مقدمة :
كان الناس كلهم في تناحر و تباغض ، وتكبر وتعال من الغني على الفقبر ومن الشريف على الوضيع ، وتفاخر بالأنساب و القبائل ، فجاء الإسلام مبددا بنوره كل تلك الظلمات ، فآخى بين المسلمين وألف بين قلوبهم وجعل الكل سواسية كأسنان المشط لا تمايز ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى .
قال الله عز وجل " وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "
فأشرقت أخوة الإيمان بالمودة والتعاون والإيثار والقوة ، منحة من عند الله تبارك وتعالى يقذفها في قلوب عباده المؤمنين فلا يمكن لأي قوة بشرية أن تمحوها من قلوب أصحابها المؤمنين أو أن تستبدلها بالحقد والكراهية والخصومة .
فكانت الأخوة و المحبة سببا في ظل الله تعالى لهم ، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" .
والحديث عن الأخوة في الله يقتضي بيان مفهومها وآفاقها ، ومشروعيتها في الكتاب والسنة ، وفضلها وحقوقها وما يفسدها وامثلة لها في صدر الإسلام
أولا : تعريف الأخوَّة وشروطها وآفاقها :
أ - تعريف الأخوة الإسلامية:
1. عرفت الأخوة في الله بأنها :
رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل ناحية وجزء من العالم.
2. كما عرفت الأخوة الإسلامية بإنها :
إنها رباط متين منعقد لا ينحل، وعروة وثقى لا تنفصم، وصلة أبدية لازمة مستمرة لا تنقطع، مبنية على المشاركة في الدِّين، تؤلف بين كافة المسلمين وتنتظمهم حيثما وجدوا.
3. وعرفت كذلك بأنها :
عقد وثيق؛ أطرافه جميع المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره..
يقول ابن الجوزي: "اعلم أن المعنى الجامع بين المسلمين الإسلام، فقد اكتسبوا به أخوة أصلية، ووجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض"
4. الأخوة في الله تعالى عند الإمام البنا :
يقول : أقصد بالأخوة ان ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها ، والأخوة أخت الإيمان ، والتفرق أخو الكفر ، والقوة وحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب : سلامة الصدر وأعلاه : مرتبة الإيثار , (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) .
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71) , وهكذا يجب أن نكون .
ب - شروط الأخوة في الله:
لتحقيق الأخوَّة في الله لابد أن تسوفي شروطها اللازمة لقيامها وهي :
1. أن تكون خالصة لوجه لله.
2. أن تكون الأخوة في الله مقرونة بالإيمان والتقوى.
3. أن تكون الأخوة ملتزمة منهج الإسلام.
4. أن تكون الأخوة قائمة على النصح لله ولعباده.
أ - تعريف الأخوة الإسلامية:
1. عرفت الأخوة في الله بأنها :
رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل ناحية وجزء من العالم.
2. كما عرفت الأخوة الإسلامية بإنها :
إنها رباط متين منعقد لا ينحل، وعروة وثقى لا تنفصم، وصلة أبدية لازمة مستمرة لا تنقطع، مبنية على المشاركة في الدِّين، تؤلف بين كافة المسلمين وتنتظمهم حيثما وجدوا.
3. وعرفت كذلك بأنها :
عقد وثيق؛ أطرافه جميع المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره..
يقول ابن الجوزي: "اعلم أن المعنى الجامع بين المسلمين الإسلام، فقد اكتسبوا به أخوة أصلية، ووجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض"
4. الأخوة في الله تعالى عند الإمام البنا :
يقول : أقصد بالأخوة ان ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها ، والأخوة أخت الإيمان ، والتفرق أخو الكفر ، والقوة وحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب : سلامة الصدر وأعلاه : مرتبة الإيثار , (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) .
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71) , وهكذا يجب أن نكون .
ب - شروط الأخوة في الله:
لتحقيق الأخوَّة في الله لابد أن تسوفي شروطها اللازمة لقيامها وهي :
1. أن تكون خالصة لوجه لله.
2. أن تكون الأخوة في الله مقرونة بالإيمان والتقوى.
3. أن تكون الأخوة ملتزمة منهج الإسلام.
4. أن تكون الأخوة قائمة على النصح لله ولعباده.
ج - آفاق الأخوة الإسلامية :
للأخوة الإسلامية آفاق رحبة ؛ فهي تمتد مع أحقاب الزمان فتشملُ جميع المسلمين عبر العصور.
وتمتد مع آفاق المكان وتتخطى جميع الحدود، فتنتظم كافة المسلمين على وجه البسيطة .
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة الحشر: 10].
وعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال - مخاطباً أصحابه رضي الله عنهم -: "وددت أنا قد رأينا إخواننا "، قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد..." رواه مسلم .
ثانيا : مشروعية الأخوَّة في الله :
وهذه الأخوة الإسلامية تشريعٌ رباني ، ورابطة أنشأها الله عز وجل وشرعها، وعقد شرعي لا يسع مسلماً أن يتحلل منه أو يتخلف عن المشاركة فيه، والقيام بحقوقه وواجباته ورعايتها على النحو الذي شرعه الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبيان ذلك في الآتي :
أ - الأخوة في القرآن الكريم :
1. قال الله تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
ومعنى ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ أي: صرتم بنعمة الإسلام أخواناً في الدين"
2. وقال الله تعالى ايضا: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 11].
فبالإسلام صيَّر الله تعالى المسلمين إخوانا، بعد أن كانوا قبله طرائق قددا، وبعد أن أسلم الكفار صاروا مؤمنين إخوانا للمسلمين، تظللهم راية الأخوة الإسلامية،
3. وقال الله تعالى ايضا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]
4. وقال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ الفرقان 63.
الإخوة في الله منحة ربانية يقذفها الله في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه، والأتقياء من خلقه؛
5. وقال الله تعالى : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220].
الإخوة في الله إصلاح وتعايش وتكافل مع ضعفاء المسلمين الذين فقدوا اباءهم أو اولياءهم .
ب - الأخوة في السنة النبوية الشريفة :
أكدت الأحاديث النبوية الشريفة ضرورة التمثل بالأخوة الإسلامية والتحلي بها نذكر منها الآتي :
1. جاء في صحيح مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا )) ويشير إلى صدره ثلاث مرات (( بحسب أمري من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم .
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخواناً )) رواه البخاري .
3. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام )) روه البخاري .
4. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) رواه مسلم .
5. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )) رواه مسلم ، ( جـ 16 ، ص 177 ) .
ثالثا : حقوق الأخوة الصادقة :
1- التواد والتراحم والتعاطف:
قال عليه الصلاة والسلام: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ) رواه مسلم.
والمؤمن يرحم أخاه كما قال الله تعالى : ( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) سورة البلد : 17.
وهكذا يكون المؤمن وأخيه كالجسد الواحد إذا اشتكى تألم له، وإذا احتاج أسرع إلى قضاء حاجته .
2 - التزاور في الله :
في صحيح الجامع قال عليه الصلاة والسلام: ( من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا )؛ رواه أحمد وغيره.
وفي صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته [طريقه] ملكًا، فلما أتى عليه، قال: (أين تريد)، قال أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل عليك من نعمةَ تربُّها؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته ) .
3. التواضُع وعدم التكلُّف :
فما قطع الناس ولا أحدث فيهم الجفاء إلا نظرهم لمن فوقهم وعدم نظرهم إلى من تحتهم، واتِّخاذ الشيطان عدوًّا، وتقوى الله ما استطعنا، والحب في الله والبُغْض في الله، والإعطاء لله والمنع لله، ومنها القصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب، والتعاوُن على البرِّ والتقوى، وعدم التعاوُن على الإثم والعدوان.
4. الإيثار :
قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأوليك هم المفلحون ) سورة الحشر : 90.
الأخوة تعايش يستوجب الإيثار بالمال وقضاء الحوائج والمشاركة في المحن .
قال محمد بن المنكدر: "لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان".
وقال على بن الحسين لرجل: هل يُدخل أحدُكم يده في جيب أخيه، فيأخذ ما يريد بغير إذنه؟ قال: لا، قال: لستم بإخوان.
5. التناصح والتواصي في الله :
قال الله تعالى في : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر : 1 - 3
فأقسم سبحانه أن الناس جميعًا في خسران وهلاك في دنياهم وهالكون في آخرتهم ، إلَّا الأقلِّين عددًا، الأكثرين فضلًا ، وهم الذين آمنوا بالله إيمانًا صادقًا، وعملوا الصالحات ، وتواصَوا بالحق ِّ، وتواصَوا بالصبر.
6. العفو وستر العيوب والزلات :
وهذه من أعظم الحقوق، فأخوك ليس ملكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا، فإن ذل فهو بشر يصيب ويخطئ ومن يكون العفو عنه من مقتضيات الأخوة ، قال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) سورة الأعراف : 199،
وقال تعالى أيضا : ( وجزآؤا سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) سورة الشورى : 40.
ولا يجوز للمؤمن أن تفشي سرًّا أو يكشف لأخيه عيبًا أو يذكره أمام الناس ، بل عليه أن يخلوَ به سرًّا، وينصحه بما تقتضيه النصيحة، ولا شك أن النصيحة عندما تكون خالصة لوجه الله حاصلة في السر، فإن الاستجابة لها ستكون متحققة.
ومن واجب المؤمن ألا يضيق ذرعًا بالنصيحة، وأن يتقبلها بصدر منشرح ونفس راضية، واعلم أيها الأخ الحبيب أن العفو من شيم الكرام.
وكان عبدالله بن معاوية يقول:
لا يزهدنك في أخ لك أن تراه زل زلة
ما من أخ لك لا يعاب ولو حرصت الحرص كله
7. الإصلاح بين الناس :
جعل الله تعالى الإصلاح بين الأخوَينِ من التقوى، وحسبنا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الحجرات: 10 .
رابعا : مفسدات الأخوة :
إذا فسدت الإخوة دَبَّ الفتور الذي يفتت عضد الاستقامة ، وتؤدي الى انهيار صرح الأخوة وإفسادها بين المؤمنين ، لذلك وجب بيان أسباب هذه مفسدات الأخوة في الآتي :
1- الكبر والاستعلاء :
وأول مفسدات الإخوة هو الكبر والاستعلاء
، ومن طبيعة البشر كرههم لمن يعاملهم باستعلاء مهما كان هذا الإنسان، لذا كان الإنسان مأمورًا بالتواضع والشعور بالآخرين .
ولقد أُمر الله تعالى بذلك سيد الناس عليه الصلاة والسلام قال له سبحانه : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الشعراء: 215 .
وروى ابن ماجه في صحيحه ان النبي صلى الله عليه وسلم يراه الرجل، فيهابه وترعد فرائصه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ( هوِّن عليك، فإني لست بملِك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ) .
فعلام الكبر والاستعلاء؟
حُكى عن مُطرف بن عبدالله قال : أنه نظر إلى أحد الناس وهو يمشي الخيلاء وعليه حُلة يجرجرها، فقال: يا هذا ما هذه المشية؟ قال: أما تعرفني؟ قال: بل أعرفك أولك نطفة مذِرة وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذْرة.
2- السخرية والاستهزاء :
ومفسدات الأخوة السخرية والاستهزاء حتى لو لم يكن بقصد ، فأخوك لم يشق عن قلبك لما رأى وسمع ، فيجب الإلتزام بقول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الحجرات: 11 .
3- سوء الظن :
من أكبر العقبات التي تَحُول بين تَرابط المسلمين فيما بينهم هو سوء الظن ، فإياك وإياه الظن الذي لم يُبْن على أصل وتحقيق نظر، وأغلب الظن كذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ الحجرات: 12 .
وفي الصحيحين: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "، فأحسن الظن بالغير فلعله أساء التعبير، أو لم يحسن التصرف لخبرته، فبعض الإخوة يحكم على قلوب الآخرين.
لما جلس الإمام الشافعي في مرض موته، قال له الربيع بن سليمان: قوى الله ضعفك يا إمام، فقال: لو قوّى ضعفي لقتلني، فقال: "والله ما قصدت يا إمام، فقال الشافعي: والله لو شتمتني لعلمت أنك لم تقصد.
4- عدم التزام بأدب الحديث :
وهذا باب واسع يدخل منه الشيطان للإفساد بين الإخوان وله صور منها: الحيدة ورفع الصوت في الكلام ، وعدم الإنصات إلى حديث صاحبه فيقطعه أو ينشغل عنه .
يقول بعض السلف : إن الرجل ليحدثني بالحديث أعرفه قبل أن تلده أمه، فيحملني حسن الأدب إلى الاستماع إليه حتى يَفرُغ.
5- الجدل:
فبالجدال تخسر المجال ويقسوا القلب في الحال، وهذه حقيقة واقعية ، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقًّا ).
ولما سئل الإمام مالك: يا أبا عبدالله الرجل يكون عالمًا بالسنة أيجادل عنها ؟ قال: لا ولكنه يخبر بالسنة، فإن قبلت وإلا سكت.
وصدق من قال: (من جاءك مسترشدًا فأرشده، ومن جاءك مجادلًا فأعرض عنه فإنه من الجاهلين).
6 - إفشاء الأسرار :
وفي صحيح الجامع يقول عليه الصلاة والسلام: ( إذا حدث الرجلُ الرجلَ حديثًا ثم انصرف، فهو أمانة ).
ومما يديم الصحبة ألا تفشي لأخيك سرًّا ، فكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع.
7- النصح في الملأ :
لا يختلف اثنان أن النصيحة بين الناس يكرهها الناس، بل إن ذلك مما يزيل المحبة ويزرع العداوة، وقد يولّد العناد.
8- كثرة المعاتبة وعدم التسامح والنظر إلى السلبيات دون الإيجابيات:
فيجب التغافل عن هفوات الأخ حتى تدوم الألفة ؛ قال بعض الحكماء: وجدتُ أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل، وقد تغافل أقوام عن أذى الأعداء، فكيف بالأصدقاء!
قال سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل، إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه".
وقال الشاعر :
كنت في كل الأمور معاتبًا أخاك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدًا أوصل أخاك فإنه مقارف ذنبًا تارة ومجانبه
فمن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه
9 ، 10 : ومن مفسدات الإخوة الكثير والكثير :
نسأل الله النجاة
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ الحشر: 10 .
خامسا : ثمرة المحبَّة في الله.
إذا استكملت الأخوة في الله شرائطها واستوفت حقوقها وانتفت مفسداتتها تحققت ثمراتها العظيمة الآتي بيانها :
1. ـ استكمال الايمان:
عن ابي امامة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احب لله، وابغض لله، واعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الايمان).. (رواه ابو داوود بسند حسن).
2. دليل على ملازمة الإيمان للمؤمن :
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات:10 ، فإذا وجدت التقوى والإيمان في عبد ولم توجد إخوة صادقة، فهو إيمان ناقص وتقوى مزعومة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )؛ رواه الشيخان.
3. أيجاد طعم الايمان:
قال عليه الصلاة والسلام: (من احب ان يجد طعم الايمان فليحب المرء لا يحبه الا لله).. (رواه الحاكم وقال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه واقر الذهبي.
4. تذوق حلاوة الإيمان :
ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كُنَّ فيه وجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلَّا لله، وأن يكره أن يعود في الكُفْر كما يكره أن يُقذَف في النار ).
5. الكرامة من الله :
عن ابي امامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد احب عبدا لله الا اكرمه عز وجل).. اخرجه احمد
6. محبة الله تعالى له :
وعن معاذ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ( وَجَبَتْ محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ والمُتجالسين فيَّ ) من الأحاديث القدسية في مسند أحمد .
7. احبهما الى الله اشدهما حبا لصاحبه:
عن ابي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال: (ما من رجلين تحابا في الله الا كان احبهما الى الله اشدهما حبا لصاحبه).. (رواه الطبراني)..
8. إظلال الله تعالى لهم بظله يوم القيامة :
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظله... ورجلانِ تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه) .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظلي) .
9. يدخلهم الله تعالى جنته :
وروي عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفْشُوا السلام بينكم ) .
10ـ يلتحق بمن يحبهم من الصااحين ويصل الى مراتبهم وان لم يكن عمله بالغ مبلغهم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله كيف تقول في رجل احب قوما ولم يلحق بهم قال: (المرء مع من احب). (الصحيحان).
سادسا : الأخوة في صدر الإسلام :
أن في استشعار الأخوة أقوى الروابط والتنظيمات الهادفة إلى إصلاح ما بين الناس وتصفية الأحقاد والأحساد .
أ- المآخاة بين المهاجرين والأنصار :
ومن سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإدارية في بداية تأسيس الدولة الإسلامية أن آخى بين المهاجرين والأنصار فقد ذكر الدميري ( 1408 هـ ) : (( أنـه قـال لـهـم : (( إني أوآخي بينكم كما آخى الله تعالى بين ملائكته ))
.
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأوس والخزرج فصفى ما بينهم من خلافات وأنساهم الثأر والحروب وصهرهم في بوتقة واحدة ، وكان المقصود من المؤاخاة أن يوقر كل منهم أخاه ويعاونه ويواسيه ويكون عوناً له على الأعداء ويحبه كما يحب نفسه )) ، ص 71 .
ب- التآخي مع خادمه صلى الله عليه وسلم :
وفي تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خادمه أفضل الصور لاستشعار الأخوة الإسلامية بمعناها الحقيقي .
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : (( أنيس أذهبت حيث أمرتك )) ؟ قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته : (( لم فعلت كذا وكذا )) أو لشيء تركنه : (( هلا فعلت كذا وكذا )) ، رواه مسلم ، ( جـ 15 ، ص 71 ) .
ج - إيثاره ومواساة صلى الله عليه وسلم لضيفه :
ومن الإيثار ولمواساة ما ذكر في رياض الصالحين في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك قلن كلهن مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يضيف هذه الليلة ؟ )) فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله صلى عليه وسلم فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لامرأته : هل عندك شيء ؟ فقالت : لا ، إلا قوت صبياني قال : علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم ، وإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين ، فلما أصبح غداً على النبي صلى الله عليه وسلم : فقال : لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة )) ، ص 196
ونزل في ذلك آية قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ، والصور كثيرة من صور رسول الله صلى الله عليه وسلم على استشعار الأخوة الإسلامية مع جميع أصحابه ، وقد تدرب عليها أصحابه وطبقوها ،
د - تواضع عمر بن عبد العزيز مع ضيفه :
ومن أمثلة ذلك التواضع وما ذكره أبو بكر الجزائري ( د . ت ) : (( روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى المصباح فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه فقال الضيف إذا انبه الغلام ؟ فقال عمر : إنها أول نومه نامها فلا تنبه . وذهب إلى البطة وملأ المصباح زيتناً ولما قال له الضيف : قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين ؟ أجابه قائلاً ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق