعقديَّةٍ، وأخلاقيَّةٍ، واجتماعيَّةٍ، وسياسيَّةٍ، واقتصاديَّةٍ.

ب - واجب المسلم نحو القرآن الكريم :

. 1 أن يجعل للقرآن الكريم حظا وافرا في برنامج حياته اليومي، فلا يمضي يومه دون تلاوته .

. 2 تدبُّر معاني آياته ، ومعرفة معانيها وتتبع مراميها، والإستعانة بكتاب أو أكثر للتفسير مفيد في هذه الناحية.

. 3 حفظ ما يستطيع من سوره وآيات القرآن ، فبها ينتظم عهد المسلم بالقرآن حفظاً وتدبراً في النَّهار، وقياماً في الليل بما حفظ.

. 4 الوقوف عند أحكامه، فأحكام القرآن واجبة التنفيذ والتطبيق .

. 5 تعلُّم أحكام تلاوته، وتعليمه لغيره وخاصة أهل بيته فذلك الأهم .
- 6 الترتيل فلا التعجيل".

- 7 ضع القرآن على قائمة أولوياتك، فلا يشغلك شيء عنه.

ثالثا : تلاوة القرآن
معناها وآدابها وفضلها :

أ - معني تلاوة القرآن :

 يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : تلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب ، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل ، وحظ العقل

ب - آداب تلاوة القرآن الكريم :

آداب تلاوة القرآن الكريم كثيرة نذكر منها:

. 1 الإخلاص : وقصد العمل لوجه الله، واستحضار القارئ وقوفه بين يدي الله تعالى مناجياً إياه.

. 2 ترتيل القرآن الكريم وتدبره، والبكاء عند المرور على الآيات التي تستلزم لذلك.

. 3 عدم قطع التلاوة لحديث إلا ما تستلزمه الضرورة، وترك ترقيق الصوت أثناء تلاوته.

. 4 الإيمان به، وتعظيمه، والتصديق بما جاء فيه، والخشوع أثناء قراءته. . 5 الاستعاذة من الشيطان الرجيم، والإتيان بالبسلمة.

. 6  تنظيف الفم بالسواك أو بسائر العيدان.

 . 7الطهارة ، إذ يستحب لمن يريد أن يقرأ القرآن الكريم أن يكون متطهراً.

. 8القراءة في مكان نظيف ، وأفضل الأماكن وأجلّها هي المساجد، فالقراءة فيها مستحبّة.

. 9استقبال القبلة، والجلوس بخضوع، وإخبات، ووقار.

. 10ترك الضحك والمزاح، ولهو الحديث أثناء قراءته،
 وتجنّب الاشنغال بما يلهي عنه أثناء تلاوته.

. 11تعلّم علومه، والوقوف على أحكامه وشرائعة، والعمل بأوامره.

ج - فضائل تلاوة القرآن :

لتلاوة القرآن فضائل كثيرة هذا بعضها :

 . 1 تلاوة القرآن نعمة يُحسد عليها المؤمن :فعن ابن عمر رضي اللهُ عنهما ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
والحسد هنا الغبطة ، أن تتمنى ما لأخيك من خير دون أن حقد أو تمنٍّ لزواله .

. 2 وتلاوته سبب للرفعة في الدنيا والآخرة :فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ )) رواه مسلم .

. 3 تلاوة القرآن نور في الأرض وذخر في السماء :فعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله أوصني ، قال :« عليك بتقوى الله ؛ فإنه رأس الأمرِ كلِّه » ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :«عليك بتلاوة القرآن ؛ فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء » رواه ابن حبان.

. 4 تلاوة القرآن سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف والله يذكره :فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم .

5 . القرآن يُقرأ بعشر حسنات  :
فعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا ، لاَ أقول : {ألم} حَرفٌ ، وَلكِنْ : ألِفٌ حَرْفٌ ، وَلاَمٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» رواه الترمذي .

. 6 والتالون للكتاب أهل الله :
فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ» . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجه .

. 7 والتلاوة أمان من الغفلة:
 فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين» رواه الحاكم .

. 8 بالتلاوة يكون العبد في قائمة القانتين :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين» رواه ابن خزيمة.

. 9  بها تُنال شفاعة القرآن :
 فعن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : «اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ» رواه مسلم .

. 10  التلاوة تورث الدرجات العالية في جنة المأوى:
 وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا » رواه أَبُو داود والترمذي ، قال الحافظ رحمه الله في الفتح :" والمراد بالصاحب الذي ألفه ، قال عياض : المؤالفة المصاحبة.

رابعا :تدبر القرآن الكريم
معناه ووسائله وثمراته :

أ - معنى تدبر القرآن الكريم :

تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ يعني:
أن تعلم أنك مخاطَب بكلام الله تعالى، فتُصْغِي له بأذن قلبك، وتتأمله بعين فؤادك، فإذا وعيت عن الله تعالى قوله، وفهمت من كلامِهِ مرادَهُ، وتَشَرَّبَ قلبُكَ معانيه، فانهض لامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، حتى يُرى القرآن في سمتك، وتصطبغ به أخلاقك، ويظهر أَثَرُه على قولِكَ وفعلِكَ ، قَالَ الله تَعَالَى ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ سورة محمد : الآية/ 24.

ب -  وسائل تدبر القرآن الكريم :

1 .تنويرُ البصيرةِ بالإقبالِ على الله تعالى والقُرْبِ مما يحبُّه الله والامتثالِ لأمره، والابتعادِ عما نهى عنه، قال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)، فالعلمُ نورٌ، والمعصيةُ ظُلْمَةٌ، ولا بدَّ لمن يريدُ النورَ أنْ يبتعدَ عن كلِّ ما فيه ظُلْمَة، فكلما ابتعدَ المسلمُ عن المعاصي كان أقربَ إلى التوفيقِ والسداد.

2 . استشعارُ أن القرآنِ كلام الله تعالى إلى عباده لهدايتهم لأفضل السُّبُل التي فيها نفعهم في الدنيا والآخرة، وأنه شفاءٌ من أمراض الشهوات والشبهات، والقرآن يعطي منهجاً سليماً في الحياة ويُصْلِحُ الفردَ والمجتمع ، وقد وصف الله تعالى تأثُّرَ المؤمنين بالقرآن فقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً).

3 .  تَكْرارُ الآيةِ وتَرديدُها، : فذلك له أثرٌ عظيمٌ في حضورِ القلبِ ، وتثبيتٌ لها في الصدر، وسكينةٌ وطمأنينةٌ للقلب ، وى النسائي عن أَبي ذَرٍّ أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وابن ماجه.

ا4 . لتفاعل مع الآيات بالسؤال والتعوذ والاستغفار ونحوِهِ : كان ذلك هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ، روى مسلم. حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: (يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).

5 . القراءةُ بتأنٍ وهدوء، والتفاعلُ مع الآيات بحضور القلب، وإلقاء السمع، وإمعان النظر، وإعمال العقل. فلا يكون هَمُّهُ الإكثارَ من القراءة بدون تأمُّلٍ وفَهْمٍ لما يقرؤه.

6 . أنْ يربطَ الإنسانُ بين آياتِ القرآنِ والواقعِ الذي يعيشُهُ، ويجعلَ من الآيات منطلقاً لإصلاح حياتِه وواقعِه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.، وذلك من غير تكلُّفٍ وتمحُّل في إنزال الآيات على الواقع.

7 . التأمُّلُ في سِياقِ الآيةِ : أي في ما قبل الآية وما بعد بعدها ، فلا بد أن يكون هناك الكثيرُ من الحِكَمِ والأسرارِ في هذا الترتيب.

8 . أنْ يَعْرِضَ المؤمنُ نفسَهُ على كتاب الله، فينظرَ في صفات المؤمنين هل هو من المتصفين بها، وفي صفات المنافقين والكافرين هل هو بعيد عنها، أم أنه يتصف بشيء منها

ج - ثمرات تدبُّر القرآن :

وهي ثمار عديدة لا يمكن حصرها ، ومن أبرزها:

 - 1في التدبر تعميق جذور الإيمان:
تدبُّر آياتِ القرآن الكريم يجعل المؤمن يزداد يقيناً بأنَّه من عند الله تعالى، فلا يجد فيه آيةً تُعارض أخرى، ولا يجد لفظةً يمكن استبدالها بأخرى، وإنَّما يسير على نسق واحد من أوَّله إلى آخره ، فيستشعر أنَّه من لدن حكيمٍ خبير .
تفسير المعاني ، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار ، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ .

- 2 التدبر طريق لمعرفة الرَّبِّ جلَّ جلالُه:
ومن أعظم ثمرات تدبُّر القرآن: أنَّه يُعَرِّفُ بالرَّبِّ تعالى، وعظيمِ سلطانه وقدرته، وعظيمِ تفضُّله على المؤمنين ،
وبه يُعرِّف الطَّريقَ الموصلة إليه، وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه ،
وبتدبر القرآن يُعرِّف العدوَّ والطَّريقَ الموصلة إلى العذاب؛ وصفة أهل النار .

- 3 بالتدبر تحقيق العبوديَّة لله تعالى:
فتدبُّر القرآن وسيلة لمعرفة ما يريد الله مِنَّا، وكيفيَّة عبادته تبارك وتعالى، ومعرفة ما أنزل الله إلينا ؛ لأنَّ القرآن العظيم هو التَّشريع الواجب الإلتزام بأوامره وتجتنب نواهيه ، وبه تتحقق عبادة الله تعالى كاملة وخالصة.

 - 4 التدبر غذاءٌ وعلاجٌ :
فهو غذاء للرُّوح، وعلاج يشفي النُّفوس من علَّلها، ويُكْسِبها المناعة القويَّة - إذا أحسن المؤمن تدبُّرَه، قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]؛ وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44].
التَّدبُّر يُخرج المتدبِّر من الحيرة والقلق النَّفسي؛ ليسكب فيه الشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار، كما يزحزحه من حال التَّعاسة إلى السَّعادة وراحة البال.

- 5 التدبر سلاح :
كما أنَّ التَّدبُّر سلاح يدفع الأخطار المحدقة بالفرد والمجتمع من الدَّاخل والخارج، حيث يُسْتَعْمَلُ في جهاد النَّفس، ومقاومة المنافقين، وجهاد الكافرين على حدِّ قوله تعالى : ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ الفرقان: 52
وقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ التحريم: 9 .
لأنَّ أعداء المسلمين لم يتسلَّطوا ويُحْكموا عليهم القبضة إلاَّ عندما هجروا تدبُّرَ القرآن، ولم يلتزموا بما جاء فيه.

 - 5التدبر طريق لتربيةً العقول:
معرفة ما أنزل الله تعالى من أعظم ما يُربِّي العقول ويجعلها تفهم الحقائق النَّافعة فتتَّبِعها، والضَّارة فتجتنبها؛ فلا تميل بها الأهواءُ والخرافات الضَّارَّة المفسدة للعقول.
وبالعقل الصَّحيح يَعْقِلَ العبدُ - في قلبه - الحقائقَ النَّافعة، ويميز بينها وبين ضِدِّها، ويعرف الرَّاجح من الأمور فيؤثره، والمرجوحَ أو الضَّارَ فيتركه.

. 6 والتَّدبُّر في الصَّلاة وخارجها يثمر الخشوع :
فيكون صاحِبُه من المفلحين الخاشعين الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ المؤمنون: 1-2.

خامسا: هجر القرآن
معناه وأنواعه ومظاهره:

هجر القرآن ذَكَره الله في كتابه بقوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} سورة الفرقان: الآية (30).

أ - معنى الهجر وأنواعه :

قال بعض أهل العلم: "من لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأ القرآن ولم يتدبَّر معانيه فقد هجره، ومن قرأه وتدبَّره ولم يعمل بما فيه فقد هجره".

وحول معنى هجر القرآن ذكر ابن القيم رحمه الله في الفوائد خمس أنواع للهجر :

. 1هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.

. 2هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.

.3 هجر الحكم به والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.

 . 4هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلِّم به منه سبحانه وتعالى.

 . 5هجر الاستشفاء والتداوي به من جميع أمراض القلوب وأدوائها .

ب - متى يعد الترك هجرا لتلاوة القرآن ؟ :

 يُسن ختمه في كل أسبوع :
 جاء ذلك في المغني لإبن قامة ، واستدل في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "اقرأ القرآن في سبع" رواه البخاري .

ويُكره تأخير ختم القرآن فوق أربعين يوماً بلا عذر :
قال الإمام أحمد أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين ، ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به ، ويحرم تأخيره فوق الأربعين إن خشي نسيانه.

ولابد من استذكار القرآن وتعاهده :
لإنه أشد تَفَصِّيًا من صدور الرجال من النعم ، روى البخاري عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عُقُلها " ، التفصي: التخلص والتفلت .

ج - آثار هجر تلاوة القرآن الكريم :

. 1 كثرة الهمّ والحزن في الحياة، فالحياة مليئة بالمشاكل والهموم، ومن فقد نور القرآن لن يتمكن من الوقوف في وجه هموم الحياة.

. 2 إظلام النفس، ووحشة القلب، حيث يشعر المسلم الهاجر لكتاب الله بظلمة في نفسه، تنعكس على سلوكه اليومي، وعلى مزاجه العام.

. 3 قلَّة بركة الرزق، فيشعر أنَّ الرزق رغم وفرته باستمرار لا بركة فيه أبداً، وأنَّه لا يكفي حتى معاشه اليومي.

. 4 نفور في العلاقات الاجتماعيَّة اضطراب النفس والشعور بالتوتر ، فتلاوة القرآن سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف وقد حرم هاجر القرآن من هذا الخير.

فقه الدعاء إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة :
الإنسان ضعيف مهما كانت قوته فقير مهما كانت قدرته ، لذلك يتعبد إلى الله تعالى بأن يعلن افتقاره إليه تعالى ويرجو رحمة ويخاف عذابه ، فيطمئن قلبه بذكره ويجتهد في إستغفاره .

ومن لزم الدعاء لن يدركه الشقاء ، وتفتح له أبواب الرحمة ، ويرفع عنه البلاء قبل نزوله وبعد نزوله ، وفي الدعاء سلامة من الكبر ، وهو سبب لدفع غضب الله تعالى .

ومن كان حريصا على أن يستجيب الله لدعائه فليتحلى بالإخلاص في القول والعمل ويلزم التوبة من المعاصي ويحرص على اللقمة الحلال ويتزرع بالصبر والأناة ، ويحسن الظن بالله تعالى ويكون حاضر القلب، متدبرا لمعاني ما يقول ، ولا يعتدي في الدعاء  ولا يشغله عن أمر واجب أو فريضة حاضرة .

ويستحب للداع أن يسبق دعاءه بحمد الله تعالى والثناء عليه، وأن يكون حال دعائه على وضوء مستقبلا القبلة، وليستشعر التذلل والافتقار والانكسار ، وأن يتخير أحسن ألفاظ الدعاء ومعانيه الجامعة ،  وأن يترصد لدعائه الأوقات المباركة ويغتنم الأحوال الفاضلة .

والعبد المؤمن المستجيب لأمر الله والمنكسر بين يديه يدعوه وهو موقن بالاجابة ، قال الله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } البقرة : 186. 

فهيا بنا في هذه السطور نعيش فقه الدعاء من حيث تعريفه وأنواعه ، ونقف عند معانيه الواردة في القرآن الكريم، ولنتدبر جوامع الدعاء في الكتاب والسنة ، ولنستعذب فضائله وثمراتُه ، ونقف عند آدابه ومستحباته وشروط قبوله ، وبيان ذلك في الآتي :

أولاً : تعريف الدعاء في اللغة والاصطلاح وأنواعه :

أ - الدعاء لغة :
.
قال ابن منظور في لسان العرب مادة (د ع و) : دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه. والاسم: الدعوة.
ودعوت فلانًا: أي صِحت به واستدعيته -.

ب - الدعاء شرعًا :

قال الخطابي: معنى الدعاء : استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العناية ، واستمدادُه منه المعونةَ.

وحقيقة الدعاء : إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة ، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة ، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه.

ج : الدعاء نوعان هما :

1. دعاء المسألة :
 هو طلب ما ينفع الداعي ، وطلب كشف ما يضره ودفعه .

2. دعاء العبادة :
وهو التقرب إلى الله بجميع أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، من الأقوال والأعمال، والنيات والتروك، التي تملأ القلوب بعظمة الله وجلاله. 

ثانياً : معاني الدعاء في القرآن الكريم :

ورد الدعاء في القرآن الكريم على وجوه عديدة في المعنى بيانها في الآتي :

1- الدعاء بمعنى العبادة :
كما في قوله تعالى : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } الكهف:28 .

2- الدعاء بمعنى الطلب :
كما في قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة : 186.

3- الدعاء بمعنى الاستغاثة :
كما في قوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } البقرة :23 .

4 - الدعاء بمعنى النداء :
كما في قوله تعالى: { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } الإسراء : 52 .

5 - الدعاء بمعنى توحيد الله وتمجيده والثناء عليه :
كما في قوله تعالى: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ }الإسراء : 110 .

6 - الدعاء بمعنى الحثّ على الشيء :
كما في قوله تعالى: { قَالَ رَبّ ٱلسّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ } يوسف:33  .

7 - الدعاء بمعنى رفعة القدر :
كما في قوله تعالى: { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلآخِرَةِ } غافر:43.

8 - الدعاء بمعنى القول :
 كما في قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ} الأعراف:5 .

9 - الدعاء بمعنى سؤال الاستفهام :
كما في قوله تعالى:{ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } البقرة:68.

10- الدعاء بمعنى التسمية :
كما في قوله تعالى: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ} الإسراء:110 .
والمعنى: أيا ما تسمّوا في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم"

ثالثا : جامع الدعاء من الكتاب والسنة :

 أ - من القرآن الكريم  :

1 . ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ الفاتحة: 6 ، 7 .

2 . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ البقرة: 201 .

3 . ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا * رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا * رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ البقرة: 286 .

 4 . ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ آل عمران: 8 .

5 . ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ آل عمران: 147 .

6 . ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ آل عمران: 193، 194 .

7 . ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ الأعراف: 89 .

8 . ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ يونس: 85، 86 .

9 . ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ إبراهيم: 41 .

10 . ﴿ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ الإسراء: 24 .

ب - الدعاء من السنة المطهرة :

1 . ( اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركتَ على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد)؛ رواه البخاري .

3 .  ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم)؛ رواه البخاري .

4 . ( اللهم أحيِني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)؛ رواه البخاري .

5 . ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )؛ رواه البخاري .

6 . ( اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، واجعل لي نورًا )؛ رواه البخاري

7 . ( اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضَلَع الدَّين، وغلَبة الرجال )؛ رواه البخاري .

8 . ( اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض مِن الدَّنس، اللهم اغسِلْني من خطاياي بالثلج والماء والبَرَد ) رواه مسلم .

9 . ( اللهم أصلِحْ لي دِيني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لي من كل شر ) رواه مسلم .

10 . ( اللهم اغفِرْ لي ما قدمتُ وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيءٍ قدير ) رواه مسلم .

11 . ( اللهم أعوذ برضاك مِن سخَطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيت على نفسك )؛ رواه مسلم .

رأبعا :  فضائلُ الدعاءِ وثمراتُه :

 ذكرت آيات كريمة وأحاديث نبوية فضائل الدعاء وثمراته منها :

1- أن الله تعالى أثنى على أنبيائه به :
فقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ} الأنبياء:90 ، فأثنى سبحانه عليهم بهذه الأوصاف الثلاثة: المسارعة في الخيرات، ودعاؤه رغبة ورهبة، والخشوع له، وبيَّن أنها هي السبب في تمكينهم ونصرتهم وإظهارهم على أعدائهم، ولو كان شيء أبلغ في الثناء عليهم من هذه الأوصاف لذكره سبحانه وتعالى .

2 - أنَّه سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، ووظيفة المؤمنين المتواضع :
قال تعالى: {أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57 .

3 - وهو صفة من صفات عباد الرحمن :
قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } إلى قوله: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } الفرقان:65-77 .

4 - أنه شأن من شؤون الملائكة الكرام :
قال تعالى:  {ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ} [غافر:7-9]..

5 - أنه من أفضل العبادات :
عن النعمان بن بشير قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ...} - أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه
قال المباركفوري: "أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة؛ لدلالته على الإقبال على الله, والإعراض عما سواه، بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه".

6 -  أنه أكرم شيء على الله تعالى :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)) - أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه
قال الشوكاني: "قيل: وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله تعالى وعجز الداعي، والأولى أن يقال: إن الدعاء لما كان هو العبادة, وكان مخ العبادة كما تقدم، كان أكرم على الله من هذه الحيثية؛ لأن العبادة هي التي خلق الله سبحانه الخلق لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]" - تحفة الذاكرين (ص30).

7 - أنَّ الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجالسَ ويلازمَ أهلَ الدعاء، وأن لا يعدُوَهم إلى غيرهم بالنظر فضلا عمَّا هو فوقه، قال الله تعالى: {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

8 - أنَّ الله تعالى نهى عن الإساءة إلى أهل الدعاء، تشريفا وتكريما لهم :
فقال: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الأنعام : 52 .

9 - أن الله تعالى قريب من أهل الدعاء :
قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة:186 ، وقد جاء في سبب نزولها أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية - انظر: تفسير الطبري (2/158).

10 - أنَّ من لزم الدعاء فلن يدركه الشقاء.
قال الله تعالى عن زكريَّا: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً} [مريم: 4]، وقال عن خليله إبراهيم: {عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} [مريم: 48].

11 - أنَّه من صفات أهل الجنة في الجنة*:
قال تعالى: {دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمفِوَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [يونس: 10].

12 -  أنه مفتاح أبواب الرحمة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله :
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئا يُعطى أحب إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء ) - أخرجه الترمذي وضعفه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع

13 - أنه يرد القضاء :
فعن ثوبان مولى رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا يرد القدر إلا الدعاء)) - أخرجه أحمد والترمذي  وابن ماجه في المقدمة وحسنه الألباني.
قال الشوكاني: "فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة" - تحفة الذاكرين

14- والدعاء سلامة من الكبر :
قال تعالى : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).

15 - والدعاء سبب لدفع غضب الله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من لم يسألِ اللهَ يَغْضَبْ عليه). أخرجه أحمدُ، والترمذيُّ، وابن ماجة.

خامسا : آداب الدعاء ومستحباته  :

للدعاء آداب ومستحبات ينبغي مراعاتها ، منها :

1. تبدأ أولا بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى :
 عن فضالة بن عبيد ( رضي الله عنه ) : قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى : فقال : اللهم أغفر لي وارحمني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجلت أيها المصلي اذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله ، وصل علي ثم ادعه ) ، قال : ثم صلى اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم .فقال له النبي صلى الله : ( أيها المصلي ادع تجب ) رواه أبو داوود والترمذي .

2. الوضوء :
كما في حديث ابي موسى الاشعري ( رضي الله عنه : ) لما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعبيد أبي عامر ، دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال : ( اللهم أغفر لعبيد ابي عامر .. ) رواه البخاري ومسلم . والحديث طويل )

  3 - استقبال القبلة :
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش)) - أخرجه البخاري.

 4 - اختيار أحسن الألفاظ وأجمعها للمعاني :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه .

5- التذلل والافتقار  :
فقد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : ( دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين . فانه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له )
رواه الترمذي والحاكم

6- أن يترصد لدعائه الأوقات المباركة :
كعشية عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، وخاصة العشر الأواخر منه، وبالأخص ليلة القدر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل، وبين الأذان والإقامة.

7- أن يغتنم الحالات الفاضلة:
كالسجود، ودبر الصلوات، والصيام، وعند اللقاء، وعند نزول الغيث.
قال ابن القيم: "((دبر الصلاة)) يحتمل قبل السلام وبعده،

8- أن يستغلَّ حالات الضرورة والانكسار :
 وساعات الضيق والشدة كالسفر، والمرض، وكونه مظلوما ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده)) - أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد

9- رفع اليدين وبسط الكفَّين :
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه)) - أخرجه البخاري  ومسلم ،

10 - أن يواكب دعائه عمل صالح :
ومن الادب الحسن والذي يرجي به لصاحبه ان يستجاب دعاؤه أن يقدم بين يدي دعائه عملا صالحا كصلاة او صيام او صدقة.

11- ان يخفض الداعي صوته اذا دعاء :
فقد مدح الله تعالى نبيه زكريا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بخفض الصوت في الدعاء ، فقال تعالى : ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا اذ نادى ربه نداء خفيا ) مريم : 3.2) .

12 - الجزم في الدعاء والعزم في المسألة :
 فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه ) - رواه البخاري ومسلم.

 سادسا : شروط قبول الدعاء :

لا يقبل الله الدعاء ولا يستجيب للداع إلا إذا توفرت جملة من الشروط، بيانها في الآتي :

1- الإخلاص في الدعاء :
الدعاء من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات ، ولا يقبله الله  إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، قال الله تعالى : {فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ} غافر: 14،
قال ابن رجب: "واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين, لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة".

2- الصبر وعدم الاستعجال :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي ) - رواه البخاري ومسلم
وقال ابن القيم: "ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله"،

3- التوبة من المعاصي :
هذا الشرط ركيزة ضرورية في بناء الدعاء المستجاب ، وبدونه يصح الدعاء ضعيفا واهيا.
 قال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والسبيح .
قال بعض السلف : لا تستبطئ الاجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي .

4- أكل الحلال وتجنب الحرام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله أمر  المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم )) المؤمنون : 51 ) .

5- حسن الظن بالله تعالى :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) - أخرجه الترمذي والحاكم.

5- حضور القلب، وتدبر معاني ما يقول :
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم: ((واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).

6 - عدم الاعتداء في الدعاء :
والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به،
قال الله تعالى: {ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ} الأعراف: 55 ،
فمن ذلك : أن يسأل الله تعالى ما لا يليق به من منازل الأنبياء ، أو يتنطع في السؤال بذكر تفاصيل يغني عنها العموم ، أو يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات.

7- أن لا يشغله الدعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة :
كإكرام ضيف، أو إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو صلاة، أو غير ذلك..

8-  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم ) - رواه الترمذي.

سابعا : أوقات وأحوال إستجابة الدعاء  :

أ - أوقات استجابة الدعاء :

1. ليلة القدر :
 فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما قالت له : أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : قولي " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

2. الدعاء في جوف الليل :
هو وقت السحر ووقت النزول الإلهي فإنه سبحانه يتفضل على عباده فينزل ليقضي حاجاتهم ويفرج كرباتهم فيقول : " من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له" رواه البخاري.

3. دبر الصلوات المكتوبات :
في حديث أبي أمامة " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي .

4. بين الأذان والإقامة :
 فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ) رواه أبو داود .

5. عند النداء للصلوات المكتوبة وعند التحام الصفوف في المعركة :
كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً : " ثنتان لا تردان ، أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً " رواه أبو داود .

6. عند نزول الغيث :
كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ثنتان ما تردان : ( الدعاء عند النداء وتحت المطر ) رواه أبو داود .

7. في ساعة من الليل :
كما قال عليه الصلاة والسلام :" إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة" رواه مسلم .

8. ساعة يوم الجمعة :
فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال : ( فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه ) وأشار بيده يقللها . رواه البخاري ومسلم .

10 . الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر :
فعن عبد الله بن السائب – رضي الله عنه أن رسول الله كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال : " إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح " رواه الترمذي .

11 . الدعاء عند الاستيقاظ من الليل وقول الدعاء الوارد في ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَعَارَّ ( أي : استيقظ )مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ " رواه البخاري .

ب - أحوال استجابة الدعاء :

1. عند شرب زمزم :
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له " رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع " .

2. في السجود :
قال صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " رواه مسلم .
3. عند سماع صياح الديكة :
لحديث : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً " رواه البخاري ومسلم .

4. عند الدعاء بـ" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " :
قد صح عنه صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له " رواه الترمذي .

5. إذا وقعت عليه مصيبة فدعا بـ "إنا لله إنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها :
 " عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها " رواه مسلم .

6. دعاء الناس بعد قبض روح الميت :
ففي الحديث أن النبي صلى الله دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : " إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " رواه مسلم .

7. الدعاء عند المريض :
روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون .. قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا سلمة قد مات، فقال لي : قولي : اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه ، محمداً صلى الله عليه وسلم ".

8 . دعوة المظلوم
في الحديث : " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " رواه البخاري ومسلم .

9 . دعاء الوالد لولده – أي : لنفعه - ودعاء الصائم في يوم صيامه ودعوة المسافر :
 فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ودعوة المسافر " رواه البيهقي .

10 . دعوة الوالد على ولده – أي : لضرره :
ففي الحديث الصحيح : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده " رواه الترمذي .

11. دعاء الولد الصالح لوالديه :
أخرج مسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به )