الأحد، 4 أكتوبر 2015

الإيجابية في حياة المسلم ... أعداد : محمد أبوغدير المحامي




تعريف الإيجابية

الإيجابية لغة : تعني الإلزام والتحمل من معنى الإيجاب "أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه

واصطلاحا : دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجردا لأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال .

وإيجابية المسلم: تعني أن يكون المسلم فيضاً من العطاء قوياً في البناء ، ثابتاً حين تدلهم الخطوب ، لا ييأس حين يقنط الناس ، ولا يتراخى عن العمل حين يفتر العاملون ، يصنع من الشمعة نوراً ، ومن الحزن سرورا ، متفائل في حياته ، شاكر في نعمائه ، صابر في ضرائه ، قانع بعطاء ربه له ، مؤمن بأن لهذا الكون إلهاً قدر مقاديره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .


الإيجابية في القرآن الكريم :

 نجد أنه تكرر بصور شتى وأساليب متنوعة ، ليتأكد لدى المؤمن فردية التكليف وبالتالي ذاتية العمل ، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَكُلُّهُمْ آتيه يوم الْقِيَامَةِ فَرْداً ﴾ (مريم/95)ـ
وإذا كان كل منا سيقدم على ربه فرداً، فعليه أن يعمل ويقدم أفضل ما يملك ، قال سبحانه وتعالى ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كان على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا ونذرا لظالمين فِيهَا جِثِيًّا ﴾ (مريم / 72،71) وهناك على الصراط المنصوب على متن جهنم من ينجي الإنسان بعد رحمة الله ، غير العمل الذي قدمه ..
وقال جلا جلاله ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاتُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (النساء/84

قصص قرآني في الإيجابية :

قصة الهدهد في سورة النمل وإيجابيته في معرفة القوم الكافرين وسعيه إلى نبي الله سليمان ليسعى معه لتغيير هذا الواقع الأليم وينقلهم من الكفر إلى الإيمان ،  "وتفقد الطير فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ ليأتيني بسلطان مُّبِينٍ" (النمل:20-21)

. قصة النملة في سورة النمل، والتي بإيجابيتها تحمي قومها من تحطيم سليمان وجنوده لها دون أن يعلموا ، "حَتَّىٰ إِذَا أتوا علىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادخلوا مساكنكم لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (النمل:18)..

قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة في سورة يس يسعى ينادي قومه أن يتبعوا المرسلين ، ،  "وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا 
الْمُرْسَلِينَ…"
قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر (وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد (


الإيجابية في السنة المطهرة :

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العمل الإيجابي من كل أحد ، فكثيراً ما كان يوجه كلامه إلى الأفراد "   ، وقال صلى الله عليه وسلم ( بادروا بالأعمال الصالحة  ، ويقول : اغتنم خمساً قبل خمس ، ويقول: استعن بالله ولا تعجز.من رأى منكم منكراً فليغيره بيده "  ,وقال صلى الله عليه وسلم" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع إن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها " وقال أيضا " بلغوا عني ولو آية "،قال :"تبسمك في وجه أخيك صدقة" ، وقال : " سلم على من عرفت ومن لمتعرف " (12).


أهمية الإيجابية:

الإيجابية والحماسة للعمل والرغبة في الإنجاز تمنح الدعاة القوة والثقة والقدرة على العمل لساعات طويلة وبكفاءة عالية.
إن الإيجابية بالنسبة للداعية هي الطاقة التي تشحذ الهمة، وتذكي الطموح، وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل، وانتهاز الفرص، واستثمار الواقع، وهي الحقيقة التي تجعل الدعوة محوراً للحياة، يتعلق بها القلب، وتتشوق إليها النفس،ولأجلها تحشد الطاقات، وفي سبيلها تسخر الإمكانيات.
إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي على السلبية، وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليسله حدود، وارتقاء فوق كل السدود،ومبادرة لا تُكبلها القيود. الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرد الأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال.


ركائز ودعائم الإيجابية

الرسالة والأمانة :: فالمسلم حامل رسالة ومبلغ أمانة، لم يخلق عبثاً، ولم يترك هملاً، ولا يتصور من حامل رسالة نوم ولا كسل إن أدرك رسالته وعرف مهمته، وتأمل الخطاب الرباني القرآني للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - في أوائل دعوته { يا أيها المدثر، قم فأنذر }أي " شمّر عن ساعد العزم وأنذر الناس " [تفسير ابن كثير 4/440]، "قم قيام عزم وتصميم " [الكشاف 4/156] " قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار " [تفسيرا لنسفي 4/307].

. المسئولية والمحاسبة : :يمكن أن نعرف المسئولية بأنها" تحمّل المسلم التكليف الشرعي بشروطه وحدوده، وتحمّل تبعة تصرفه إزاء التكليف في الدنيا والآخرة"،والمسئولية يتسع مفهومها لتشمل التبعة والمحاسبة والجزاء، فالإنسان يتحمل تبعة أفعاله وأقواله،ويحاسب عليها ثم يجازى عليها؛ فإن أحسن فله المثوبة، وإن أساء فعليه العقوبة، وتقرير المسئولية باعث عظيم على أداء متطلباتها والقيام بأعبائها، وإن المحاسبة على المسئولية مزيد من القوة في القيام بالمهمة، وفيها شعور بمغبة التفريط،وتهيب من عاقبة التقصير.

الإيجابية إعذار إلى الله: فالإيجابية فيها معذرة إلى الله عز وجل من التقصير؛ حيث أداء الواجب جهد الإمكان والاستطاعة، وبالتالي شعور المؤمن بالأداء وحسن النية، إذ أنه يؤدي ما عليه، وليس عليه النتائج، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أمة منهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ معذبهم عذابا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164].فالمعذرة إلى الله واجب عيني على المؤمن أن يؤديه بإيجابية، دون انتظار لما يعمله الآخرون

الأجر والأثر : : إن الداعية معلق القلب بالمثوبة، متطلع للأجر، يحب أن يبقى له أثر،وأن يمتد أجره بعد انقضاء عمره،وذلك كله لا يكون بالأمنيات ولا يتحقق بالشفاعات، وإنما ميدانه العمل{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، " إن الإسلام منهج حياة واقعية، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ما لم تتحول إلى حركة واقعية، وللنية الطيبة مكانها، ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء، إنما هي تحسب مع العمل، فتحدد قيمة العمل"[الظلال 3/1709]، وهذا قول الحق جل وعلا (ِمِثْلِ هَذَا فليعمل العاملون) (الصافات:61). فهل تريد الجنة بلا عمل ؟ وهل تطمح في الفردوس دون كد وبذل وتضحية ؟ إن هذا " النعيم الذي لا يدركه فوت، ولا يخشى عليه من نفاد، ولا يعقبه موت، ولا يهدده عذاب، لمثل هذا فليعمل العاملون"[الظلال5/2988].


سمات المسلم الإيجابي:

أولاً : أنه يتعامل مع الأحداث والمواقف بحذر ، فهولا يتعجل الأحكام ولا يقدم رأيه إلا بعد تأن ولا يصدر عن رأي العلماء ، بل يزن الأمور بميزان الشرع ، فما وافقها أخذ وما خالفها ترك .

ثانياً : أنه في زمن الفتن ، يمسك زمام نفسه ويلجم لسانه عن الإشاعة ويتحرى الصدق ، يتأمل حكمة الله فيما قدره وكتبه على عباده من الفتن المزلزلة ، التي قدرها لحكمة وكتبها لعلم يعلمه سبحانه .

ثالثاً : في المصائب التي منها الموت والمرض والهموم والغموم ، يكل المسلم الأمر إلى الله ويحوقل ويسترجع ، ولا تقعده المصيبة عن العمل ، ولا تقعده الهموم عن بذل الجهد ، لعلمه ويقينه أنها قدرتعليه قبل خلق السماوات والأرض ، ومادام الله تعالى قد كتبها وقدرها فهي حبيبة لنفسه لأن الله هو الذي كتبها عليه .

رابعاً : وأهم ما يميز المسلم الإيجابي أنه ذو همة عالية ، يرمق أعلى الجنة وهو يعمل ، ويتطلع إلى موافقة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى ، ويطمع فوق ذلك كله إلى ذلك اليوم الذي يرى فيه وجه الخالق جل جلاله ، حين يكشف الستر عن عباده ، ( نسأل الله أن نكون منهم ) .


الطريق إلى الإيجابية :

الإخلاص : فالمخلص يعلم أن الذي سيجازيه بالخير على عمله هو الله سبحانه وتعالى، لذا هو يسعى جاهدًا لإرضاء الله تعالى، والفوز بالجنة يوم القيامة، فتجده يحب العمل ويبادر به، والذي يدفعه إلى ذلك هو الإخلاص..

 العلم والإيمان: فالعلم الصالح يذَكِّر الداعيةَ باستمرار بماهية الحياة، وطبيعة التكليف، وعاقبة الإنسان،كما أنه يذكره بالآخرة، وما أعد الله لعباده من الثواب والعقاب، ويحرك مشاعرها لخيرة نحو السمو، ويزيد همته نحو الفضيلة، ويكون له من زاد العلم ما ينبهه من عاقبة الكسل ومغبة الفتور، فيدفعه إلى العمل المثمر، والعلم يذكر بمصارع الأقوام،ومهلك الظالمين، والعاقبة التي كانت للمصلحين، فيستزيد من الخير، ويندفع نحوا لعمل،.

الحفاظ على الهمة العالية وهو العامل المهم في حياة المسلم ، أن يحتفظ بهمته ولا يضيعها ، قال الجنيد رحمه الله ( عليك بحفظ الهمه فإن الهمة مقدمة الأشياء) ، وقال بعضهم ( إذا فتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه ، فإنه لا يدري متى يغلق عنه )

 النفسية المتفائلة ،وهذه من أهم مميزات المسلم الداعية خاصة ، فإنه في غمار الحركة يصنع من الشمعة ضوءاً ، ومن المصائب مغنماً ، ومن الموت حياةً، لا ييأس إذا قنط الناس ، ينظر للحياة بعين الرضا لا بعين السخط ، ويدفع مكاره الحياة بالصبر والتسليم ولا يعني هذا أنه لا يحزن ولا يتألم بل يصيبه ذلك كله ، ولكنه لا يقعد ولا يفتر عن الحركة والعمل ، قال تعالى ﴿ ثُمَّ أورثنا الكتاب الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مقتصد ومنهم سَابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُو الفضل الكبير ﴾ (فاطر /32).

المجاهدة: فبدونها لا يتحقق شيء،قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سبلنا وإن اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
من لم يباشر حر الهجير في طلب المجد لم يقل في ظل الشرف... خلق الإنسان في نصب وكبد... هناك من يكدح في سبيل نزوة وشهوة، والعظيم يكدح في سبيل عقيدة ودعوة، وليس للعابد مستراح إلا تحت ظل شجرة طوبى.

مصاحبة الإيجابيين : إذ كل قرين بالمقارَن يقتدي؛ فالبشر قد جبلوا على الغيرة والتنافس ومزاحمة بعضهم بعضًا، وحب المجاراة في طبائع البشر أمر لا ينكر،ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"(10).
فاتخذ من أصحاب الإيجابية أعوانًا , واخلط نفسك مع الأبرار, وطهرها من الفجار , واجتنب الصغار الأخطار؛ فالمرء يعرف بقرينه، فاصحب من يحملك في سيرك إلى الله، لا من تحمله، من يعظك بلحظه قبل أن يعظك بلفظه.

فروق شاسعة بين الإيجابي والسلبي :

الإيجابي يفكر في الحل، والسلبي يفكر في المشكلة.
الإيجابي لا تنضب أفكاره، والسلبي لا تنضب أعذاره.
الإيجابي يساعد الآخرين، والسلبي يتوقع المساعدة من الآخرين.
الإيجابي يرى حلًا لكل مشكلة، والسلبي يرى مشكلة في كل حل.
الإيجابييعتبر الإنجاز التزامًا يلبيه، والسلبي لا يرى في الإنجاز أكثر من وعد يعطيه.
الإيجابي لديه أحلام يحققها، والسلبي لديه أوهام وأضغاث أحلام يبددها.
الإيجابي يقول: الحل صعب لكنه ممكن، والسلبي يقول:الحل ممكن لكنه صعب.
الإيجابي يقول: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، والسلبي يقول:اخدع الناس قبل أن يخدعوك.

الإيجابي يرى في العمل أملًا، والسلبي يرى في العمل ألمًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق