الأحد، 12 مايو 2019

المسجد محضن تربوي للأطفال إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الأطفال زينة الحياة الدنيا ، وبهجتها ، بهم تحلو الأيام ، وتزدان الليالي ، قال تعالى : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } الكهف46 .
ويتمنى الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم الصلاح والفلاح الذي يسعدهم ، قال عز وجل : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } الفرقان 74 .

وليحذر الآباء والأمهات إساءة تربية الناشئة حتى لا يكونون وبالاً عليهم ، قال تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } الأنفال28 .

ويسعى الآباء جاهدين إلى التربية الحسنة لأبنائهم للحصول على ثمار جهدهم ارتفاع منزلتهم في الآخرة ، روى ابن ماجة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : أَنَّى هَذَا ؟ فَيُقَالُ : بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ " .

ومن أهم وسائل التربية الحسنة للأطفال زرع حب المساجد في قلوبهم منذ نعومة أظفارهم ، وتعويدهم على الحضور إليها للتعلق قلوبهم بها ، وتشجيعهم على ذلك بكل وسائل التشجيع والتعزيز .

وهذه الموضوع  يقتضي بيان : حق الأطفال في حضور المسجد ، وتربية الأطفال على حرمة المساجد وقدسيتها ، وبيان أن المساجد هي مدرسة العبادة والطاعة ومنارات العلم والذكر ،  ثمرات تربية الأطفال في المسجد ووسائلها.
وبيان ذلك في الآتي :


أولا : حق الأطفال في حضور المسجد :

المسجد محضن تربوي للأطفال وله أثر عظيم عليهم يحافظ على الفطرة، وينمي الموهبة، ويربط النشء بربه من أول ظهور الإدراك وعلاقات التمييز، فلا يمنعون من دخول المسجد مع أولياء أمورهم ، أو وحدهم ، فقد قررت سنة النبي صلى الله عليه حق الأطفال في تغشي المساجد وتصدرهم الصفوف الأولى في الصلاة، وبيان ذلك في الآتي :

أ . حق الأطفال في تغشي المساجد :

فالحديث الذي ورد بلفظ : " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " الذي أخرجه ابن ماجة والطبراني ، ضعفه ابن الجوزي ، وقال ابن حجر : له طرق وأسانيده كلها واهية ، وضعفه الألباني .
ولقد ورد الكثير من الأحاديث الصحيحة تؤكد وترغب في حضور الأطفال للمساجد منها ما يأتي :
روى البخاري عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ ، فَأَتَجَوَّزُ - يعني أخفف - فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " .
وروى الشيخان عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ _ يعني والد أمامة _ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا " .


ب . إذا تقدم الأطفال الصفوف فلا يجوز تأخيرهم :

فضلا عن ثبوت أحقية الأطفال في دخول المسجد ، فإذا تقدموا الصفوف فلا يجوز تأخيرهم ، قال الشيخ / محمد بن صالح العثيمين : " إذا جاء الصبي مبكراً وتقدم وصار في الصف الأول فإن القول الراجح أنه لا يقام من مكانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه ، ولأن هذا عدوان " .

أضف الى ذلك أنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم ، فلم يجز تأخيرهم ، ولأن في تأخيرهم تنفير لهم من الصلاة ، كما أن في تأخيرهم في صف لوحدهم دعوة للعب والعبث والضحك داخل المساجد .

ج . إذا أخطأ الاطفال في المسجد يرفق بهم :

فقد تعامل صلى الله عليه وسلم باللطف والتعليم مع الأعرابي الذي بال في المسجد فأقنعه بأنه مخطئ دون المساس بكرامته أو تحميله ما لا يطيق ، فقد روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَجُلا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَصْحَابُهُ فِيهِ ، فَقَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهُ لا تُزْرِمُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ شَنًّا وَتَرَكُوهُ " .

فما أعظم خطأ الأعرابي فقد بال في المسجد محل الصلاة والذكر والدعاة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن لا تقطع بولته وكف الأذى عنه ثم وجهه إلى وجوب احترام المساجد وتنزيهها عن الأقذار .

فإذا كان هذا هو هديه صلى الله عليه وسلم من البالغين حال ارتكابهم الخطأ في المسجد ، فلا مجال لعقاب الأطفال إذا صدر منهم ثمة خطا ، ولا دليل صحيح على منع الأطفال من دخول المساجد ، وأن الطفل المؤذي والمشوش على المصلين يجب تعليمه وتربيته على آداب المساجد وصيانتها عن الأذى .


ثانيا : تربية الأطفال على حرمة المساجد وقدسيتها  :

فإذا كان دخول الأطفال المساجد حق لهم فلا يجوز حرمانهم منه ، فعلى الآباء والمربين أن يبنوا لهم قدسيتها ومكانتها ويتخذوا الأسباب التي تحافظ على سكينة المسجد وتمنع تشويش الأطفال على المصلين من خلال الآتي :


أ . بيان مكانة المساجد وحرمتها :

1. على الآباء والمربين أن يغرسوا في نفوس الأطفال حب بيوت الله تعالى ، وأنها أشرف البقاع وأحبها إلى الله تعالى، وقد أمر الله بأن ترفع ويذكر فيها اسمه، وتصان عما يخل بطهارتها وقداستها، وأن يبعد عنها كل ما من شأنه تقذيرها والعبث فيها .

2. قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } النور36-37 .

3. وعليهم أن يحثوا الطفل على العناية بنظافة المساجد واحترمها والهدوء فيها ، وعليهم أن يحذروا الطفل من اللعب والعبث بالمساجد لأنها بيوت الله .

4. وأن المساجد لا يجوز اللعب فيها ، أو العبث بأثاثها ، ولا يجوز رفع الصوت فيها ، ولا التشويش على صلاتهم أو مجالس ذكرهم أو علمهم ، لأن ذلك يُذهب الخشوع والطمأنينة من قلوب المصلين.


ب . علاج ظاهرة تشويش الأطفال في المساجد :

وعلاج هذه الظاهرة هو أمر يسير إن كان هناك إرادة واهتمام وتعاون بين الآباء والمعلمين والمربين , وذلك من خلال اتباع الخطوات الآتية :

1. قيام أولياء الأمور والآباء بتربية أولادهم وتعليمهم منذ نعومة أظفارهم آداب المسجد , وفي مقدمتها الشعور بقدسية المكان وحرمته , وما يستلزمه ذلك من السكينة و الإنصات وحسن الاستماع والهدوء وعدم التشويش على المصلين أثناء الصلوات الخمس أو صلاة الجمعة .

2. متابعة الآباء لهذه التربية وحسن سيرها من خلال مرافقة كل أب لولده إلى المسجد , ومجاورته له في الجماعات وخلال صلاة الجمعة , وإبداء الملاحظات والتنبيه على الأخطاء بعد الصلاة إن حدثت , حتى يتشرب الولد هذه الآداب ويتخلق بها , فيكون ذهابه وحده بعد ذلك إلى المسجد ممكنا ومأمونا , ولا يترتب عليه أي أذى أو أثر على المسجد أو المصلين .

3. عدم ترك الأولاد متجاورين أثناء صلاة الجماعة أو الجمعة , وذلك لتفادي التشويش الذي قد يحدثه هذه التجاور , وهو في الحقيقة واجب الآباء حتى يرتقوا بالولد شيئا فشيئا إلى مستوى الالتزام بآداب المسجد بحضور والده أو بغيابه .
وينتفي تشويش الأطفال على المصلين أو إساءة الأدب في المسجد إن تم التدرج معهم بما سبق من خطوات وغيرها مما يجب أن يتعلمه الصبيان قبل أن يرتادوا بيوت الله .


ثالثا : وسائل تربية الأطفال من خلال المساجد :

وحتى تتحقق تربية الأطفال وتكوينهم من خلال المساجد، لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من القائمين على المساجد ومنها:

1 ـ أن يشجعوا الآباء لاصطحاب أبنائهم إلى المساجد وتعليمهم النظافة والنظام، وأن يراقبوهم ويوجهوهم لما فيه صالحهم.

2 ـ أن يجد الأطفال والصغار من يرشدهم وينظم جلوسهم ويقيم لهم المناشط التي تتفق وأعمارهم.

3 ـ أن يتحبب العاملون في المساجد للأطفال، وأبناء المصلين بالبسمة ورحابة الصدر، وأن يجذبوهم للمساجد ولا ينفروهم منها.

والواجب أن نستعين بكل وسيلة من شأنها أن تشوق الطفل إلى المسجد، وتحببه إليه، ونحذر من كل أسلوب من أساليب التنفير من المسجد .


رابعا : ثمرات تربية الأطفال في المسجد :

إذا تعود الأطفال منذ صغرهم على ارتياد المساجد بصحبة آبائهم يعرفون منذ نعومة أظفارهم ان المساجد ليست للصلاة فقط وإنما هي مدرسة للتقرب إلى الله بالعبادة والطاعة فيها ، وهي مجالس للعلم يتلقى فيها علومه وآدابه فيكون لذلك أثر كبير عليهم وتحقق ومن ثم تتحقق الثمرات الآتية :

1. المسجد محضن تربوي يحافظ على الفطرة وينمي الموهبة ويربط الطفل بربه ، ويطبع فيه المثل والقيم والصلاح وذلك لتأثره بالصالحين والخيرين ورواد المساجد من خلال المشاهدة والقدوة .

2. والطفل يكتسب الصفات التي يراها من المصلين وتتردد عليه باستمرار، فيكتسب معالي الأخلاق ويتصف بأجمل الصفات، فخير الناس هم أهل المساجد، وهم أهل القرآن، أهل الذكر والدعاء.

3. ونظر الطفل إلى الصفوف المرصوصة في المسجد بانتظام وبلا اعوجاح ورؤيته لحركة المصلين المنتظمة ترتسم في نفسه معالم النظام وترتيب الحياة .

4. واختلاط الطفل بالناس في المسجد يعلمه الطريقة المثلى للتعامل مع الناس ، ويستفيد من النظر إلى تصرفاتهم ، فيلحظ الطفل طاعة المأموم لإمامه، واحترام الصغير للكبير مما يكتسبه الشجاعة وترك الخوف لكثرة ما يلقى الرجال ويشاركهم في أفعالهم.

5. ومن أبرز ما ينطبع على مشاعر الطفل هو الشعور بالمجتمع المسلم، ووحدة الأمة من خلال مجتمع المسجد الصغير الذي يظهر فيه الحب والإخاء.

6. ويتعلم الطفل القراءة الصحيحة من سماعه القرآن الكريم يتلى في المسجد ، ويتذوق الآيات القرآنية ويتدبرها، مع تعلمه ما يسمعه من الآيات والأحاديث، والفقه والعقيدة، وغيرها من علوم الشريعة .

7. الأطفال الذين يشغلهم العلم والمعرفة في المسجد يتربون على معالي القيم ومحاسن الأخلاق ، فيكون المسجد الحصن الحامي والدرع الواقي الذي يحفظهم من أهل الشر والفساد .

أعده وكتبه محمد أبوغدير المحامي في الأحد, مايو 12, 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق