الأربعاء، 24 يوليو 2019

الصحة النفسية في الإسلام إعداد : محمد ابوغدير المحامي

 المؤمنون لا يعيشون لذواتهم ولا لشهواتهم إنما يعيشون دعاة ومصلحين لأمتهم حريصين عليهم ، مقتدون برسولهم صلى الله عليه وسلم حيث قال عنه الله  تعالى : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" .

 لذلك فإن حياة المؤمنين تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتهم لوجه هذه الأرض ، وحياتهم الطويلة محفوفة بالمكاره ، مليئة بالأشواك ، حافلة بالعقبات ، مفروشة بالدماء والأشلاء ، محكوم عليها بالابتلاء والإيذاء .

والابتلاء هو أحد سنن الله عزّ وجل في عباده المؤمنين في الحياة الدنيا ، وهو سنة الله في العقائد والدعوات ، يقول الله تعالى : { ألم ¯  أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ¯ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } العنكبوت :1 - 3 .

ولما كان الرجل يبتلى على قدر دينه ، وإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ، كان أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء والصالحون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل )

ولكي يعيش المؤمن حياة طيبة وبحالة نفسية وروحية عالية راضيا بقضاء الله تعالى محتسبا الأجر فعليه ان يواجه كل مصيبة أو ابتلاء يقع عليه بالأسلحة الآتيه :
اولا : الإيمان : سلاح المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة ومغرياتها .
ثانيا : الإخلاص طريق التجرد عن المصالح الشخصية والترفع عن الغايات الذاتية .
ثالثا :التفاؤل والأمل في مواجهة اليأس والقنوط .
رابعا : الجرأة في مواجهة الظالمين دون الخوف من المحنة والابتلاء .
خامسا : الصبر والثبات في مواجهة الفتن والمغريات والمحن والمكاره .
وبيان ذلك في الآتي :


اولا : الإيمان سلاح المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة ومغرياتها :

لا شك المؤمن الداعية حال مواجهة لصراع الحياة ومجابها لمغريات الدنيا يحتاج الى سلاح في مواجهة ذلك هو الإيمان .

فالإيمان بالله الواحد الأحد حين يتغلغل في النفوس وتخالط بشاشته القلوب هو أول سلاح يتسلح به المؤمن ،  فبدون الإيمان يبطل كل سلاح ويبطل كل إعداد وتبطل كل ذخيرة ، فما المقصود بهذا الإيمان :

أ - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بأن الآجال بيد الله تعالى : وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء كتبه الله له وأن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }.
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع ويتحلى بالصبر والشجاعة والإقدام .

ب - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بأن الأرزاق بيد الله : وأن ما بسطه الله على العبد لم يكن لأحد أن يمنعه وأن ما أمسكه عليه لم يكن لأحد أن يعطيه  وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادة خبيراً بصيراً }.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ أمن هذا الذي يرزقكم إن مسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور }.

فبهذا الاعتقاد يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا والإلحاح بالطلب ويتحرر أيضاً من الشح النفسي والتقتير المزري والإمساك الشائن ويتحلى بمعاني الكرم والإيثار والعطاء بل يرى السعادة في القناعة وعيش الكفاف فإذا قنعت النفوس رضيت بالقليل وكفاها اليسير .

ج - الإيمان هو الإعتقاد الجازم بمعية الله أن الله سبحانه معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ...}.
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من ربقة الهوى ونزغات النفس المارة بالسوء وهمزات الشياطين وفتنة المال والنساء ويتحلى بالمراقبة لله والإخلاص له أمانة وجدية وإتقان بل يكون إذا مشى في الناس إنساناً سوياً وبراً تقياً وريحانه طيبة الشذى وشامة في المجتمع يشار إليه بالبنان .


ثانيا : الإخلاص طريق التجرد عن المصالح الشخصية والترفع عن الغايات الذاتية :

لا شك أن المؤمن حال ممارسته لشئونه الوظيفية والدعويه والسعي إلى الإصلاح تنتابه نزعات لتحقيق مصلتحه الشخصية وغايته الذاتية ، وهذه هي الصفات التي جبل عليها البشر ، ولا شك أن الإخلاص بإعتبار قوة إيمانه يدفع صاحبه ليترفع عن مصلحته وغايتة  الذاتية وأن يقصد من عمله وجه الله لا ينبغي من وراءه جزاء ولا شكوراً .

وإذا استمر المخلص على هذه الحالة يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقاً وعادة دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة ؟

وهذا المعني للإخلاص هو المقصود من قول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء .} .
وقوله سبحانه وتعالى :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } .

وهو المقصود أيضاً من قوله عليه الصلاةوالسلام في الأحاديث الآتية :
روى أبو داود والنسائي بإسناد جيد عن أبي أمامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجه )).
وروى الحاكم عن معاذ بن جبل أنه قال حين بعث إلى اليمن : يا رسول الله أوصني قال له عليه الصلاة والسلام :(( أخلص دينك يكفك العمل القليل )).

وحقيقة العمل الخالص أن يتصف بشيئين : الأول أن يكون موافقاً للشريعة ، والثاني أن يقصد به وجه الله ، فإذا كان العمل موافقاً للشريعة ولم يكن خالصاً لله لم يقبل , وإذا كان خالصاً لله ولم يكن موافقاً للشريعة لم يقبل العمل إلا إذا كان على وفق الشريعة وكان خالصاً لله !!.

وصفات المخلصين من الدعاة :
أن جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم تكون علي وفق شريعة الله ، وأن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم ، وأن ينظروا إلى مفاهيم هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم ، وأن يحذروا مكائد الشيطان ووساوس النفس والهوى وفتنة العجب ومزالق الرياء .


ثالثا :التفاؤل والأمل في مواجهة اليأس والقنوط :

التفاؤل قوة نفسية إيجابية فعالة ، ينظر صاحبها إلى الغد بابتسامة أمل ويسير إلى الغاية المرجوة بروح القائد الشجاع وبنفسية العزيز المنتصر دون أن يعتريه يأس أو يستحوذ عليه قنوط .

والمؤمن الذي يسعى لأصلاح نفسه ويدعو غيره للإصلاح هو أولي بأن يتحلى بالأمل لتحقيق أهدافه وليجد ثمرة جهده وجهاده فهو أحق بأن يتصف بالتفاؤل لإعزاز دينه ، لأن القرآن الكريم حزم اليـأس وندد باليائسين ، ولأن التاريخ برهن له على انتفاضات الأمم مما أصابها ، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر أمة الإسلام بالعز والسيادة .

أما القرآن الكريم حرم اليأس وندد باليائسين ، من ذلك ما ورد   في سورة يوسف حيث قال تعالى :{ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }.
وما قاله تعالى في سورة الحجر : { قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون }.
ولقد ندد الله تعالى بالإنسان اليائس وقبح نفسه الخائرة وقلبه الهالع ، ففي سورة الروم قال الله تعالى :{ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون }.

وخلاصة ما تقدم إذا كان اليأس  في دين الله حراماً ، وأن صفحات التاريخ اثبت أن الأمم المغلوبة التي تتوق إلى المجد لها انتفاضات وانتصارات ، وأن رسول صلى الله علي وسلم قد بشر أمة الإسلام ببلوغ قمة المجد وغاية القوة والسيادة مهما أصابها ضعف وتفكك .


رابعا : الجرأة في مواجهة الظالمين دون الخوف من المحنة والابتلاء :

الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده والحق الذي يعتنقه ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به ومن القدر الذي يستسلم إليه ومن المسئولية التي يستشعر بها ومن التربية الإسلامية التي نشئ عليها ، وعلى قدر تحصيل المؤمن مما سبق يكون نصيبه من قوة الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم .

وعلى الداعية في هذا المجال أن يميز بين الجرأة والغلظة .
الجرأة : وهي ان يقول كلمة الحق ولو أدت إلى المحنة والابتلاء ، وفي الأصل أن ينصح الداعي  بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى :{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }.

أما الغلظة : فهي أن يبدأ الداعي من يدعوه بالجفاء والفظاظة والشدة وهذا تورث ردود فعل من المدعو أو المنصوح قد تؤدي بالداعي إلى أسوأ العواقب ولا سيما إذا كان المنصوح له ذا مركز مرموق وسلطة قوية .

ومن هنا  امتدح الله سبحانه اهل الجرأة بالحق حيث قال تعالى في سورة الأحزاب :{ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفي بالله حسيباً }

وكانت فضيلة الجرأة بالحق أنها من أعظم الجهاد ، لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ))

وبذلك كان صلى الله عليه وسلم يأخذ العهد من أصحابه ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :(( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، ، ، ، وعلى أن تقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )).


خامسا : الصبر والثبات في مواجهة الفتن والمغريات والمحن والمكاره  :

الصبر قوة نفسية إيجابية فعالة تدفع المتحلي به إلى مقاومة كل أسباب الخور والضعف والاستكانة والاستسلام وتحمله على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات وأمام المحن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر أو أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض .

وعلى المؤمن حال تبليغه دعوة الله أن يضع في حسبانه الاتهامات الكاذبة والأقاويل الباطلة للحط من شأنه والتقليل من اعتباره ،
وربما يصل إلى إخراجه من وظائفه، ومصادرة أملاكه ، قطع  كسبه ورزقه ، وأن يتوقع السجن والاعتقال والتعذيب ، بل عليه أن يضع بحسبانه الاستشهاد في سبيل الإسلام والدعوة إلى الله .

ومن المغريات التي التي يجب أن تكون بحسبان المؤمن إغراءه بالمنصب والوظيفة وفتنه بالمال والجاه ، أو إغواءه بالجنس والنساء وقد يلبس هذا الإغواء ثوب الزواج في كثير من الأحيان .

فحين يضع المؤمن نصب عينيه كل هذه الاحتمالات من ضروب الأذى والاضطهاد والشدة فلا يجد في سبيل ما يلقاه من محنه وابتلاء أي حرج أو يأس أو انهزامية لأن ذلك من سنن الدعوات والدعاة وحسبهم في ذلك قائد دعوتهم عليه الصلاة والسلام القدوة العملية في الصبر والاحتمال والأسوة الحسنة في الصمود والثبات .

وهذا ما بينه القرآن الكريم أوفى بيان :
قال الله تعالى في سورة العنكبوت : { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }.

وقال سبحانه في سورة البقرة :{ أم حسبتهم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذي آمنوا معه متي نصر الله ألا إن نصر الله قريب }.

وعلى لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه قال تعالى :{ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور }.

وهذا أيضاً ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة ، فقد روى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاء الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).
وروى مسلم في صحيحه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).

ومؤدى ما تقدم أن المؤمنين الذين يتصدون للدعوة ويسيرون في طريق الإصلاح والتغيير والهداية لابد أن يتعرضوا للمحن السالف الإشارة إليها ، وحتى  يعيشوا حياة طيبة وحالة نفسية وروحية عالية راضين بقضاء الله تعالى محتسبين الأجر والثواب فعليهم ان يواجهوا كل مصيبة أو ابتلاء يقع عليهم بأسلحة الإيمان ، والإخلاص ، والتفاؤل ، والأمل ، والجرأة في مواجهة الظالمين ، والصبر والثبات ، وذلك على التفصيل السالف بيانه .

الاثنين، 22 يوليو 2019

المسؤولية الدعوية إعداد : محمد أبوغدير المحامي

المسؤولية الدعوية
تعريف الدعوة ومشروعيتها ،
وتعريف المسؤولية وحكمها ، وجوانبها ، والخطوات الإدارية لتعزيزها ، وصفات المسؤول

الدعوة إلى الله تعالى هي رسالة السماء إلي الأرض وهدية الخالق إلي المخلوق ، وهي دين الله القويم ، وطريقه المستقيم ، وقد اختارها الله وجعلها الطريق الموصل إليه سبحانه فقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ النحل : 125 .

لذلك كانت الدعوة إلى الله فريضة شرعية وضرورة إجتماعية ، فعلى افراد الأمة أن يستشعروا المسؤولية نحو أنفسهم وأسرهم وإصلاح  مجتمعاتهم ،

فالجميع على ثَغر من ثغور الإسلام ، فيجب على المسلم أن يكون حارسا لدينه وأمته من منطلقٍ تكليف النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بقوله : " كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته " .

وإذا غاب الشعور بالمسؤولية تعطلت الحياة ، وتراجع العطاء والانتاج ، لكن المسؤول الواثق بنفسه يعرف طريقه إلى النجاح والفلاح ، فيكون الإرتقاء بمسؤولية حليفه في كل خطوةٍ أو مهمةٍ يقوم بها في كافة مجالات الحياة .

والحديث عن المسؤولية الدعوية يقتضي تعريف الدعوة الإسلامية ومشروعيتها  ثم تعريف المسؤولية بصفة عامة والمسؤولية الدعوية ، ثم بيان جوانب المسؤولية الدعوية  ، والخطوات الإدارية لتعزيزها ، وصفات المسؤول  وبيان ذلك في الآتي :


أولا : تعريف الدعوية ومشوعيتها :

يسبق تعريف المسؤولية الدعوية تعريف الدعوة الإسلامية ومشروعيتها  ثم تعريف المسؤولية  بصفة عامة وبيان ذلك في الآتي :

أ - تعريف الدعوة الإسلامية :

يعريف الدكتور توفيق الواعي الدعوة الإسلامية بأنها :
جمع الناس علي الخير ، ودلالتهم علي الرشد بتنفيذ منهج الله علي الأرض قولا وعملا ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وإرشادهم إلي الطريق المستقيم ، والصبر والمصابرة علي أعباء البلاغ ، مصدقا لقوله تعالي : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

ب - مشروعية الدعوة إلى الله تعالى :

والدعوة إلي الله تعالي مشروعة علي سبيل الفرض والإيجاب ، لا يصح إهمالها ، أو التواني والتفريط فيها ، فهي من فرائض الدين ، والأدلة على ذلك كثيرة بيانها في الآتي :

1. قوله سبحانه وتعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون )َ سورة آل عمران الآية 104.
 2. ومنها قوله جل وعلا: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) سورة النحل من الآية 125.
3. ومنها قوله عز وجل: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة القصص من الآية 87.
 ومنها قوله سبحانه: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) سورة يوسف من الآية 108.
 فيبين سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله. وهم أهل البصائر والواجب كما هو معلوم هو اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) سورة الأحزاب الآية 21..


ثانيا المسؤولية الدعوية مشروعيتها وحكمها :

المسؤولية بصفة عامة في الإسلام واجب شرعي وأخلاقي يجب على كل من تحمل شيئاً منها أن يقوم بها خير قيام براءة لذمته وحتى لا يكون ظالماً لغيره ، ومن المسؤولية العامة تكون المسؤوليةالدعوية ، ونبين أدلة المسؤولية العامة والدعوية في الآتي :

1. أدلة المسؤولية العامة :
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) .
وقال الله تعالى ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ الحجر: 92، 93 ، وقال تعالى ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولونَ ﴾ .

والمسؤولية فردية لأن التكليف فردى والحساب كذلك يوم القيامة ،
قال تعالى ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ مريم: 93 - 95 .
ويقول الحق سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } المدثر : 38  ، ويقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته " .

2. أدلة المسؤولية الدعوية :

وإذا كانت الدعوة إلي الله تعالي واجبة ومفروضة علي النحو السالف بيانه ، فإنها مسئولية المسلمين جميعاً ، يعني مطلوبة من كل المسلمين ، كلٌ حسب طاقاته وإمكاناته ، ولا يعفي أحد من القيام بهذا الواجب .

1 - قوله تعالي : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) ، والشهادة علي الناس تقتضي البلاغ لهم ، وتمام البلاغ إنما يكون بتضافر كل الجهود الفردية والجماعية ، وذلك هو العموم أو عينية الوجوب .

2 - وقوله تعالي : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، ومعناها ان المؤمنين مكلفون جميعاً بهذا الأمر وعليكم  أن تختاروا طائفة منكم لتقوموا بهذا الواجب وضرورة الوقوف من ورائها ، وحمايتها من سطوة كل جبار عنيد ، فالكل إذاً في دعوة كل حسب طاقاته وإمكانياته التي وهبها الله عز وجل .


ثالثا : جوانب المسؤولية الدعوية :

الإصلاح الشامل مسؤولية المسلم ، وهي مسؤولية ضخمة ورسالة سامية لها جوانب عديدة هي : أصلاح المسلم لنفسه وأهله ، وإرشاده لمجتمعه ، ونصحه لحاكمه ، وسعيه لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ، وبيان هذه الجوانب في التالي :

1. المسؤولية عن النفس :

فعلى المسلم أن يقوم بإصلاح بنائه وتشييده بأن يكون سليم العقيده ، صحيح العباده ، مجاهدا لنفسه ، حريصا على وقته ، منظما في شؤونه ، نافعا لغيره ، قوي الجسم ، متين الخلق ، مثقف الفكر ، قادرا على الكسب .

2 . المسؤولية عن الزوجة والأولاد :

بأن يحملهم على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية ، وحسن اختيار الزوجة ، وتوقيفها على حقها وواجبها ، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام .
قال تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } طه:132.
وعن إسماعيل عليه السلام قال الله تعالى : {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } مريم:55 .

3 . المسؤولية عن إرشاد المجتمع :

بأن ينشر دعوة الخير فيه ، ومحاربة الرذائل والمنكرات ، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف ، والمبادرة إلى فعل الخير ، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما ً.

4 . المسؤولية عن إصلاح الحكومة :

حتى تكون إسلامية بحق ، منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه. ومن صفاتها: الشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس ، والعفة عن المال العام،
ومن واجباتها : صيانة الأمن، وإنفاذ القانون ، ونشر التعليم، وتنمية الثروة ، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة.
ومن حقها –متى أدت واجبها الولاء والطاعة، فإذا قصرت، فالنصح والإرشاد ثم الخلع والإبعاد فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

  5- ومسؤول عن اعادة الكيان الدولي للأمة :

فلا تكتمل المسؤولية في الإصلاح حتى تحرر أوطان الامة ويحيي مجدها وتتقارب ثقافتها وتجمتع كلمتها ، فتتحقق بذلك الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة .
ولا شك أن هذه المهام والمسؤوليات جسام لا يستطيعها الفرد بنفسه ولذلك فهي مسؤولية الأمة مجتمعة ، فعليها أن توحد صفها وتعد عدتها لتنشر دعوة الإسلام في ربوع المعمورة ، فتصل بذلك لغايتها وهي أستاذية العالم كما قال تعالى (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) الأنفال : 39


رابعا : الخطوات الإدارية لتعزيز المسئولية :

المسئولية هو الوقود الذي يحرك نحو الهدف ، وهي عنصر لا غنى عنه من أجل تقدير الذات الإيجابي، والاعتماد على النفس ، ولكن قيام المسؤولية تحتاج خطوات ادارية وعملية لتعزيزها في نفس المسؤول ، وهي كالآتي:

1 - معرفة تفاصيل المسؤولية التي يجب القيام بها  ،
بأن يتفاعل المسؤول في أدائها بصورةٍ أكثر بأن يعرف ماذا يراد منه ، ومتى عرف أهمية ذلك وأدركه على وجه التحديد سعى بجدٍ وإخلاصٍ لتحقيقه وإنجازه .

2 - إدراك التحديَّات والمخاطر التي تهدِّد الأمَّة الإسلاميَّة ،
فإنَّ معرفة هذه الأخطار والمؤامرات التي تحاك ضدَّ الأمَّة فيهارفعٌ للهمَّة وتقويةٌ للعزيمة ودفعٌ للذاتيَّة، وإقدامٌ على تبليغ دعوة الله والأخذ بالأسباب في مواجهة هذه التحدِّيات التي تريد النيل من الإسلام والمسلمين، وقد ورد في الأثر: " من لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم ".

3 -البعد عن الروتين والرتابة لأنهما يقتلان روح المسؤولية ،
فليحاول المسؤول  أن يُجدِّد في أسلوب التعامل مع مسؤولياته ، ولا يكن نمطياً أو جامداً على حالةٍ واحدة ، فالركود والتقليد الأعمى يحولان المسؤوليات إلى أعباء لا يطيق الكاهل حملها .

4 - تحديد الأدوار وتنفيذ الالتزامات والمسئوليات المنوطة بالمسؤول ، وأداء أدواره بأمانة ، والحرص على فهم الأمور وحقيقتها قبل الحكم عليها .

5 - التعرف على التحديات والمشاكل المتوقعة، ووضع الحلول المناسبة لها ، واتخاذ القرارات المهمة، وتحديد خطة زمنية محددة لتنفيذها.

6 - وضع الأولويات، وتحديد الأعمال والمهمات المطلوب تنفيذها ، والتحلي بالمرونة اللازمة للتعامل مع المتغيرات المختلفة .

7 - .الإنشغال بمـا هو مسؤولٌ عنه :
فمن اشتغل بغير الـمهم ضيّع الأهم ، ولا يؤجِّل القيام بمـا عليه القيام به من المسؤوليات لأنّها حينئذٍ تتراكم وتكثُر ، وقد يهمل أو ينسى فيصعُب عليه القيام بها ، وعندئذٍ يؤاخذ على تقصيره .

8 - محبة العمل والرضى بالمسؤولية :
 وليجتهد في أن يقبل على ذلك كله بنفس راضيةٍ وهمةٍ عاليةٍ ، ليجد في ذلك الـمُتعة والأُنس والتسلية والسعادة . وعليه أن يهتم كثيراً بالعلاقات الإنسانية بينه وبين من حوله ومن تتعامل معهم من خلال مُراعاة مشاعر الزملاء ، والتلطف مع العاملين ، وتقدير الظروف ، واحترام الصداقة ، وغرس الثقة ، والاتصاف بالمرونة اللازمة في التعامل مع الأفراد والمواقف .


خامسا : صفات المسؤول عن الدعوة الفردية :

المسؤول عن الدعوة الفردية يطلق عليه داعية ، ولابد أن تتوافر فيه صفات أو أخلاق أهمها :

1 - الإخلاص :
وهذا يعني أن يكون مقصد الداعية من قوله وفعله وجه الله وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته ، من غير نظر إلي مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر ، واضعا نصب عينيه قول الله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ) .

2 - الأسوة والقدوة :
بمعني أن يكون الداعية صورة صحيحة وصادقة لكل ما يدعو إليه ، ويريد غرسه في المدعو ، بل أن يكون فعله أو سلوكه قبل قوله أو كلامه ؛ نظراً لأن التأثر بالسلوك أو بالفعل يسبق التأثر بالقول أو بالكلام ، وما نجح المرسلون والمسلمون الأوائل في التأثير في الناس إلا  بخلق الأسوة والقدوة .

3 -'إستشعار المسؤولية كتكليفٌ لا تشـريف :
وهذا يفرض علي المسؤول أن يكون قوياً أميناً مصداقاً لقوله تعالى : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ } القصص : من الآية 26 .
فمن الواجب أن يراقب  الله تعالى في كل شأنٍ من شؤونه ، وأن يكون أميناً في تحمله للمسؤولية مُخلصاً في أدائها ، سائلاً الله تعالى العون والتوفيق والسدّاد والصلاح والفلاح .

 4 .  التأسِّي بأصحاب القدوة في التاريخ :
 فالصحابة الأعلام ومن سار على دربهم من السلف والتابعين ضربوا أعظم الأمثلة، ودشَّنوا الكثير من المواقف البطوليَّة والدعويَّة التي تدلٌّ على حسن فهم ودراية ووعي هؤلاء بأهمِّيَّة الرسالة التي يتحمَّلون مسئوليَّتها.

5 - أداء المسؤولية بروح الجماعة :
فالعمل الجماعي يخفف من ثقل المسؤولية ، ويؤدي إلى الإبداع في انجازها ، فليحرص المسؤول على كسب احترام من معه ليكونوا أول من يتبنى رأيه ، وهنا يحرصون على نـجاحه لرؤيتهم أنهم شركاء في المسؤولية .

6 - الصبر والاحتساب :
فعلى الداعية أن يوطن  نفسه علي تحمل كل ما يصيبه من أذي طاعة لله ، ويصبر ويحتسب  لأنه يدعو إلي الانخلاع عن أخلاق وعادات وأعراف تأصلت في حياة المدعوين ما أنزل الله بها من سلطان وهي محل معارضة شديدة منهم.
فعلى الداعية أن يوطن نفسه علي والصبر والاحتساب ،عملا بقول الله تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ . ) .

7 - توقع الإخفاق أو الفشل :
ومعناه : أن يوغل في المدعوين برفق ، واضعا في تقديره دائما أنه ليس من المأمول أن يستجيب كل هؤلاء المدعوين لدعوته ؛ لئلا يصاب بالإحباط أو خيبة الأمل ، فإن حدث واستجاب الجميع فذلك الله تعالي ومنته ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، و" إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء لقوله تعالى " و (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) .

5 - الفهم العميق لدعوته وفقهها :
بأن يكون الداعية علي دراية تامة بإسلامه ، وبمهمته في الحياة ، وبأي المدعوين يبدأ وأيهم يؤخر ، وبالظروف المحيطة بمن يدعوه ، ويلتمس أفضل السبل والأساليب لتوصيل الدعوة إليه .
وصدق الله العظيم : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) .

6 - التضحية :
فعلى الداعية أن يجود  بكل ما يملك من نفس ومن وقت وعلم ، ومال ، حتى يحوز ثقة الناس من ناحية ، ويؤثر فيهم من ناحية أخري ،وهكذا كانت تضحيات النبي صلي الله عليه وسلم بكل شيء ، حتى كتب الله لدعوته النجاح والخلود ، وهو نهج سائر المسلمين المجاهدين إلي يومنا هذا .

7 - الرفق أو اللين :
الرفيق اللين يفتح مغاليق القلوب ، ويكسب ثقة الناس ومودتهم ، فلا فظاظة ولا خشونة ولا عنف ، لحال نبيه محمد صلي الله عليه وسلم في دعوته كما وصفه القرآن قال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )

8 - العمل مع أكثر من شخص :
حتى لا يستهلك الداعية وقته وجهده مع شخص واحد أو إنسان بعينه رغبة في جذبه للدعوة ، فيقابله كثيرا ، ويلح عليه طويلا ، ويشغل نفسه به دوما ، بل عليه أن يجعل عمله مع أكثر من شخص ، فإن أخفق مع واحد نجح من غيره ؛ لأن العمل مع شخص واحد ، مع محاولة الضغط عليه ومحاضرته أمر يثير في نفسه الشكوك والظنون وقد ينفر ، وتكون النتيجة عكسية ، إلا من رحم الله .

9 - التأني أو التروي وعدم الاستعجال :
فعلى الداعية أن يكون طويل النفس مع المدعو ، حتى يسبر غوره وينضجه علي نار هادئة كما يقولون ، فليست العبرة بالكم بقدر ما هي بالنوعية والكيف ، وحسبك أنك ماض في طريقك وأنك لم تحرم الثواب .

10 - التحرك من خلال خطة :
والمراد : أن يكون لدي الداعية خطة محددة الأهداف والغايات والأساليب ، بل والبدائل عند الإخفاق أو الفشل في وسيلة ما ، ليوفر بذلك الجهد والوقت ، ويتجنب العثرات أو المعوقات ، ويملأ الفراغ علي المدعو ولا يدخل به في خلافيات أو فرعيات .

11 - الأمل والثقة في الله :
الداعية لا يفقد الرجاء من أحد يدعوه ، فكل إنسان لا يخلو من الخير ، والداعية الموفق هو الذي يهتدي إلي مفتاح هذا الخير .
وفائدة هذا الخلق أنه يحمل صاحبه علي المضي في الطريق وعدم التوقف ، ويحثه على ابتكار وسيلة إن لم يجد وسيلة سابقة ، فالحاجة أم الاختراع .

 12 - حمد الله تعالى وشكره على ما تم من إنجازه من مهام :
  فالإنجزات تستحق شكر الله تعالى وإن كانت يسيرة ، وهذا الشكر الخالص لله تعالى حافزا  للتوفيق المستمر وسببا في المزيد ، لأن النِعمُ تدوم بشُكرها



الخميس، 11 يوليو 2019

فقه الثقة بالنفس إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الثقة بالنفس تعني نظرة الشخص لذاته ، ومعرفته لقدراته وإمكانيّاته والشعور بما وهبه الله إياه من الصفات الحسنة بعيدا عن الغرور والعُجب ، وأنه فقير إلى الله ليوفقه ويسدده ويحسن الظن به سبحانه ، وأنه في حاجة لإخوانه ولعامة الناس لينصحوه ويرشدوه .

ومن سمات الواثق بنفسه أنه يقبل ذاته بإيجابياته وسلبياته ، ويعرف حدود قدراته وطاقاته ، ويتحمل نتائج أفعاله واختياراته بشجاعة ، ولا يهرب من المسؤولية ويرحب بالنقد ، وأنه ناجح في علاقته مع الآخرين .

ولزيادة المسلم ثقته بنفسه وسائل معينة منها  إكتشافه لقواه الكامنة وتعرفه على إيجابياته وسلبياته واحسانه التخطيط لبرمجة ذاته وغيرها الكثير من الوسائل التي إن إستكملها فقد استوفى كامل الثقة بالنفس .

والحديث عن الثقة بالنفس يقتضي بيان تعريفها ، ومشروعيتها ، وسمات صاحبها ، ووسائل زيادتها ، وبيان ذلك في الآتي :


اولا : تعريف  الثقة بالنفس :

أ - في اللغة :

الثقة : "الواو والثاء والقاف كلمةٌ تدلُّ على عَقْدٍ وإحكام .
والثقة من الوثاق يعني الرباط ، ووثَّقْت الشّيء : أحكَمْتُه" اهـ

ب -  في الاصطلاح :

الثقة بالنّفس هي حُسن تقدير الشخص لنفسه، ونَظرته لذاته، ومعرفته لقدراته وإمكانيّاته حسب الظرف الذي يكون فيه، دون مبالغةٍ أو غرورٍ، ودون تبخيسٍ أو تقليلٍ، ويكتسب الثقة ويُطوّرها مع مرور الزمن .


ج - التفريق بين الثقة بالنفس والغرور :

فالثقة بالنفس تعني شعور المرء بما وهبه الله إياه من الصفات الحسنة ، والعمل من خلالها على ما ينفعه ، فإن أساء المرء استعمالها أصابه الغرور والعُجب ، وهما مرضان مهلكان ،
وإن أنكرَ تلك النعم ، فقد جحد وأضاع نعم الله عز وجل عليه ، وخاب وخسر ،  قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس /9-10 .

ج : أنواع الثقة بالنّفس :

الثقة بالنّفس نوعان أساسيان هما :

1. الثقة المطلقة بالنفس :
هي الثّقة القويّة التي لا يتخللها شكٌ؛ حيث يتميّز الإنسان الذي لديه ثقةٌ مطلقةٌ بنفسه ، فلا تفقده الهزيمة ثقته بنفسه، ولا تجعله المواقف الصعبة مُشكّكاً لقدراته .

2. الثقة المحدودة بالنفس :
حيثُ يكون الشخص واثقاً من قدراته أحياناً ومُشكّكاً لها أحياناً أخرى، ويُقيّم نفسه ويبني ثقته بناءً على هذه المواقف التي يختبرها .


ثانيا : مشروعية الثقة بالنفس :

والثقة بالنفس بعد التوكل على الله مطلب شرعي ، فالمسلم يتعين عليه أن يسعى باستمرار في سبيل الارتقاء لتحصيل الكمال .
ويستخدم لذلك فكره وطاقته، ويبذل جهده وما تيسر له من الوسائل في تحقيق طموحاته والوصول إلى أهدافه ، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز.... )

أن ثقة المسلم بنفسه تعني أنه في حاجة لربه تعالى ليوفقه ويسدده ، وعليه أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يتفاءل لنفسه الخير والنجاح دائماً، وفق ماورد في  الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ) يَقُولُ اللهُ تعالى : (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، ) .

والثقة بالنفس تقتضي حاجة المسلم لإخوانه ولعامة الناس ، لينصحوه ، ويرشدوه ، روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .


ثالثا : أهميّة الثقة بالنّفس :

تكمن أهميّة الثّقة بالنّفس في عدّة أمور هي :

 1. هي تحفز ذاتي لصاحبها  للعمل بقوّةٍ للوصول لأهدافه ولتحقيق أحلامه، وبالتالي يَكون مُتصالحاً مع نفسه والآخرين .

2 . والثقة تنعكس على الآخرين بما فيهم أسرته وأصدقاؤه ورؤساء العمل فيثقون به ويتبعون نهجه، فيكون قدوةً لهم .

3 . وهي الطريق الى الحماس والقدرة الفائقة الدافعة لسرعة إنجاز الأعمال؛فيشجع صاحبها غيره على الإنجاز ويقذف فيهم الثقة .

4 . والثقة بالنفس قوة وقدرة دافعة على العمل والتصرّف واتخاذ القرارات ويظهر صاحبها بالقدرة الفائقة ، وتجعله في موضع ثقة الآخرين .

5 . وهي الطريق لتوفير الجهد والوقت والطاقة وتمنح صاحبها الثقة للآخرين وتحفيزهم للقيام بأفضل الأداء عند أداء المهام الصعبة .


رابعا : سمات الواثق بنفسه :

الواثق بنفسه له سمات كثيرة وجليلة يتميز بها صاحبها وبيانها في يأتي :

1 - يتقبل نفسه كما هي بإيجابياتها وسلبياتها : فلا ينزعج من سلبياتها فيكره نفسه، ولا يعجب بإيجابياتها فيغتر بنفسه ويعطيها فوق حجمها.

 2 - ويعرف حدود قدراته وطاقاته وإمكاناته :
فلا يغالي فيها، أو يحط من شأنها. وتتوازن طموحاته مع قدراته ، فلا تهبط إلى القاع ولا تطير مع الأحلام .

3 - يتقبل النقد من الآخرين ولا يضيق بهم :
 ويستفادة من النقد البناء لتطوير ذاته باستمرار .

 4 - يتجنب التسويف ولا يهرب من المسؤولية :
فهو يقوم بواجباته ويتحمل مسؤولية قراراته وأفعاله، يجتهد في عمله ويتقنه .

5 - مستقر نفسيا وناجح في علاقته مع الآخرين :
فهو مطمئن النفس، يتجنب الغضب والتعصب، يتفاهم مع الآخرين ويقدر ظروفهم وينصح لهم ويحب لهم ما يحب لنفسه .

6 - يتحمل نتائج أفعاله واختياراته بشجاعة:
 فيفخر بما ينجزه، ويشكر ربه على توفيقه، ولا يغتر بعمله، وكذلك لا يصاب باليأس إذا واجهته حالات الفشل .


خامسا : وسائل زيادة الثقة بالنفس :

الوسائل المعينة للفرد على زيادة ثقته بنفسه كثيرة وجليلة بيانها في الآتي :

أ - الثقة بالله عز وجل وحسن التوكل عليه وطلب النصرة والتأييد منه :

إن الثقة بالنفس أمر مكتسب ، والثقة بالله هي المنبع الأصيل للثقة بالنفس، فمن الله تعالى يستمد المرء القوة والعون والسند، فلا يخشى سواه ولا يرجو غيره ، وشعاره الدائم ترديد  قول الله تعالى : { حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ  وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم ِ} التوبة: 129 ،  وقول الله تعالى : {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم  مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا  إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (هود: 56).
وقول الله تعالى : {ومَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ  عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).


ب -الثقة بالنفس والهمة العالية :

هناك ارتباط وثيق بين الثقة بالنفس والهمة العالية، لذلك على الفرد أن يطلب النجاح بإلحاح، وأن يحاول أن يصبح خبيرا في شيء ما، وعند ذلك سيأتي الناس إليه ليستفيدوا من علمه وخبرته، ويستنيروا برأيه وذكائه ، وما أجمل قول المتنبي:
على قدر أهـل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكـارم
وتعظم فـي عيـن الصغير صغارها *** وتصغر فـي عيـن العظيـم العظـائم .

ج - برمجة الذات وحسن التخطيط :

معرفة الذات هي أول الطريق لتغييرها وإصلاحها، فالإنسان يجب أن يعرف سلبياته وإيجابياته بحجمها الحقيقي ، وأن يعترف بالسلبيات ويتقبلها ويسعى إلى علاجها.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم ْ} الرعد: 11 .
ويجب عليه أن يواجه مخاوفه ويتغلب عليها ، وأن يكون متزنا في توقعاته وطموحاته ، ويتجنب الخضوع أو الانقياد او الذوبان في الآخرين . ،.
والتخطيط والوقوف على الأهداف المستقبلية  وتحديد أولوياتها الشخصية والاجتماعية والوظيفية، ووضع الخطط التنفيذية للوصول إليها من أهم العوامل التي تساعد على تدعيم الثقة بالنفس .
 وكذلك حسن استغلال الوقت وتنظيمه وتخطيطه يضمن إنجازات متتالية ومطردة تنتهي إلى تحقيق الأهداف والطموحات .

ء - اكتشاف القوى الكامنة والتغلب على النقائص :

ففي داخل كل منا قوى خفية وطاقات هائلة لا يعلم سرها إلا الخالق سبحانه وتعالى ، ومن خلالها يستطيع غرس المعاني الفاضلة والأخلاق النبيلة في نفسه .
وعلى الإنسان أن يرسل إلى عقله الباطن إيحاءات إيجابية تعزز قدراته الجيدة وتضعف صفاته التي لا يحبها ، وأن يحول نقائصه وفشله إلى طاقة ، وأن يتعلم من أخطائه زادا وخبرة لمواجهة ما يقابله في حياته من صعاب .

ه - الحرص على الصحبة الصالحة :

فالصحبة الصالحة تقوي مظاهر النجاح وتشجع على بذل المزيد من العمل ،  فتصير الصحبة الصالحة من عوامل نجاح ثقة المسلم بنفسه  .