السبت، 24 أكتوبر 2015

4 - أفلا يتدبرون القرآن ؟؟؟ . . . قيم أخلاقية ودستورية بين القيادة والجندية



قال الله تعالى :
( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران

واقع مرير يسفر عن قيم وأصول سامقة :

نزلت هذه الآية الكريمة تحمل كما هائلاً من القيم والأخلاق الربانية المتبادلة بين القيادة والجنود لتعالج ظروفا شديدة مؤلمة للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام صاحبت غزوة أحد .
في بداية الغزوة : أختلف الصحابة بشأن ملاقاة العدو القادم إليهم ، هل يبقوا في المدينة أم يخرجوا منها ، وانتهت الشورى إلى رأي الشباب وهو الخروج ، ووافق الرسول على ذلك الرأي وهو مكره إمتثالا  لرأي الأغلبية وخالف رأي الشيوخ الذين رأو المكث في المدينة وكان من بينهم وعلى رأسهم عبد الله بن سلول الذي غضب غضبا شديدا ثم رجع إلى المدينة بثلث الجيش والعدو على الأبواب .
وأثناءها : ضعف الجنود أمام إغراء الغنيمة وبريقها فخالفوا أمره صلى الله عليه وسلم وتركوا مواقعهم ، فانقلبوا على أعقابهم مهزومين .
وفي نهايتها : وهنوا أمام إشاعة مقتله صلى الله عليه وسلم فأفردوه في النفر القليل  وتركوه يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم , وهم لا يلوون على أحد .
وفي ظل هذا الواقع كانت  هذه الآية وغيرها لمسة حانية من الله تعالى إلى الرسول الكريم المصاب تطيب قلبه , وتقرر أن اللين والرفق بالجنود فريضة ، وأن العفو عنهم رغم أخطائهم حتمية لا تترك  ، وأن مشاورتهم في كافة أمورهم حق لا يسقط بحال من الأحوال ، وبيان ذلك في الأتي :

اولا : لا عصمة لبشر والخطأ واقع لا محال :

أخطأ الصحابة فيما انتهوا إليه من الخروج للقاء العدو خارج ديارهم وبعيد عن أهلهم وعشائر في المدينة ، لكن الرسول أمضى نتيجة الشورى وهو يدرك ما وراءها من آﻻم  إقرارا لمبدأ الشورى ، وأخطأ الجنود لمخالفتهم أمر القائد بعدم ترك أماكنهم مهما حدث فسالت الدماء ، وأخطأ من سمع اشاعة مقتل الرسول ومن ترك القائد وهو جريح .
مع كل هذه الأخطاء يأمر الله سبحانه رسوله بالعفو والمغفرة للجنود وتقديمهم للشورى ، وكأن الله تعالى يقرر حقيقة وهي أنه لا عصمة لبشر ، وكل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، وأن الإجتهاد فريضة فمن أصاب فله أجران وليستمتع بصوابه ، ومن أخطأ فله أجر وأحد مقابل اجتهاده وليراجع أمره بعد استغفاره.  

ثانيا : اللين والرفق بالجنود فريضة ربانية :

قال الله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ; ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

أ . الرحمة والرفق :

1 . هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف ، لقول اللّه عزّ وجلّ: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159]
2 . وقيل هو :هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها) لقوله تعالى: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى * قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه: 43- 45]

ب . الرسول القائد رحيما رفيقا برعيته  :

. رغم ما حدث وهو شديد أليم يقتضى الغضب وقد يؤدي إلى توقيع العقوبة على من تسبب في الخطأ ، ألا إن توجيهات الله لرسوله كانت الرحمة بالجنود والرفق بهم والإشفاق عليهم والتحذير بل النهي عن الغلظة لهم .
2 . وهكذا كان صلى الله عليه وسلم ودائما وعلى كل أحواله تجاه أصحابه ، ما غضب لنفسه قط ، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري . ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة , بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده .

ج . الرفق واللين الطريق إلى وحدة الصف :

اللين مع الناس والرفق والحلم بهم وعدم الضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم حق لهم وواجب على الحكام ، فهم في حاجة إلى من يعطيهم ولا يأخذ منهم ويحمل همومهم ويوليهم الرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء ، وإذا تحقق ذلك واستشعره الناس أثمر  - بلا شك -  وحدة الصف وتماسك أفراده  والتفاف الناس حول القائد ، وبذلك نفقه مفهوم مخالفة قوله تعالى : ( لانفضوا من حولك ) .

د . فضل الرحمة واللين :
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ». متفق عليه.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تَرَى المؤْمِنِينَ فَي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ إذَا اشْتَكَى عُضْواً تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه.
عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم على من تحرم النار؟ على كل هين، لين، سهل، قريب».
 عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن هين، لين، تخاله من اللين أحمق».



ثالثا : العفو والمغفرة الشورى حقوق للجنود واجبات على القيادة  :


قال تعالى مخاطبا رسوله : (َ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر )


أ - العفو تعريفه وحكمه وفضله :


1. العفو هو :
 التجاوز عن الذنب وترك العقاب ، قوله تعالى: ((خُذِ العفو وأْمر بالعرف وأعرضْ عن الجاهلين ) الأعراف:199

2 . العفو فريضة :
 1. قال الفخر الرازي في تفسيره عن قوله تعالى: {فاعف عَنْهُمْ} يدل على كمال الرحمة الإلهية حيث عفا سبحانه وتعالى عنهم ، ثم أوجب على رسوله أن يعفو في الحال عنهم.

3 . العفو من أخلاق الرسول الكريم :
 . عن عائشة رضي اللَّه عنها أَنها قالت : ما ضرَبَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، ولا امْرأَةً ولا خادِماً، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيل اللَّهِ ، وما نِيل منْهُ شيء قَطُّ فَيَنتَقِم مِنْ صاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنتَهَكَ شَيء مِن مَحَارِمِ اللَّهِ تعالى : فَيَنْتَقِمَ للَّهِ تعالى . رواه مسلم .
 . وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعليه بُردٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ ، فأَدركَهُ أَعْرَابيٌّ ، فَجبذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَة شَديدَةً ، فَنظرتُ إلى صفحة عاتِقِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وقَد أَثَّرَت بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبذَتِهِ ، ثُمَّ قال : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مالِ اللَّهِ الذي عِندَكَ . فالتَفَتَ إِلَيْه ، فضحِكَ ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ . متفقٌ عليه

ب - الإستغفار تعريفه وحكمه وفضله :

1 - الإستغفار هو :
طلب المغفرة للذنوب والإقالة من العثرات من الله العزيز الغفار، وأفضل وقت للاستغفار هو وقت السحر قال تعالى : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات :18 .
2 - الإستغفار واجب شرعي :
قال الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: ( واستغفر لَهُمُ ) أمر له صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لأصحاب الكبائر، وإذا أمره بطلب المغفرة لا يجوز أن لا يجيبه إليه، لأن ذلك لا يليق بالكريم، فدلت هذه الآية على أنه تعالى يشفع محمدًا صلى الله عليه وسلم في الدنيا في حق أصحاب الكبائر، فبأن يشفعه في حقهم في القيامة كان أولى
3 -  فضل الإستغفار :
روى البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.
روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب"


ج - الشوري تعريفها حكمها فضلها :


1 . الشورى هي :
استظهار الرأي الصواب من خلال التحاور بين أهل العلم والخبرة، قال الله تعالى : {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ}

2 . الأمر الإلهي للنبي بالشورى :
ورغم ما ترتب على ممارسة الشوري في غزو احد من النتائج السالف بيانها والأضرار الشديدة جاء هذا الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بتمكين الأمة من ممارسة الشورى ، وتدربهم على حمل التبعة - وأن أخطأت - فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ . .والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة .

3 . فضل الشُّورى :
روى سهلُ بنُ سعد السّاعِدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شَقى قَطُّ عبدٌ بمشورة وما سَعِد باستغناء رأي»
وفي الشورى تقليب و تجريب للأُمورَ وذلك يُعطيك خبرة الآخرين وتجاربهم في المسألة موضوع الشورى من خلال من رأيه وتحصل على ذلك مجانا ، وقال الحسن: والله ما تشاوَرَ قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم.

4 . نتيجة الشورى ملزمة للقائد والجنود :
قال الله تعالى : (فإذا عزمت فتوكل على الله ) .
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة ، فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد ، انتهى دور الشورى وجب التنفيذ في عزم وحسم وفي توكل على الله ليصل الأمر بقدر الله ويدعه لمشيئته سبحانه تصوغ العواقب كما تشاء .
وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم حينما لبس لامة الحرب ومضى في تنفيذ ما إنتهت إليه الشورى ، وحين أتيحت له صلى الله عليه وسلم فرصة أخرى بتردد المتحمسين وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه ، لم ينتهزها ليرجع عن نتيجة الشورى .
لأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلمهم درس العزم والمضي مع التوكل على الله والاستسلام لقدره ، وأن للشورى وقتها ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد ، إنما هو رأي وشورى وعزم ومضاء ، ثم توكل على الله .

(إن الله يحب المتوكلين).
والخلة التي يحبها الله ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون . بل هي التي تميز المؤمنين ، والتوكل على الله , ورد الأمر إليه في النهاية ، هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية ، وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة وهي : حقيقة أن مرد الأمر كله لله ، وأن الله فعال لما يريد .



رابعا : قيم دستورية بين القيادة و الجنود أو الحاكم والأمة :


أحداث غزوة أحد التي إنتهت بالدماء والآلام السالف بيانها وكان الرسول الكريم فيها يمارس دورة بصفته قائدا عسكرا للصحابة في الأمور الحياتية الدنيوية وليس نبيا معصوما من الخطأ في الشأن الديني ، ومن ثم كانت الآيات الكريمة تضع قيما وأصول دستورية ملزمة للرسول ولكل حاكم للمسلمين تحدد العلاقة بين الرئيس أو الخليفة وبين الرعية في الآتي :

 
أ . العلاقة بين الحاكم والمحكوم :

 1 . الحاكم وكيل عن الأمة :في حراسة الملة وسياسة الدولة ، لحفظ أمن الناس وأموالهم وأعراضهم.
موقع الحاكم في الإسلام، أنه وكيل عن الأمة لا عليها, يدير شئونها, بناء على ما هو مصلحتها، ومقتضى الوكالة رفض استخدام الوكيل القوة المادية، أداة للوصول إلى السلطة أو أداة للاحتفاظ بها.
2 . أن مفهوم ولي الأمر، عندما يطلق على الحاكم مختلف عن مفهوم ولاية الآباء على الأبناء، ولاية الأوصياء على السفهاء، ولاية الوكلاء على الأيتام. إنما هو والٍ ولاه الناس عليهم أميراً ومع أن هذه بديهية في فقه السياسة.

ب . أهمية الشورى :

تعتبر الشورى أصلاً من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي، بل امتدَّت لتشمل كل أمور المسلمين؛ وتأسيسًا على ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في ضرورة موافقة الجماعة على اختيار مَنْ يقوم بولاية أمورها ورعاية مصالحها وتدبير شئونها؛ ممَّا يؤكِّد قيمة وفاعلية الإجماع عند المسلمين .

ج . الشورى حق للأمة واجب على القيادة :

حق الامة في الشورة هو امتداد لحقها في  انتخاب رئيس الدولة فهي التي انتخبته  ومن حقها عليه ألا يبرم أمرا من الأمور الهامة التي تؤثر في حاضرها و مستقبلها إلا بعد الرجوع أليها و أخذ مشورتها  قال تعالى في سورة الشورى موضحا صفات المؤمنين  ( و الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة و أمرهم شورى بينهم و مما رزقناهم ينفقون )
و هذه النصوص الشرعية واضحة الدلالة علي وجوب المشاورة و لا خلاف بين الفقهاء على ذلك ، قال ابن تيمية( لا غنى لولي الأمر عن المشاورة فإن الله تعالى أمر بها نبيه )  ، و هذا المعنى ذكره كل من القرطبي و الرازي و الطبري في تفاسيرهم  .

د . ترك الشورى موجب لعزل الحاكم :


 و نظرا لثبوت حق الأمة في المشاورة و لزومه على الحاكم ، صرح الفقهاء بأن ترك هذا الحق من قبل الحاكم موجب لعزله قاله القرطبي ( قال بن عطية : والشورى من قواعد الشريعة و عزائم الأحكام ، ومن لم يستشر أهل العلم و الدين فعزله واجب )  فلا بقاء لحاكم مستبد في دولة تقام على الإسلام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق