الأحد، 5 سبتمبر 2010

شبهات حول الإخوان المسلمين وردود إعداد : محمد أبوغدير المحامي

شبهات
حول الإخوان المسلمين
وردود

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين ومن سلك طريقه إلى يوم الدين
وبعد
الإخوان المسلمون من طليعة الجماعات الإسلامية التي تصدرت للدعوة إلى الله تعالى ، فمنذ أن أنشأها الإمام حسن البنا وهي تدعوا الناس إلي دين الله كمنهج كامل شامل لكل مناحي الحياة وتحمل مشروعا حضاريا للإصلاح والتغيير ، و تسعى بكل ما آتاها الله الكريم من قوة أن تحقق أهدافها وتصل إلى غايتها ، ومنذ عام 1928م – تاريخ نشأتها – وحتى الآن و يتلقى أعضاؤها و محبوها الضربات المؤلمة من النظم الحاكمة ويتعرض فكرها ومنهجها لحرب شعواء من العلمانيين و السياسيين وبعض الإسلاميين .
ولقد هال هؤلاء وأفزعهم التحول - الذي أحدثه الإخوان- في المجتمع العربي والإسلامي نحو المنهج الإسلامي الشامل في العقل والسلوك ونظم الحياة وتجلى ذلك من الناحية السياسية في حصول إخوان مصر علي خٌمس مقاعد مجلس الشعب و حصول حماس على أغلبية برلمان السلطة الفلسطينية وتشكيل حكومتها، ومن ثم أطلقوا الشبهات على فكر الجماعة ومنهجها وسخرت لهم كافة وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية .
ومن منطلق الدفاع عن الحق والذود عنه رأيت أن أقف على ثلاثة من تلك الشبهات فكانت الشبهة الأولى (عدم تركيز الإخوان على العقيدة وعدم توضيحها للعوام) يطلقها الجماعات الإسلامية السلفية , والشبهة الثانية (ظلم الأقباط وحرمانهم من حقوق المواطنة حال وصول جماعة الإخوان للسلطة ) ويشـيعها مفكري الأقباط ، والشـبهة الثالثة ( التكفير والتطرف والعنف السياسي عند الإخوان المسلمين ) وهذه الشبهة صنعها وروج لها العلمانيون
و منهجي في البحث أن أبين الشبهة بيانا وافيا وأسمي– ما أمكن - من زعمها ، وأقوم بالرد عليها من منطلق فكر وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين المنشورة في كتبهم ومواقعهم الالكترونية , وأعرض رأيي الشخصي إن كان له مقتضى ، وأخيرا أبين الرد على من يثيرها داخل الصف
أسأل الله الكريم أن يهديني إلى سواء السبيل .



مقدمة : 1 بيان مسلك الأنبياء في عرض العقيدة 2 سمات منهج دعوة الإخوان في عرض العقيدة 3 الرد على شبهة عدم محادثة العامة بعلم الكلام وأحاديث الصفات
ثالثا : الرد على الشبهة إذا أثيرت داخل الصف
الشبهة الثانية : ظلم الأقباط وحرمانهم من حقوق المواطنة حال وصول الإخوان للسلطة
أولا : بيان
الشبهة ثانيا : رد الإخوان على الشبهة

مقدمة 1 تاريخ الإخوان المسلمون والأقباط 2 الشريعة الإسلامية تكفل حقوق الأقباط وحرياتهم 3 موقع الأقباط في برامج الإخوان السياسية والانتخابية ثالثا : الرد على الشبهة إذا أثيرت داخل الصف
الشبهة الثالثة :التكفير والتطرف والعنف السياسي عند الإخوان المسلمين
أولا : بيان الشبهة ثانيا رد الإخوان على
لشبهة مقدمة : 1 موقف الإخوان من فضية
التكفير 2 موقف الإخوان من التطرف الديني والفقهي 3 موقف الإخوان من العنف السياسي والإرهاب ثالثا : الرد على الشبهة إذا أثيرت داخل الصف

الشبهة
مفهومها وأنواعها ومصادرها
أولا : مفهوم الشبهة :
تناول مفهوم الشبهة في اللغة والاصطلاح وذلك على النحو التالي :
1. تعريف الشبهة في اللغة : جاء في المعجم الوسيط: "الشُبْهَةُ: الالتباس، واشتبه الأمر عليه: اختلط، واشتبه في المسألة: شكَّ في صحتها.
2. أما المفهوم الاصطلاحي للشبهة فهو : كل ما يثير الشكَّ والارتياب في صدق الداعي وحقيقة ما يدعو إليه، فتمنع المدعو من رؤية الحق والاستجابة له، أو تؤخِّر هذه الاستجابة، كما أنه غالبًا ما ترتبط إثارةُ الشبهة بعادةٍ موروثة، أو مصلحة قائمة، أو شهوة دنيوية، أو حميةٍ جاهلية، أو سوء ظن، أو غبشٍ في الرؤية، فتتأثر النفوس الضعيفة المتصلة بهذه الأشياء، وتجعلها حجة وبرهانًا تدفع به الحق .

ثانيا : أنواع الشبهات :
وللشبهات أنواع عدة؛ أهمها أربعة:

1- شبهات تتعلق بعموم الإسلام : وهي كثيرة؛ حيث أثيرت الشبهات حول تعدُّد الزوجات، والحجاب، والرقيق، وحقوق المرأة في الإسلام، وغيرها.
2- شبهات تتعلق بالداعية: والذي يتعلق بالداعي يتمثَّل في الطعن في شخصه وسيرته وسلوكه، وإلصاق التهم به، ورميه بالسفه والجهالة والضلالة والجنون والافتراء، إلى غير ذلك مما يكون المقصود منه تنفير الناس منه وعدم الثقة به.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم اتُهم بأنه مجنون وساحر، واتُّهم من قبله موسى عليه السلام؛ حيث قال فيه فرعون : ( ِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ( .
وهكذا العلماء والمصلحون.. أُثيرت حولهم الشبهات الكثيرة، واتُّهِموا في عقولهم وأخلاقهم وأعراضهم.
3- شبهات تتعلق بموضوع الدعوة منهجها وأساليبها: والذي يتعلَّق بموضوع الدعوة يتمثَّل في اتهامها بالابتداع والخروج على مألوفات الناس وتقاليدهم ونظامهم الموروث، مما يراد به تنفير الناس من الدعوة إلى الله وصدهم عن سبيله.
4- شبهات تتعلَّق بالمدعوين: والذي يتعلَّق بالمدعوين يتمثَّل في إظهار الحرص على مصالحهم وملِّتهم ودين آبائهم والحفاظ على نعيمهم وحياتهم المطمئنة، مما يقصد منه إثارة حماس الناس ضد الدعاة إلى الله .

ثالثا : مصادر الشبهات :
وكذلك يمكن إجمال مصادر الشبهات في أربعة مصادر رئيسة، وهي:

1- الملأ: "والغالب أن "الملأ" هم الذين يثيرون الشبهات ويزيِّنونها للناس ويشيعونها فيما بينهم ويكررونها على مسامعهم، حتى تألفها نفوس البسطاء من عامة الناس ويأخذون في ترديدها ثم تصديقها ثم تبنيها واعتبارها كالحقائق الثابتة، وعند ذلك يندفعون إلى الدفاع عنها ومخاصمة الحق وأهله من أجلها، والملأ منهم يضحكون ويسخرون؛ فقد حقَّقوا ما يريدون.
2- المخالفون من الدعوات الأخرى : إذ إن هناك نفوسًا مريضةً في كثيرٍ من الدعوات لا همَّ لها إلا تتبُّع عثرات أصحاب الدعوات الأخرى والتشهير بهم وإثارة الشبهات حولهم.
3- أصحاب الشهوات والمصالح: حيث يحرص أصحاب الشهوات على إثارة الشبهات حول الصالحين ليبرِّروا انحرافهم، وليستمروا في الحصول على شهواتهم، وليلتفت الناس إلى غيرهم فيتهموا سواهم.
4- المصادر الخارجية: أي من خارج هذه الأمة من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم .




الشبهة الأولى
عدم تركيز الإخوان على العقيدة
وعدم توضيحها للعوام
أولا : بيان الشبهة :
من الناس من يتساءل : هل الإخوان سلفيو العقيدة أم لا؟ وهل هم على مذهب السلف أم الخلف في الأسماء والصفات ؟ ولماذا لا يعلِّمون الناسَ الأسماء والصفات؟ ولماذا لا يربُّون الأفراد على العقيدة ؟
ثانيا رد الإخوان على الشبهة
مقدمة :
شبهة عدم تركيز الإخوان على العقيدة وعدم توضيحها للعوام يطلقها السلفيون وأساس هذه الشبهة عندهم أنهم يقيسون الإخوان في منهج التربية ودعوة الناس إلى الله إلى منهجهم الخاص بهم في الدعوة والتربية ، والذي يستهدف إعداد علماء متخصصين في علم الكلام والعقائد والملل والنحل ، وتقتصر دعوتهم إلى تربية الناس وإصلاحهم في جانب العقيدة والإيمان فقط أما الإخوان المسلمون فيربون إفرادهم تربية شاملة على كل مقومات الشخصية الإسلامية ويدعون الناس إلي شمولية الإسلام ، ومن ثم فإن مسلكهم في عرض العقيدة هو مسلك الأنبياء الذي عرضه القرآن الكريم ومنهجهم في ذلك منهج السلف الصالح وعدم محادثتهم العامة بعلم الكلام وأحاديث الصفات بالشكل والمنهج الذي يتعاطاه السلفيون الآن يقوم على سند صحيح .
وهذه الشبه قد فندها ورد عليها الأستاذ الدكتور توفيق الواعي في كتابه ( الإخوان المسلمون- كبرى الحركات الإسلامية - شبهات وردود )، وكذلك كانت محلا لدراسة المستشار سالم البهنساوي في كتابه ( شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر) ففيهما رد واف وكاف لمن أراد ، إلا إنني رأيت في مقال ( هل الإخوان يربون على العقيدة؟ ) المنشور على الموقع الالكتروني الرسمي للإخوان المسلمون www.ikhwanonline.com خير رد على هذه الشبهة فجعلته مرجعا ومن خلاله أعرض العناصر الآتية :
1. بيان مسلك الأنبياء في عرض العقيدة :
إن الناظر في مسلك الأنبياء في تقديم العقيدة يرى أنه لم يكن تقديمًا نظريًا ولا تجريبيًّا ولا مصطلحيًّا، وإنَّما كان منهَجًا متحركًا باعِثًا لحياة أفضل، ينشدها كل ساعٍ للخير في مجتمعه؛ ولذلك كان التقديم لها يتصل بواقع المجتمع الذي يعيشونه.
فالعقيدة إذن حين قدَّموها إنما قدموها ليعالجوا بها مشكلاتٍ كانت متأصِّلةً في زمانهم، ولم يقدموها على أنها علمٌ مجردٌ يجب أن يُحفظ، ومصطلحاتٌ يجِب أن تحدَّد، وينتهي الأمر بهذا العلم، فنوح- عليه السلام- قال لهم: ﴿ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُ هُ ( ؛ ليستقيم سلوكهم وتصورهم، ويعرفوا مصدر الخير لأنفسهم ولبلادهم.. ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ ( وكذلك هود- عليه السلام- قالها: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ( ؛ ليعالج بها قومًا غرتهم قوتهم المادية فطغَوا في البلاد، وأكثروا الفساد ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (.
وكذلك صالح ولوط وشعيب وموسى- عليهم السلام- وكذلك كان منهج القرآن في عرض العقيدة والإيمان عرضًا غضًّا نقيًّا، بالعلم والعمل، والقرآن يتحدث عن المؤمنين وليس عن الإيمان أي يتحدث عن الشق الفعلي العملي وليس النظري،
2. سمات منهج دعوة الإخوان في عرض العقيدة:
أ : اعتماد منهج القرآن والسنة المطهرة والسلف الصالح بعيدًا عن اصطلاحات الجَدلِيِّين والكلاميين : يقول الإمام "البنا"- رحمه الله-: "لن ألجأ إلى المصطلحات الفنيَّة التي تواضع عليها العلماء المختصُّون بعلم الكلام ولا النظريات الفلسفية ولا الأساليب المتعلِّقة التي درج عليها المتكلمون، ولكن سألجأ إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما عرفناه من سيرة الصدر الأول"، ويري الاعتماد على طريقة القرآن والسنة في توصيل العقائد الدينية إلى النفوس واستيلائها على المشاعر والقلوب دون تعمق في الألفاظ أو تشعب في البحوث أو خوض في مصطلحات الفلاسفة والعقائد.
ب : الاهتمام ببيان أثر العقيدة على النفوس : فقد كان يرى ضرورة العناية ببيان آثار هذه العقيدة في النفوس؛ ليعلم القارئ أين نفسه من درجة استيلاء العقيدة الإسلامية عليه، فقد كانت العقائد عند أسلافنا عواطف مستقرة في القلب، ومشاعر مستولية على النفوس، فلمَّا أن صارت عندنا جدلاً وكلامًا ضعُف إيمان الأمة وتسرَّب إلى دينها الخللُ والوهَن العقائدي.
ج : اعتماد طريقَي المعرفة النقلية والعقلية : فالمعرفة النقلية مصدرُها الوحي بشقَّيه الكتاب والسنة، والمعرفة العقلية مصدرها الكون بشقيه الطبيعي والبشري، وِفق قاعدةِ "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول"، و"درء تعارض العقل والنقل"، ويقول في الأصل التاسع عشر: "وقد يتناول كلٌّ من النظر الشرعي والعقل ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي، فلن تصطدم حقيقةٌ علميةٌ صحيحةٌ بقاعدةٍ شرعيةٍ ثابتةٍ، ويُؤَوَّل الظنِّي منهما ليتفقَ مع القطعي فإن كانا ظنيَّين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبُت العقليُّ أو ينهار"، وهذا خلاصةُ ما انتهى إليه أهل التحقيق في هذه المسألة.
د : أخذه بمبدأ الشمول : فالعقيدة منهج عضوي في إطار بناء متكامل لا تقبل التجزئة، فلا تنفصل العقيدة عن الحياة لتبقى مجردةً، بل هي منهج للحياة وأساسٌ للنظم، ولئن فُتِن الناس في بعض العهود بشركِ الأوثان والأموات، فإنَّ شرك الأحياء والأوضاع والنظم قد عظُم خطرُه واستطار شرُّه.
هـ : البُعد عن مداحض التكفير ومذلة التضليل : والأصل العشرون خاص بهذا، فأهل السنة والجماعة لا يكفِّرون أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتُبيَّن له المحجة، والكفر كفران: كفر يُخرج من الملة وهو الكفر الأكبر، وكفر أصغر لا يستوجب صاحبُه الخلودَ في النار، وهو كفر النعمة أو المعصية، كما أن هناك فرقًا بين القول الذي قد يكون كُفرًا وبين قائله، الذي لا يُحكم عليه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه وتعليمه وإزالة الشبهة عنه.. أبعد ذلك يكون الإخوانُ مقصرين في التربية على العقيدة؟!
3. الرد على شبهة عدم محادثة العامة بعلم الكلام وأحاديث الصفات :
هناك حقائق يجب معرفتها ونحن بصدد مناقشة هذه الشبهة، وهي:
أ: إن تسمية العقيدة بأصول الدين لم ترد هذه التسمية في القرون الثلاثة الفاضلة؛ حيث إن الجيل الأول عاش العقيدة عيشةً مستقيمة فكريًا وعقليًا، وأشربها قلبًا، وطبقها على الجوارح عمليًا أصولاً وفروعًا، وعندما عاشها حيةً نابضةً أثمرت أفضل الثمار وأطيبَها، وقد شاع عند العلماء تسميةُ العقيدة بأصول الدين بعد القرن الثالث، عندما قسم علماء الكلام- في القرن الثالث- مسائلَ الدين إلى أصول وفروع والأولى : وتُعنَى بمسائل العقيدة، والثانية : وتُعنَى بمسائل الأحكام العملية .
لكنَّ أهل السنة عندما يطلقون تسمية أصول الدين على العقيدة يُريدون بذلك تشريف العقيدة وبيان عظم مكانها، ولكن ليس مقصودًا بذلك أن كل مسائل العقيدة أصول، بل إن فيها الفروع، وكذلك عندما يطلقون على المسائل العملية الفروع، فإنهم لا يقصدون أن كل مسائلها فروع، بل فيها الأصول وفيها الفروع، وهذا ما أكد عليه شيخ الإسلام "ابن تيمية"، فقال: "إن المسائل الخيرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية، وإن سُمِّيَت تلك أصولاً وهذه فروعًا فإن هذه تسميةٌ محدثةٌ لطائفةٍ من الفقهاء والمتكلمين"، ثم قال أيضًا: "بل الحق أن الجليلَ مِن كلِّ واحدٍ من الصِّنفَين- أي مسائل العقيدة والفقه- مسائلُ أصولٍ، والدقيق مسائل فروع".
ب : إن مسائل العقيدة ليست على وتيرة واحدة من حيث القطعية والظنِّيَّة، فمنها القطعي المجمَع عليه، المدعَّم بالأدلة المتواترة الصريحة الدلالة، ومنها الظني الدلالة، الذي لا يتطرَّق إليه الاحتمال من ناحية الشرع أو العقل أو اللغة، سواء كان تطرقًا سائغًا أو غير سائغ.
جـ: إن الاجتهاد واردٌ في بعض مسائل العقيدة وليس حكمُ المجتهد فيها على درجةٍ واحدةٍ، فقد يكون مأجورًا أو مأزورًا أو فاسقًا أو معفوًّا عنه، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام "ابن تيمية": "وقولنا إنها- أي المسائل الخيرية- قد تكون بمنزلة المسائل العملية يتضمَّن أشياءً منها، تنقسم إلى قطعيٍّ وظنيٍّ، ومنها أن المصيبَ مأجورٌ والمُخطِئَ قد يكون مذنبًا وقد يكون فاسقًا وقد يكون كالمخطئ في الأحكام العملية" (ج 6: ص57)
د: النهي عن الكلام فيما ليس تحته عمل : فلقد جاء الإسلام ليحفظ الأوقات ويوجِّهَ الطاقاتِ، فكان من قواعده وتوجيهاته عدم الكلام فيما ليس تحته عمل، وليس وراءَه ثمرةٌ تُجنَى؛ ولذلك كان علماء السلف الصالح يجتنبون الجدل في المسائل التي لا تؤثِّر في عمل الإنسان، اللَّهم إلا أن يُضطَّروا إلى ذلك.
يقول الإمام "الشاطبي": كان "مالك بن أنس" يقول الكلام في الدين أكرهُه، ولم يزل علماء بلدنا يكرهونه نحو الكلام في رأي "جهنم" و"القدر" وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في الدين وفي الله- عز وجل- فالسكوت أحبُّ إليَّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل.
وقال ابن عبد البر: "إن الذي عليه الفقهاء قديمًا وحديثًا كراهة الكلام في الدين، نحو القول في صفات الله وأسمائه، إلا أن يُضطَّر أحد إلى الكلام إذا طمع في رد الباطل أو خشيَ ضلالةً عامةً أو نحو ذلك" (الاعتصام للشاطبي(.
هـ: حكم مفاتحة العامة في الصفات.. علمنا أن منهج السلف هو الكلام فيما تحته عمل وله أثر في الحياة، وأن واجبنا تجاه صفات الله- التي وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة- هو معرفة آثار هذه الصفات في حياتنا والكون من حولنا، والتمسك بلوازمها، أما مفاتحة العوام وأشباههم في الصفات التي تكلَّم فيها السلف والخلف، واختبار الناس فيها وترتيب أحكام على ذلك، فهذا مما لا وجهَ له ولا دليلَ عليه.
ولقد اتُّهِم شيخ الإسلام بإثارة "البلبلة" والحيرة النفسية عند الناس؛ لإكثاره الكلام في آيات وأحاديث الصفات، فأجاب شيخ الإسلام- عليه رحمة الله- على هذه التهمة، قائلاً: "أنا ما فاتحت عاميًا في شيءٍ من ذلك قط"، وقال أيضًا: "أنا ما بغيت على أحد، ولا قلت لأحدٍ وافقني على اعتقادي وإلا فعلت بك..، بل وليسَتْ عادتي مخاطبة الناس في ذلك ابتداءً".
والخلاصة: أن هذا هو منهج السلف، أي عدم مفاتحة الناس ولا مخاطبتهم في ذلك ابتداءً اللهم إلا عند استفتاء السائل الحائر المحترِق، ولعل قارئًا يقول: إذًا ما سبب المجلدات الكثيرة لشيخ الإسلام في هذا؟! والجواب أن سبب الإطالة هو كثرة الاستفتاءات الحارَّة الملحة، وكثرة المناظرات، وكثرة الطوائف والصراعات الفكرية القائمة على قدمٍ وساقٍ، وكثرة إثارة الشبهات، ولم تكن الإطالة لأن هذه المسائل تحتاج إلى إطالة ابتداءً، وإلا فسيرة الصحابة تقول إنهم لم يتكلموا في شيء من ذلك ابتداءً على الإطلاق، وفي قصة "ضمام بن ثعلبة"- التي رواها الإمام مسلم- غناءٌ عن ذلك.
إذا أثيرت شبهة عدم تركيز الإخوان على العقيدة وعدم توضيحها للعوام من أحد أفراد الصف فيتم تلقيها والرد علها كالآتي :



الشبهة الثانية
ظلم الأقباط وحرمانهم من حقوق المواطنة
حال وصول الإخوان للسلطة

أولا : بيان الشبهة :

وهذه الشبهة تتمثل في مخاوف الأقباط أن يظلموا أو يحرموا حقوق المواطنة حال وصول جماعة الإخوان للسلطة إذ ذكر بعضهم أن الجماعة بعد وصولها الحكم قد تدعو إلي الانتماء لعالم أوسع وهو العالم الإسلامي ولن يصبح الانتماء للوطن ، وصرح البعض الآخر بأن وصول الإخوان المسلمون للسلطة في مصر قد يجعل الأقباط إما أهل ذمة أو مواطنين من مرتبة ثانية أو ثالثة .

ثانيا رد الإخوان على الشبهة

مقدمة :

هذه الشبهة قديمة حديثة فقد أثارها العلمانيون منذ فجر الصحوة الإسلامية في بداية القرن الماضي وطرحها من جديد بعض الأقباط في الوقت الذي حصل فيه الإخوان المسلمون على 20 % من مجموع مقاعد أعضاء مجلس الشعب المصري في انتخابات عام 2005 فنشر الموقع الالكتروني للفضائية العربية مقالين لكل من المفكر القبطي الدكتور ميلاد حنا والمؤرخ القبطي الدكتور يونان لبيب رزق ، فقال الأول : انه لا يجد ثمة تغييرا في توجهات الإخوان فإن مظاهراتهم وهتافاتهم ورفعهم شعار الإسلام هو الحل تقطع بغير ذلك ، ولا يوجد - تاريخيا - جماعة دينية ووصلت إلى الحكم وأقامت حكما مدنيا.
وهذه الشـبهة داحضة ويكذبها تاريخ الإخوان المسلمين مع الأقباط الذي يتسم بالتفاهم والتعاون المتبادل , وأحكام الشريعة الإسلامية التي يعتنقها الإخوان ويضحون الغالي والرخيص لها هي تكفل حقوقهم وكذلك برامجهم السياسية التي يعرضونها علي الأمة في كل مناسبة سـياسية تقر بشراكتهم في الوطن ، وهذا الذي سنبينه في عرض العناصر الآتية :

1. تاريخ الإخوان المسلمون والأقباط :

إذا نظرنا في تاريخ جماعة الإخوان لن نجد أي أساس لهذه المشاعر المتوجسة والخائفة في نفوس وقلوب الأقباط ، فمنذ نشأة الجماعة وحتى وقتنا هذا والإخوان والأقباط كانت الحياة تسير بينهم رغيدة، بل كان كثير من أعضاء اللجنة السياسية التي كوَّنها الإمام البنا من الأقباط، وليس ذلك فحسب ، بل كان مندوبه في انتخابات عام 1945م في لجنة سانت كاترين هو الخواجة خريستو أحد المسيحيين، ناهيك عن التعاون بين الإمام البنا والإخوان من جهة وبين الأقباط في وأد كثير من الفتن الطائفية التي اندلعت، مثل حادث الزقازيق والذي سنتحدث عنه، وحادث الزاوية الحمراء والتي استطاع الأستاذ التلمساني وقت أن كان مرشدًا أن يقضيَ على هذه الفتنة وغيرها من أوجه التعاون التي يشهد عليها التاريخ بين الإخوان والأقباط.
لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين في وجود المحتل الأجنبي الذي نشر بذور الفُرقة بين أبناء المجتمع وبين كل طوائفه، وكانت الجماعة تهدف إلى توحيد الجهود في وجه المحتل، وساروا على منهجٍ لا يفرِّق بين طوائف الوطن الواحد في المعاملات طالما التزم الجميع بالقيم والمبادئ والأسس العامة التي تحقق الخير العام، وهذا ما تؤكده الخبرة التاريخية؛ حيث عاش الأقباط في ظل الحضارة الإسلامية أزهى فترات تاريخهم ، وكما كان بعض المسيحيين يدفعون اشتراكات ثابتة لشُعب الإخوان تعبيرًا عن تأييدهم لكل ما ينادون به ،
لقد تعامل الإخوان مع الأقباط من منطلق عقائدي؛ فقد حث الله المسلمين على حسن معاشرتهم، فقال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ وهذا هو المفهوم العام والذي يتربَّى عليه الإخوان وهو موجود في مختلف أدبياتهم.
لقد اعتبر الإخوان أن الأقباط لهم كافة حقوق المواطنة؛ حيث إنهم جزء من نسيج الوطن، وطبقًا للقاعدة الشرعية "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" فهم شركاء في هذا الوطن؛ ولذلك جاءت علاقة الإخوان بالأقباط عمومًا علاقة طيبة كباقي فئات المجتمع، ولم يعكرها إلا تدخل بعض المغرضين الذين يكرهون الخير للبلاد، أو متعصبون ضد كل ما هو إسلامي؛ يحكمهم في ذلك الهوى والحقد الشخصي، أو فئة فهمت الإسلام فهمًا خاطئًا.

2. الشريعة الإسلامية تكفل حقوق الأقباط وحرياتهم :

أ : حقوق الأقباط : في كتابه غير المسلمين في المجتمع الإسلامي حدد الدكتور يوسف القرضاوي حقوق الأقباط فذكر الآتي :

• حــق الحماية وفرع من الحقوق الآتية: الحماية من الاعتداء الخارجي ، الحماية من الظلم الداخلي ، حماية الدماء ، حماية الأعراض ، التأمين عند العجز والشيخوخة والفقروالأبدان ، حماية الأموال .
• حرية التدين وفرع منها حرية الاعتقاد والتعبد فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يُجبر على تركه إلى غيره، ولا يُضغط عليه ليتحول منه إلى الإسلام.
• حرية العمل والكسب بالتعاقد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين.
• تولي وظائف الدولة وهذا الحق سنتناوله بشيء من التفصيل على النحو التالي:-
ولأهل الذمة الحق في تولى وظائف الدولة كالمسلمين . إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك.
فالإمامة أو الخلافة رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز أن يخلف النبي في ذلك إلا مسلم، ولا يعقل أن ينفذ أحكام الإسلام ويرعاها إلا مسلم ، وقيادة الجيش ليست عملاً مدنيًا صرفًا، بل هي عمل من أعمال العبادة في الإسلام إذ الجهاد في قمة العبادات الإسلامية ، والقضاء إنما هو حكم بالشريعة الإسلامية، ولا يطلب من غير المسلم أن يحكم بما لا يؤمن به ، ومثل ذلك الولاية على الصدقات ونحوها من الوظائف الدينية.
وماعدا ذلك من وظائف الدولة يجوز إسناده إلى أهل الذمة إذا تحققت فيهم الشروط التي لا بد منها من الكفاية والأمانة والإخلاص للدولة . بخلاف الحاقدين الذين تدل الدلائل على بغض مستحكم منهم للمسلمين، كالذين قال الله فيهم: (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) (آل عمران: 118).
وقد بلغ التسامح بالمسلمين أن صرح فقهاء كبار -مثل الماوردي في "الأحكام السلطانية"- بجواز تقليد الذمي "وزارة التنفيذ". ووزير التنفيذ هو الذي يبلغ أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها ويمضي ما يصدر عنه من أحكام ، وهذا بخلاف "وزارة التفويض" التي يكل فيها الإمام إلى الوزير تدبير الأمور السياسية والإدارية والاقتصادية بما يراه ، وقد تولى الوزارة في زمن العباسيين بعض النصارى أكثر من مرة، منهم نصر بن هارون سنة 369 هـ، وعيسى بن نسطورس سنة 380هـ . وقبل ذلك كان لمعاوية بن أبي سفيان كاتب نصراني اسمه سرجون ، وقد بلغ تسامح المسلمين في هذا الأمر أحيانًا إلى حد المبالغة والجور على حقوق المسلمين، مما جعل المسلمين في بعض العصور، يشكون من تسلط اليهود والنصارى عليهم بغير حق.

ب : الأقباط وحق المواطنة :

في كتابه ( خطابنا الإسلامي في عصر العولمة ) حدد الدكتور يوسف القرضاوي معالم الموطنة فبين الآتي
:
إن المشروع الحضاري هو لأهل دار الإسلام جميعا، المسلمين منهم وغير المسلمين، وفقهاء المسلمين متفقون على أن أهل الذمة من (أهل الدار) أي دار الإسلام، وإن لم يكونوا من (أهل الملة) ومعنى أنهم من أهل الدار أنهم مواطنون، ينتمون إلى الوطن الإسلامي، فهم مسلمون بحكم انتمائهم إلى الدار: أو الثقافة والحضارة. وهذا ما عبر عنه الزعيم المصري القبطي المعروف مكرم عبيد حين قال: أنا نصراني دينا، مسلم وطنا! وهذا ما قلته للدكتور لويس عوض حين زارنا في الدوحة مشاركا في إحدى الندوات، وطُلِب مني أن أعقب على الندوة، فقلت له: أنا مسلم بمقتضى العقيدة والملة، وأنت مسلم بمقتضى الثقافة والحضارة. ومعنى هذا أن المسيحي المصري أو العربي يحمل (الجنسية الإسلامية) أي جنسية (دار الإسلام)، وهو بحكم عروبته وثقافته يحمل الانتماء الثقافي والحضاري لأمة الإسلام.
وكلمة (الذمة) كثيرا ما تُفهم خطأ، ويظن بعض الناس أنها كلمة ذم أو انتقاص، مع أن معناها: العهد والضمان أي أنهم في عهد الله ورسوله وجماعة المسلمين وفي ضمانهم، لا يجوز أن ينتقض عهدهم أو تخفر ذمتهم من أحد ، وإذا كانت كلمة (أهل الذمة) تؤذي الأقباط وأمثالهم، فإن الله لم يتعبدنا بها، وقد حذف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ما هو أهم منها، (كما ذكرنا من قبل) وهو كلمة (الجزية) المذكورة في القرآن، حين طلب بنو تغلب ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن عرب، ونأنف من كلمة (جزية) ونريد أن تأخذ منا ما تأخذ باسم الزكاة أو الصدقة، كما تأخذ من المسلمين، فقبل منهم ذلك، ونظر إلى أصحابه وقال: هؤلاء القوم حمقى، رضوا بالمعنى، وأبوا الاسم.
وفي عصرنا يتأذى إخواننا من المسيحيين وغيرهم من هذه التسمية، فلا مبرر للإصرار على بقائها، والعبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
ومما يذكره التاريخ أن عناصر من أهل الكتاب أسهمت في بناء الحضارة الإسلامية أيام ازدهارها، لا تزال أسماء بعضهم معروفة مشهورة، ولم يمنعها دينها أن يكون لها دور تؤديه في خدمة العلوم والفنون والصناعات المختلفة ، ولقد وصل بعضهم إلى منصب الوزارة (وزارة التنفيذ)، وهو ما قرره القاضي الماوردي وغيره من فقهاء السياسة الشرعية.
والعامل المهم هنا هو: وجود الثقة المتبادلة بين الفريقين، وألا يتطلع غير المسلمين إلى المناصب التي لها طبيعة دينية، كما لا يجوز للمسلمين أن يتدخلوا في الشؤون الدينية لغير المسلمين، أو يضيقوا عليهم فيها بغير حق ، والأصل العام في التعامل هو هذه القاعدة التي يتناقلها المسلمون خاصتهم وعامتهم: لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ، وهذا، فيما عدا ما اقتضاه الاختلاف أو التميز الديني بطبيعة الحال لكل من الطرفين، فهم غير مطالبين بالصلاة ولا بالصيام ولا بزكاة الفطر ولا بالكفارات، ولا بالحج وغيرها من فرائض الإسلام.
ومن المهم جدا أن يكون من حق الأكثرية المسلمة أن تحتكم إلى شريعة ربها، وتطبقها في شؤونها، على ألا تحيف على حقوق الأقلية. ويجب على الأقلية ألا تضيق صدرا بذلك، وهو ما كان عليه الأقباط طوال العصور الماضية والحديثة، قبل كيد الاستعمار ومكره، ولم نرهم يتبرمون بالنص على أن دين الدولة الإسلام، بل رأيت كثيرا من عقلاء المسيحيين في مصر وفي غيرها طالبوا مخلصين بوجوب تطبيق الشريعة وأحكامها وحدودها، ورأوا في ذلك العلاج الناجع للجرائم والرذائل في مجتمعاتنا.

3. موقع الأقباط في برامج الإخوان السياسية والانتخابية :

أ : أكد الإخوان المسلمون في نص برنامجهم الانتخابي لمجلس الشورى 2007 أن موقفهم من الإخوة الأقباط موقف مبدئيٌّ ثابتٌ مفروضٌ على المسلمين بموجب إسلامهم وإيمانهم مؤكد بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة- قولية وعملية-، وهذا الموقف يتلخص في النقاط التالية:
1. هم جزءٌ من نسيج المجتمعِ المصري.
2. شركاء الوطن والمصير.
3. هم متساوون مع إخوانهم المسلمين في كافة الحقوق والواجبات وفي تولي الوظائف العامة على أساس الكفاءة والتخصص.
4. حرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع، والتعاون في كل ما يخدم الوطن ويحقق الخير لكل المواطنين أمرٌ لازمٌ.
5. تأكيد الوحدة الوطنية، وعدم السماح لأي نشاط يؤدي إلى إثارة مشاعر التفرقة الدينية أو التعصب الطائفي.
6. الحرص على روح الأخوة المصرية التي أظلت أبناء مصر على مر القرون مسلمين وأقباطًا، وإشاعة الأصول الداعية إلى المحبة والمودة بينهم؛ لتمكين الأمة من العمل المتكامل لبناء مستقبلها وحماية لها من ويلات التعصب الطائفي المقيت وعدم السماح لأي محاولات تؤدي لإثارة مشاعر التفرقة أو التعصب الطائفي بين المصريين.
7. اعتماد الحوار الناضج والصريح منهج ووسيلة للتقارب للتواصل المستمر والدائم دعمًا بالاستقرار الاجتماعي واحتواءً لأي أزمات أو عوارض حياة.

ب كما أكد الإخوان المسلمون في برنامج حزبهم الإصدار الأول (25 أغسطس 2007) أن منهجهم الإسلامي لإصلاح الدولة يقوم وفق خصائص من أولها أن الدولة تقوم على مبدأ المواطنة وبينت أوراق الحزب العناصر الأساسية الآتية :
1. مصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص.
2. ونعتبر المواطنة هي القاعدة التي تنطلق عنها المطالبة بالديمقراطية، ليس بغرض تداول السلطة فحسب، بل بغرض ممارسة الديمقراطية، المتجاهل لمبدأ الأغلبية .
3. ويجب أن تعزز النصوص القانونية معاملة كل المواطنين على قدم المساواة دون تمييز، وعلى الدولة والمجتمع العمل على ضمان قيام الأوضاع الاجتماعية اللازمة لتحقيق الإنصاف، وأن يمكن الأفراد من المشاركة بفاعلية فى اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم، وخاصة في القرارات السياسية.





الشبهة الثالثة
التكفير والتطرف والعنف السياسي
عند الإخوان المسلمين

أولا : بيان الشبهة :

يزعم البعض أن جماعة الإخوان المسلمين هي السبب في انتشار ظاهرة التكفير في العالم العربي، وهي المدرسة التي تخرجت فيها جميع حركات العنف والإرهاب الإسلامي لتحقيق أهداف سياسية، بعد أن استطاعت "تديين السياسة" أو "تسييس الدين" لتحقيق مصالحها والوصول إلى كرسي الحكم .

ثانيا رد الإخوان على الشبهة

مقدمة

هذه الشبهة قديمة جديدة ، فلقد دأبت بعض الأقلام العلمانية ترويجها منذ الأربعينات من القرن الفائت وحتى اليوم وكان آخرها كتاب عنوان ( الإخوان المسلمون من حسن البنا الي مهدي عاكف ) تأليف من يدعى :عبد الرحيم علي ، ولعل دافعهم على ذلك حقدهم الدفين على الحركة الإسلامية لما وجدوا الجماهير العربية تكفر بكافة الرموز والمبادئ المستوردة من الشرق أو الغرب، وتؤمن بمقدساتها الإسلامية العظيمة، وذهلوا وهم يرون الجماهير المخلصة في كافة ديار العروبة والإسلام ترفع الشعارات التي تؤكد انتماءها للإسلام، وتعرض عما سواه ، ولما كان للإخوان المسلمين الدور الرائد في تشبث الجماهير بإسلامها، استحقوا في نظر أساطين العلمانية النصيب الأكبر من حملات التشويه الإعلامي والتحريف الفكري .
ولما كانت هذه الشبهة صنعها وروج لها العلمانيون فإننا نرد عليها من منطلق فكري وتاريخي وليس من منطلق ديني وعقائدي فلن أتعرض لفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشروعية الخروج على الحاكم ,وإنما يكون الرد من خلال عرض الموقف العملي لإخوان حول هذه القضايا وكيف حصنوا أنفسهم من الوقوع فيها و التصدي لها حال وقوعها من بعض إفرادهم أو من خارجهم وذلك على النحو الآتي بيانه .

1. موقف الإخوان من فضية التكفير : :

إن التكفير عند الإخوان المسلمين قضية خطيرة جدا ، ولم يتساهلوا فيها أبدا ، ويفقهوا ان الذي نحكم عليه بالكفر نخرجه من الملة، ونفصله عن الأسرة، ونفرق بينه وبين زوجه وولده، ونعده عدوا لله ورسوله والمؤمنين.
ولقد انتبه الأستاذ حسن البنا رحمه الله مبكرا لهذا الأمر الخطير، فذكر في الأصل العشرين من الأصول التي ذكرها في رسالة (التعاليم) ما يلي : "لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض، برأي أو معصية، إلا إن أقرّ بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر" .
ولقد عانى الآلاف من الإخوان المسلمين في فترة الخمسينيات والستينيات من شتى أنواع التعذيب والتنكيل في سجون جمال عبد الناصر ، وقد بدأت تظهر بين البعض منهم دعوات أخذت تتخذ شيئا فشيئا طابع التكفير، وكانت هذه النظرة قائمة على أساس أن أعمال التعذيب الرهيبة هذه لا يمكن أن تصدر عن أناس مسلمين، فانتهى بهم ذلك إلى تكفير الحكومة، أي الدولة ورجالاتها، وبما أن المجتمع لا يبدي اعتراضه على هذه الممارسات، فالمجتمع كافر أيضا !!
أعلن الإخوان حالة الطوارئ بين صفوفهم وهم في الزنازين ! وأقاموا دروسا فكرية توعية، وبيّنوا لأفرادهم المنهجية الصحيحة في التعامل مع الحكام والشعوب في مثل هذه الأوضاع. والكل يعلم كم قدم الإخوان من شهداء، وكم قدموا من تضحيات، وكم ارتوت السياط من دمائهم، وسحقت أدوات التعذيب من عظامهم، ولكن يظل التكفير أمرا خطيرا له ما بعده. أما الشعوب فهي مغلوبة على أمرها، ومهما ابتعدت عن أمر دينها في فترات معينة، فإنها تعود إلى أصولها، وتشتاق إلى إسلامها مهما بعدت الشقة. فلم ينسى الإخوان أن الشعوب هي مادة الدعوة، وأن الفطرة السليمة راسخة فيها، ولابد أن تستجيب يوما لنداء هذه الفطرة، وأن التكفير هو الجدار الذي سيحول بين الدعاة وبين إيصال كلمة الحق إليها.
لقد أدت جهود الإخوان خاصة تلك الجهود التي بذلها الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله، والتي منها كتاب (دعاة لا قضاة) الذي ألفه للتصدي لظاهرة التكفير.. كان لهذه الجهود - بفضل الله - الأثر العظيم في محاصرة الفكر التكفيري في مصر، والحد من انتشاره.

2. موقف الإخوان من التطرف الديني والفقهي :

الإخوان المسلمون هم أبعد الناس عن التشدد الديني والفقهي ، وهم يلتزمون بالقاعدة الذهبية التي تقول: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" ، إن آلاف الكتب والرسائل التي كتبها قادة الإخوان ومفكروهم ودعاتهم، من أمثال حسن البنا وحسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومصطفى السباعي ويوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وفتحي يكن وغيرهم الكثير، والسيرة العملية للإخوان طوال العقود الماضية لهي خير شاهد على الفكر الوسطي المتسامح الذي يلتزمه الإخوان أينما وجدوا، وحيثما حلّوا ، ومن ثم فإن الإخوان بفضل الله هم من صان الفكر الإسلامي، وحافظ على شباب الأمة – في مصر وغيرها- من أن يسلكوا سبيل التشدد والتكفير، فأدوا بذلك خدمة عظيمة لدينهم وأوطانهم.

3. موقف الإخوان العنف السياسي والإرهاب :

وأما في ما يتعلق بتهمة ممارسة العنف السياسي، فمنذ أن خرج الإخوان من المعتقلات في مصرفي بداية السبعينيات، أي منذ أكثر من 35 عاما، لم تسجل ضدهم حادثة عنف واحدة.. ألا يدرك العلمانيون وكل أعداء المشروع الإسلامي هذه الحقيقة الواضحة ؟ بلى.. ولكنه الحقد الأسود والتنافس غير الشريف الذي يعمي الأبصار عن الوقائع والحقائق.
لقد صرح الرئيس حسني مبارك لجريدة (لوموند) الفرنسية أثناء زيارته لفرنسا سنة 1993م بتصريح نشرته الصحف المصرية، وفي مقدمتها جريدة (الأهرام) بتاريخ 1/11/1993م قال فيه: "إن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف، وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية، مثل الأطباء والمهندسين والمحامين".
وعندما سئل وزير الداخلية المصري اللواء حسن الألفي في مؤتمره الصحفي الذي نشرت وقائعه جريدة (الأهرام) وجريدة (الجمهورية) في 14/4/1994 م ، عندما سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية، أجاب: "الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف، بعكس تلك المنظمات الإرهابية".
كما أكد ذلك خبير الإرهاب الدولي بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين، حيث صرح في مقابلة موسعة له عن التطرف والإرهاب مع جريدة (الأنباء) الكويتية بتاريخ 13/8/1994م قائلا: "أن الإخوان المسلمين حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف".
لقد ارتضى الإخوان بالنضال السياسي السلمي، وشاركوا في العملية الديمقراطية، مع ما يشوب هذه الديمقراطية عادة في بلادنا العربية من أعمال التزييف و(البلطجة) ! فشاركوا في انتخابات 1984 متحالفين مع حزب الوفد الجديد، بالرغم من الخصومات التاريخية المعروفة بين الطرفين. وفي عام 1988 دخلوا في تحالف مع حزبي العمل والأحرار، وحققوا نتائج طيبة في الانتخابات البرلمانية في تلك السنة ، كما خاضوا انتخابات عام 2000م ونجحوا في الفوز بـسبعة عشر مقعدا، وفي الانتخابات الأخيرة فازوا بـ 88 مقعدا بالرغم من الحرب الشعواء غير القانونية التي شنت ضدهم، مما يدل على شعبيتهم الواسعة أولا، وقناعتهم ثانيا بالعمل السياسي السلمي.
وطوال هذه الفترة التي كان الإخوان قد اختاروا فيها العمل السياسي السلمي، كانت (الجماعة الإسلامية) و(تنظيم الجهاد) تنتقدان بشدة أسلوب الإخوان في العمل. وبعد حوالي ثلاثة عقود من الانتقادات القاسية والسباب والشتائم، هاهي بيانات وإصدارات (الجماعة الإسلامية) تتبنى نفس نهج الإخوان وتعترف بالأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الماضية، وها هي بوادر أخرى شبيهة على وشك الصدور من (تنظيم الجهاد).
إذا، فالإخوان ليسوا ممن اتبع نهج التكفير، بل هم خير من ساهم في التصدي لهذه الظاهرة حركيا وفكريا ، وهم ليسوا ممن لوث اسم الجهاد ومعانيه السامية، بل هم الذين جاهدوا في الله حق جهاده..
وهم ليسوا كذلك ممن اتبع أسلوب العنف والشدة، بل قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ودعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

أما عن الإرهاب فأن الإخوان المسلمين لم يعملوا على توجيه الحراب إلى صدور الأبرياء والمسالمين
أبدا ، و إنما وجهوا جهودهم للتصدي لقوى الاستعمار الرابض على أرضنا، المنتهك لحرمات ديارنا ومقدساتنا ، ذلك أنهم عملوا على إحياء فقه الجهاد الإسلامي الأصيل كما فهمه وطبقه سلفنا الصالح رضي الله عنهم والذي يقضي بأن الحروب والقتال يكون في مواجهة أعداء الدين والوطن فقط .
ولقد كاد الإخوان هم الفئة الوحيدة تقريبا التي جاهدت اليهود وقاتلتهم قتالا حقيقيا في حرب فلسطين عام 1948م، وهاهي معارك وملاحم عسلوج وتبة اليمن والتبة 86 وصور باهر والقدس والنقب تشهد على بطولاتهم، وهاهو التاريخ يسجل أن قيادة الجيش المصري كانت تستنجد بمجاهدي الإخوان كلما عانت من صعوبات في ميدان القتال. كما كان للإخوان النصيب الأوفر في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في منطقة القنال في أوائل الخمسينيات.
4. وهكذا وجه الإخوان جهودهم الجهادية ضد أعداء الأمة، وليس ضد أوطانهم وأبناء مجتمعاتهم. هذا هو فقه الجهاد عند الإخوان ولكن.. أين الإنصاف ! :



السيرة الذاتية للمؤلف
• الاسم : محمد أحمد أبوغدير
• من مواليد : 27/6/1960 الواسطى مركز الفتح محافظة أسيوط
• حصل على ليسانس الحقوق عام 1983 ومارس المحاماة منذ قيده بنقابة المحامين عام 1984ومقبول لدى محكمة النقض ويعمل حاليا مستشارا قانونيا في دولة الكويت
• حصل على دبلوم في حقوق الإنسان ودراسات في القانون العام
• تم انتخابه عضوا في مجلس نقابة المحامين بأسيوط عام 1992الفرعية و أمين الصندوق واستمرت عضويته بها حتى فرضت الحراسة على نقابة المحامين العامة والنقابات الفرعية
• تم اختياره مقررا للجنتي الشريعة الإسلامية و الشباب بالنقابة و عضوا في لجنة الحريات ومثل النقابة في اغلب المؤتمرات النقابية والسياسية الإقليمية و القومية
• رشحه التيار الإسلامي لعضوية مجلس الشعب عام 1995عن دائرة مركز الفتح بمحافظة أسيوط والتي تم تزويرها لصالح الحزب الحاكم وقد قضي ببطلانها
• له دراسات وأبحاث في حقوق الإنسان والعلوم السياسية مقارنة بالشريعة منها :

1. فقه المعارضة السياسية في الشريعة الإسلامية
2. حق دولة الكويت في استرداد أسراها من دولة العراق
3. تداول السلطة في الشريعة الإسلامية والدستور المصري
4. الحقوق السياسية في المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية وبعض الدساتير العربية
5. رعاية الطفولة في الإسلام
6. التثبت وأثره على وحدة الصف الإسلامي
بريد الكتروني ABUGHADEER5@HOTMAIL.COM

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق