الجمعة، 14 أغسطس 2020

رب أوزعني أن أشكرك نعمتك بقلم محمد أبوغدير المحامي

 هيا نتدبر الآيات الكريمة الآتية :

لنشكر الله المنعم علينا وعلى آبائنا ، 

ونسآله العمل المرضي وصحبة الصالحين 

وإصلاح الذرية ، متضرعين  بالتوبة والإستسلام للرب الكريم .

 

قال الله تعالى : ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) سورة النمل ، الآية : 19.


كما قال الله تعالى : ( ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) سورة الأحقاف، الآية : 15.


وقد تماثلت الفقرة الأولي في الآيتين السالف بيانهم  ، حيث قال الله تعالى ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ  وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ) .


وإنتهت الآية من سورة النمل بقوله تعالى : ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) .

في حين إنتهت الآية من سورة الأحقاف بقوله تعالى ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .


وهكذا بدأ اللَّه تعالى في الفقرة المتماثلة من الآيتين في السورتين بالدعاء  للوالدين لكونهما كانا سبباً في الجود في هذه الحياة الدنيا بعد اللَّه عز وجل وبالإحسان إليهما وبرِّهما ، ثم طلب التوفيق للعمل الصالح ألذي يرضي الله وتعالى .

وكان معنى الدعاء : ربي ألهمني ووفقني لشكر نعمائك وأفضالك عليَّ وعلى والدي بالنعم الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تُحصى ، والتي أعظمها نعمة الإسلام التي مغبون فيها كثير من الناس .

وبعد الوالدين كَان سؤال اللَّه تعالى التوفيق بالقيام بالأعمال الجليلة والكثيرة التي تستوجب رضاه الذي وهو أمنية كل مؤمن ، فإن تمام الشكر وأكمله أن يكون باللسان والقلب والأركان ، وقد تضمن هذا السؤال طلب الآتي :

1-  التوفيق للشكر على النعم الدنيوية والشرعية .

2-  أداء الطاعات المرضية لله تعالى المصحوبة بالمتابعة والإخلاص.


الفقرة الثانية من الآية الأولى : ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) معناها : 

أسالك اللهم أن تدخلني الجنة دار رحمتك التي لا يدخلها أحد إلا أن تتغمَّده برحمتك وفضلك ، والإلتحاق بالصالحين من عباد الله تعالى في جنات الخلد التي لا يدخلها إلا الصالحون .


والفقرة الثانية من الآية الثانية : ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) معناها : 

أن طلب الصلاح في الذرية راسخاً فيهم متمكنين منه ، ولا شك أن صلاح الآباء يورث صلاح الأبناء ، وفي ذلك كمال السعادة البشرية المرجوة في الدنيا والآخرة ، وفيه أيضا تجديد التوبة والاستسلام للَّه تعالى في أمره ونهيه .

الأحد، 31 مايو 2020

الثبات على الاستقامــة إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الثبات على الاستقامــة

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة :
المسلم الحق ينشد الإستقامة في كل أحواله وطول حياته  فلسانه دائما ذاكرا وداعيا وتاليا قول الله تعالى: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾.

والمؤمن المستقيم على نهج الله يستشعر معيتة سبحانه وتعالى فلا يخشى بطش ظالم متجبر ولا يحزن على دنيا زائلة فاتته ، فقلبه مرتبط بربه وروحه متعلقة بالآخرة راجيا ومستبشرا بالجنة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فصلت : 30 .

والاستقامة هذه طاعة مطلقة لله وإيمان صادق به عز وجل ، واقتداء تام برسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بسنة  ، وأداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات والمكروهات ، الإكثار من النوافل والتطوعات ، والمداومة على أعمال البر والخير لنيل مرضاته قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

والإستقامة واجب المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ؛ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج : 77.
وأن يصلح نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية .

والحديث عن الاستقامــة والثبات عليها يقتضي بيان الآتي :
تعريف الإستقامة لغة واصطلاحا
ومعناها في القرآن الكريم
وأهميتها ،
ثم تعريف الثبات
ومشروعية المواطن التي يمتحن فيها ،
ثم وسائل الثبات على الاستقامة ،
وأخيرا ثمرات  الثبات ،
وبيان ذلك في الآتي .

أولا : تعريف الإستقامة :

أ -  تُعرَف الاستِقامة في لغة بأنّها :

مَصدر مشتق من الفعل السداسي استقام : أي اعتدل واستوى ،
ومضارعه يستقيم وفاعله مستقيم .

ب - معنى الاستقامة إصطلاحا :

هي سلوك الصراط المستقيم ، واتّباع تعاليم الدّين الحنيف ، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وهي وسط بين الغلو والتقصير ، وكلاهما منهي عنه شرعاً.

ثانيا : الاستقامة في القرآن الكريم :

 ذكرت الإستقامة في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:

أ - الإستقامة هي الثبات والدوام على الدعوة إلى الدين :
من ذلك قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت}، قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة.

ب - والإستقامة ثبات على التوحيد :
وعلى هذا قوله سبحانه: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} (فصلت:30)،
وروي الطبري أيضاً عن سعيد بن عمران ، قال: قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً.

ج - والإستقامة ثبات على طاعة الله والتزام أحكامه :
على ذلك قوله سبحانه: { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (الجن:16)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة} يعني بالاستقامة: الطاعة. أي: لو ثبتوا واستداموا على طاعة الله، لأسقيناهم ماء نافعاً كثيراً.

ء - والإستقامة وفاء بالعهد والثبات عليه وذلك قوله سبحانه: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} (التوبة:7)، قال قتادة : فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم.

ثالثا : أهمية الاستقامة :

أ - الإستقامة هي تحقيق للعبودية لله تعالى :
والعبودية هي الغاية من خلق الإنس والجن ، وبها يحصل  الفوز بالجنان والابتعاد عن النيران .

ب - الامتثال لأمر الله تعالى :
المؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة ، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته : { أهدنا الصراط المستقيم } آية : 6 من سورة الفاتحة .
وهي فريضة على المسلمى كما في قوله: ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) هود : 112 ، وقال أيضا : { فلذلك فأدع واستقم كما أمرت ..} آية 112 من سورة هود .

ج . الامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم  :
فمن سنته تحقيق الإستقامة ، فقد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي ـ رضي الله عنه ـ يقول له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قل آمنت بالله ، فاستقم ) رواه مسلم .

د - بها تتحقق مقامات الدين التي يطالب بها العبد :
فقد قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري ،
والسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة ، أو هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.
وقوله : ( قاربوا ) أي: اجتهدوا في الوصول إلى السداد، فإن اجتهدتم ولم تصيبوا فلا يفوتكم القرب منه.
والمؤمن ينبغي عليه أن لا يفارق هاتين المرتبتين .

ه - والإستقامة واجب المسلم بأن  يصلح المسلم نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ،

و - والخروج عن الاستقامة يستوجب الإستغفار :
 فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه }  آية : 6 من سورة فصلت ، وقل صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها) رواه أحمد والترمذي .


رابعا : الثبات تعريفه ومشروعية ومواطنه :

والحديث عن وسائل الثبات على الإستقامة يقتضي تعريف الثبات ومشروعية في الكتاب والسنة والمواطن التي يمنح فيها الثبات وبيان ذلك في الآتي .

أ - تعريف الثبات

1 . الثبات في اللغة :
ورد في لسان العرب لابن منظور أن الثبات هو :
أصل مادة الثاء والباء والتاء وهو : ثَبَتَ الشيء ُيَثْبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فهو ثابتٌ وثَبِيتٌ .
ويقال: ثَبَتَ فلانٌ في المَكان يَثْبُتُ ثبُوتاً، فهو ثابتٌ إِذا أَقام به.

2 . الثبات في الاصطلاح :
الاستقامة على الهدى والتماسك بالتقى وإلجام النفس وقهرها على سلوك طريق الحق والخير وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان ونوازع النفس والطغيان مع سرعة التوبة والأوبة حال ملابسة الإثم أو الركون إلى الدنيا.

ب - مشروعية  الثبات في الكتاب والسنة :

1 . الثبات في القرآن الكريم :
قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) إبراهيم- 27.
وقال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة إبراهيم – آية رقم 10.
و قال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) سورة الإسراء

 2 . الثبات في السنة :
عن عبد الله بن عمرو  بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب
واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك). رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم  .

.
خامسا : المواطن التي يمتحن فيها  الثبات :

1 . الثبات في الفتن والاضطهاد والطغيان والظلم :
ويُمثِّلها أروع تمثيل قول الله عز وجل:"قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ  ذَاتِ الوَقُودِ * إذْ هُمْ عَلَيْهَاقُعُودٌ * وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ"(البروج: 4 -9).

2 . الثبات في الجهاد:
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا" (الأنفال: 45)، وقال الله تعالى:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ"(آل عمران:142 - 143).

3 . الثبات على المنهج :
قال الله تعالى: "مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب: 23

4 . الثبات أمام بطش الظالمين:
يُعْتَبر البطش والتنكيل من أساليب المبطلين الشائعة والمتكررة عبرالتاريخ، حين يغيظهم استمساك أهل الحق وصلابتهم، فيثورون عليهم محاولين القضاء عليهم -إن استطاعوا- أو إزاحتهم عن طريقهم على الأقل بكل الوسائل الدنيئة، وهذا يستوجب الصبر والثبات .

5 . الثبات عند علوِّ الأعداء:
فقد يُصَاب الإنسان بحالة من اليأس والقنوط عند ارتفاع شأن الأعداء وعلو راياتهم، ولكن المسلم يثبت بثقته بنصر الله تعالى .

6 . الثبات فى الميدان عند الزحف :
فحين  تتقابل الصفوف والرايات فى ساحة من الساحات يكون الثبات هو واجب الساعة؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الأنفال: 45

7 . الثبات عند الممات:
والثبات فى هذا الموقف لن يتم إلا بجهدٍ جهيد، وعملٍ دءوبٍ ومتواصل، وإخلاصٍ وتجردٍ  تَامَّيْن لله سبحانه؛ ليتمَّ التثبيت عند الممات ،قال الله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاتَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا  وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت: 30)،

سادسا : وسائل الثبات على الاستقامة :

 أسباب ووسائل الثبات المؤدية إلى الاستقامة كثيرة  نذكر منها الآتي :

1 . إخلاص النيّة لله تعالى :
اخلاص نيته لله تعالة عند القيام بكل عمل  فتكون أعمال صالحة ، فتتحقق بذلك الإستقامة ، قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .. } آية 5 من سورة البينة .

2 . الإكثار من الاستغفار وذكر الله تعالى :
أستغفر الله العظيم من كلّ ذنبٍ عظيم، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، فقد قال تعالى مشيراً إلى ذلك : { فاستقيموا إليه واستغفروه }  آية : 6 من سورة فصلت
وذكر الله من أعظم أسباب التثبيت تأمل هذا الاقتران بين الذكر والثبات في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال/45

3 . الإقبال على القرآن والدعاء :
القرآن العظيم هو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، هو الوسيلة الثبات الأولى ، قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الإسراء 9 .
ومن شيم عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } آل عمران 8 .

4 . الحرص على أداء الصلوات الخمس :
فالصّلاة عمود الدين وهي صلة وصل بين العبد وربّه تُهذّب النفس وتُعين على ترك الفواحش، فيجب على المرء أن الصلاة جماعةً في المسجد؛  قال تعالى: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت:45 .

5 . التزام بالعمل الصالح واجتناب الحرام :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ،
وفي الآخرة في القبر " . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
ويندرج تحت اجتناب الحرام حفظ اللسان عن الكلام البذيء، والكذب، والغيبة، والنميمة، وغضّ البصر؛ فالنّظرة الأولى لك والثانية عليك، قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:36
والحذر من وساوس الشيطان الرجيم؛ فإبليس يوسوس للمرء تدريجياً حتى يغويه ثم يتبرّأ منه.

6 .  تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود 129.

7 . الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران .

8 . ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) الشورى:15 .

9 . معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
فيقول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196 وفي ذلك تسرية
وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 ،
وفي ذلك عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .

10. استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري ،
وأشد الصبر عند الصدمة الأولى .

11. الالتفاف حول الصحبة الصالحة المثبتة :
هءه العناصر التي تتوافر في من صفات من أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة ، والبحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبيرعلى الثبات .
ولأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم ، وينهيه على أخطائه ، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً ، قال تعالى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } آية 67 من سورة الزخرف.

12 . التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت :
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطينا لأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.

13 . وصية الرجال الصالحين :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه، وجنته ، وناره .

.
سابعا : ثمرات  الثبات :

1 . والإستقامة - الثبات منارة مشعّة عاجية، مقصد كل مؤمن عبث فيه نادي الشيطان ليأخذ بيده إلى بر الأمان.

2 . والإستقامة ثبات الشخص في الدنيا، امتداد لثبات الشخص على الصراط المستقيم، تجاوز السقوط في جهنّم، والتخلّص من قبضة الكلاليب.

3 . العون والتوفيق والإلهام والإرشاد والسداد والبركة من الله عز وجل، إذ أن الثابت على دين الله، يكون صالحا في نفسه ودينه ومجتمعه ويكون صالح الدعاء، مما يجعل أبواب الخير تفتّح له من كل جانب.

4 . اصطفاء الله للثابت على دينه ، فإن من كان موضع رعايةمن الله، فقد نجا في الدنيا والآخرة، وكفى بالله ناصرا ومعينا.

ه . حفظ قلب العبد، الموطن الذي يتشرب الشبهات، وهو أساس كل عمل ثم يتلوه الإتباع، فإن العمل مرهون باثنتين النية والإتباع، فإن كان من غير نيةخالصة من قلبه، وإلا فلا يقبل عمله, فحفظ القلب من الثمار المهمة.

6 . الثابت على دين الله لا يتعرى مع هبوب الفتن وأعاصير الهوى والشهوات والشبهات، بل هو ثابت بما أمده الله من يقين ورسوخ.

7 . اتحاد كلمة العلماء والدعاة والعامة على مبدأ التناصح وإظهار الحق.

8 . في الثبات إلجام لأعداء الدين، وعز للدعاة والمصلحين والتمكين لأهل الحق.

9 . صيانة عرض العلماء من أن يخوض فيه أهل الأهواء والأباطيل، فلو كان صف العلماء متذبذب الوحدة، ومشتت الكلمة، لأصبحوا محط السخرية والشتم، وفي ثباتهم تثبيت للعامة وباقي الأمة.

سادسا : من ثمرات الاستقامة :

قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }
من هذه الآية وغيرها نستنتج بعضاً من ثمرات الاستقامة:

1ـ طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله عز وجل.
2ـ أن الاستقامة تعصم صاحبها ـ بإذن الله عز وجل ـ من الوقوع في المعاصي والزلل وسفاسف الأمور والتكاسل عن الطاعات.

3ـ تنزل الملائكة عليهم عند الموت :
 وقيل: عند خروجهم من قبورهم ، قائلين : { ألا تخافوا ولا تحزنوا} على ما قدمتم عليه من أمور الآخرة ، ولا ما تركتم من أمور الدنيا من مال وولد وأهل.

4ـ حب الناس واحترامهم وتقديرهم للمسلم  :
سواء كان صغيراً أو كبيراً على ما يظهر عليه من حرص على الطاعة ، والخلق الفاضل.

5ـ وعد الله المتقين أن لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذ أعينهم ، وتطلبه ألسنتهم ، ‘حساناً من الله تعالى.

الأربعاء، 15 أبريل 2020

#التضرع_في_زمن_البلاء إعداد : محمد أبوغدير المحامي

#التضرع_في_زمن_البلاء

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة:

من سنن الله تعالى ان يصاب الإنسان بالبلاء  كالفقر والضيق في العيش ، ويبتليه الله بالضَّرَّاءِ   كالأمراض والأسقِام والآلام ، لكي يَتَضَرَّعَُ ويتمسكن إلى الله تعالى ويخشع له ويدعوه سبحانه .

ولقد نزل البلاء والكرب هذه الأيام بالناس - كل الناس - ، ولا نرى ما يقابله من التضرع والتذلل والانكسار المطلوب إلى الله تعالى في مثل هذه الظروف والأحوال العصيبة التي تمر بها الأمة.

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 42 ، 43 سورة الأنعام

وإذا كانت هذه الآية الكريمة تتحدث عن أقوام كذبوا رسلهم وأصروا على كفرهم حسب ما هو منصوص عليه في كتب التفسير، فإنها نبهت إلى شدة حاجة المسلمين اليوم إلى تدبرها والاتعاظ بها .

قد تكون هناك فئة قليلة من المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى بالليل والنهار ، ويتذللون بين يديه بالدعاء طالبين منه سبحانه أن يرفع المحنة ويكشف الغمة عن الأمة ، إلا أن العدد الأكبر من المسلمين غافلين عن هذه الوسيلة الناجعة في رفع البلاء والنصر على الأعداء.

ومن ثم وجب اللجوء إلى علام الغيوب إذا ضاقت الطرق وانقطعت السبل ، فطريق الله هو فقط الموصل إلى بر الأمان ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. ) .

والتضرع حال البلاء موضوع الساعة يستوجب بيان العناصر الآتية :
أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء والفارق بينهما :
ثانيا : ثمرات البلاء :
ثالثا : التضرع من حيث مفهوم لغة وإصطلاحا :
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة
رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة ،
خامسا : الرسول المتضرع الاول لله تعالى ،
سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين ،
سابعا : التضرع في الشعر العربي ،
وبيان هذه العناصر في الآتي :


أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء
والفارق بينهما :

قال تعالى : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا "،
لذلك فإن الإنسان في امتحان مستمر بالخير والشر وبالنعمة والنقمة لاختبار مدى قدرة الإنسان على التحمّل، فهو في هذه الحياة الدنيا محل اختبار وامتحان ووسيلة ذلك هو البلاء والإبتلاء ، والبلاء رغم شدته وقسوته له وجه مشرق هي ثمراته التي يجنيها المرء من المحنة .

ومن ثم وجب تعريف كل من البلاء والإبتلاء والفرق بينهما ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - تعريف البلاء :

البلاء هو :
المحن والمصاعب التي تصيب عموم الناس المسلمون منهم والكافرون ويكون بمثابة العقاب الذي يرسله الله سبحانه عليهم لظلمهم .
قال الله تعالى : ” ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبراها إن ذلك على الله يسيرا ”.

ب - تعريف الإبتلاء :

الإبتلاء هو :
الإختبار والإمتحان الذي يخص المؤمنون الذين  يقعون في المعصية ، فإذا احتسبه عند الله وصبر عليه فجزاءه حسنة في الدنيا ، وجنات في الآخرة .
قال الله تعالى : “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”.

ج - بيان الفرق البلاء والإبتلاء :

الإبتلاء عادةً ما يكون للإنسان المؤمن والصالح لإختبار درجة إيمانه وصبره على حكم الله وهنا يكون الإبتلاء بمثابة الإمتحان أو الإختبار الذي يجازى الإنسان عنه خيرا إن شاء الله.

أما البلاء هنا فيقع على عموم الناس المسلمون منهم والكافرون وهو العقاب الذي يرسله الله سبحانه وتعالى للناس الظالمين .

والإبتلاء أقل عموم وشمول من البلاء لأنه يخص فقط المؤمنين الذين قد يقعون في المعصية ومع ذلك يتذكرون الله ولا يبتعدون ، فيحب الله عز وجل أن يردهم إليه مرة أخرى فيعطيهم الله الابتلاء حتى يمحو ذنوبهم وينقيهم منها .


ثانيا : ثمرات البلاء :

رغم ما يترد اليوم عبر وسائل الإعلام الراصدة لتحركات “ كورونا ” أن هذا الفيروس عدو للبشرية ، إلا أن المسلم الواعى يرى أن للبلاء وجه مشرق هو ثمرات يجنيها المرء من المحنة والتي تتمثل في الآتي :

1. تمييز الخبيث من الطيب :
مصداقا لقوله تعالى: { ما كان الله ليَذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } آل عمران : 179.
فكشف البلاء الفارق الجلي بين افراد الجماعة المؤمنة سواء في معركة أحد ،أو في حادثة الإفك، أو غيرها من الوقائع المتعددة التي حددت مواطن الخبث في كيان المجتمع الإسلامي آنذاك.

2 . كشف تفاوت همم الناس :
من حيث حقيقة سعيهم ، ومنسوب التدين الذي يحكم سلوكهم الخاص والعام ، يقول الحسن البصري : “ الناس في العافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقيقتهم ”.
فالبلاء مؤشر على مدى تشبع النفس البشرية  بالحس التضامني الذي تفرضه مبادئ الأخوة الإيمانية، والبنيان المرصوص، والجسد الواحد الذي تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر .

3. تحقيق معنى الإنابة :
وذلك بالرجوع إلى الله تعالى والانكسار له، والتحرر من قيد الغفلة والشهوات التي لها أثرا عجيبا يهز مشاعر الإنسان من داخله، ويوقظ حسه المفعم بالولاء للأسباب .
كما أن الإنابة تكسر حدة العجب والكبر الذي ينتاب الإنسان حال الاستقرار والعافية. وتُذكره بعجزه عن الاستقلال بذاته وإمكاناته في مواجهة صنوف البلاء التي تعترض مسيرته ووجوده .

4. الانتباه إلى المسافة الفاصلة بين المجتمع المسلم وبقية المجتمعات الأخرى :
وذلك من حيث مستوى الفهم والتقدير بشان رضى المؤمن بما يصيبه، وإذعانه لمراد الله تعالى وابتلائه، وما يُرسخ في النفس قناعة بأن كل صنوف البلاء مأمورة، و أن الاجتهاد لدفع آثارها لا يجب أن يوقع المسلم في دائرة الفزع والذعر الذي يَذهل بسببه عن مقتضى العبودية ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال َ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ, تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ, وَمَثَلُ الْكَافِرِ؛ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْء, حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً رواه البخاري عن :عن كَعْب بن مالك .

فإذا تـعـرض الـمـسلم للمصائب والمحن بقدر من الله ولحكمة يريدها الله ، فلابد أن يصبر ويتقي الله ، وبعدهـا يؤتي الله نصره من يشاء ، وعندما يتعرض المسلمون للمحن والرزايا فلاشك أن في ذلك فوائـد كثـيـرة يريدهــا الله ، كتمحيص الصفوف ومعرفة الصابرين المجاهدين ، والدخلاء الذين هم غثاء كغثاء السيل .


ثالثا : مفهوم التضرع لغة وإصطلاحا ،
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة :

أ - التضرع لغة :

من ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشَّع له وسأله أن يعطيه.


ب -  والتضرع اصطلاحاً :

هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة .

وقال صاحب البصائر : التضرع معناه التذلل في الدعاء ، قال تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا } الأعراف: ٥٥ ، أي مظهرين الضراعة وهي شدة الفقر إلى الله تعالى وحقيقته الخشوع .

ج -  التضرع في القرآن الكريم :

1- قول الله تعالى: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " الأعراف: 55 .

2- قوله تعالى: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ " الأعراف : 205  .

3- قوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ " الأنعام: 40- 45 .

4 - قوله تعالى" قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" الأنعام: 63- 64 .

5 - قول الله تعالى: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " المؤمنون:76 .

6 , قوله تعالى: " وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ " الأعراف : 94 .


ء - التضرع في السنة المطهرة :

1- عن الفضل بن عبّاس - رضي اللّه عنهما - أنّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : "الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع ، وتضرّع ، وتمسكن ، وتذرّع  وتقنع  يديك - يقول : ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك - وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا " رواه الترمذي .

   2 - عن أبي أمامة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا"، قلت: "لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال : كشف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال : " أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن  أن يستجاب لكم" رواه مسلم .

4 - عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال : نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال : " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز ما وعدتني، اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا"، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين َ) الأنفال: 9 رواه أحمد .


رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة :

إن من منازل العبد في سيره إلى الله افتقاره التامُّ إلى ربه الجليل، ويقينه أنه لا يكشف الضرّ عنه إلا هو، ولا يأتيه بالخير سواه، وهذا يدفعه إلى الاستسلام التام لربه سبحانه، وهذا من كمال توحيده وتمام إيمانه، وسلامة قلبه، قال الله تبارك وتعالى: { وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
يونس: 107 .

 ولقد أخبرنا ربنا سبحانه في القرآن العظيم أن التضرع والدعاء الصادق يرفع العذاب ويرد البلاء ، فقال عن الأمم السابقة: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام: 42، 43 ؛

فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله، ويرجعوا إليه، قال ابن القيم: «فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه ، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم » .


خامسا : الرسول عليه الصلاة والسلام المتضرع الاول لله تعالى :

روى الترمزي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا ، قُلْتُ : لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا - أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ )
وهكذا رفض صلى الله عليه وسلم التنعم والترف ورضي بالبلاء ليكون متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى في كل أحواله ،

وهذه امثله لحالات لتضرعه صلى الله عليه وسلم وسائلها :

1 - تضرع محمد صلى الله عليه وسلم  بقوله ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) حين اجتمع المشركون ليؤذوه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها محمد صلى الله عليه وسلم  حين قيل له ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) رواه البخاري .
كان رسول الله يتضرع إلى الله بالتكبير عن رمي الجمرات في أيام التشريق بمنى .

2- تضرعه صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتكبير والصلاة في يوم عيد دون أداء خطبة العيد :

عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: " إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن عائشة- رضي اللّه عنها - أنّها قالت : " أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر ، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها" رواه أبو داود .


سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين حال مسهم الضر :

1- قول إبراهيم عليه السلام ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) مستغيثاُ من النار المتأججة التي اضطرمها قومه بإحراق بعد أن حطم أصنامهم :

لما تكافت قوى الكفر والطغيان على إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله فتشاوروا وتباحثوا و( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) وشرعوا بجمع الحطب من كل مكان فأشعلوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط ، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق بعد أن قيدوه وكتفوه وأوثقوا رباطه ثم ألقوه في النار فقال وهو في هذه الكربة العظيمة والمحنة الكبيرة داعياً ربه متضرعاً إليه مستغيثاُ به ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فاستجاب الله له ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فما ضرته ولا آذته ولم تحرق سوى وثاقه الذي كان مشدوداً به .
البداية والنهاية لابن كثير .

2- قول يونس عليه السلام  ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) حينما التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث :

لما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت لجأ إلى عالم السر والنجوى وكاشف البلوى سامع الأصوات وإن ضعفت وعالم الخفيات وإن دقت ومجيب الدعوات وإن عظمت فقال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فاستجاب الله دعاءه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار فنجاه وفك كربته فقال(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ).
قال أبو هريرة رضي الله عنه طرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطينة ـــ شجرة الدباء ـــ وهيأ الله له دابة تأكل من هشاش الأرض فكان يشرب من لبنها رحمة به ونعمة عليه وإحساناً إليه .
البداية والنهاية بتصرف يسير .

3 - قول أيوب عليه السلام ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ردَّ الله عليه جسده ، ثم صب عليه المال وأخلف له أهله ومثلهم معهم :

لما ابتلى الله نبيه أيوب عليه السلام فسلبه كل ما حباه من نعمة المال والماشية والعبيد والأراضي والأهلين والأولاد ونزل بجسده أنواع الأسقام والأمراض ، ومكث على هذه الحال ثمانية عشرة سنة ،
وكان له أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيراً لما ابتلاه بهذا ،
فجزع عليه السلام من مقالهما فلجأ إلى ربه مسترحماً مستغيثاً وقال ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، فأوحى الله إليه (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عيناً باردة الماء فشرب واغتسل وأذهب الله ما كان به من بلاء ظاهر وباطن وعاد على أحسن ما كان .

أورد ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله ألبسه حلة من حلل الجنة ، ثم تنحى من مكانه وجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة ، قال : ولعل أنا أيوب !! قالت أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ويحك أنا أيوب قد ردَّ الله عليَّ جسدي ، ثم صب الله عليه المال صباً وأخلف له أهله ومثلهم معهم قال تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) ،

قال ابن كثير: أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه .  البداية والنهاية بتصرف كبير  .

4 - تضرع العلماء في عهد داود عليه السلام حين أصابهم القحط بنصوص التوراة :

قال يحيى الغسّانيّ - رحمه اللّه تعالى - : " أصاب النّاس قحط على عهد داود - عليه السّلام - فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم ،
فقال أحدهم : اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا،
وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا ، اللّهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا ،
وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا ، اللّهمّ إنّا مساكينك ، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا ، فسقوا» " الأذكار ، للنووي .


سابعا : التضرع في الشعر العربي :

1- قال محمد بن أبي حازم

اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس ***
واقْنَـــعْ بِيـأسٍ فـــإنّ العِـــزَّ في اليَــاس .

واستغنِ عن كل ذي قربى وذي ***
رَحِم إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس .

العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي1/330 .


2- قد أحسن من قال :

دواء قلبك خمس عند قسوته  ***
فأذهب عليها تفز بالخير والظفر .

خلاء بطن وقرآن تدبره ***
كــذا تضرع بـــــاك ساعــة السحــر .

ثم التهجد جنح الليل أوسطه ***
وأن تجـــالس أهل الخير والخـــبر .

أعمال القلوب خالد السبت 1/ 27 .


3- رحم الله من قال:

تضرع في دجى الليل إلى مولاك يكفيكــا *** ولا تأمن هجوم الموت إن الموت يأتيكـا .

كـأني بالذي يهـواك في القـــبر يدليـكـــا ***
وقد أفردت في لحدك فردا بمساويكــا .

واسلمك الذي قد كان في الدنيا يصافيكا ***
فيا سؤلي ويا ذخري وكل الخلق راجيكــا .

ويا من ليس منا أحد يحصى أياديكـــا ***
 تجــاوز عن مقــال ثم حــقق أمــلي فيكــا

بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزى .

#التضرع_في_زمن_البلاء

إعداد : محمد أبوغدير المحامي
مقدمة:

من سنن الله تعالى ان يصاب الإنسان بالبلاء  كالفقر والضيق في العيش ، ويبتليه الله بالضَّرَّاءِ   كالأمراض والأسقِام والآلام ، لكي يَتَضَرَّعَُ ويتمسكن إلى الله تعالى ويخشع له ويدعوه سبحانه .

ولقد نزل البلاء والكرب هذه الأيام بالناس - كل الناس - ، ولا نرى ما يقابله من التضرع والتذلل والانكسار المطلوب إلى الله تعالى في مثل هذه الظروف والأحوال العصيبة التي تمر بها الأمة.

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 42 ، 43 سورة الأنعام

وإذا كانت هذه الآية الكريمة تتحدث عن أقوام كذبوا رسلهم وأصروا على كفرهم حسب ما هو منصوص عليه في كتب التفسير، فإنها نبهت إلى شدة حاجة المسلمين اليوم إلى تدبرها والاتعاظ بها .

قد تكون هناك فئة قليلة من المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى بالليل والنهار ، ويتذللون بين يديه بالدعاء طالبين منه سبحانه أن يرفع المحنة ويكشف الغمة عن الأمة ، إلا أن العدد الأكبر من المسلمين غافلين عن هذه الوسيلة الناجعة في رفع البلاء والنصر على الأعداء.

ومن ثم وجب اللجوء إلى علام الغيوب إذا ضاقت الطرق وانقطعت السبل ، فطريق الله هو فقط الموصل إلى بر الأمان ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. ) .

والتضرع حال البلاء موضوع الساعة يستوجب بيان العناصر الآتية :
أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء والفارق بينهما :
ثانيا : ثمرات البلاء :
ثالثا : التضرع من حيث مفهوم لغة وإصطلاحا :
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة
رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة ،
خامسا : الرسول المتضرع الاول لله تعالى ،
سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين ،
سابعا : التضرع في الشعر العربي ،
وبيان هذه العناصر في الآتي :


أولا : مفهوم البلاء والإبتلاء
والفارق بينهما :

قال تعالى : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا "،
لذلك فإن الإنسان في امتحان مستمر بالخير والشر وبالنعمة والنقمة لاختبار مدى قدرة الإنسان على التحمّل، فهو في هذه الحياة الدنيا محل اختبار وامتحان ووسيلة ذلك هو البلاء والإبتلاء ، والبلاء رغم شدته وقسوته له وجه مشرق هي ثمراته التي يجنيها المرء من المحنة .

ومن ثم وجب تعريف كل من البلاء والإبتلاء والفرق بينهما ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - تعريف البلاء :

البلاء هو :
المحن والمصاعب التي تصيب عموم الناس المسلمون منهم والكافرون ويكون بمثابة العقاب الذي يرسله الله سبحانه عليهم لظلمهم .
قال الله تعالى : ” ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبراها إن ذلك على الله يسيرا ”.

ب - تعريف الإبتلاء :

الإبتلاء هو :
الإختبار والإمتحان الذي يخص المؤمنون الذين  يقعون في المعصية ، فإذا احتسبه عند الله وصبر عليه فجزاءه حسنة في الدنيا ، وجنات في الآخرة .
قال الله تعالى : “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”.

ج - بيان الفرق البلاء والإبتلاء :

الإبتلاء عادةً ما يكون للإنسان المؤمن والصالح لإختبار درجة إيمانه وصبره على حكم الله وهنا يكون الإبتلاء بمثابة الإمتحان أو الإختبار الذي يجازى الإنسان عنه خيرا إن شاء الله.

أما البلاء هنا فيقع على عموم الناس المسلمون منهم والكافرون وهو العقاب الذي يرسله الله سبحانه وتعالى للناس الظالمين .

والإبتلاء أقل عموم وشمول من البلاء لأنه يخص فقط المؤمنين الذين قد يقعون في المعصية ومع ذلك يتذكرون الله ولا يبتعدون ، فيحب الله عز وجل أن يردهم إليه مرة أخرى فيعطيهم الله الابتلاء حتى يمحو ذنوبهم وينقيهم منها .


ثانيا : ثمرات البلاء :

رغم ما يترد اليوم عبر وسائل الإعلام الراصدة لتحركات “ كورونا ” أن هذا الفيروس عدو للبشرية ، إلا أن المسلم الواعى يرى أن للبلاء وجه مشرق هو ثمرات يجنيها المرء من المحنة والتي تتمثل في الآتي :

1. تمييز الخبيث من الطيب :
مصداقا لقوله تعالى: { ما كان الله ليَذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } آل عمران : 179.
فكشف البلاء الفارق الجلي بين افراد الجماعة المؤمنة سواء في معركة أحد ،أو في حادثة الإفك، أو غيرها من الوقائع المتعددة التي حددت مواطن الخبث في كيان المجتمع الإسلامي آنذاك.

2 . كشف تفاوت همم الناس :
من حيث حقيقة سعيهم ، ومنسوب التدين الذي يحكم سلوكهم الخاص والعام ، يقول الحسن البصري : “ الناس في العافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقيقتهم ”.
فالبلاء مؤشر على مدى تشبع النفس البشرية  بالحس التضامني الذي تفرضه مبادئ الأخوة الإيمانية، والبنيان المرصوص، والجسد الواحد الذي تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر .

3. تحقيق معنى الإنابة :
وذلك بالرجوع إلى الله تعالى والانكسار له، والتحرر من قيد الغفلة والشهوات التي لها أثرا عجيبا يهز مشاعر الإنسان من داخله، ويوقظ حسه المفعم بالولاء للأسباب .
كما أن الإنابة تكسر حدة العجب والكبر الذي ينتاب الإنسان حال الاستقرار والعافية. وتُذكره بعجزه عن الاستقلال بذاته وإمكاناته في مواجهة صنوف البلاء التي تعترض مسيرته ووجوده .

4. الانتباه إلى المسافة الفاصلة بين المجتمع المسلم وبقية المجتمعات الأخرى :
وذلك من حيث مستوى الفهم والتقدير بشان رضى المؤمن بما يصيبه، وإذعانه لمراد الله تعالى وابتلائه، وما يُرسخ في النفس قناعة بأن كل صنوف البلاء مأمورة، و أن الاجتهاد لدفع آثارها لا يجب أن يوقع المسلم في دائرة الفزع والذعر الذي يَذهل بسببه عن مقتضى العبودية ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال َ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ, تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ, وَمَثَلُ الْكَافِرِ؛ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْء, حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً رواه البخاري عن :عن كَعْب بن مالك .

فإذا تـعـرض الـمـسلم للمصائب والمحن بقدر من الله ولحكمة يريدها الله ، فلابد أن يصبر ويتقي الله ، وبعدهـا يؤتي الله نصره من يشاء ، وعندما يتعرض المسلمون للمحن والرزايا فلاشك أن في ذلك فوائـد كثـيـرة يريدهــا الله ، كتمحيص الصفوف ومعرفة الصابرين المجاهدين ، والدخلاء الذين هم غثاء كغثاء السيل .


ثالثا : مفهوم التضرع لغة وإصطلاحا ،
وذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة :

أ - التضرع لغة :

من ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشَّع له وسأله أن يعطيه.


ب -  والتضرع اصطلاحاً :

هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة .

وقال صاحب البصائر : التضرع معناه التذلل في الدعاء ، قال تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا } الأعراف: ٥٥ ، أي مظهرين الضراعة وهي شدة الفقر إلى الله تعالى وحقيقته الخشوع .

ج -  التضرع في القرآن الكريم :

1- قول الله تعالى: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " الأعراف: 55 .

2- قوله تعالى: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ " الأعراف : 205  .

3- قوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ " الأنعام: 40- 45 .

4 - قوله تعالى" قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" الأنعام: 63- 64 .

5 - قول الله تعالى: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " المؤمنون:76 .

6 , قوله تعالى: " وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ " الأعراف : 94 .


ء - التضرع في السنة المطهرة :

1- عن الفضل بن عبّاس - رضي اللّه عنهما - أنّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : "الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع ، وتضرّع ، وتمسكن ، وتذرّع  وتقنع  يديك - يقول : ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك - وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا " رواه الترمذي .

   2 - عن أبي أمامة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا"، قلت: "لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال : كشف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال : " أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن  أن يستجاب لكم" رواه مسلم .

4 - عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال : نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال : " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز ما وعدتني، اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا"، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين َ) الأنفال: 9 رواه أحمد .


رابعا : التضرع إلى الله سبيل النجاة :

إن من منازل العبد في سيره إلى الله افتقاره التامُّ إلى ربه الجليل، ويقينه أنه لا يكشف الضرّ عنه إلا هو، ولا يأتيه بالخير سواه، وهذا يدفعه إلى الاستسلام التام لربه سبحانه، وهذا من كمال توحيده وتمام إيمانه، وسلامة قلبه، قال الله تبارك وتعالى: { وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
يونس: 107 .

 ولقد أخبرنا ربنا سبحانه في القرآن العظيم أن التضرع والدعاء الصادق يرفع العذاب ويرد البلاء ، فقال عن الأمم السابقة: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام: 42، 43 ؛

فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله، ويرجعوا إليه، قال ابن القيم: «فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه ، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم » .


خامسا : الرسول عليه الصلاة والسلام المتضرع الاول لله تعالى :

روى الترمزي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا ، قُلْتُ : لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا - أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ )
وهكذا رفض صلى الله عليه وسلم التنعم والترف ورضي بالبلاء ليكون متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى في كل أحواله ،

وهذه امثله لحالات لتضرعه صلى الله عليه وسلم وسائلها :

1 - تضرع محمد صلى الله عليه وسلم  بقوله ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) حين اجتمع المشركون ليؤذوه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها محمد صلى الله عليه وسلم  حين قيل له ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) رواه البخاري .
كان رسول الله يتضرع إلى الله بالتكبير عن رمي الجمرات في أيام التشريق بمنى .

2- تضرعه صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتكبير والصلاة في يوم عيد دون أداء خطبة العيد :

عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: " إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد " رواه الترمذي واللفظ له .

3 - عن عائشة- رضي اللّه عنها - أنّها قالت : " أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر ، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها" رواه أبو داود .


سادسا : صور من تضرع الأنبياء السابقين حال مسهم الضر :

1- قول إبراهيم عليه السلام ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) مستغيثاُ من النار المتأججة التي اضطرمها قومه بإحراق بعد أن حطم أصنامهم :

لما تكافت قوى الكفر والطغيان على إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله فتشاوروا وتباحثوا و( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) وشرعوا بجمع الحطب من كل مكان فأشعلوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط ، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق بعد أن قيدوه وكتفوه وأوثقوا رباطه ثم ألقوه في النار فقال وهو في هذه الكربة العظيمة والمحنة الكبيرة داعياً ربه متضرعاً إليه مستغيثاُ به ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فاستجاب الله له ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فما ضرته ولا آذته ولم تحرق سوى وثاقه الذي كان مشدوداً به .
البداية والنهاية لابن كثير .

2- قول يونس عليه السلام  ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) حينما التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث :

لما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت لجأ إلى عالم السر والنجوى وكاشف البلوى سامع الأصوات وإن ضعفت وعالم الخفيات وإن دقت ومجيب الدعوات وإن عظمت فقال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فاستجاب الله دعاءه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار فنجاه وفك كربته فقال(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ).
قال أبو هريرة رضي الله عنه طرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطينة ـــ شجرة الدباء ـــ وهيأ الله له دابة تأكل من هشاش الأرض فكان يشرب من لبنها رحمة به ونعمة عليه وإحساناً إليه .
البداية والنهاية بتصرف يسير .

3 - قول أيوب عليه السلام ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ردَّ الله عليه جسده ، ثم صب عليه المال وأخلف له أهله ومثلهم معهم :

لما ابتلى الله نبيه أيوب عليه السلام فسلبه كل ما حباه من نعمة المال والماشية والعبيد والأراضي والأهلين والأولاد ونزل بجسده أنواع الأسقام والأمراض ، ومكث على هذه الحال ثمانية عشرة سنة ،
وكان له أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيراً لما ابتلاه بهذا ،
فجزع عليه السلام من مقالهما فلجأ إلى ربه مسترحماً مستغيثاً وقال ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، فأوحى الله إليه (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عيناً باردة الماء فشرب واغتسل وأذهب الله ما كان به من بلاء ظاهر وباطن وعاد على أحسن ما كان .

أورد ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله ألبسه حلة من حلل الجنة ، ثم تنحى من مكانه وجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة ، قال : ولعل أنا أيوب !! قالت أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ويحك أنا أيوب قد ردَّ الله عليَّ جسدي ، ثم صب الله عليه المال صباً وأخلف له أهله ومثلهم معهم قال تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) ،

قال ابن كثير: أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه .  البداية والنهاية بتصرف كبير  .

4 - تضرع العلماء في عهد داود عليه السلام حين أصابهم القحط بنصوص التوراة :

قال يحيى الغسّانيّ - رحمه اللّه تعالى - : " أصاب النّاس قحط على عهد داود - عليه السّلام - فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم ،
فقال أحدهم : اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا،
وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا ، اللّهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا ،
وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا ، اللّهمّ إنّا مساكينك ، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا ، فسقوا» " الأذكار ، للنووي .


سابعا : التضرع في الشعر العربي :

1- قال محمد بن أبي حازم

اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس ***
واقْنَـــعْ بِيـأسٍ فـــإنّ العِـــزَّ في اليَــاس .

واستغنِ عن كل ذي قربى وذي ***
رَحِم إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس .

العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي1/330 .


2- قد أحسن من قال :

دواء قلبك خمس عند قسوته  ***
فأذهب عليها تفز بالخير والظفر .

خلاء بطن وقرآن تدبره ***
كــذا تضرع بـــــاك ساعــة السحــر .

ثم التهجد جنح الليل أوسطه ***
وأن تجـــالس أهل الخير والخـــبر .

أعمال القلوب خالد السبت 1/ 27 .


3- رحم الله من قال:

تضرع في دجى الليل إلى مولاك يكفيكــا *** ولا تأمن هجوم الموت إن الموت يأتيكـا .

كـأني بالذي يهـواك في القـــبر يدليـكـــا ***
وقد أفردت في لحدك فردا بمساويكــا .

واسلمك الذي قد كان في الدنيا يصافيكا ***
فيا سؤلي ويا ذخري وكل الخلق راجيكــا .

ويا من ليس منا أحد يحصى أياديكـــا ***
 تجــاوز عن مقــال ثم حــقق أمــلي فيكــا

بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزى .




الجمعة، 24 يناير 2020

الاستغفار إعداد : محمد ابوغدير المحامي

الاستغفار
إعداد : محمد ابوغدير المحامي

اولا : تعريف الاستغفار :

هو طلب المغفرة للذنوب والإقالة من العثرات من الله العزيز الغفار،


ثانيا : أفضل وقت للاستغفار هو :

 وقت السحر قال تعالى : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات :18 .


ثالثا :الإستغفار في القرآن الكريم :

حث الله المؤمنين ورغبهم في الاستغفار :
فقال تعالى  ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]،

 وقوله: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]
 وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135]،

وقوله: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].

فضائل كثرة الاستغفار في السنة المطهرة :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيْفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً» (صحيح: رواه ابن ماجة، ورواه أبو نعيم في (الحلية) عن عائشة، وأحمد في (الزهد)


رابعا : أفضل صيغ الإستغفار :

سيد الإستغفار :
 عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْت منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا  فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ(.

خامسا : من فضائل الاستغفار:

 1- مغفرة الله تعالى للمستغفرين:

قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]

٢ - الاستغفار دلالة على الإيمان:

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» (أحمد

 3- رفع العذاب وجلب الرحمة بالاستغفار:

لقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال:33]،

 4- الاستغفار بعد الذنب سبب لصلاح القلب:

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عز وجل فِي الْقُرْآنِ: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» (حسن: أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة، وابن حبان.

 5- إن الله تعالى ليعجب ممن يستغفره عالماً بأنه لا يغفر الذنوب غيره:

 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي، وهُو يعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» (صحيح: رواه أبو داود، والترمذي،

 6- الاستغفار من جماع خيري الدنيا والآخرة وتعليمه صلى الله عليه وسلم لمن أسلم وفي الصلاة:

لقوله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].

 7- الاستغفار من أسباب الفوز العظيم بأن يزحزح العبد عن النار ويدخل الجنة:

 َعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ فَرُّوخَ، انَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي ادَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّه، وَحَمِدَ اللَّه، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ». قَالَ أبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ يُمْسِى" (مسلم ).

 8- الاستغفار من أسباب النصر على الأعداء:

لقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286.

 9- سقوط الإثم لمسارعة العبد بالتوبة والاستغفار:

لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]. يقول الإمام السعدي رحمه الله: "أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود.

 10- الاستغفار خير علاج لكيد الشيطان للإنسان:

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ الرَّبُّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» (حسن: رواه أحمد وأبو يعلى.

 11- انتفاع الوالد باستغفار ولده له:

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (مسلم)، وعنه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُبَلِّغُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» (أحمد )


الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

اليقين إعداد : محمد أبوغدير المحامي

    مقدمة :
اليقين  من اعظم شعب الإيمان، و من أجل صفات أهل التقوى والإحسان ، وهو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك ، الموجب للعمل ،

قال الشعراوي : إن اليقين هو تصديق الأمر تصديقاً مؤكداً، بحيث لا يطفو إلى الذهن لِيُناقش من جديد، بعد أن تكون قد علمته من مصادر تثق بصدق ما تَبلغك به ،
ولليقين ثلاث درجات :عِلم اليقين ، وعَين اليقين ، وحق اليقين .

وقال ابن القيم : لا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا من قلبه وبدنه ،
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا .

وقال صاحب الظلال : والذي يجد راحة اليقين في قلبه يجد في الآيات مصداق يقينه ، ويجد فيها طمأنينة ضميره . فالآيات لا تنشىء اليقين ، إنما اليقين هو الذي يدرك دلالتها ويطمئن إلى حقيقتها . ويهيئ القلوب للتلقي الواصل الصحيح .

والحديث عن اليقين عبر العناصر الآتية : أولا : تعريف اليقين لفة وإصطلاحا و أقوال العلماء ، ثانيا : اليقين في الكتاب والسنة ، ثالثا : درجات اليقين ، رابعا : وسائل تحصيل اليقين وزيادته ، خامسا : ثمرات اليقين وآثاره ، سادسا : صور من يقين الأنبياء والمصلحين ، وبيان ذلك في الآتي :



أولا : تعريف اليقين
لغة وإصطلاحا وأقوال العلماء حوله :


أ - اليقين في اللُّغة :

 اليقين مشتق من الفعل أيقن يوقن إيقانًا ، وييقن يقينًا فهو موقن .

واليقين نقيض الشك ، فهو العلم وتحقيق الأمر وإزاحة الشك ، يقال : علمته يقينًا ، أي علمًا لا شك فيه .


ب - اليقين في الاصطلاح :


1- عرف الجُنَيْد اليقين بأنه هو :
استقرارُ العِلْم الذي لا يَنقلِب ولا يُحوَّل ولا يتغيَّر في القلْب.


2- أورد الجرجانيُّ في تعريفاته: أنَّ اليقين هو :

 طُمأنينة القَلْب، على حقيقة الشيءِ وتحقيق التصديق بالغَيْب، بإزالة كلِّ شكٍّ ورَيْب.


3 - قال البيهقي : في تعريف اليقين انه :

سكون القلب عند العمل بما صدق به القلب فالقلب مطمئن ليس فيه تخويف من الشيطان ولا يؤثر فيه تخوف فالقلب ساكن آمن ليس يخاف من الدنيا قليلا ولا كثيرا .


ج - اليقين في أقوال العلماء :


1 . قال ابن سعدي :

" اليقين : هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، والموجب للعمل " .


2 . قال ابن القيم :

" اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد ، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون .


3 .  قال ابن القيم أيضا :

اليقين مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم" انتهى من "مدارج السالكين" .


4 . قال أبو بكر الوراق :

'اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان، وباليقين عُرف الله، وبالعقل عُقل عن الله '.



ثانيا : اليقين في الكتاب والسنة  :


أ - اليقين في القرآن الكريم :

عند التأمُّل في آيات القرآن الكريم نجد أنَّ مفهوم اليقين يختلِف معناه باختلاف مَظانِّه داخلَ النسق القرآني، ويُمكن تصنيفُ هذه المعاني كالتالي:


1- اليقين : العِلم الجازم الذي لا يَقبل التشكيك :

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ﴾ الواقعة : 95 ،
جاءتْ هذه الآية تذييلًا لجميع ما اشتملتْ عليه السورةُ مِن المعاني المثبتة مِن "عظيم صفاته، وبديع صُنْعه، وحِكْمته وعدله، وتبشيره النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأمَّتَه بمراتبَ مِن الشَّرَف والسلامة، على مقادير درجاتهم وإيمانهم الجازم، وبنِعْمة النجاة مما يَصير إليه المشرِكون مِن سوء العاقبة .
وقال أيضًا: ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ الحاقة: 51 .
فهذه الآيةُ كانت تحقيقٌ وتأكيد منه تعالى أنَّ هذا القرآن الكريم هو الحقُّ اليقين، الذي لا شكَّ فيه أنَّه مِن عند الله، لم يتقوَّلْه محمد صلَّى الله عليه وسلَّم .


2- اليقين بمعني الموت :

قال سبحانه : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ الحجر : 99 .

قال مجاهد والحسن  : يقول الله تعالى  لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: واعبُدْ ربَّك حتى يأتيك الموت .


3 .  الانتفاع بالآيات والبراهين طريق اليقين :

فقال: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ الأنعام: 75 .


4 . الموقنون هم أهل اليقين بالهُدى والفلاح :

قال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ البقرة: 4، 5 .


5 . ينال الموقنون الصابرون الإمامةُ في الدِّين :

 قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون َ﴾ السجدة: 24،


6 . اليقين أرقى درجات الإيمان وأخص صفات أهل التقوى والإحسان :

 قال تعالى ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )  سورة لقمان : 4-5


7. باليقين لا تتشابه على المؤمنين الأمور ولا يحيدون عن الحق :

 قال الله عز وجل ( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )


8 . باليقين يحتكم المؤمنون لشرع الله في كل أمورهم :

 قال تعالي (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).


9 - باليقين يرى المؤمنون إعجاز الله وآياته :

قال سبحانه : ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )


ب - ثانيا : اليقين في السنة النبوية :


ذكر اليقين في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مناسبات كثيرة مبينا فضله ومكانته نذكر منها الآتي :


1 . اليقين افضل ما أعطي الناس في الدنيا:

أخرج أحمد عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا فِي الدُّنْيَا خَيْرًا مِنَ الْيَقِينِ ، وَالْمُعَافَاةِ ، فَسَلُوهُمَا اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ.


2 . فضل اليقين بعد المعافاة :

أخرج أحمد والنَّسائي عَنْ عُمَرَ ، قَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَنَا ، فَقَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ ، فَقَالَ : أَلاَ إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ ، أَلاَ إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ ، أَلاَ إِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ.


3 . اليقين يهون مصائب الدنيا :

أَخْرَجَ الترمذي والنَّسَائي عن ابن عمر رضي الله عنه ، كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم قْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ , وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ , وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا , اللهم أمتعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا , وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا , وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا , وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا , وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِى دِينِنَا , وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا , وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا , وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا.


4 . صلاح الأمة بالزهد واليقين :

قال صلى الله عليه وسلم : «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل»(أَخْرَجَهُ الترمذي والنَّسَائي .، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير) أخرجه الترمذي والنَّسَائي ، .


5 . اليقين تهون به المصائب :

من دعائه صلى الله عليه وسلم : «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا... » أخرجه الترمذي .


6 . البناء على اليقين حال الشك في الصلاة :

ورد في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُلْقِ الشَّك َّ، وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» .


7 . اليقين في الأذان طريق الجنة :

 روى النسائي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي - يؤذن للصلاة - فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  من قال مثل ما قال هذا يقينا دخل الجنة.



ثالثا : درجات اليقين :


لليقين ثلاث درجات : الأولى عِلم اليقين والثانية عَين اليقين والثالثة حق اليقين ، وبيانها كالتالي :


1. عِلم اليقين :

هو قَبول ما ظَهَر مِن الحق تعالى، مِن أوامره ونواهيه، وشَرْعه ودِينه الذي جاء على ألْسِنة رُسُله، فنتلقَّاه بالقَبول والإذْعان والانصياع لله جَلَّتْ قُدرتُه ،
وكذلك قَبول ما غاب مِن أمور المَعاد، والجَنَّة والنار، وما قبْل ذلك مِن بعْث وصِراط وميزان وحساب، وإثْبات الأسماء والصِّفات.
فقَبول هذا كله هو عِلْم اليقين الذي لا يُخالِج القَلْب فيه ريبٌ ولا مِرْية، ولا تعطيل أو نفي.


2 . عَين اليقين :

ويُرَاد به أنَّ المعارِف التي حصَلتْ سلفًا ترْتقي مِن درجة العِلْم الجازم بها، إلى دَرَجة النظر إليها بالأنظار، والكَشْف عنها بالأبصار، فتخرق بذلك المشاهدةُ سِتارَ العِلم، فيُلامس هذا الأخيرُ القَلْبَ والبصر معًا.


3 . حق اليقين:

وهذه الدَّرجة تحصيلٌ لِمَا حصَل مِن العِلم والمشاهدة ، فالفَرْق بين مراتب اليقين كالفرْق بيْن الخبر الصادِق والعِيان، وحق اليقين فوقَ هذا كله.

وقد مثَّل ابنُ القيِّم لهذه المراتب الثلاث بقوله:
 (مَن أَخبَرك أنَّ عنده عسلًا وأنتَ لا تشكُّ في صِدْقه فهذا عِلم اليقين ،
ثم أراك إياه فازددتَ يقينًا وهذا عَين اليقين ،
ثم ذُقتَ منه وهذا حق اليقين .



رابعا : وسائل تحصيل اليقين وارتقائه :


لكي نرتقي بإيماننا لنصل الى منزلة اليقين ، علينا ان نلتمس أسبابا ، بيانها في التي :


1 • مجاهدة النفس في الله :

 وحملها على مراده بقوة، فلا يُسوِّف في طاعة، ولا يتباطأ في توبة، ولا يتردد في خيرٍ عَزَم عليه، وقد نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل.


 2 • تجريد المحبة لله ورسوله :

وذلك بأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحب المرء لا تحبه إلا لله،
وذلك ما روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْـمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».


3 • تدبر القرآن الكريم :

قال الله تعالى فيه: ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾  الحاقة : 50، 51 .
وحق اليقين ما باشرته بنفسك فلا تشك فيه ، وتلاوة القرآن وتدبره من أقوى أسباب زيادة اليقين، بل هي الطريق إلى الوصول إلى أعلى مراتبه.


4 • التفكر في آيات الله في الأنفس والآفاق :

كما قال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾}  الذاريات: 20 ، 21 .


5 • التفكر في أحوال السابقين:

وقراءة أخبارهم في القرآن الكريم، وتعلم اليقين من آياته العظيمة؛ كما قال الله تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُون َ} الجاثية: 20 .
ومثال لذلك ، روي ان  الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ - رحمه الله تعالى - مرض فقيل له : أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: أَنْظِرُونِي ، فَتَفَكَّرَ ، ثُمَّ قَال قرأ : { وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا } الفرقان: 38،
وذكر أن مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَرَغْبَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا ثم قَالَ : فَقَدْ كَانَتْ فِيهِمْ أَطِبَّاءُ وَكَانَتْ فِيهِمْ مَرْضَى، فَلَا أَرَى الْمُدَاوِي بَقِيَ وَلَا الْمُدَاوَى هَلَكَ ...)الزهد ، هناد بن السري


6 • صحبة الموقنين :
صحبة الموقنين تزيد من اليقين وتثبت عليه؛ ولهذا كانت الوحدة خيرًا من جليس السوء ، روي البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «إِنَّمَا مَثَلُ الْـجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْـجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْـمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».

قال خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ - رحمه الله تعالى -: (تَعَلَّمُوا الْيَقِينَ كَمَا تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ حَتَّى تَعْرِفُوهُ فَإِنِّي أَتَعَلَّمُهُ) اليقين ، ابن أبي الدنيا .


7 • الإلحاح بالدعاء واللجوء إلى الله :
فالدعاء يقوي اليقين، ويغير القدر،  ففي الحديث قال الرسول صلي الله عليه وسلم  (وسَلُوا اللهَ اليقينَ والمُعافاةَ ؛ فإنَّهُ لمْ يُؤْتَ أحدٌ بعدَ اليقينِ خيْرًا من المُعافاةِ) رواه أحمد .

 وكان الرسول يدعو فيقول: (اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا) .



خامسا : ثمرات اليقين وآثاره :


لليقين آثار كثيرة وثمرات عظيمة في حياة العبد ومعاده ، ومن تلك الثمرات ما يلي :


1- اليقين من أعظم أسباب حياة القلب ووقود الحياة :

  فهو حياة القلب وطمأنينته وقوة المرء ونشاطه وسائر لوازم الحياة ، فاليقين يزيل الريب والشك والسخط ، ويملأ القلب نورًاً وإشراقًا ورجاءً وخوفًا من الله ومحبة له ، ورضى بما قدر .

وهو من أسباب زيادة أعمال القلوب كالتوكل والإنابة والخوف والخشية وإحسان الظن بالله تعالى ، ولابد لليقين من علم صحيح يوصل بالخوف والرجاء فهما يدفعان إلى العمل بتحري الإتباع والإخلاص .

قال تعالى  : " رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي " (البقرة: 260) ،
 وجاء في تفسير القرآن العظيم أن إبراهيم عليه السلام بسؤاله هذا أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة ،  فزاده الله الكريم باليقين إيمانًا وقوة حجة وبرهان .


2- اليقين من أعظم أسباب قوة الإيمان وزيادته، وبه تنال الإمامة في الدين :

في مدارج السالكين يقول ابن القيم : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : " بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ثم تلا قوله تعالى : " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " (السجدة:24 ) .


3- اليقين سبب لتوفيق الله لعبده للجواب الصحيح حين سؤال الملكين في القبر :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «...ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، فأوحي إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال ، يقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا ، هو محمد ثلاثًا ، فيقال نم صالحًا قد علمنا إن كنت لموقنًا به ، وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته» أخرجه البخاري ومسلم .

وكذلك جاء في سيد الاستغفار قوله صلى الله عليه وسلم : «من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» أخرجه البخاري .


4- اليقين من أعظم الأسباب المعينة على الطاعات :

ذلك إن اليقين يمنع ورود الشهوات والشبهات على القلوب ، ويدفع عن النفس ما قد تجده من ثقل أو صعوبة في بعض العبادات .
ويقول الحسن البصري : " ما طلبت الجنة إلا باليقين ، ولا هرب من النار إلا باليقين ، ولا صبر على الحق إلا باليقين "


5- اليقين من أسباب انشراح الصدر وسلامة النفس من الخوف والقلق والتردد :

قال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ " (التغابن: 11)
ويقول ابن رجب : " فمن حقق اليقين وثق بالله في أموره كلها، ورضي بتدبيره له ، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاء وخوفًا ، ومنعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة " (جامع العلوم والحكم) .



سادسا : صور من يقين الأنبياء والمصلحين :


أ - صور من يقين الأنبياء :

ولقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام المثل الأعلى في اليقين وحسن الثقة بالله تعالى ، ويزداد  اليقين بالله إذا انقطعت الأسباب ، وهذه أمثلة لذلك :

1- موسى عليه السلام :

كليم الله موسى عليه السلام يقول لأصحابه حينما أدركهم فرعون وانقطعت عنهم أسباب النجاة ، إذ وجدوا البحر من أمامهم والعدو من ورائهم ، فكانت لهم النجاة بعد يقينهم بنصر الله القوي القادر ،
قال تعالى  : ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ الشعراء: 67- 66 .


2- يونس عليه السلام :

بعد أن ابتلعه الحوت وغاص به في أعماق البحر وانقطعت عنهم أسباب النجاة ، إذ كان في الظلماته فعلم أن لا يغيثه ولا يقدر على سماعة وإنقاذه إلا الله ،
قال تعالى : ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
فنجاه الله من بطن الحوت بدون أذى وهكذا ينجي الله كل من توكل عليه.


3- محمد عليه الصلاة والسلام مع صاحبه ورفيقه أبو بكر رضي الله عنه :

وهما في الغار فيأتي الكفار يقفون على باب الغار فيرى أقدامهم ويقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه يرانا فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما رأيك في اثنين الله ثالثهما. وقال ﴿ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾. فقوله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)
وهذا دليل علي كمال توكل النبي صلي الله عليه وسلم علي ربه، وأنه معتمد عليه، ومفوض إليه أمره، وهذا هو الشاهد من وضع هذا الحديث في باب اليقين والتوكل.


4 - واليقين الآخر كان حين غادر الغار :

ومر هو وصاحبه ورفيقه ببعض العرب،فسمع الفارس المغامر سراقة بن مالك الجعشمي بجائزة قريش: للرسول مائة، ولرفيقه مائة، ويلحق بالنبي وصاحبه،
ولما انقطعت بالنبي صلى الله ليه وسلم،  الأسباب، يلجأ إلى مسببها، رافعا يديه لرب عوده أن يكون معه، ويقول: "اللهم اكفنا سراقة".
فما إن أتم دعاءه : حتى غاصت قوائم جواد سراقة في الأرض، وأدركه الوهن، وينظر إليه الرسول قائلا له كلمات ملؤها اليقين:
 "يا سراقة، كيف بك إذا ألبسك الله سواري كسرى؟". فيتعجب الرجل، ويقول: كسرى بن هرمز؟ فيقول: "نعم".
يعد صلى الله عليه وسلم صعلوك من صعاليك العرب بسواري كسري ، وهو الذي خرج متخفيا هو وصاحبه، لكنه اليقين بنصر الله، وأنه لا يخلف الميعاد.


5 .  وفي غزوة بدر :

وقد تلاقى الجمعان، وجيش قريش ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، ومعهم من العدة والعتاد أضعاف ما مع المسلمين، وكانت حال المؤمنين كما وصفها الله تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } آل عمران:123.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم، يثق في موعود ربه، ويرى نهاية المعركة رأي العين حتى إنه يقول لأصحابه: "هذا مصرع فلان".
 قال أنس: ويضع يده على الأرض: "هاهنا، هاهنا" قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


6 . وفي غزوة الأحزاب :

هذه الفزوة ذكر الله تعالى من شأنها: { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } الأحزاب:10-12 .
قريش وغطفان ومن معهم من الأحزاب تحزبوا على رسول الله في عشرة آلاف مقاتل، والنبي لا يأمن غدر اليهود، والصحابة قد أصابهم الضيق والجوع، ودعاية المنافقين تحاول أن تعمل عملها، لتوهن النفوس، وتُضعف العزائم، وتفرق الصفوف، فقال الله تعالى { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } الأحزاب:22
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبصر النصر أقرب من منتهى بصره، ليس نصرا على هذه الأحزاب التي ينتظرون، ولكنه نصر على كبرى دول العالم وقتها،
فيقول لأصحابه وقد عرضت لهم صخرة لا تأخذ فيها المعاول في مكان من الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول بيده، وقال: "باسم الله".
فضرب ضربة وقال: "الله أكبر، أُعْطِيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا".
ثم قال: "باسم الله". وضرب أخرى، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا". ثم قال: "باسم الله".
وضرب ضربة أخرى فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا" .


ب -  صور من يقين الصالحين المصلحين :


1 - وهذا سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه يعبر بجنوده البحر كأنهم يمشون على الأرض!!!.

عندما أراد سعد بن أبى وقاص فتح المدائن وكانت على شاطئ دجلة في العراق وكان النهر في حالة فيضان ،
فلم يجد سعد بن أبى وقاص وسيلة لعبور البحر فكون كتيبة سميت كتيبة الأهوال وعبرت النهر وأخلت الشاطئ نسبيا من قوات الفرس لما عبرت كتيبة الأهوال النهر وكانوا ستمائة رجل، تبعهم سعد بن أبي وقاص بكامل الجيش وأمر جنده قائلاً : ( قولوا : نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)
فجعلوا يمشون على الماء كأنهم يمشون على الأرض حتى أن الفرس عندما رأوا هذا الموقف قالوا : ديوانا ديوانا أي: مجانين مجانين.
وعندما رأوهم لا يغرقون قالوا بالفارسية: والله إنكم لا تقاتلون إنساً بل تقاتلون جنا !!!


2 . وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يشرب السم فلا يضره :

عندما فتح خالد بن الوليد الحيرة في العراق، آتاه رجل ليفاوضه ومعه السم، فرآه خالد فقال له: ما هذا؟ قال: سم عقرب قال خالد: ناولنيه، فأعطاه الرجل السم، ثم سكب خالد السم على يده وقال : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ، فشرب السم ولم يضره! فذهب الرجل بسرعة إلى قومه يقول لهم: يا قوم لقد أتيتكم من عند رجل أخشى أن تضعوا السيوف فيه ولا يموت!.


3 . وهذا الحسن البصري رحمه الله تعالى دخل إلى الحجاج بن يوسف فخافه :

وكان الحجاج قد طلبه وأحضر السيف وهو بانتظاره ،
ولما دخل الحسن تلفظ بكلمات وهو بالباب فانقلب حال الحجاج فأجلسه بجواره وأمر بإكرامه ، وقال له يا سلطان العلماء ،
فعجب الناس لأمره ، وكان الحاجب قد لاحظ تحرك شفتيه .
فلما خرج فقال للحسن البصري : أسألك بالله ماذا قلت عند دخولك ،
قال الحسن: " اللهم يا ولي نعمتي وملاذي في دعوتي اجعل غضبه ونقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً و سلاماً على إبراهيم".


4 . وهذا حاتم الأصم رحمه الله :

وكان شيخا كبيرا له بنات فلم يستطع تركهن والذهاب إلى الحج ، فأشارت عليه ابنته الكبرى أن يحج ويوكل أمرهم إلى الله فهو لن يضيعهم، فأخذ بنصيحتها وذهب،
فلما جاء المساء كان إخوتها يتضاغون عند رجله من الجوع، فتوسلت إلى الله ألا يفضحها فإذا بملك يمر ببيتهم وقد بلغ العطش منه مبلغا عظيما ، فطلب الجنود له ماءا فشرب ،
ثم نظر إلى بيتهم و عرف ما بهم من فقر وحاجة فأعطاهم سترة من المال ، فقالت البنت المؤمنة: هذا عبد نظر إلينا فاغتنينا فكيف بنظر الرحمن الرحيم إلينا.


5 . أبو مسلم الخولاني رحمه الله :

كان يحب التصدق والإيثار على نفسه، وكان يتصدق بقوته ويبيت طاوياً، فأصبح يوماً وليس في بيته غير درهم واحد ،
فقالت له زوجته : خذ هذا الدرهم واشتر به دقيقاً نعجن بعضه ونطبخ بعضه للأولاد، فإنهم لا يصبرون على ألم الجوع، فأخذ الدرهم والمزود ،
 وخرج إلى السوق، وكان الجو شديد البرودة، فصادفه سائل فتحوله عنه، فلحقه وألح عليه وأقسم عليه، فدفع له الدرهم ،
وبقي في هم وكرب، وفكر كيف يعود إلى الأولاد والزوجة بغير شيء، فمر بسوق البلاط وهم ينشرونه ففتح المزود وملأه من النشارة وربطه وأتى به إلى البيت فوضعه فيه على غفلة من زوجته ثم خرج إلى المسجد ،
فعمدت زوجته إلى المزود ففتحته فإذا فيه دقيق أبيض فعجنت منه وطبخت للأولاد فأكلوا وشبعوا ولعبوا ،
فلما ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو على خوف من امرأته ، فلما جلس أتته بالمائدة والطعام فأكل ،
فلما فرغ قال: من أين لكم هذا؟
قالت: من المزود الذي جئت به أمس، فتعجب من ذلك وشكر الله على لطفه وكرمه .

الجمعة، 13 سبتمبر 2019

إبتهال واستغاثة بالحي القيوم إعداد : محمد أبوغدير المحامي

إبتهال واستغاثة بالحي القيوم

إعداد : محمد أبوغدير المحامي



انت ربي ( يا حي يا قيوم ) :

 فأنت يا ربنا الحي : الذي لا بداية لوجودك  ، انت الأول ليس قبلك شيء وانت الآخر ليس بعدك شيء ، انت الباقي الذي لا يموت ، لا يصيبك ما يصيبنا من الضعف والشيخوخة والمرض والموت والانتهاء ، سبحانه فأنت الحي .

وانت يا ربنا الْقَيُّوم : القائم علي تدبير أمر السماوات والأرض ، لا يعجزك ولايخفي عليك شيء ، ولا تغيب عنك مثقال ذرة ، ولا تحتاج إلى أعوان ولا أنصار ولا إلى أولياء فانت الغني جل في علاك .

فأتوسل إليك يا الله بحياتك الدائمة وبقائك وقيوميتك عَلِي الكون ، فأنت يا ياربا القوي وأنا الضعيف ، وأنت الغني وانا الفقير المحتاج فلا أستطيع أن أستقل بحاجة نفسي وأمري دونك .

وبرحمتك أستغيث يا حي يا قيوم :
أستغيث برحمتك يا الله وهي أوسع صفة من صفاتك فسبحانك أنت القائل : ( ورحمتي وسعت كل شيء) وسعت رحمتك  الخلق جميعا ،ً  الانس والجن ، والمؤمن والكافر ، والبهائم .

أصلح لي شأني كله :

برحمتك أستغيث وأتوسل إليك يا ياحي يا قيوم : أن تصلح لي شأني كله ، أصلح لي نفسي ، أصلح لي سائر اعمالي العبادية والحياتية ، وأصلح لى زوجتي وأولادي ووالدي وعشيرتي وجيراني ، أصلح لي كل شيء ، بل أصلح لي شأني كله

ولا تكلني إليّ نفسي طرفة عين :

فأنا الضعيف الفقير العاجز ، لا أملك من أمري شيئا ، فأبرأ اليك يا ربي من حولي وقوتي إلا بك ، فلا تجعلني أركن إلى نفسي ولو قدراً ضئيلاً مقدار طرفة العين ، فإني إذا ركنت إليها لن أَجِد ما يعينني ، فوكلتك يارب جميع أمري فأنت  نعم المولى ونعم النصير  .

روى النسائي عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه ؛ قال : أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَة رضي الله عنها : ( مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ : يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ  ).

الخميس، 5 سبتمبر 2019

قيام الليل إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة :

قيام الليل أن تخلو بربك والناس نيام وقد سكن الكون كله وأرخى الليل سدوله وغابت نجومه ، 

فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك ، فتأنس بحضرته ويطمئن قلبك بذكره وتفرح بفضله ورحمته ، 

وتبكى من خشية الله وتشعر بمراقبته ، وتلح في الدعاء وتجتهد في الاستغفار ، وتفضي بحوائجك لمن لا يعجزه شيء ، ولا يشغله شيء عن شيء ،
وتسأل الله لدنياك وآخرتك وجهادك ودعوتك وآمالك وأمانيك ووطنك وعشيرتك ونفسك وإخوتك ،
وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

والحديث عن معنى الليل يقتضي تعريفه ، وبيان مشروعية ، وهدي النبي فيه ، ووسائله ، وكونه بداية النصر وطريق النجاح ، وثمراته وفضله ، ووسائل تيسيره ، وبيان ذلك في الآتي :


أولا : تعريف قيام الليل :

قيام الليل هو قضاء معظم الليل أو جزء منه او بعض الوقت للصلاة، او تلاوة القرآن، أو الذكر والإستغفار ، أو الدعاء ، تبدأ بعد صلاة العشاء حتى صلاة الفجر، ويفضل أن تكون بالثلث الأخير من الليل


ثانيا : مشروعية قيام الليل

من القرآن الكريم  :

 قال  تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون } السجدة :16 .
 وقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الذاريات :18،17.
وقال تعالى أيضا : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } الزمر:9.

ومن السنة المطهرة :

قوله عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني .
 وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه].
وقال عليه الصلاة والسلام : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } رواه مسلم.


ثالثا : هدي النبي في قيام الليل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقالت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ }متفق عليه
 وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } [رواه مسلم] ،
وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } متفق عليه.


رابعا : وسائل إحياء قيام الليل :

أ - صلاة الليل :

صلاة قيام الليل هي : ما يصليه المسلم نفلا بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، والأفضل تأخير صلاة الوتر عنها، وإذا صلاها قبلها صحت ، وأما صلاة التهجد فهي ما يصليه المرء بعد قيامه من النوم في السدس الأخير من الليل إلى طلوع الفجر .
حث الله المؤمنين ورغبهم في قيام الليل والصلاة فيه فقال تعالى: ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) الإسراء ، وقال أيضا مادحاً المؤمنين: (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً 9)الفرقان، وقال سبحانه يصف قيام الليل: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً ) المزمل.

وقت التهجد هو الثلث الأخير من الليل ، وقد حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد}  رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي بالليل؟ قالت: " كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج " رواه البخاري

ب - استغفار السحر :

الاستغفار : هو طلب المغفرة للذنوب والإقالة من العثرات من الله العزيز الغفار، وأفضل وقت للاستغفار هو وقت السحر قال تعالى : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات :18 .
وقد حث الله المؤمنين ورغبهم في الاستغفار فقال تعالى  ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، وقوله: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
وأفضل صيغ الإستغفار سيد الإستغفار عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْت منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا  فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ(.

ج - الدعــــاء :

الدعاء هو : استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه.
وقد حث النبي  أصحابه ورغبهم في الدعاء في جوف الليل فروي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله (ينزل الله عز و جل إلى السماء الدنيا في كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول ثم ينادي مناد هل من مستغفر فيغفر له هل من سائل فيعطى هل من داع فيستجاب له (، والدعاء سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض" .

د - الذكــــر:

عرف  ابن عطاء الله السكندري الذكر بأنه : التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق، بترديد اسم الله وصفاته بالقلب واللسان أو حكم من أحكامه أو فعل من أفعاله أو غير ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى الله تعالى .
وقد حث الله المؤمنين ورغبهم في الذكر فقال تعالى :  { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسَبِّحُوه بكرةً وأصيلاً }  الأحزاب: 41 ، وقال تعالى: { واذكرْ ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار) آل عمران 41 ، وقال سبحانه : {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} الرعد: 28 ،وقال أيضاً: {واذكر اسم ربك وتبت إليه تبتيلاً} المزمل8  .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “ :مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّهُ مثل الحي والميت” رواه البخاري ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من قومٍ اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه؛ إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم فقد بُدلت سيئاتكم حسنات” رواه الإمام أحمد ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول الرب تبارك وتعالى: مَن شغلَهُ قراءةُ القرآن وذكري عن مسألتي أعطيتُهُ أفضلَ ما أُعطي السائلين ” أخرجه الترمذي


خامسا : قيام الليل شرف المؤمن وطريق النصر  والنجاح :

روى الحاكم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتاني جبريل فقال: يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس» .

فبقيام ترق القلوب وتتزكى النفوس العقول وتتهذب سائر الجوارح ، فمن يتحدَّى شهوة النوم التي تغلب كل البشر، وينتصر عليها؛ ليقوم مناجيًا ربه بلا جزع أو فزع، فهو صاحب قوة لا يمكن مضاهاتها ومن ثم يستبعد معه القعود والركون وينتفي أمامه الخوف والجبن، ويستحيل في حقه الفرار ويكون النصر والنجاح بإذن الله تعالى واقعًا بإذن الله تعالى .

وقيام الليل أرضٌ خصبة لتربية الرجال، وسبيل مهم للنصر على الأعداء، وقد كان قادة الحروب إذا مرُّوا على الجنود ورأوهم يقيمون الليل، يقولون: من هنا يأتي النصر، وإذا وجدوا الجنود نائمين يقولون: من هنا تأتي الهزيمة.


سادسا : ثمرات وفضل قيام الليل:

أ - دعوة مُستجابة ذنب يُغفر ومسألة تُقضى .

ب - وزيادة في الإيمان والتلذذ بالخشوع للرحمن .

ج - تحصيل للسكينة ونيل الطمأنينة .

د - اكتساب الحسنات ورفعة الدرجات والظفر بالنضارة .

ه - والمهابة وطرد الأدواء من الجسد.

فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلك الليلة فكن " (رواه الترمذي وصححه.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال:  "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات " (رواه الترمذي ).
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  "تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيُستجاب له، هل من سائل فيُعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً " (رواه الترمذي وحسّــَنه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له " (رواه البخاري ومسلم .


سابعا : الأسباب الميسِّرة لقيام الليل:

أ -- الأسباب الظاهرة أربعة أمور:

1 - ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
2 - ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
3 - ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
4 - ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.

ب -- أما الأسباب الباطنة أربعة أمور:

1.  سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
2. خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
3. أن يعرف فضل قيام الليل.
4.  الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.

الأربعاء، 28 أغسطس 2019

الأخوة في الله إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة :
كان الناس كلهم في تناحر و تباغض ، وتكبر وتعال من الغني على الفقبر ومن الشريف على الوضيع ، وتفاخر بالأنساب و القبائل ، فجاء الإسلام مبددا بنوره كل تلك الظلمات ، فآخى بين المسلمين وألف بين قلوبهم وجعل الكل سواسية كأسنان المشط لا تمايز ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى .
قال الله عز وجل " وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "

فأشرقت أخوة الإيمان بالمودة والتعاون والإيثار والقوة ، منحة من عند الله تبارك وتعالى يقذفها في قلوب عباده المؤمنين فلا يمكن لأي قوة بشرية أن تمحوها من قلوب أصحابها المؤمنين أو أن تستبدلها بالحقد والكراهية والخصومة .

فكانت الأخوة و المحبة سببا في ظل الله تعالى لهم ، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" .

والحديث عن الأخوة في الله يقتضي بيان مفهومها وآفاقها ، ومشروعيتها في الكتاب والسنة ، وفضلها وحقوقها وما يفسدها وامثلة لها في صدر الإسلام


أولا : تعريف الأخوَّة وشروطها وآفاقها :

أ - تعريف الأخوة الإسلامية:

1. عرفت الأخوة في الله بأنها :
رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل ناحية وجزء من العالم.

2. كما عرفت الأخوة الإسلامية بإنها :
إنها رباط متين منعقد لا ينحل، وعروة وثقى لا تنفصم، وصلة أبدية لازمة مستمرة لا تنقطع، مبنية على المشاركة في الدِّين، تؤلف بين كافة المسلمين وتنتظمهم حيثما وجدوا.

3. وعرفت كذلك بأنها :
عقد وثيق؛ أطرافه جميع المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره..

يقول ابن الجوزي: "اعلم أن المعنى الجامع بين المسلمين الإسلام، فقد اكتسبوا به أخوة أصلية، ووجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض"

4. الأخوة في الله تعالى عند  الإمام البنا :

يقول : أقصد بالأخوة ان ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها ، والأخوة أخت الإيمان ، والتفرق أخو الكفر ، والقوة وحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب : سلامة الصدر وأعلاه : مرتبة الإيثار , (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) .

والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71) , وهكذا يجب أن نكون .


ب - شروط الأخوة في الله:

لتحقيق الأخوَّة في الله لابد أن تسوفي شروطها اللازمة لقيامها وهي :

1. أن تكون خالصة لوجه لله.
2. أن تكون الأخوة في الله مقرونة بالإيمان والتقوى.
3. أن تكون الأخوة ملتزمة منهج الإسلام.
4. أن تكون الأخوة قائمة على النصح لله ولعباده.


ج - آفاق الأخوة الإسلامية :

للأخوة الإسلامية آفاق رحبة ؛ فهي تمتد مع أحقاب الزمان فتشملُ جميع المسلمين عبر العصور.
وتمتد مع آفاق المكان وتتخطى جميع الحدود، فتنتظم كافة المسلمين على وجه البسيطة .

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة الحشر: 10].

وعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال - مخاطباً أصحابه رضي الله عنهم -: "وددت أنا قد رأينا إخواننا "، قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد..." رواه مسلم .

ثانيا : مشروعية الأخوَّة في الله :

وهذه الأخوة الإسلامية تشريعٌ رباني ، ورابطة أنشأها الله عز وجل وشرعها، وعقد شرعي لا يسع مسلماً أن يتحلل منه أو يتخلف عن المشاركة فيه، والقيام بحقوقه وواجباته ورعايتها على النحو الذي شرعه الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبيان ذلك في الآتي :


أ - الأخوة في القرآن الكريم :

1. قال الله تعالى :  ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
ومعنى ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ أي: صرتم بنعمة الإسلام أخواناً في الدين"

2. وقال الله تعالى ايضا:  ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 11].
فبالإسلام صيَّر الله تعالى المسلمين  إخوانا، بعد أن كانوا قبله طرائق قددا، وبعد أن أسلم الكفار صاروا مؤمنين إخوانا للمسلمين، تظللهم راية الأخوة الإسلامية،

3. وقال الله تعالى ايضا:  ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]

4. وقال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ الفرقان 63.
الإخوة في الله منحة ربانية يقذفها الله في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه، والأتقياء من خلقه؛ 
5. وقال الله تعالى : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220].
الإخوة في الله إصلاح وتعايش وتكافل مع ضعفاء المسلمين الذين فقدوا اباءهم أو اولياءهم .

ب - الأخوة في السنة النبوية الشريفة :

أكدت الأحاديث النبوية الشريفة ضرورة التمثل بالأخوة الإسلامية والتحلي بها نذكر منها الآتي :

1. جاء في صحيح مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا )) ويشير إلى صدره ثلاث مرات (( بحسب أمري من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم .

2. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخواناً )) رواه البخاري .

3. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام )) روه البخاري .

4. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) رواه مسلم .

5. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )) رواه مسلم ، ( جـ 16 ، ص 177 ) .


ثالثا : حقوق الأخوة الصادقة :

1- التواد والتراحم والتعاطف:
قال عليه الصلاة والسلام: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ) رواه مسلم.

والمؤمن يرحم أخاه كما قال الله تعالى : ( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) سورة البلد : 17.
وهكذا يكون المؤمن وأخيه كالجسد الواحد إذا اشتكى تألم له، وإذا احتاج أسرع إلى قضاء حاجته .

2 - التزاور في الله :
في صحيح الجامع قال عليه الصلاة والسلام: ( من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا )؛ رواه أحمد وغيره.
وفي صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته [طريقه] ملكًا، فلما أتى عليه، قال: (أين تريد)، قال أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل عليك من نعمةَ تربُّها؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته ) .

3. التواضُع وعدم التكلُّف : 
فما قطع الناس ولا أحدث فيهم الجفاء إلا نظرهم لمن فوقهم وعدم نظرهم إلى من تحتهم، واتِّخاذ الشيطان عدوًّا، وتقوى الله ما استطعنا، والحب في الله والبُغْض في الله، والإعطاء لله والمنع لله، ومنها القصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب، والتعاوُن على البرِّ والتقوى، وعدم التعاوُن على الإثم والعدوان.

4. الإيثار : 
قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأوليك هم المفلحون ) سورة الحشر : 90.

الأخوة تعايش يستوجب الإيثار بالمال وقضاء الحوائج والمشاركة في المحن .
قال محمد بن المنكدر: "لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان".
وقال على بن الحسين لرجل: هل يُدخل أحدُكم يده في جيب أخيه، فيأخذ ما يريد بغير إذنه؟ قال: لا، قال: لستم بإخوان.

 5. التناصح والتواصي في الله :
 قال الله تعالى في : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر : 1 - 3 
 فأقسم سبحانه أن الناس جميعًا في خسران وهلاك في دنياهم وهالكون في آخرتهم ، إلَّا الأقلِّين عددًا، الأكثرين فضلًا ، وهم الذين آمنوا بالله إيمانًا صادقًا، وعملوا الصالحات ، وتواصَوا بالحق ِّ، وتواصَوا بالصبر.

6. العفو وستر العيوب والزلات : 
وهذه من أعظم الحقوق، فأخوك ليس ملكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا، فإن ذل فهو بشر يصيب ويخطئ ومن يكون العفو عنه من مقتضيات الأخوة ، قال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) سورة الأعراف : 199، 
وقال تعالى أيضا : ( وجزآؤا سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) سورة الشورى : 40.

 ولا يجوز للمؤمن أن تفشي سرًّا أو يكشف لأخيه عيبًا أو يذكره أمام الناس ، بل عليه أن يخلوَ به سرًّا، وينصحه بما تقتضيه النصيحة، ولا شك أن النصيحة عندما تكون خالصة لوجه الله حاصلة في السر، فإن الاستجابة لها ستكون متحققة.

ومن واجب المؤمن ألا يضيق ذرعًا بالنصيحة، وأن يتقبلها بصدر منشرح ونفس راضية، واعلم أيها الأخ الحبيب أن العفو من شيم الكرام.
وكان عبدالله بن معاوية يقول:
لا يزهدنك في أخ لك     أن تراه زل زلة 
ما من أخ لك لا يعاب   ولو حرصت الحرص كله 

7. الإصلاح بين الناس :
جعل الله تعالى الإصلاح بين الأخوَينِ من التقوى، وحسبنا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الحجرات: 10 .


رابعا : مفسدات الأخوة :

إذا فسدت الإخوة دَبَّ الفتور الذي يفتت عضد الاستقامة ، وتؤدي الى انهيار صرح الأخوة وإفسادها بين المؤمنين ، لذلك وجب بيان أسباب هذه مفسدات الأخوة في الآتي :

1- الكبر والاستعلاء :
وأول مفسدات الإخوة هو الكبر والاستعلاء
، ومن طبيعة البشر كرههم لمن يعاملهم باستعلاء مهما كان هذا الإنسان، لذا كان الإنسان مأمورًا بالتواضع والشعور بالآخرين .
ولقد أُمر  الله تعالى بذلك سيد الناس عليه الصلاة والسلام قال له سبحانه : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الشعراء: 215 .
وروى ابن ماجه في صحيحه ان النبي صلى الله عليه وسلم يراه الرجل، فيهابه وترعد فرائصه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ( هوِّن عليك، فإني لست بملِك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ) .
فعلام الكبر والاستعلاء؟ 
حُكى عن مُطرف بن عبدالله قال : أنه نظر إلى أحد الناس وهو يمشي الخيلاء وعليه حُلة يجرجرها، فقال: يا هذا ما هذه المشية؟ قال: أما تعرفني؟ قال: بل أعرفك أولك نطفة مذِرة وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذْرة.

2- السخرية والاستهزاء :
ومفسدات الأخوة السخرية والاستهزاء حتى لو لم يكن بقصد ، فأخوك لم يشق عن قلبك  لما رأى وسمع ، فيجب  الإلتزام بقول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الحجرات: 11 .

3- سوء الظن :
من أكبر العقبات التي تَحُول بين تَرابط المسلمين فيما بينهم هو سوء الظن ، فإياك وإياه الظن الذي لم يُبْن على أصل وتحقيق نظر، وأغلب الظن كذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ الحجرات: 12 .

وفي الصحيحين: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "، فأحسن الظن بالغير  فلعله أساء التعبير، أو لم يحسن التصرف لخبرته، فبعض الإخوة يحكم على قلوب الآخرين.

لما جلس الإمام الشافعي في مرض موته، قال له الربيع بن سليمان: قوى الله ضعفك يا إمام، فقال: لو قوّى ضعفي لقتلني، فقال: "والله ما قصدت يا إمام، فقال الشافعي: والله لو شتمتني لعلمت أنك لم تقصد.

4- عدم التزام بأدب الحديث : 
وهذا باب واسع يدخل منه الشيطان للإفساد بين الإخوان وله صور منها: الحيدة ورفع الصوت في الكلام ، وعدم الإنصات إلى حديث صاحبه فيقطعه أو ينشغل عنه .
يقول بعض السلف : إن الرجل ليحدثني بالحديث أعرفه قبل أن تلده أمه، فيحملني حسن الأدب إلى الاستماع إليه حتى يَفرُغ.

5- الجدل:
فبالجدال تخسر المجال ويقسوا القلب في الحال، وهذه حقيقة واقعية ، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقًّا ).

ولما سئل الإمام مالك: يا أبا عبدالله الرجل يكون عالمًا بالسنة أيجادل عنها ؟ قال: لا ولكنه يخبر بالسنة، فإن قبلت وإلا سكت.
 وصدق من قال: (من جاءك مسترشدًا فأرشده، ومن جاءك مجادلًا فأعرض عنه فإنه من الجاهلين).

6 - إفشاء الأسرار : 
وفي صحيح الجامع يقول عليه الصلاة والسلام: ( إذا حدث الرجلُ الرجلَ حديثًا ثم انصرف، فهو أمانة ).
ومما يديم الصحبة ألا تفشي لأخيك سرًّا ، فكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع.


7- النصح في الملأ : 
لا يختلف اثنان أن النصيحة بين الناس يكرهها الناس، بل إن ذلك مما يزيل المحبة ويزرع العداوة، وقد يولّد العناد.

8-  كثرة المعاتبة وعدم التسامح والنظر إلى السلبيات دون الإيجابيات:
فيجب التغافل عن هفوات الأخ حتى تدوم الألفة ؛ قال بعض الحكماء: وجدتُ أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل، وقد تغافل أقوام عن أذى الأعداء، فكيف بالأصدقاء! 
 قال سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل، إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه".
وقال الشاعر : 
كنت في كل الأمور معاتبًا    أخاك لم تلق الذي لا تعاتبه 
فعش واحدًا أوصل أخاك   فإنه مقارف ذنبًا تارة ومجانبه 
فمن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها    كفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه 

9 ، 10 : ومن مفسدات الإخوة الكثير والكثير :
 نسأل الله النجاة  
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ الحشر: 10 .

خامسا : ثمرة المحبَّة في الله.

إذا استكملت الأخوة في الله شرائطها واستوفت حقوقها وانتفت مفسداتتها تحققت ثمراتها العظيمة الآتي بيانها :

1. ـ استكمال الايمان:
عن ابي امامة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احب لله، وابغض لله، واعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الايمان).. (رواه ابو داوود بسند حسن).

2. دليل على ملازمة الإيمان للمؤمن :
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات:10 ، فإذا وجدت التقوى والإيمان في عبد ولم توجد إخوة صادقة، فهو إيمان ناقص وتقوى مزعومة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )؛ رواه الشيخان.

3. أيجاد طعم الايمان: 
قال عليه الصلاة والسلام: (من احب ان يجد طعم الايمان فليحب المرء لا يحبه الا لله).. (رواه الحاكم وقال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه واقر الذهبي.

4. تذوق حلاوة الإيمان :
ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كُنَّ فيه وجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلَّا لله، وأن يكره أن يعود في الكُفْر كما يكره أن يُقذَف في النار ).

5. الكرامة من الله :
عن ابي امامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد احب عبدا لله الا اكرمه عز وجل).. اخرجه احمد  

6. محبة الله تعالى له :
وعن معاذ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ( وَجَبَتْ محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ والمُتجالسين فيَّ ) من الأحاديث القدسية في مسند أحمد .

7. احبهما الى الله اشدهما حبا لصاحبه:
عن ابي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال: (ما من رجلين تحابا في الله الا كان احبهما الى الله اشدهما حبا لصاحبه).. (رواه الطبراني)..

8. إظلال الله تعالى لهم بظله يوم القيامة :
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظله... ورجلانِ تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه) . 
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظلي) .

9. يدخلهم الله تعالى جنته :
وروي عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفْشُوا السلام بينكم ) .

 10ـ   يلتحق بمن يحبهم من الصااحين ويصل الى مراتبهم وان لم يكن عمله بالغ مبلغهم
 وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله كيف تقول في رجل احب قوما ولم يلحق بهم قال: (المرء مع من احب). (الصحيحان). 


سادسا : الأخوة في صدر الإسلام :

أن في استشعار الأخوة أقوى الروابط والتنظيمات الهادفة إلى إصلاح ما بين الناس وتصفية الأحقاد والأحساد .

أ- المآخاة بين المهاجرين والأنصار :

ومن سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإدارية في بداية تأسيس الدولة الإسلامية أن آخى بين المهاجرين والأنصار فقد ذكر الدميري ( 1408 هـ ) : (( أنـه قـال لـهـم : (( إني أوآخي بينكم كما آخى الله تعالى بين ملائكته ))
.

وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأوس والخزرج فصفى ما بينهم من خلافات وأنساهم الثأر والحروب وصهرهم في بوتقة واحدة ، وكان المقصود من المؤاخاة أن يوقر كل منهم أخاه ويعاونه ويواسيه ويكون عوناً له على الأعداء ويحبه كما يحب نفسه )) ، ص 71 .


ب- التآخي مع خادمه صلى الله عليه وسلم :

وفي تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خادمه أفضل الصور لاستشعار الأخوة الإسلامية بمعناها الحقيقي .

عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : (( أنيس أذهبت حيث أمرتك )) ؟ قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته : (( لم فعلت كذا وكذا )) أو لشيء تركنه : (( هلا فعلت كذا وكذا )) ، رواه مسلم ، ( جـ 15 ، ص 71 ) .


ج - إيثاره ومواساة صلى الله عليه وسلم لضيفه :

ومن الإيثار ولمواساة ما ذكر في رياض الصالحين في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك قلن كلهن مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يضيف هذه الليلة ؟ )) فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله صلى عليه وسلم فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لامرأته : هل عندك شيء ؟ فقالت : لا ، إلا قوت صبياني قال : علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم ، وإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين ، فلما أصبح غداً على النبي صلى الله عليه وسلم : فقال : لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة )) ، ص 196

ونزل في ذلك آية قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ، والصور كثيرة من صور رسول الله صلى الله عليه وسلم على استشعار الأخوة الإسلامية مع جميع أصحابه ، وقد تدرب عليها أصحابه وطبقوها ، 


د - تواضع عمر بن عبد العزيز مع ضيفه :

ومن أمثلة ذلك التواضع وما ذكره أبو بكر الجزائري ( د . ت ) : (( روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى المصباح فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه فقال الضيف إذا انبه الغلام ؟ فقال عمر : إنها أول نومه نامها فلا تنبه . وذهب إلى البطة وملأ المصباح زيتناً ولما قال له الضيف : قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين ؟ أجابه قائلاً ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً ))