مقدمة :
قال الإمام ابن تيمية: "من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعقله وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والهدى وشفاء القلوب والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام، لا منظومه ولا منثوره ".
فإذا تم الإصغاء وحصل التدبر تزوق المسلم حلاوة النص القرآني والهدي النبوي وأثمر نهوضا وهمة عالية لامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وبهذا النهوض تحدث الهداية وتتحقق البشرى للمؤمنين الصالحين ،
حيث يقول الله تعالى : {ِ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء: 9 .
وقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران: 164.
والحياة مع القرآن الكريم والتأسي بالرسول القدوة بها تتعمق جذور الإيمان والخشية من الله تعالى وتتهذب النفوس وتسود الأخلاق الحسنة ، وتحل السكينة والرحمة وشفاء وهدى ، وتكون سلاحا واقيا وسيلة للصبر والثبات ،
فهيا بنا نعيش مع القرآن تلاوة وتدبرا ودعاء وذكرا ونقف عند أهمية التمسك بالسنة النبوية وفضلها ، لنستمتع بثمرات القرآن والسنة والعمل بأحكامهما ، ونقف عند الشخصيات القيادية التي أثمرتها التربية الكتاب والسنة .
أولا : الحياة مع القرآن وكيفية التأثر به :
1 . استشعارُ أن القرآنِ كلام الله تعالى إلى عباده لهدايتهم ، وانه منهجاً قويما لإصلاح الفردَ والمجتمع وأنه شفاءٌ من أمراض الشهوات والشبهات، قال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ).
2 . الإقبالِ على الله تعالى والقُرْبِ مما يحبُّه الله والامتثالِ لأمره، والابتعادِ عما نهى عنه، قال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) .
3 . تَكْرارُ الآيةِ وتَرديدُها، : فذلك له أثرٌ عظيمٌ في خشوع القلبِ ، وتثبيتٌ لها في الصدر، وسكينةٌ وطمأنينةٌ للقلب ، روى النسائي وابن ماجه عن أَبي ذَرٍّ أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ). .
4 . التفاعل مع الآيات بالدعاء والتعوذ والاستغفار ونحوِهِ : كان ذلك هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ، روى مسلم. حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: (يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).
5 . أنْ يربطَ المؤمن بين آياتِ القرآنِ والواقعِ الذي يعيشُهُ، ويجعلَ من الآيات منطلقاً لإصلاح حياتِه وواقعِه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.، وذلك من غير تكلُّفٍ .
6 . أنْ يَعْرِضَ المؤمنُ نفسَهُ على كتاب الله :
فينظرَ في صفات المؤمنين هل هو من المتصفين بها، وفي صفات المنافقين والكافرين هل هو بعيد عنها، أم أنه يتصف بشيء منها .
ثانيا : أهمية التمسك بالسنة النبوية وفضلها :
1- أن السنة مصدر من مصادر التشريع لأنها وحي من الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه.. رواه أحمدولذا كان جاحدها ومنكرها كافرا كفرا مخرجا من الملة
2- السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال شيخ الإسلام في الواسطية: فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه .
قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).
وقال تعالى: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ) َ.
قال الإمام الشافعي :
( كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ).
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التمسك بالسنة ورغب فيها لاسيما وقت الفتن والاختلاف، فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) .. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
ثالثا : ثمرات القرآن والسنة والعمل بأحكامهما :
1 . تعميق جذور الإيمان والخشية من الله تعالى :
القرآن كلام رب العالمين، فمن آثاره أن الذين يتلون القرآن هم أهل الله ، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) الأنفال:2 .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ » ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجه .
كما أن تلاوة القرآن تورث الدرجات العالية في جنة المأوى:
وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا » رواه أَبُو داود والترمذي .
وبالقرآن تعميق لجذور الإيمان ،
وعن الخشية من الله تعالى فقد وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ) ، وفي لفظ آخر : وفي رواية مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( إني أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقي ) ، وفي صحيح أبي داود ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
2 . تهذيب النفوس والتحلي بالأخلاق الحسنة،:
في الإلتزام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة تهذيب للنفوس والتحلي بالأخلاق الحسنة، قال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران: 164.
وقال ابن سعدي في تفسيره لقوله تعالى "ويزكيكم " أي يطهر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية" .
وروى أبو هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى : (فألهمها فجورها وتقواها) فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها" .
3 . سكينة ورحمة وشفاء وهدى :
وتلاوة القرآن ومدارسته سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف والله يذكرهم عنده سبحانه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » رواه مسلم .
أما عن كون القرآن والسنة شفاء ورحمة وهدى فذلك ثمرة أحسان المؤمن لتدبُّرَ القرآن ،قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الإسراء: 82 ؛
وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ فصلت: 44 .
وفي تدبر آيات الله مخرج من الحيرة والقلق النَّفسي ومسكب للشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار، كما يزحزحه من حال التَّعاسة إلى السَّعادة وراحة البال.
4 . سلاح واق وسيلة للصبر والثبات :
كتاب الله وسنة رسول سلاح واق من الضلال ، قال صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ).
وهما أيضا سلاح مضاد للأخطار المحدقة بالفرد والمجتمع من الدَّاخل والخارج، فهذا ثمرة تدبر آياته والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ التحريم: 9 .
وما تسلَّط أعداء المسلمين أحْكموا قبضتهم على المسلمين إلاَّ عندما هجروا القرآن، ولم يلتزموا بما جاء فيه.
وهما كذلك الطريق إلى الصبر والثبات فقال الله تعالى : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا )
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} النساء: 66 أي على الحق ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل ، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة» سنن الترمذي .
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 . قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
رابعا : شخصيات قيادية من ثمرات الكتاب والسنة :
1 . اصبح عمر بن الخطاب الرجل قَبَلي الفكر والعاطفة المحدود التصور والإدراك إلى عمر الفاروق رجل الدولة العظيم ورمز العدل الذي يجمع بين الحزم والرحمة ، وسعة الأفق وصدق الإدراك وحسن الفراسة ، ولولا التزامه بالكتاب والسنة لعاش عمر ومات وما أحس به أحد .
2 . وكان مصعب في الجاهلية الفتى المدلل، وكانت أمه من أغنى أهل مكة تكسوه أحسن وأجمل اللباس ، وكان أعطر أهل مكة ، فلما أسلم وتربى على يدي رسول الله انخلع من ذلك كله ، وأصابه من التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه وأنهك جسمه، وكان أول سفير وأول داعية إلى الإسلام ، وقتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة إذا وضعت على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعت على رجليه برزت رأسه, فتحول الفتى المدلل إلى المجاهد الشهيد .
3 . وكان عبد الله بن مسعود راعي غنم مجهول لا يعرفه إلا سيده عقبة بن أبي معيط ، فلما التزم بكتاب الله وسنة رسوله خاض المعارك الظافرة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع خلفائه ، وعزف عن المناصب والأموال ، ولم يصرفه صارف عن إخباته وتواضعه ، أصبح الرجل الذي يعتبر مؤسس مدرسة الرأي في الفقه الإسلامي والتي ينتسب إليها أبو حنيفة النعمان ، ويقول فيه عمر ابن الخطاب لأهل الكوفة لقد آثرتكم بعبد الله على نفسي .
4 . حاطب بن أبي بلتعة يجابه المقوقس حين قال لحاطب : ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده ؟ فقال حاطب: ما منع عيسى وقد أخذه قومه ليقتلوه أن يدعو الله عليهم فيهلكهم ؟ فقال المقوقس: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم أخرجه البيهقي .
5 . المرأة التي كانت توءد ارتقت لتطالب بحقوقها إذا فقدتها وتجد من يسمع لها ويعطيها إياه ومن الأمثلة على ذلك ما أخرج النسائي عن عائشة – رضي الله عنها – أن فتاة قالت – يعني للنبي صلى الله عليه وسلم -: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فجاء فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله ! إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلّم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء”.
قال الإمام ابن تيمية: "من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعقله وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والهدى وشفاء القلوب والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام، لا منظومه ولا منثوره ".
فإذا تم الإصغاء وحصل التدبر تزوق المسلم حلاوة النص القرآني والهدي النبوي وأثمر نهوضا وهمة عالية لامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وبهذا النهوض تحدث الهداية وتتحقق البشرى للمؤمنين الصالحين ،
حيث يقول الله تعالى : {ِ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء: 9 .
وقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران: 164.
والحياة مع القرآن الكريم والتأسي بالرسول القدوة بها تتعمق جذور الإيمان والخشية من الله تعالى وتتهذب النفوس وتسود الأخلاق الحسنة ، وتحل السكينة والرحمة وشفاء وهدى ، وتكون سلاحا واقيا وسيلة للصبر والثبات ،
فهيا بنا نعيش مع القرآن تلاوة وتدبرا ودعاء وذكرا ونقف عند أهمية التمسك بالسنة النبوية وفضلها ، لنستمتع بثمرات القرآن والسنة والعمل بأحكامهما ، ونقف عند الشخصيات القيادية التي أثمرتها التربية الكتاب والسنة .
أولا : الحياة مع القرآن وكيفية التأثر به :
1 . استشعارُ أن القرآنِ كلام الله تعالى إلى عباده لهدايتهم ، وانه منهجاً قويما لإصلاح الفردَ والمجتمع وأنه شفاءٌ من أمراض الشهوات والشبهات، قال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ).
2 . الإقبالِ على الله تعالى والقُرْبِ مما يحبُّه الله والامتثالِ لأمره، والابتعادِ عما نهى عنه، قال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) .
3 . تَكْرارُ الآيةِ وتَرديدُها، : فذلك له أثرٌ عظيمٌ في خشوع القلبِ ، وتثبيتٌ لها في الصدر، وسكينةٌ وطمأنينةٌ للقلب ، روى النسائي وابن ماجه عن أَبي ذَرٍّ أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ). .
4 . التفاعل مع الآيات بالدعاء والتعوذ والاستغفار ونحوِهِ : كان ذلك هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ، روى مسلم. حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: (يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).
5 . أنْ يربطَ المؤمن بين آياتِ القرآنِ والواقعِ الذي يعيشُهُ، ويجعلَ من الآيات منطلقاً لإصلاح حياتِه وواقعِه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.، وذلك من غير تكلُّفٍ .
6 . أنْ يَعْرِضَ المؤمنُ نفسَهُ على كتاب الله :
فينظرَ في صفات المؤمنين هل هو من المتصفين بها، وفي صفات المنافقين والكافرين هل هو بعيد عنها، أم أنه يتصف بشيء منها .
ثانيا : أهمية التمسك بالسنة النبوية وفضلها :
1- أن السنة مصدر من مصادر التشريع لأنها وحي من الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه.. رواه أحمدولذا كان جاحدها ومنكرها كافرا كفرا مخرجا من الملة
2- السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال شيخ الإسلام في الواسطية: فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه .
قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).
وقال تعالى: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ) َ.
قال الإمام الشافعي :
( كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ).
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التمسك بالسنة ورغب فيها لاسيما وقت الفتن والاختلاف، فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) .. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
ثالثا : ثمرات القرآن والسنة والعمل بأحكامهما :
1 . تعميق جذور الإيمان والخشية من الله تعالى :
القرآن كلام رب العالمين، فمن آثاره أن الذين يتلون القرآن هم أهل الله ، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) الأنفال:2 .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ » ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجه .
كما أن تلاوة القرآن تورث الدرجات العالية في جنة المأوى:
وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا » رواه أَبُو داود والترمذي .
وبالقرآن تعميق لجذور الإيمان ،
وعن الخشية من الله تعالى فقد وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ) ، وفي لفظ آخر : وفي رواية مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( إني أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقي ) ، وفي صحيح أبي داود ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
2 . تهذيب النفوس والتحلي بالأخلاق الحسنة،:
في الإلتزام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة تهذيب للنفوس والتحلي بالأخلاق الحسنة، قال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران: 164.
وقال ابن سعدي في تفسيره لقوله تعالى "ويزكيكم " أي يطهر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية" .
وروى أبو هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى : (فألهمها فجورها وتقواها) فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها" .
3 . سكينة ورحمة وشفاء وهدى :
وتلاوة القرآن ومدارسته سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف والله يذكرهم عنده سبحانه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » رواه مسلم .
أما عن كون القرآن والسنة شفاء ورحمة وهدى فذلك ثمرة أحسان المؤمن لتدبُّرَ القرآن ،قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الإسراء: 82 ؛
وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ فصلت: 44 .
وفي تدبر آيات الله مخرج من الحيرة والقلق النَّفسي ومسكب للشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار، كما يزحزحه من حال التَّعاسة إلى السَّعادة وراحة البال.
4 . سلاح واق وسيلة للصبر والثبات :
كتاب الله وسنة رسول سلاح واق من الضلال ، قال صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ).
وهما أيضا سلاح مضاد للأخطار المحدقة بالفرد والمجتمع من الدَّاخل والخارج، فهذا ثمرة تدبر آياته والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ التحريم: 9 .
وما تسلَّط أعداء المسلمين أحْكموا قبضتهم على المسلمين إلاَّ عندما هجروا القرآن، ولم يلتزموا بما جاء فيه.
وهما كذلك الطريق إلى الصبر والثبات فقال الله تعالى : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا )
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} النساء: 66 أي على الحق ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل ، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة» سنن الترمذي .
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 . قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
رابعا : شخصيات قيادية من ثمرات الكتاب والسنة :
1 . اصبح عمر بن الخطاب الرجل قَبَلي الفكر والعاطفة المحدود التصور والإدراك إلى عمر الفاروق رجل الدولة العظيم ورمز العدل الذي يجمع بين الحزم والرحمة ، وسعة الأفق وصدق الإدراك وحسن الفراسة ، ولولا التزامه بالكتاب والسنة لعاش عمر ومات وما أحس به أحد .
2 . وكان مصعب في الجاهلية الفتى المدلل، وكانت أمه من أغنى أهل مكة تكسوه أحسن وأجمل اللباس ، وكان أعطر أهل مكة ، فلما أسلم وتربى على يدي رسول الله انخلع من ذلك كله ، وأصابه من التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه وأنهك جسمه، وكان أول سفير وأول داعية إلى الإسلام ، وقتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة إذا وضعت على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعت على رجليه برزت رأسه, فتحول الفتى المدلل إلى المجاهد الشهيد .
3 . وكان عبد الله بن مسعود راعي غنم مجهول لا يعرفه إلا سيده عقبة بن أبي معيط ، فلما التزم بكتاب الله وسنة رسوله خاض المعارك الظافرة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع خلفائه ، وعزف عن المناصب والأموال ، ولم يصرفه صارف عن إخباته وتواضعه ، أصبح الرجل الذي يعتبر مؤسس مدرسة الرأي في الفقه الإسلامي والتي ينتسب إليها أبو حنيفة النعمان ، ويقول فيه عمر ابن الخطاب لأهل الكوفة لقد آثرتكم بعبد الله على نفسي .
4 . حاطب بن أبي بلتعة يجابه المقوقس حين قال لحاطب : ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده ؟ فقال حاطب: ما منع عيسى وقد أخذه قومه ليقتلوه أن يدعو الله عليهم فيهلكهم ؟ فقال المقوقس: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم أخرجه البيهقي .
5 . المرأة التي كانت توءد ارتقت لتطالب بحقوقها إذا فقدتها وتجد من يسمع لها ويعطيها إياه ومن الأمثلة على ذلك ما أخرج النسائي عن عائشة – رضي الله عنها – أن فتاة قالت – يعني للنبي صلى الله عليه وسلم -: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فجاء فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله ! إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلّم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء”.