السبت، 23 مارس 2019

القرآن الكريم تلاوته ، وتدبره ، وهجره إعداد : محمد أبوغديرالمحامي

مقدمة :
القرآن الكريم نور من الله ورحمته المهداة للعالمين ، تلاوته سبب للرفعة في الدنيا والآخرة  ، وتدبره يُخرج من الحيرة والقلق النَّفسي؛ ليسكب فيه الشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار ، فإذا تضايق ولم يجد أحداً يواسيه ، والقرآن راحة القلوب وربيعُها ، فينبغي للمسلم أن يكون له عهد مع القرآن الكريم يوميَّاً .

والقرآن كالصاحب كلما طالت صحبته عرفت أسرارَه ، فالصاحب لا يُعطي سرَّه لمن يُجالسه لحظات ثم ينصرف ، فإذا أراد المسلمَ بركةً في وقتِـه وَعمله فَـليجعل من بينِ زحام مواعيدِهَ موعداً مع القرآن ، فلا يجوز للمسلم أن يكون لتلاوة القرآن هاجراً أو لأحكامه معطلاً .

والحديث عن مصاحبة القرآن تلاوة وتدبرا يستوجب بيان العناصر الآتية : تعريف القرآن الكريم وذكر أسمائه ، ومكانته وواجب المسلم نحوه ، وتلاوته وآدابها وفضلها ، وتدبره ووسائله وثمراته ، وأخيرا هجره وأنواعه ومظاهره :

أولا : تعريف القرآن الكريم وبيان أسمائه :

أ - تعريف القرآن الكريم :

يُعرَّف القرآن الكريم في الاصطلاح الشرعيّ :
بأنَّه كلام الله تعالى المُعجَز ، المُوحَى به إلى النّبي محمد عليه الصّلاة والسّلام بواسطة جبريل عليه السّلام ، المنقول بالتّواتر ، المَكتوب بين دفَّتَي  المُصحف ، المتعبَّد بتلاوته، المَبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة النّاس .

المقصود بأنَّه مُعجَز : أي أنَّ الله تعالى أنزل القرآن الكريم ليكون مُعجزةً مُؤيِّدةً للنبي -عليه الصّلاة والسّلام-، وتمثَّل الإعجاز بما حواه القرآن الكريم من فصاحةٍ وبلاغةٍ، وإخبارٍ عن الغيب وقصصٍ للأمم السَّابقة، وما تضمَّنه من إعجازٍ علميٍّ وتشريعي .
والمُراد بالمُوحَى به : أنه المُنزّلٌ من الله تعالى على النبيّ محمد عليه الصّلاة والسّلام بواسطة جبريل عليه السّلام .
أمَّا المُراد من أنَّه منقولٌ بالتَّواتر : أنَّه نُقِل من جمعٍ إلى جمعٍ بحيث يستحيل اتِّفاقهم على الكذب في نقله .
والمقصود بمتعبَّدٍ بتلاوته : أي أنَّ في تلاوته عبادةً وطاعة يتقرَّب بها المُؤمن لله تعالى ، وينال بموجبها الأجر والثَّواب العظيمين .

ب - أسماء القرآن الكريم :

للقرآن الكريم أسماءٌ ورد ذكرها في آيات القرآن منها الآتي :

. 1 الكتاب : في قول الله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) سورة الدخان، آية: 1-2

. 2 الفرقان : في قول الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) سورة الفرقان، آية: 1.

. 3 الذّكر: في قول الله تعالى: (وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) سورة الأنبياء، آية: 50.

. 4 النّور: في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) سورة النساء، آية: 174.

. 5 تّنزيل رب العالمين: في قول الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة الشعراء، آية: 192.

ثانيا : مكانة القرآن الكريم وواجب المسلم نحوه :

أ - مكانة القرآن الكريم :

للقرآن الكريم مكانةٌ وأهميَّةٌ عظيمةٌ اختصَّه الله تعالى وميَّزه بها، ومن ذلك:

. 1 أنَّ القرآن الكريم رسالة الله إلى الإنسانيّة كافَّةً؛ لكونه أُنزِل على النّبي محمد -عليه الصّلاة والسّلام- الذي بعث للنّاس كافَّة، وكذلك فهو خاتم الكتب السماويَّة وآخرها.

. 2 أنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظه من التّحريف والتّبديل دوناً عن الكتب الأخرى، وفي ذلك قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر، آية: 9.

. 3 أنَّ القرآن الكريم بفصاحته وبيانه شكَّل إعجازاً تحدّى الله به العرب أهل الفصاحة والبيان .

4 . أنَّ القرآن الكريم كتابٌ جامعٌ حوى في سُوَرِه وبين آياته علاجاً وإجاباتٍ شافيةً لقضايا روحيَّةٍ، وعقديَّةٍ، وأخلاقيَّةٍ، واجتماعيَّةٍ، وسياسيَّةٍ، واقتصاديَّةٍ.

ب - واجب المسلم نحو القرآن الكريم :

. 1 أن يجعل للقرآن الكريم حظا وافرا في برنامج حياته اليومي، فلا يمضي يومه دون تلاوته .

. 2 تدبُّر معاني آياته ، ومعرفة معانيها وتتبع مراميها، والإستعانة بكتاب أو أكثر للتفسير مفيد في هذه الناحية.

. 3 حفظ ما يستطيع من سوره وآيات القرآن ، فبها ينتظم عهد المسلم بالقرآن حفظاً وتدبراً في النَّهار، وقياماً في الليل بما حفظ.

. 4 الوقوف عند أحكامه، فأحكام القرآن واجبة التنفيذ والتطبيق .

. 5 تعلُّم أحكام تلاوته، وتعليمه لغيره وخاصة أهل بيته فذلك الأهم .
- 6 الترتيل فلا التعجيل".

- 7 ضع القرآن على قائمة أولوياتك، فلا يشغلك شيء عنه.

ثالثا : تلاوة القرآن
معناها وآدابها وفضلها :

أ - معني تلاوة القرآن :

 يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : تلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب ، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل ، وحظ العقل

ب - آداب تلاوة القرآن الكريم :

آداب تلاوة القرآن الكريم كثيرة نذكر منها:

. 1 الإخلاص : وقصد العمل لوجه الله، واستحضار القارئ وقوفه بين يدي الله تعالى مناجياً إياه.

. 2 ترتيل القرآن الكريم وتدبره، والبكاء عند المرور على الآيات التي تستلزم لذلك.

. 3 عدم قطع التلاوة لحديث إلا ما تستلزمه الضرورة، وترك ترقيق الصوت أثناء تلاوته.

. 4 الإيمان به، وتعظيمه، والتصديق بما جاء فيه، والخشوع أثناء قراءته. . 5 الاستعاذة من الشيطان الرجيم، والإتيان بالبسلمة.

. 6  تنظيف الفم بالسواك أو بسائر العيدان.

 . 7الطهارة ، إذ يستحب لمن يريد أن يقرأ القرآن الكريم أن يكون متطهراً.

. 8القراءة في مكان نظيف ، وأفضل الأماكن وأجلّها هي المساجد، فالقراءة فيها مستحبّة.

. 9استقبال القبلة، والجلوس بخضوع، وإخبات، ووقار.

. 10ترك الضحك والمزاح، ولهو الحديث أثناء قراءته،
 وتجنّب الاشنغال بما يلهي عنه أثناء تلاوته.

. 11تعلّم علومه، والوقوف على أحكامه وشرائعة، والعمل بأوامره.

ج - فضائل تلاوة القرآن :

لتلاوة القرآن فضائل كثيرة هذا بعضها :

 . 1 تلاوة القرآن نعمة يُحسد عليها المؤمن :فعن ابن عمر رضي اللهُ عنهما ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
والحسد هنا الغبطة ، أن تتمنى ما لأخيك من خير دون أن حقد أو تمنٍّ لزواله .

. 2 وتلاوته سبب للرفعة في الدنيا والآخرة :فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ )) رواه مسلم .

. 3 تلاوة القرآن نور في الأرض وذخر في السماء :فعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله أوصني ، قال :« عليك بتقوى الله ؛ فإنه رأس الأمرِ كلِّه » ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :«عليك بتلاوة القرآن ؛ فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء » رواه ابن حبان.

. 4 تلاوة القرآن سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف والله يذكره :فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم .

5 . القرآن يُقرأ بعشر حسنات  :
فعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا ، لاَ أقول : {ألم} حَرفٌ ، وَلكِنْ : ألِفٌ حَرْفٌ ، وَلاَمٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» رواه الترمذي .

. 6 والتالون للكتاب أهل الله :
فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ» . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجه .

. 7 والتلاوة أمان من الغفلة:
 فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين» رواه الحاكم .

. 8 بالتلاوة يكون العبد في قائمة القانتين :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين» رواه ابن خزيمة.

. 9  بها تُنال شفاعة القرآن :
 فعن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : «اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ» رواه مسلم .

. 10  التلاوة تورث الدرجات العالية في جنة المأوى:
 وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا » رواه أَبُو داود والترمذي ، قال الحافظ رحمه الله في الفتح :" والمراد بالصاحب الذي ألفه ، قال عياض : المؤالفة المصاحبة.

رابعا :تدبر القرآن الكريم
معناه ووسائله وثمراته :

أ - معنى تدبر القرآن الكريم :

تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ يعني:
أن تعلم أنك مخاطَب بكلام الله تعالى، فتُصْغِي له بأذن قلبك، وتتأمله بعين فؤادك، فإذا وعيت عن الله تعالى قوله، وفهمت من كلامِهِ مرادَهُ، وتَشَرَّبَ قلبُكَ معانيه، فانهض لامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، حتى يُرى القرآن في سمتك، وتصطبغ به أخلاقك، ويظهر أَثَرُه على قولِكَ وفعلِكَ ، قَالَ الله تَعَالَى ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ سورة محمد : الآية/ 24.

ب -  وسائل تدبر القرآن الكريم :

1 .تنويرُ البصيرةِ بالإقبالِ على الله تعالى والقُرْبِ مما يحبُّه الله والامتثالِ لأمره، والابتعادِ عما نهى عنه، قال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)، فالعلمُ نورٌ، والمعصيةُ ظُلْمَةٌ، ولا بدَّ لمن يريدُ النورَ أنْ يبتعدَ عن كلِّ ما فيه ظُلْمَة، فكلما ابتعدَ المسلمُ عن المعاصي كان أقربَ إلى التوفيقِ والسداد.

2 . استشعارُ أن القرآنِ كلام الله تعالى إلى عباده لهدايتهم لأفضل السُّبُل التي فيها نفعهم في الدنيا والآخرة، وأنه شفاءٌ من أمراض الشهوات والشبهات، والقرآن يعطي منهجاً سليماً في الحياة ويُصْلِحُ الفردَ والمجتمع ، وقد وصف الله تعالى تأثُّرَ المؤمنين بالقرآن فقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً).

3 .  تَكْرارُ الآيةِ وتَرديدُها، : فذلك له أثرٌ عظيمٌ في حضورِ القلبِ ، وتثبيتٌ لها في الصدر، وسكينةٌ وطمأنينةٌ للقلب ، وى النسائي عن أَبي ذَرٍّ أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وابن ماجه.

ا4 . لتفاعل مع الآيات بالسؤال والتعوذ والاستغفار ونحوِهِ : كان ذلك هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ، روى مسلم. حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: (يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).

5 . القراءةُ بتأنٍ وهدوء، والتفاعلُ مع الآيات بحضور القلب، وإلقاء السمع، وإمعان النظر، وإعمال العقل. فلا يكون هَمُّهُ الإكثارَ من القراءة بدون تأمُّلٍ وفَهْمٍ لما يقرؤه.

6 . أنْ يربطَ الإنسانُ بين آياتِ القرآنِ والواقعِ الذي يعيشُهُ، ويجعلَ من الآيات منطلقاً لإصلاح حياتِه وواقعِه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.، وذلك من غير تكلُّفٍ وتمحُّل في إنزال الآيات على الواقع.

7 . التأمُّلُ في سِياقِ الآيةِ : أي في ما قبل الآية وما بعد بعدها ، فلا بد أن يكون هناك الكثيرُ من الحِكَمِ والأسرارِ في هذا الترتيب.

8 . أنْ يَعْرِضَ المؤمنُ نفسَهُ على كتاب الله، فينظرَ في صفات المؤمنين هل هو من المتصفين بها، وفي صفات المنافقين والكافرين هل هو بعيد عنها، أم أنه يتصف بشيء منها

ج - ثمرات تدبُّر القرآن :

وهي ثمار عديدة لا يمكن حصرها ، ومن أبرزها:

 - 1في التدبر تعميق جذور الإيمان:
تدبُّر آياتِ القرآن الكريم يجعل المؤمن يزداد يقيناً بأنَّه من عند الله تعالى، فلا يجد فيه آيةً تُعارض أخرى، ولا يجد لفظةً يمكن استبدالها بأخرى، وإنَّما يسير على نسق واحد من أوَّله إلى آخره ، فيستشعر أنَّه من لدن حكيمٍ خبير .
تفسير المعاني ، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار ، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ .

- 2 التدبر طريق لمعرفة الرَّبِّ جلَّ جلالُه:
ومن أعظم ثمرات تدبُّر القرآن: أنَّه يُعَرِّفُ بالرَّبِّ تعالى، وعظيمِ سلطانه وقدرته، وعظيمِ تفضُّله على المؤمنين ،
وبه يُعرِّف الطَّريقَ الموصلة إليه، وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه ،
وبتدبر القرآن يُعرِّف العدوَّ والطَّريقَ الموصلة إلى العذاب؛ وصفة أهل النار .

- 3 بالتدبر تحقيق العبوديَّة لله تعالى:
فتدبُّر القرآن وسيلة لمعرفة ما يريد الله مِنَّا، وكيفيَّة عبادته تبارك وتعالى، ومعرفة ما أنزل الله إلينا ؛ لأنَّ القرآن العظيم هو التَّشريع الواجب الإلتزام بأوامره وتجتنب نواهيه ، وبه تتحقق عبادة الله تعالى كاملة وخالصة.

 - 4 التدبر غذاءٌ وعلاجٌ :
فهو غذاء للرُّوح، وعلاج يشفي النُّفوس من علَّلها، ويُكْسِبها المناعة القويَّة - إذا أحسن المؤمن تدبُّرَه، قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]؛ وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44].
التَّدبُّر يُخرج المتدبِّر من الحيرة والقلق النَّفسي؛ ليسكب فيه الشُّعور بالطُّمأنينة والاستقرار، كما يزحزحه من حال التَّعاسة إلى السَّعادة وراحة البال.

- 5 التدبر سلاح :
كما أنَّ التَّدبُّر سلاح يدفع الأخطار المحدقة بالفرد والمجتمع من الدَّاخل والخارج، حيث يُسْتَعْمَلُ في جهاد النَّفس، ومقاومة المنافقين، وجهاد الكافرين على حدِّ قوله تعالى : ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ الفرقان: 52
وقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ التحريم: 9 .
لأنَّ أعداء المسلمين لم يتسلَّطوا ويُحْكموا عليهم القبضة إلاَّ عندما هجروا تدبُّرَ القرآن، ولم يلتزموا بما جاء فيه.

 - 5التدبر طريق لتربيةً العقول:
معرفة ما أنزل الله تعالى من أعظم ما يُربِّي العقول ويجعلها تفهم الحقائق النَّافعة فتتَّبِعها، والضَّارة فتجتنبها؛ فلا تميل بها الأهواءُ والخرافات الضَّارَّة المفسدة للعقول.
وبالعقل الصَّحيح يَعْقِلَ العبدُ - في قلبه - الحقائقَ النَّافعة، ويميز بينها وبين ضِدِّها، ويعرف الرَّاجح من الأمور فيؤثره، والمرجوحَ أو الضَّارَ فيتركه.

. 6 والتَّدبُّر في الصَّلاة وخارجها يثمر الخشوع :
فيكون صاحِبُه من المفلحين الخاشعين الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ المؤمنون: 1-2.

خامسا: هجر القرآن
معناه وأنواعه ومظاهره:

هجر القرآن ذَكَره الله في كتابه بقوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} سورة الفرقان: الآية (30).

أ - معنى الهجر وأنواعه :

قال بعض أهل العلم: "من لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأ القرآن ولم يتدبَّر معانيه فقد هجره، ومن قرأه وتدبَّره ولم يعمل بما فيه فقد هجره".

وحول معنى هجر القرآن ذكر ابن القيم رحمه الله في الفوائد خمس أنواع للهجر :

. 1هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.

. 2هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.

.3 هجر الحكم به والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.

 . 4هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلِّم به منه سبحانه وتعالى.

 . 5هجر الاستشفاء والتداوي به من جميع أمراض القلوب وأدوائها .

ب - متى يعد الترك هجرا لتلاوة القرآن ؟ :

 يُسن ختمه في كل أسبوع :
 جاء ذلك في المغني لإبن قامة ، واستدل في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "اقرأ القرآن في سبع" رواه البخاري .

ويُكره تأخير ختم القرآن فوق أربعين يوماً بلا عذر :
قال الإمام أحمد أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين ، ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به ، ويحرم تأخيره فوق الأربعين إن خشي نسيانه.

ولابد من استذكار القرآن وتعاهده :
لإنه أشد تَفَصِّيًا من صدور الرجال من النعم ، روى البخاري عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عُقُلها " ، التفصي: التخلص والتفلت .

ج - آثار هجر تلاوة القرآن الكريم :

. 1 كثرة الهمّ والحزن في الحياة، فالحياة مليئة بالمشاكل والهموم، ومن فقد نور القرآن لن يتمكن من الوقوف في وجه هموم الحياة.

. 2 إظلام النفس، ووحشة القلب، حيث يشعر المسلم الهاجر لكتاب الله بظلمة في نفسه، تنعكس على سلوكه اليومي، وعلى مزاجه العام.

. 3 قلَّة بركة الرزق، فيشعر أنَّ الرزق رغم وفرته باستمرار لا بركة فيه أبداً، وأنَّه لا يكفي حتى معاشه اليومي.

. 4 نفور في العلاقات الاجتماعيَّة اضطراب النفس والشعور بالتوتر ، فتلاوة القرآن سكينة تنزل ورحمة تتغشى وملائكة تحف وقد حرم هاجر القرآن من هذا الخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق