السبت، 24 أكتوبر 2015

4 - أفلا يتدبرون القرآن ؟؟؟ . . . قيم أخلاقية ودستورية بين القيادة والجندية



قال الله تعالى :
( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران

واقع مرير يسفر عن قيم وأصول سامقة :

نزلت هذه الآية الكريمة تحمل كما هائلاً من القيم والأخلاق الربانية المتبادلة بين القيادة والجنود لتعالج ظروفا شديدة مؤلمة للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام صاحبت غزوة أحد .
في بداية الغزوة : أختلف الصحابة بشأن ملاقاة العدو القادم إليهم ، هل يبقوا في المدينة أم يخرجوا منها ، وانتهت الشورى إلى رأي الشباب وهو الخروج ، ووافق الرسول على ذلك الرأي وهو مكره إمتثالا  لرأي الأغلبية وخالف رأي الشيوخ الذين رأو المكث في المدينة وكان من بينهم وعلى رأسهم عبد الله بن سلول الذي غضب غضبا شديدا ثم رجع إلى المدينة بثلث الجيش والعدو على الأبواب .
وأثناءها : ضعف الجنود أمام إغراء الغنيمة وبريقها فخالفوا أمره صلى الله عليه وسلم وتركوا مواقعهم ، فانقلبوا على أعقابهم مهزومين .
وفي نهايتها : وهنوا أمام إشاعة مقتله صلى الله عليه وسلم فأفردوه في النفر القليل  وتركوه يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم , وهم لا يلوون على أحد .
وفي ظل هذا الواقع كانت  هذه الآية وغيرها لمسة حانية من الله تعالى إلى الرسول الكريم المصاب تطيب قلبه , وتقرر أن اللين والرفق بالجنود فريضة ، وأن العفو عنهم رغم أخطائهم حتمية لا تترك  ، وأن مشاورتهم في كافة أمورهم حق لا يسقط بحال من الأحوال ، وبيان ذلك في الأتي :

اولا : لا عصمة لبشر والخطأ واقع لا محال :

أخطأ الصحابة فيما انتهوا إليه من الخروج للقاء العدو خارج ديارهم وبعيد عن أهلهم وعشائر في المدينة ، لكن الرسول أمضى نتيجة الشورى وهو يدرك ما وراءها من آﻻم  إقرارا لمبدأ الشورى ، وأخطأ الجنود لمخالفتهم أمر القائد بعدم ترك أماكنهم مهما حدث فسالت الدماء ، وأخطأ من سمع اشاعة مقتل الرسول ومن ترك القائد وهو جريح .
مع كل هذه الأخطاء يأمر الله سبحانه رسوله بالعفو والمغفرة للجنود وتقديمهم للشورى ، وكأن الله تعالى يقرر حقيقة وهي أنه لا عصمة لبشر ، وكل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، وأن الإجتهاد فريضة فمن أصاب فله أجران وليستمتع بصوابه ، ومن أخطأ فله أجر وأحد مقابل اجتهاده وليراجع أمره بعد استغفاره.  

ثانيا : اللين والرفق بالجنود فريضة ربانية :

قال الله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ; ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

أ . الرحمة والرفق :

1 . هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف ، لقول اللّه عزّ وجلّ: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159]
2 . وقيل هو :هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها) لقوله تعالى: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى * قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه: 43- 45]

ب . الرسول القائد رحيما رفيقا برعيته  :

. رغم ما حدث وهو شديد أليم يقتضى الغضب وقد يؤدي إلى توقيع العقوبة على من تسبب في الخطأ ، ألا إن توجيهات الله لرسوله كانت الرحمة بالجنود والرفق بهم والإشفاق عليهم والتحذير بل النهي عن الغلظة لهم .
2 . وهكذا كان صلى الله عليه وسلم ودائما وعلى كل أحواله تجاه أصحابه ، ما غضب لنفسه قط ، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري . ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة , بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده .

ج . الرفق واللين الطريق إلى وحدة الصف :

اللين مع الناس والرفق والحلم بهم وعدم الضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم حق لهم وواجب على الحكام ، فهم في حاجة إلى من يعطيهم ولا يأخذ منهم ويحمل همومهم ويوليهم الرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء ، وإذا تحقق ذلك واستشعره الناس أثمر  - بلا شك -  وحدة الصف وتماسك أفراده  والتفاف الناس حول القائد ، وبذلك نفقه مفهوم مخالفة قوله تعالى : ( لانفضوا من حولك ) .

د . فضل الرحمة واللين :
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ». متفق عليه.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تَرَى المؤْمِنِينَ فَي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ إذَا اشْتَكَى عُضْواً تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه.
عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم على من تحرم النار؟ على كل هين، لين، سهل، قريب».
 عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن هين، لين، تخاله من اللين أحمق».



ثالثا : العفو والمغفرة الشورى حقوق للجنود واجبات على القيادة  :


قال تعالى مخاطبا رسوله : (َ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر )


أ - العفو تعريفه وحكمه وفضله :


1. العفو هو :
 التجاوز عن الذنب وترك العقاب ، قوله تعالى: ((خُذِ العفو وأْمر بالعرف وأعرضْ عن الجاهلين ) الأعراف:199

2 . العفو فريضة :
 1. قال الفخر الرازي في تفسيره عن قوله تعالى: {فاعف عَنْهُمْ} يدل على كمال الرحمة الإلهية حيث عفا سبحانه وتعالى عنهم ، ثم أوجب على رسوله أن يعفو في الحال عنهم.

3 . العفو من أخلاق الرسول الكريم :
 . عن عائشة رضي اللَّه عنها أَنها قالت : ما ضرَبَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، ولا امْرأَةً ولا خادِماً، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيل اللَّهِ ، وما نِيل منْهُ شيء قَطُّ فَيَنتَقِم مِنْ صاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنتَهَكَ شَيء مِن مَحَارِمِ اللَّهِ تعالى : فَيَنْتَقِمَ للَّهِ تعالى . رواه مسلم .
 . وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعليه بُردٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ ، فأَدركَهُ أَعْرَابيٌّ ، فَجبذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَة شَديدَةً ، فَنظرتُ إلى صفحة عاتِقِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وقَد أَثَّرَت بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبذَتِهِ ، ثُمَّ قال : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مالِ اللَّهِ الذي عِندَكَ . فالتَفَتَ إِلَيْه ، فضحِكَ ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ . متفقٌ عليه

ب - الإستغفار تعريفه وحكمه وفضله :

1 - الإستغفار هو :
طلب المغفرة للذنوب والإقالة من العثرات من الله العزيز الغفار، وأفضل وقت للاستغفار هو وقت السحر قال تعالى : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات :18 .
2 - الإستغفار واجب شرعي :
قال الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: ( واستغفر لَهُمُ ) أمر له صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لأصحاب الكبائر، وإذا أمره بطلب المغفرة لا يجوز أن لا يجيبه إليه، لأن ذلك لا يليق بالكريم، فدلت هذه الآية على أنه تعالى يشفع محمدًا صلى الله عليه وسلم في الدنيا في حق أصحاب الكبائر، فبأن يشفعه في حقهم في القيامة كان أولى
3 -  فضل الإستغفار :
روى البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.
روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب"


ج - الشوري تعريفها حكمها فضلها :


1 . الشورى هي :
استظهار الرأي الصواب من خلال التحاور بين أهل العلم والخبرة، قال الله تعالى : {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ}

2 . الأمر الإلهي للنبي بالشورى :
ورغم ما ترتب على ممارسة الشوري في غزو احد من النتائج السالف بيانها والأضرار الشديدة جاء هذا الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بتمكين الأمة من ممارسة الشورى ، وتدربهم على حمل التبعة - وأن أخطأت - فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ . .والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة .

3 . فضل الشُّورى :
روى سهلُ بنُ سعد السّاعِدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شَقى قَطُّ عبدٌ بمشورة وما سَعِد باستغناء رأي»
وفي الشورى تقليب و تجريب للأُمورَ وذلك يُعطيك خبرة الآخرين وتجاربهم في المسألة موضوع الشورى من خلال من رأيه وتحصل على ذلك مجانا ، وقال الحسن: والله ما تشاوَرَ قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم.

4 . نتيجة الشورى ملزمة للقائد والجنود :
قال الله تعالى : (فإذا عزمت فتوكل على الله ) .
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة ، فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد ، انتهى دور الشورى وجب التنفيذ في عزم وحسم وفي توكل على الله ليصل الأمر بقدر الله ويدعه لمشيئته سبحانه تصوغ العواقب كما تشاء .
وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم حينما لبس لامة الحرب ومضى في تنفيذ ما إنتهت إليه الشورى ، وحين أتيحت له صلى الله عليه وسلم فرصة أخرى بتردد المتحمسين وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه ، لم ينتهزها ليرجع عن نتيجة الشورى .
لأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلمهم درس العزم والمضي مع التوكل على الله والاستسلام لقدره ، وأن للشورى وقتها ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد ، إنما هو رأي وشورى وعزم ومضاء ، ثم توكل على الله .

(إن الله يحب المتوكلين).
والخلة التي يحبها الله ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون . بل هي التي تميز المؤمنين ، والتوكل على الله , ورد الأمر إليه في النهاية ، هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية ، وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة وهي : حقيقة أن مرد الأمر كله لله ، وأن الله فعال لما يريد .



رابعا : قيم دستورية بين القيادة و الجنود أو الحاكم والأمة :


أحداث غزوة أحد التي إنتهت بالدماء والآلام السالف بيانها وكان الرسول الكريم فيها يمارس دورة بصفته قائدا عسكرا للصحابة في الأمور الحياتية الدنيوية وليس نبيا معصوما من الخطأ في الشأن الديني ، ومن ثم كانت الآيات الكريمة تضع قيما وأصول دستورية ملزمة للرسول ولكل حاكم للمسلمين تحدد العلاقة بين الرئيس أو الخليفة وبين الرعية في الآتي :

 
أ . العلاقة بين الحاكم والمحكوم :

 1 . الحاكم وكيل عن الأمة :في حراسة الملة وسياسة الدولة ، لحفظ أمن الناس وأموالهم وأعراضهم.
موقع الحاكم في الإسلام، أنه وكيل عن الأمة لا عليها, يدير شئونها, بناء على ما هو مصلحتها، ومقتضى الوكالة رفض استخدام الوكيل القوة المادية، أداة للوصول إلى السلطة أو أداة للاحتفاظ بها.
2 . أن مفهوم ولي الأمر، عندما يطلق على الحاكم مختلف عن مفهوم ولاية الآباء على الأبناء، ولاية الأوصياء على السفهاء، ولاية الوكلاء على الأيتام. إنما هو والٍ ولاه الناس عليهم أميراً ومع أن هذه بديهية في فقه السياسة.

ب . أهمية الشورى :

تعتبر الشورى أصلاً من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي، بل امتدَّت لتشمل كل أمور المسلمين؛ وتأسيسًا على ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في ضرورة موافقة الجماعة على اختيار مَنْ يقوم بولاية أمورها ورعاية مصالحها وتدبير شئونها؛ ممَّا يؤكِّد قيمة وفاعلية الإجماع عند المسلمين .

ج . الشورى حق للأمة واجب على القيادة :

حق الامة في الشورة هو امتداد لحقها في  انتخاب رئيس الدولة فهي التي انتخبته  ومن حقها عليه ألا يبرم أمرا من الأمور الهامة التي تؤثر في حاضرها و مستقبلها إلا بعد الرجوع أليها و أخذ مشورتها  قال تعالى في سورة الشورى موضحا صفات المؤمنين  ( و الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة و أمرهم شورى بينهم و مما رزقناهم ينفقون )
و هذه النصوص الشرعية واضحة الدلالة علي وجوب المشاورة و لا خلاف بين الفقهاء على ذلك ، قال ابن تيمية( لا غنى لولي الأمر عن المشاورة فإن الله تعالى أمر بها نبيه )  ، و هذا المعنى ذكره كل من القرطبي و الرازي و الطبري في تفاسيرهم  .

د . ترك الشورى موجب لعزل الحاكم :


 و نظرا لثبوت حق الأمة في المشاورة و لزومه على الحاكم ، صرح الفقهاء بأن ترك هذا الحق من قبل الحاكم موجب لعزله قاله القرطبي ( قال بن عطية : والشورى من قواعد الشريعة و عزائم الأحكام ، ومن لم يستشر أهل العلم و الدين فعزله واجب )  فلا بقاء لحاكم مستبد في دولة تقام على الإسلام .

5 - أفلا يتدبرون القرآن ؟؟؟ . . . . . سمات المجتمع المسلم ووسائل تحقيقها

 - 5 أفلا يتدبرون القرآن ... ؟؟؟ 
. . . . . . . . .   سمات المجتمع المسلم ووسائل تحقيقها

يقول الله تعالى
 ( والمؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) التوبة 71
ظاهر هذه الآية أنها تعدد صفات المؤمنين والمؤمنات في كلمات قليلة ، فتثبت أن بعضهم أولياء بعض ، وإنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ، وتنتهي الآية ببشرى لمن يتحلى بهذه الصفات بأن الله العزيز الحكيم سيرحمهم .
ولكن إذا تدبرنا هذه الآية وأمعنا النظر والفكر في كلماتها لرأينا أنها ترسم ملامح المجتمع المسلم الإيجابي بنوعيه ذكورا وإناثا ، وتخط الطريق نحو التمكين لدين الله في الأرض تمهيدا لتحقيق خيرية الأمة على سائر الأمم ، وتضمنت الآية كذلك الأسباب والوسائل المؤدية الى تحقيق ذلك ، فما شواهد ذلك ؟؟؟ 
هذا ما ستكشف عنه السطور الآتية .

سمات المجتمع المسلم من خلال الآية الآية الكريمة :

يقول الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ،،،،،،)
تتضح سمات المجتمع اﻹسلامي وفاعليته في هذا الشطر من الآية من عناصر ، الأول ذكر المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل ، والثاني إثبات الولاء لبعضهما وما يقتضيه من المحبة والتعاون والنصرة فيما بينهم .

أولا - المرأة شربك الرجل في المسؤولية :

(  والمؤمنون والمؤمنات  .... )

أ - خطاب قرآني خاص للمرأة تأكيدا لمسؤوليتها  :
حينما يخاطب الله عباده في القرآن بكلمة ( المؤمنون ) فلا شك أن المقصود هو الذكر والأنثى معا ، إلا أنه تعالى في هذه الآية الكريمة خاطب الاثنين منفصلين للتأكيد على أنهما شريكان جنبا إلى جنب في تحمل أعظم المسؤوليات في الحياة الإسلامية

ب - للمرأة ذات حقوق الرجل بلا تمييز في الإسلام :
وتطبيقا لمبدأ المساواة وجدنا امرأة تمارس حقوقها السياسية في المسجد وتعارض أمير المؤمنين عمر الفاروق وهو يتحدث فوق المنبر على ملأ من الناس , فيرجع عن رأيه إلى رأيها ويقول بصراحة : « أصابت امرأة وأخطأ عمر.
ولقد أجمع علماء المسلمين على أن طلب العلم فرض على الرجل و المرأة ، فلها أن تطلب من العلم ما يحقق عباداتها ويكمل أخلاقها ويوقفها عند حدود الله في الحلال والحرام ويؤهلها للعمل وحصولها على كافة وحقوقها وواجباتها . ويمكنها أن تترقى في العلم حتى تبلغ درجة الاجتهاد ، وليس لزوجها أن يمنعها من طلب العلم الواجب عليها .
وللمرأة فضلا عن حقها في العمل إذا احتاجت إليه ، لها أن تخرج مع الجيش لتقوم بأعمال الإسعاف والتمريض ، فقد روى أحمد والبخاري عن الربيع بنت معوذ الأنصارية قالت : « كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمه ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة.
وكانت المرأة لا ترث وتورث بجسدها كمتاع البيت فقد كان الابن الأكبر يرث خالته زوجة أبيه ، فأتى الإسلام فحرمها عليه ، وأصبحت المرأة ترث وليس الرجل فقط ، وكان تعدد الزوجات بلا عدد ، فأتى الإسلام فحدده بأربعة ، وهو تعدد مع تحمل المسؤولية تجاه الزوجة.

ثانيا : الولاء يعني التعاون والتراحم والتناصر وهي سمات المجتمع المسلم :

.... ) بعضهم أولياء بعض....   (

أ - مظاهر موالاة المؤمنين :
 . 1 المناصرة والمعاونة بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم ، والتألم لألمهم والسرور بسرورهم. والرخاء ، عن النعمان بن بشير رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه البخاري ومسلم .
- 2  النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخداعهم ، احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ"رواه أحمد أبو داود 4919، الترمذي صحيح الجامع

ب - العالم الإسلامي كله دولة واحدة :
مقتضى هذه الآية : ( والمؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض ) أن يكون العالم الإسلامي كله دولة واحدة, و هكذا كانوا في عهد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم توسعت مدرسة الله حتى وصلت إلى إسبانيا ومكثوا فيها 800 عام، فتحوها بالعدالة وحقوق الإنسان وخلصوا أهلها من حكامها الطغاة الظلمة.

ج - لغير المسلمين البر والعدل فى المجتمع المسلم :
وولاء المؤمنون فيما بينهم يعني إقصاء الآخر المقيم معهم أو حرمانه من حقوقه وحرياته ، أبدا ذلك لا يحدث في دولة تحكم وبحق بشريعة الإسلام ، فهؤلاء أثبت لهم القرأن الكريم الحق في البر لهم والإقساط إليهم، كما في قوله تعالى: ( لاَ يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقاتِلوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِــطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِــطينَ ) ، الممتحنة 8.
وهؤلاء إذا كانوا من أهل الوطن فلهم كامل حقوق المواطنة ، فهم إخواننا في الوطن ، ومن الفُقهاء من قال عن أهل الذمة : ( هم من أهل الدار، أي دار الإسلام) ، وإن كانوا من ذات قومية الدولة فلهم حق أُخوّة القوميّة ، وإذا أثبتَ القرآنُ هذه الأخوةَ بين الرسل وأقوامهم حيث قال تعالى (وإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) هود: 84

وسائل تحقيق سمات المجتمع المسلم

( .... يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و يطيعون الله ورسوله ... )
وتتحقق سمات المجتمع المسلم السالف بيانها من خلال تحقيق الوسائل الأربعة الآتية ، فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تخط الطريق نحو التمكين لدين الله في الأرض تمهيدا لتحقيق خيرية الأمة على سائر الأمم ، إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة بتحقيق مستهدفهما التشريعي ، مع الإنضباط بطاعة الله ورسوله ، وبيان ذلك في الآتي : .

أولا : - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطريق إلى صلاح الأفراد والتمكين للدين وخيرية الأمة  :
 .... ) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (...
أ - معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
 . 1 الأمر بالمعروف : الدلالة على الخير، والنهي عن المنكر : المنع عن الشر
 . 2 وقيل : الأمر بالمعروف : إشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أفعال العبد وأقواله ، والنهي عن المنكر : تقبيح ما تنفر عنه الشريعة والعفة وهو ما لا يجوز في دين الله تعالى .

أ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطريق فريضة شرعية  :
. 1  عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَليْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ فَتَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ ))
. 2  وعن زينب رضي الله عنها : قالت يا رسولَ الله أَنهلِك وفينا الصالحون ؟ قال : (( نعم، إِذا كَثُرَ الخَبَث )) .
 . 3 وقال تعالى ( فلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ *وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).

ب - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطريق إلى صلاح الأفراد والتمكين للدين وخيرية الأمة  :

 . 1 إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين ، قال تعالى: لَيسُوا سَواءً من أهلِ الكتَابِ أُمةُ قَائِمةُ يَتلُونَ آياتِ اللهِ آناء الليلِ وَهُم يَسجُدُونَ (113) يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوم الآخِرِ وَيَأمرونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَن المُنكَر وَيُسَارِعُونَ في الخَيراتِ وَأولئِكَ منَ الصَّالِحُينَ .
. 2  من خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : كُنتُم خَيرَ أُمةٍ أُخَرِجَت للِنَّاسِ تَأمرونَ بِالمَعرُف وتَنهُونَ عنِ المُنكرِ وَتُؤمِنُونَ بِالله .
 . 3 التمكين في الأرض، قال تعالى : ( الَّذيِنَ إن مَّكَّناهُم في الأرضِ أقَامُوا الصَّلاةَ وأتُوا الزَّكاةَ وأمرُوا بِالمعُروفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَر وَلله عَاقِبَةُ الأُمورِ ) .

ج - وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أهم هذه الوسائل :
1  .ً اُسلوب الخطاب : إنّ آيات القرآن الكريم والسُنّة النبوية حافلة بالخطابات ، والبيانات التي تخاطب العقول ، وتخاطب المشاعر ، وتخاطب الارادة ، لتنفتح أمام الحقائق وأنوار الهداية ، ففي بداية الدعوةخاطب النبي عشيرته قال : « يا بني عبدالمطلب ، اني واللّه ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه ... »
القصص : بطبيعتها تشد المستمع إليها وتجعله متعلقا بسمعه ووجدانه بفصولها ، متتبعا لاحداثها وتسلسلها المنتظم ، وقد حفلت الآيات القرآنية باحسن القصص منذ النشأة الاولى للبشرية ، وتطرقت إلى قصص الانبياء والصالحين وخصومهم واعدائهم ، وإلى مواقفهم وممارساتهم العملية ، وما قدّموه للبشرية من أعمال في طريق هدايتها.
الأمثال : استخدم القرآن الكريم ضرب الأمثال كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الهداية وإلى الاستقامة ، والحث على الالتزام بأوامر اللّه ونواهيه ، قال تعالى : « وَيَضربُ اللّه الأمثالَ لِلنّاسِ لَعلّهُم يَتَذكَّرُونَ فقد مثَّل القرآن الكريم الذين اتخذوا من دون اللّه أولياء في عقيدتهم ومنهجهم في الحياة ( كَمَثَلِ العَنكبُوتِ اتَّخذَت بَيتا وإنَّ أوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ )
العبرة والموعظة : المنهج الإسلامي يتّخذ من العبرة والموعظة مادة تنبيه وتوجيه وتنوير للعقل والقلب ، حينما يرى مسيرة الاُمم السابقة ، فقد أغرق اللّه تعالى قوم نوح ونجّى المؤمنين ، وعذّب قوم لوط وأهلكهم ، وأهلك ملوكا واستخلف آخرين.
التمثيل العملي : يوصل المفاهيم والافكار إلى العقول أو يقرّبها إليها ، ويوصل القيم كذلك ، والناس يتفاعلون مع المظاهر الحسيّة أكثر من المفاهيم النظرية ، ومن الأمثلة على ذلك قصة إبراهيم عليه‌السلام مع قومه ، فحينما كسَّر الاصنام وضع المعول في رقبة صنم كبير ، فلما جاء المشركون واجتمع الناس معهم : « قَالُوا أأنتَ فَعلتَ هَذا بآلِهَتِنا يَا إبراهيمُ * قَالَ بَل فَعلَهُ كَبِيرُهُم هَذا فاسألُوهُم إن كانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلى أنفُسِهِم فَقَالوا إنّكُم أنتُمُ الظَّالِمُونَ .
الحوار : وفبه يتم إيقاظ العقول والقلوب ، وتحريك العواطف والمشاعر ، وخصوصا لمن يبحث عن الحقيقة ، فهو يساعد على معرفة مستويات المشاركين في الحوار ، وما يطرحونه من شبهات فكرية وسلوكية ، فيطالب المحاور غيره بالحجّة والدليل ، ويعلّمه في الوقت نفسه طريقة الاستدلال الصحيح ، ويأخذ عليه طريق الادعاء بلا بينة أو ببينة مضطربة.
الاقتداء : بمن له القدرة على التأثير على عقولهم وقلوبهم وإراداتهم ، وأصحاب القدرة هم الشخصيات التي يحترمهم الناس ، ويكرمونهم ، ويبجّلونهم ، وهم الطبقة العليا في المجتمع ، كالرؤساء والقادة وجميع من يتصدر المناصب الحساسة السياسية والدينية والاجتماعية.

ثانيا : الصلاة تزكية روحية واجتماعية

(... ويقيمون الصلاة ... )

أ - الصلاة تزكية للفرد  :
 . 1 الصلاة تُزكِّي النفسَ وتطهر القلوب وتُقوِّمُ سلوكَ الفرد ، وعقد الصلة والقرب بينه وربه، بما فيها من لذة المناجاة للخالق وإظهار العبودية لله وتفويض الأمر له. قال تعالى : ( واسجد واقترب )
 . 2 الصلاة سبب لتكفير السيئات ومحوالخطايا فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم - قال: ( أَرَأَيْتُمْ لو أَنَّ نَهْرًا بِبابِ أَحَدِكم، يَغْتَسلُ منه كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟))، قَالُوا: لا يَبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قال: ( فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطايا).
. 3 الصلاة مدرسة خلقية وعملية انضباطية تربي فضيلة الصدق والأمانة والاستقامة وتجعل المسلم قوياً، أقوى من عواطفه، غير جزع ولا هياب، شجاعاً مقداماً كريماً ، قال تعالى: { إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسّه الشر جزوعاً وإذا مسّه الخير منوعاً إلا المصلين } سورة المعارج: الآيات 19-22

ب - الصلاة منهج للتربية الجماعية الأمة  :
1 . الصلاة حال أدائها مستوفية لأركانها وشروطها ، وخشع فيها القلب والجوارح تنهى المُقيمين لها عنِ الفحشاءِ والمنكر؛ قال تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُوَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} .العنكبوت 45
. 2 والصلاة بأعمالها البدنية وأوقاتها المنتظمة بآثارها الروحية وأذكارها وتلاوتها وأدميتها خير ما يهذب النفس ويرقق الوجدان , وهى باشتراط قراءة القرآن الكريمة فيها هى منهاج ثقافة شامل - تغذى العقل والفكر بكثير من حقائق العلوم والمعارف , فيخرج المصلى المتقن وقد صح وقد رق شعوره , وغذى عقله .
. 3 صلاة الجمعة والجماعة تجمع الأمة خمس مرات في كل يوم , ومرة في كل أسبوع علي المعاني الاجتماعية الصالحة من الطاعة والنظام والحب والإخاء والمساواة بين يدي الله العلي الكبير .

ثالثا : الزكاة تنمية وجدانية وكفالة أجتماعية :

( ... ويؤتون الزكاة ...)

أ - الزكاة فريضةٌ لا تسقط إلا بالأداء  :
 . 1لزكاة ركن من أركان الإسلام ، فلا يصح أسلام الغني مالك النصاب إلا بأدائها ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان) متفق عليه.
. 2 ومن قصر في أداء الزكاة مع قدرته يعذبه الله تعالى ، عن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يطوق به عنقه» ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَْرْضِ )

ب - الزكاة تنمية وجدانية  :
الزكاة تقوي في المسلم الشعور بالمشاركة الوجدانية مع الفقراء والمساكين، ويشعره بدوره الفعال في المجتمع، كما تدربه على بذل المال وصرفه في وجوه الخير وما ينفع ، فقد روى أحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من تميم : ( تخرج الزكاة من مالك فإنها طُهْرةٌ تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق المسكين والجار والسائل ).

ج - الزكاة تزكية للمال  :
 . 1جاء بها الإسلام لتطهيرِ نفوس الأغنياءِ مِن الشُّحِّ والبخلِ، وتطهيرِ نفوس الفقراء من الغِلِّ والحسد ِ، كما قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [42].
. 2 كما شُرعتِ الزَّكاةُ أيضًا لإقامة شَعائرِ الإسلام، كالجهادِ، وبناء المساجد، والمدارس، وغيرها؛ قال - تعالى -: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيم ٌ} 43.

د - الزكاة تكافل اجتماعي :
. 1 جعل الله فريضة الزكاة فرصة للإخاء والصفاء ومناسبة لتجميع الأمة وتأليف قلوبها، وتوحيد صفوفها وتقوية شوكتها، كما يريد سبحانه لهذه الأمة أن تكون متكافلة متضامنة ، قال صلى الله عليه وسلممثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .
. 2 وتقوم الزكاة أيضا بتعويد المسلم أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأطيبه وأجله، فإن الله تعالى لا يقبل إلا طيبا، مصداقا لقوله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم ْ}البقرة: 267
. 3 الصدقة والزكاة كعبادة إجتماعية تحقق تكافل بين أفراد المجتمع ، افضل من العبادة الشخصية كالصلاة والصيام بهذا الشرط في الحديث الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: ( هِيَ فِي النَّارِ ) قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ( هِيَ فِي الْجَنَّةِ )

رابعا : طاعة الله ورسوله هما سبيل الفوز والنجاح

( ... ويطيعون الله ورسوله ... )

أ - طاعة الله ورسوله فريضة :
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا )، الأحزاب:36.
ومعنى الآية:لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَة إِذَا أَمَرَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وَرَسُوله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ أَنْ يَعْصِيَاهُ، وهَذِهِ الآيَة عَامَّة فِي جَمِيع الأُمُور؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا حَكَمَ اللَّه وَرَسُوله بِشَيْءٍ فَلَيْسَ لأحَدٍ مُخَالَفَته، وَلا اِخْتِيَار لأحَدٍ هَاهُنَا وَلا رَأْي، ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ ضَلَّ، وَجَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَسَلَكَ غَيْرَ

ب - ثمرات طاعة العبد لله ورسوله عظيمة وكثيرة منها:
. 1 أن طاعة الله وطاعة رسوله علامة الإيمان: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين َ)، ومنها: أن طاعة الله وطاعة رسوله سببٌ في دخول الجنة قال جلَّ وعلا: ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .
. 2 وطاعة الله وطاعة رسوله تجعل العبد مع النبيبن والصدقين والشهداء والصالحين قال جلَّ وعلا: ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ) .
. 3 طاعة الله وطاعة رسوله فيها الفوز والفلاح: ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ )، وطاعة الله ورسوله سببٌ لرحمة الله: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .
. 4 طاعة الله وطاعة رسوله سبباً للقوة والثبات: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين َ) .
. 5 وطاعة الله وسوله سببٌ للهداية: ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا )، وسببٌ لقبول العمل فإنَّ الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم ْ)،

الوعد من العزيز الحكيم بالرحمة لمن تحققت فيهم صفات المؤمنين :

قال الله تعالى : ( المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و يطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) التوبة71
إذا تحققت هذه الصفات في الفرد او في الجماعة او في المجتمع كما في اﻵية ، مؤمنون ومؤمنات فريقا واحدا مشاركا في العمل ، بعضهم أولياء بعض ، وقد أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وقدموا الطاعة لله ورسوله فلا شك أن الله سبحانه سيرحمهم ، ل ( إن الله عزيز ) أي يستطيع أن ينفذ وعيده ، (حكيم) أي كل شرائعه قائمة على الحكمة .