المؤمنون لا يعيشون لذواتهم ولا لشهواتهم إنما يعيشون دعاة ومصلحين لأمتهم حريصين عليهم ، مقتدون برسولهم صلى الله عليه وسلم حيث قال عنه الله تعالى : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" .
لذلك فإن حياة المؤمنين تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتهم لوجه هذه الأرض ، وحياتهم الطويلة محفوفة بالمكاره ، مليئة بالأشواك ، حافلة بالعقبات ، مفروشة بالدماء والأشلاء ، محكوم عليها بالابتلاء والإيذاء .
والابتلاء هو أحد سنن الله عزّ وجل في عباده المؤمنين في الحياة الدنيا ، وهو سنة الله في العقائد والدعوات ، يقول الله تعالى : { ألم ¯ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ¯ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } العنكبوت :1 - 3 .
ولما كان الرجل يبتلى على قدر دينه ، وإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ، كان أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء والصالحون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل )
ولكي يعيش المؤمن حياة طيبة وبحالة نفسية وروحية عالية راضيا بقضاء الله تعالى محتسبا الأجر فعليه ان يواجه كل مصيبة أو ابتلاء يقع عليه بالأسلحة الآتيه :
اولا : الإيمان : سلاح المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة ومغرياتها .
ثانيا : الإخلاص طريق التجرد عن المصالح الشخصية والترفع عن الغايات الذاتية .
ثالثا :التفاؤل والأمل في مواجهة اليأس والقنوط .
رابعا : الجرأة في مواجهة الظالمين دون الخوف من المحنة والابتلاء .
خامسا : الصبر والثبات في مواجهة الفتن والمغريات والمحن والمكاره .
وبيان ذلك في الآتي :
اولا : الإيمان سلاح المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة ومغرياتها :
لا شك المؤمن الداعية حال مواجهة لصراع الحياة ومجابها لمغريات الدنيا يحتاج الى سلاح في مواجهة ذلك هو الإيمان .
فالإيمان بالله الواحد الأحد حين يتغلغل في النفوس وتخالط بشاشته القلوب هو أول سلاح يتسلح به المؤمن ، فبدون الإيمان يبطل كل سلاح ويبطل كل إعداد وتبطل كل ذخيرة ، فما المقصود بهذا الإيمان :
أ - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بأن الآجال بيد الله تعالى : وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء كتبه الله له وأن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }.
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع ويتحلى بالصبر والشجاعة والإقدام .
ب - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بأن الأرزاق بيد الله : وأن ما بسطه الله على العبد لم يكن لأحد أن يمنعه وأن ما أمسكه عليه لم يكن لأحد أن يعطيه وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادة خبيراً بصيراً }.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ أمن هذا الذي يرزقكم إن مسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور }.
فبهذا الاعتقاد يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا والإلحاح بالطلب ويتحرر أيضاً من الشح النفسي والتقتير المزري والإمساك الشائن ويتحلى بمعاني الكرم والإيثار والعطاء بل يرى السعادة في القناعة وعيش الكفاف فإذا قنعت النفوس رضيت بالقليل وكفاها اليسير .
ج - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بمعية الله أن الله سبحانه معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ...}.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من ربقة الهوى ونزغات النفس المارة بالسوء وهمزات الشياطين وفتنة المال والنساء ويتحلى بالمراقبة لله والإخلاص له أمانة وجدية وإتقان بل يكون إذا مشى في الناس إنساناً سوياً وبراً تقياً وريحانه طيبة الشذى وشامة في المجتمع يشار إليه بالبنان .
ثانيا : الإخلاص طريق التجرد عن المصالح الشخصية والترفع عن الغايات الذاتية :
لا شك أن المؤمن حال ممارسته لشئونه الوظيفية والدعويه والسعي إلى الإصلاح تنتابه نزعات لتحقيق مصلتحه الشخصية وغايته الذاتية ، وهذه هي الصفات التي جبل عليها البشر ، ولا شك أن الإخلاص بإعتبار قوة إيمانه يدفع صاحبه ليترفع عن مصلحته وغايتة الذاتية وأن يقصد من عمله وجه الله لا ينبغي من وراءه جزاء ولا شكوراً .
وإذا استمر المخلص على هذه الحالة يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقاً وعادة دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة ؟
وهذا المعني للإخلاص هو المقصود من قول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء .} .
وقوله سبحانه وتعالى :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } .
وهو المقصود أيضاً من قوله عليه الصلاةوالسلام في الأحاديث الآتية :
روى أبو داود والنسائي بإسناد جيد عن أبي أمامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجه )).
وروى الحاكم عن معاذ بن جبل أنه قال حين بعث إلى اليمن : يا رسول الله أوصني قال له عليه الصلاة والسلام :(( أخلص دينك يكفك العمل القليل )).
وحقيقة العمل الخالص أن يتصف بشيئين : الأول أن يكون موافقاً للشريعة ، والثاني أن يقصد به وجه الله ، فإذا كان العمل موافقاً للشريعة ولم يكن خالصاً لله لم يقبل , وإذا كان خالصاً لله ولم يكن موافقاً للشريعة لم يقبل العمل إلا إذا كان على وفق الشريعة وكان خالصاً لله !!.
وصفات المخلصين من الدعاة :
أن جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم تكون علي وفق شريعة الله ، وأن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم ، وأن ينظروا إلى مفاهيم هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم ، وأن يحذروا مكائد الشيطان ووساوس النفس والهوى وفتنة العجب ومزالق الرياء .
ثالثا :التفاؤل والأمل في مواجهة اليأس والقنوط :
التفاؤل قوة نفسية إيجابية فعالة ، ينظر صاحبها إلى الغد بابتسامة أمل ويسير إلى الغاية المرجوة بروح القائد الشجاع وبنفسية العزيز المنتصر دون أن يعتريه يأس أو يستحوذ عليه قنوط .
والمؤمن الذي يسعى لأصلاح نفسه ويدعو غيره للإصلاح هو أولي بأن يتحلى بالأمل لتحقيق أهدافه وليجد ثمرة جهده وجهاده فهو أحق بأن يتصف بالتفاؤل لإعزاز دينه ، لأن القرآن الكريم حزم اليـأس وندد باليائسين ، ولأن التاريخ برهن له على انتفاضات الأمم مما أصابها ، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر أمة الإسلام بالعز والسيادة .
أما القرآن الكريم حرم اليأس وندد باليائسين ، من ذلك ما ورد في سورة يوسف حيث قال تعالى :{ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }.
وما قاله تعالى في سورة الحجر : { قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون }.
ولقد ندد الله تعالى بالإنسان اليائس وقبح نفسه الخائرة وقلبه الهالع ، ففي سورة الروم قال الله تعالى :{ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون }.
وخلاصة ما تقدم إذا كان اليأس في دين الله حراماً ، وأن صفحات التاريخ اثبت أن الأمم المغلوبة التي تتوق إلى المجد لها انتفاضات وانتصارات ، وأن رسول صلى الله علي وسلم قد بشر أمة الإسلام ببلوغ قمة المجد وغاية القوة والسيادة مهما أصابها ضعف وتفكك .
رابعا : الجرأة في مواجهة الظالمين دون الخوف من المحنة والابتلاء :
الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده والحق الذي يعتنقه ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به ومن القدر الذي يستسلم إليه ومن المسئولية التي يستشعر بها ومن التربية الإسلامية التي نشئ عليها ، وعلى قدر تحصيل المؤمن مما سبق يكون نصيبه من قوة الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم .
وعلى الداعية في هذا المجال أن يميز بين الجرأة والغلظة .
الجرأة : وهي ان يقول كلمة الحق ولو أدت إلى المحنة والابتلاء ، وفي الأصل أن ينصح الداعي بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى :{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }.
أما الغلظة : فهي أن يبدأ الداعي من يدعوه بالجفاء والفظاظة والشدة وهذا تورث ردود فعل من المدعو أو المنصوح قد تؤدي بالداعي إلى أسوأ العواقب ولا سيما إذا كان المنصوح له ذا مركز مرموق وسلطة قوية .
ومن هنا امتدح الله سبحانه اهل الجرأة بالحق حيث قال تعالى في سورة الأحزاب :{ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفي بالله حسيباً }
وكانت فضيلة الجرأة بالحق أنها من أعظم الجهاد ، لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ))
وبذلك كان صلى الله عليه وسلم يأخذ العهد من أصحابه ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :(( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، ، ، ، وعلى أن تقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )).
خامسا : الصبر والثبات في مواجهة الفتن والمغريات والمحن والمكاره :
الصبر قوة نفسية إيجابية فعالة تدفع المتحلي به إلى مقاومة كل أسباب الخور والضعف والاستكانة والاستسلام وتحمله على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات وأمام المحن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر أو أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض .
وعلى المؤمن حال تبليغه دعوة الله أن يضع في حسبانه الاتهامات الكاذبة والأقاويل الباطلة للحط من شأنه والتقليل من اعتباره ،
وربما يصل إلى إخراجه من وظائفه، ومصادرة أملاكه ، قطع كسبه ورزقه ، وأن يتوقع السجن والاعتقال والتعذيب ، بل عليه أن يضع بحسبانه الاستشهاد في سبيل الإسلام والدعوة إلى الله .
ومن المغريات التي التي يجب أن تكون بحسبان المؤمن إغراءه بالمنصب والوظيفة وفتنه بالمال والجاه ، أو إغواءه بالجنس والنساء وقد يلبس هذا الإغواء ثوب الزواج في كثير من الأحيان .
فحين يضع المؤمن نصب عينيه كل هذه الاحتمالات من ضروب الأذى والاضطهاد والشدة فلا يجد في سبيل ما يلقاه من محنه وابتلاء أي حرج أو يأس أو انهزامية لأن ذلك من سنن الدعوات والدعاة وحسبهم في ذلك قائد دعوتهم عليه الصلاة والسلام القدوة العملية في الصبر والاحتمال والأسوة الحسنة في الصمود والثبات .
وهذا ما بينه القرآن الكريم أوفى بيان :
قال الله تعالى في سورة العنكبوت : { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }.
وقال سبحانه في سورة البقرة :{ أم حسبتهم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذي آمنوا معه متي نصر الله ألا إن نصر الله قريب }.
وعلى لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه قال تعالى :{ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور }.
وهذا أيضاً ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة ، فقد روى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاء الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).
وروى مسلم في صحيحه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).
ومؤدى ما تقدم أن المؤمنين الذين يتصدون للدعوة ويسيرون في طريق الإصلاح والتغيير والهداية لابد أن يتعرضوا للمحن السالف الإشارة إليها ، وحتى يعيشوا حياة طيبة وحالة نفسية وروحية عالية راضين بقضاء الله تعالى محتسبين الأجر والثواب فعليهم ان يواجهوا كل مصيبة أو ابتلاء يقع عليهم بأسلحة الإيمان ، والإخلاص ، والتفاؤل ، والأمل ، والجرأة في مواجهة الظالمين ، والصبر والثبات ، وذلك على التفصيل السالف بيانه .
لذلك فإن حياة المؤمنين تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتهم لوجه هذه الأرض ، وحياتهم الطويلة محفوفة بالمكاره ، مليئة بالأشواك ، حافلة بالعقبات ، مفروشة بالدماء والأشلاء ، محكوم عليها بالابتلاء والإيذاء .
والابتلاء هو أحد سنن الله عزّ وجل في عباده المؤمنين في الحياة الدنيا ، وهو سنة الله في العقائد والدعوات ، يقول الله تعالى : { ألم ¯ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ¯ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } العنكبوت :1 - 3 .
ولما كان الرجل يبتلى على قدر دينه ، وإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ، كان أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء والصالحون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل )
ولكي يعيش المؤمن حياة طيبة وبحالة نفسية وروحية عالية راضيا بقضاء الله تعالى محتسبا الأجر فعليه ان يواجه كل مصيبة أو ابتلاء يقع عليه بالأسلحة الآتيه :
اولا : الإيمان : سلاح المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة ومغرياتها .
ثانيا : الإخلاص طريق التجرد عن المصالح الشخصية والترفع عن الغايات الذاتية .
ثالثا :التفاؤل والأمل في مواجهة اليأس والقنوط .
رابعا : الجرأة في مواجهة الظالمين دون الخوف من المحنة والابتلاء .
خامسا : الصبر والثبات في مواجهة الفتن والمغريات والمحن والمكاره .
وبيان ذلك في الآتي :
اولا : الإيمان سلاح المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة ومغرياتها :
لا شك المؤمن الداعية حال مواجهة لصراع الحياة ومجابها لمغريات الدنيا يحتاج الى سلاح في مواجهة ذلك هو الإيمان .
فالإيمان بالله الواحد الأحد حين يتغلغل في النفوس وتخالط بشاشته القلوب هو أول سلاح يتسلح به المؤمن ، فبدون الإيمان يبطل كل سلاح ويبطل كل إعداد وتبطل كل ذخيرة ، فما المقصود بهذا الإيمان :
أ - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بأن الآجال بيد الله تعالى : وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء كتبه الله له وأن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }.
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع ويتحلى بالصبر والشجاعة والإقدام .
ب - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بأن الأرزاق بيد الله : وأن ما بسطه الله على العبد لم يكن لأحد أن يمنعه وأن ما أمسكه عليه لم يكن لأحد أن يعطيه وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادة خبيراً بصيراً }.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ أمن هذا الذي يرزقكم إن مسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور }.
فبهذا الاعتقاد يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا والإلحاح بالطلب ويتحرر أيضاً من الشح النفسي والتقتير المزري والإمساك الشائن ويتحلى بمعاني الكرم والإيثار والعطاء بل يرى السعادة في القناعة وعيش الكفاف فإذا قنعت النفوس رضيت بالقليل وكفاها اليسير .
ج - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بمعية الله أن الله سبحانه معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ...}.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من ربقة الهوى ونزغات النفس المارة بالسوء وهمزات الشياطين وفتنة المال والنساء ويتحلى بالمراقبة لله والإخلاص له أمانة وجدية وإتقان بل يكون إذا مشى في الناس إنساناً سوياً وبراً تقياً وريحانه طيبة الشذى وشامة في المجتمع يشار إليه بالبنان .
ثانيا : الإخلاص طريق التجرد عن المصالح الشخصية والترفع عن الغايات الذاتية :
لا شك أن المؤمن حال ممارسته لشئونه الوظيفية والدعويه والسعي إلى الإصلاح تنتابه نزعات لتحقيق مصلتحه الشخصية وغايته الذاتية ، وهذه هي الصفات التي جبل عليها البشر ، ولا شك أن الإخلاص بإعتبار قوة إيمانه يدفع صاحبه ليترفع عن مصلحته وغايتة الذاتية وأن يقصد من عمله وجه الله لا ينبغي من وراءه جزاء ولا شكوراً .
وإذا استمر المخلص على هذه الحالة يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقاً وعادة دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة ؟
وهذا المعني للإخلاص هو المقصود من قول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء .} .
وقوله سبحانه وتعالى :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } .
وهو المقصود أيضاً من قوله عليه الصلاةوالسلام في الأحاديث الآتية :
روى أبو داود والنسائي بإسناد جيد عن أبي أمامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجه )).
وروى الحاكم عن معاذ بن جبل أنه قال حين بعث إلى اليمن : يا رسول الله أوصني قال له عليه الصلاة والسلام :(( أخلص دينك يكفك العمل القليل )).
وحقيقة العمل الخالص أن يتصف بشيئين : الأول أن يكون موافقاً للشريعة ، والثاني أن يقصد به وجه الله ، فإذا كان العمل موافقاً للشريعة ولم يكن خالصاً لله لم يقبل , وإذا كان خالصاً لله ولم يكن موافقاً للشريعة لم يقبل العمل إلا إذا كان على وفق الشريعة وكان خالصاً لله !!.
وصفات المخلصين من الدعاة :
أن جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم تكون علي وفق شريعة الله ، وأن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم ، وأن ينظروا إلى مفاهيم هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم ، وأن يحذروا مكائد الشيطان ووساوس النفس والهوى وفتنة العجب ومزالق الرياء .
ثالثا :التفاؤل والأمل في مواجهة اليأس والقنوط :
التفاؤل قوة نفسية إيجابية فعالة ، ينظر صاحبها إلى الغد بابتسامة أمل ويسير إلى الغاية المرجوة بروح القائد الشجاع وبنفسية العزيز المنتصر دون أن يعتريه يأس أو يستحوذ عليه قنوط .
والمؤمن الذي يسعى لأصلاح نفسه ويدعو غيره للإصلاح هو أولي بأن يتحلى بالأمل لتحقيق أهدافه وليجد ثمرة جهده وجهاده فهو أحق بأن يتصف بالتفاؤل لإعزاز دينه ، لأن القرآن الكريم حزم اليـأس وندد باليائسين ، ولأن التاريخ برهن له على انتفاضات الأمم مما أصابها ، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر أمة الإسلام بالعز والسيادة .
أما القرآن الكريم حرم اليأس وندد باليائسين ، من ذلك ما ورد في سورة يوسف حيث قال تعالى :{ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }.
وما قاله تعالى في سورة الحجر : { قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون }.
ولقد ندد الله تعالى بالإنسان اليائس وقبح نفسه الخائرة وقلبه الهالع ، ففي سورة الروم قال الله تعالى :{ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون }.
وخلاصة ما تقدم إذا كان اليأس في دين الله حراماً ، وأن صفحات التاريخ اثبت أن الأمم المغلوبة التي تتوق إلى المجد لها انتفاضات وانتصارات ، وأن رسول صلى الله علي وسلم قد بشر أمة الإسلام ببلوغ قمة المجد وغاية القوة والسيادة مهما أصابها ضعف وتفكك .
رابعا : الجرأة في مواجهة الظالمين دون الخوف من المحنة والابتلاء :
الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده والحق الذي يعتنقه ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به ومن القدر الذي يستسلم إليه ومن المسئولية التي يستشعر بها ومن التربية الإسلامية التي نشئ عليها ، وعلى قدر تحصيل المؤمن مما سبق يكون نصيبه من قوة الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم .
وعلى الداعية في هذا المجال أن يميز بين الجرأة والغلظة .
الجرأة : وهي ان يقول كلمة الحق ولو أدت إلى المحنة والابتلاء ، وفي الأصل أن ينصح الداعي بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى :{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }.
أما الغلظة : فهي أن يبدأ الداعي من يدعوه بالجفاء والفظاظة والشدة وهذا تورث ردود فعل من المدعو أو المنصوح قد تؤدي بالداعي إلى أسوأ العواقب ولا سيما إذا كان المنصوح له ذا مركز مرموق وسلطة قوية .
ومن هنا امتدح الله سبحانه اهل الجرأة بالحق حيث قال تعالى في سورة الأحزاب :{ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفي بالله حسيباً }
وكانت فضيلة الجرأة بالحق أنها من أعظم الجهاد ، لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ))
وبذلك كان صلى الله عليه وسلم يأخذ العهد من أصحابه ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :(( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، ، ، ، وعلى أن تقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )).
خامسا : الصبر والثبات في مواجهة الفتن والمغريات والمحن والمكاره :
الصبر قوة نفسية إيجابية فعالة تدفع المتحلي به إلى مقاومة كل أسباب الخور والضعف والاستكانة والاستسلام وتحمله على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات وأمام المحن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر أو أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض .
وعلى المؤمن حال تبليغه دعوة الله أن يضع في حسبانه الاتهامات الكاذبة والأقاويل الباطلة للحط من شأنه والتقليل من اعتباره ،
وربما يصل إلى إخراجه من وظائفه، ومصادرة أملاكه ، قطع كسبه ورزقه ، وأن يتوقع السجن والاعتقال والتعذيب ، بل عليه أن يضع بحسبانه الاستشهاد في سبيل الإسلام والدعوة إلى الله .
ومن المغريات التي التي يجب أن تكون بحسبان المؤمن إغراءه بالمنصب والوظيفة وفتنه بالمال والجاه ، أو إغواءه بالجنس والنساء وقد يلبس هذا الإغواء ثوب الزواج في كثير من الأحيان .
فحين يضع المؤمن نصب عينيه كل هذه الاحتمالات من ضروب الأذى والاضطهاد والشدة فلا يجد في سبيل ما يلقاه من محنه وابتلاء أي حرج أو يأس أو انهزامية لأن ذلك من سنن الدعوات والدعاة وحسبهم في ذلك قائد دعوتهم عليه الصلاة والسلام القدوة العملية في الصبر والاحتمال والأسوة الحسنة في الصمود والثبات .
وهذا ما بينه القرآن الكريم أوفى بيان :
قال الله تعالى في سورة العنكبوت : { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }.
وقال سبحانه في سورة البقرة :{ أم حسبتهم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذي آمنوا معه متي نصر الله ألا إن نصر الله قريب }.
وعلى لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه قال تعالى :{ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور }.
وهذا أيضاً ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة ، فقد روى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاء الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).
وروى مسلم في صحيحه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).
ومؤدى ما تقدم أن المؤمنين الذين يتصدون للدعوة ويسيرون في طريق الإصلاح والتغيير والهداية لابد أن يتعرضوا للمحن السالف الإشارة إليها ، وحتى يعيشوا حياة طيبة وحالة نفسية وروحية عالية راضين بقضاء الله تعالى محتسبين الأجر والثواب فعليهم ان يواجهوا كل مصيبة أو ابتلاء يقع عليهم بأسلحة الإيمان ، والإخلاص ، والتفاؤل ، والأمل ، والجرأة في مواجهة الظالمين ، والصبر والثبات ، وذلك على التفصيل السالف بيانه .