الخميس، 29 ديسمبر 2016

التغافر والتغافل سياج الأخوة ، إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الأخوة من نعم الله تعالى ، فإذا استوفت شروطها وجبت محبة الله لعباده كما في الحديث القدسي: ( وجبت محبتـي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ ) رواه أحمد  ، وتكرار لفظة " فيّ" في هذا الحديث القدسي يقطع بأن قوة الأخوة تكمن في إخلاص المصاحبة والصداقة لله .
والأخوة في الله تآلف بين القلوب واتحاد بين النفوس، لأن راية المؤمنين واحدة، وغايتهم واحدة، وطريقهم واحد ، ومن ثم تتلاشى بينهم الأحقاد والضغائن والأطماع والوساوس، لأن القلوب الصافية النقية تملك القدرة على التغافل عن الخطأ والتغافر من الذنب ، فيبين الله تعالى حال هؤلاء وهم يدعون لبعضهم بعضا : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) سـورة الحـشر :10 .
يقول الإمام أحمد : "تسعة أعشار حُسن الخلق في التغافل" .
فما معنى كل من التغافل ، والتغافر وما مشروعيتهما وكونه من أخلاق السلف  ؟ ، وما الداعي إليهما ؟ ، وما ثمراتهما ؟ والإجابة في هذه السطور .

.
أولا : التغافر معناه ومشروعيته وتخلق السلف به  :

.
أ - معنى التغافر :

 . 1 التغافر لغة  : تَغافَرَ ( فعل ): طلب المغفرة .
وتَغَافَرَ القومُ : دعاء كلُّ واحدٍ منهم لصاحبه بالمغفرة .

. 2  التغافر اصطلاحا : والتغافر : أن تقول لأخيك المخطئ رب اغفر لي ولأخي هذا ، ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك .

ب - مشروعية التغافر :

ولقد أمر الإسلام بالعفو والصفح والتغافر :
 . 1 قال تعالى: ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن:14 .
 . 2 وقال أيضاً: (... وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور/ 22 .
 3 .)  وقال أيضاً: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون َ) الجاثية :14

ج – التغافر من أخلاق السلف  :

ومن الأمثلة الراقية عن التغافر لدى السلف الصالح ما يأتي :
1. روي أن صديقا حدث له ما يغضبه من ابن السماك فقال له : الميعاد بيني وبينك غدًا نتعاتب "فرد عليه ابن السماك رحمه الله تعالى بأبلغ جواب قال : بل بيني وبينك غدًا نتغافر" .

2. روى ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة، فعثرت فصبّت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: "يا مولاي! استعمل قول الله تعالى: {والكاظمين الغيظ}، فقال: "قد فعلت"، فقالت: "اعمل بما بعده": {والعافين عن الناس}، قال: "قد عفوت"، فقالت: "اعمل بما بعده" {والله يحب المحسنين} (آل عمران:134)، فقال ميمون: "أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى".

3. دخل عمر بن عبد العزيز المسجدَ في ليلةٍ مظلمة، فمرَّ برجل نائم فعَثَر به، فرفع الرجلُ رأسَه وقال: أمجنونٌ أنت؟ (وما علم أنَّه أمير المؤمنين)، فقال عمر: لا، فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مَهْ، إنَّما سألني أمجنون؟ فقلت: لا.

4. خرج يومًا إبراهيم بن أدهم رحمه الله يمشي فمرَّ على رجلٍ من اليهود وكان معه كلب، فأراد الرَّجل أن يُغضب إبراهيم، فقال الرجل لإبراهيم: يا إبراهيم، لحيتُك هذه أطهر من ذَنَب كلبي أم ذَنَبُ كلبي أَطهر من لحيتك؟ فإذا إبراهيم يقول: إن كنتُ من أهل الجنَّة فإنَّ لحيتي أطهر من كلبك، وإن كنتُ من أهل النَّار فذَنَب كلبك أَفْضل من لحيتي، فقال الرجل: هذه أخلاق النبوَّة، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

.
ثانيا التغافل من أخلاق السلف  :

أ - معنى التغافل :

. 1  التغافل لغة : هو : تعمد الغفلة .

 . 2 التغافل اصطلاحا : هو : إعراضك عن قول أو فعل صدر من صديق وانت تتيقن غرضه السيء منه ، وتقابل ذلك بالتحلم والتسامح في التعامل معه .
وعرف - كذلك - بأنه : قصد الإنسان للغفلة، مع العلم والإدراك بما يتغافل عنه ؛ تكرما وترفعا عن سفاسف الأمور.

فالمتغافل : من يتعمد الغفلة عن أخطاء وعيوب مَن حوله، مع أنه مدركٌ لها وعالمٌ بها ، وكذلك يتغافل عن ما يقع أمامه من المواقف المحرجة للبعض , فمن حسن الخلق التغافل عن ذلك وعدم إشعار صاحب الموقف بأنه شوهد أو شُعِر به.

ب – مشروعية التغافل :

قد علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الخلق الكريم والأدب الرفيع ، وهذه أمثلة لذلك :
1. أسرّ صلّى الله عليه وسلّم إلى بعض أزواجه ببعض الأسرار ونبأت به وأظهره الله تعالى عليه، فلم يعاتب عليه الصلاة والسلام بكل ما علم حتى لا يُحرج زوجته بمواجهتها بكل ما قالت، وفي ذلك قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير  )

2. عن أنس رضي الله عنه قال : ( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين, فما قالَ لي قطُّ أفٍ, وما قالَ لشيءٍ فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا؟ ) متفقٌ عليه .

3. وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف داعيًا ، يحدوه الأمل في هداية ثقيف وذهب إليهم بقلب يحمل الخير والهدى للعالمين ، إلا انه لاقى منهم وقد استهزؤا بشخصه الكريم ، وسلطوا عليه سفهاءهم فرجموه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء ، وحين رفع صلى الله عليه وسلم اكف الضراعة إلى الله داعيا لم يطلب إهلاكهم أو تعذيبهم ، غير عابئ بجراحه البدنية وآلامه النفسية السالف بيانها ، فقط امتزجت كلماته بحرقه وجدانه الخائف على نفسه من غضب الله  ، ولم يستجب لطلب ملك الجبال حين قال : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ ‘‘ ، فقال صلى الله عليه وسلم بكل رحمة وعفو ، ‘‘ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ’’

ج - التغافل من أخلاق السلف  :

ومن الأمثلة الراقية عن التغافل لدى السلف الصالح ما يأتي :
1. وروى عن أبو علي الدقاق انه قال : جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فحدث أن خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ، فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت ، فلقّب بحاتم الأصم .

2. ومنها ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.

3. ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فنمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.

.
ثالثا : لماذا التغافر والتغافل ؟

أ - لأن كل ابن آدم خطاء :

الخطأ صفة ملازمة للبشر لا ينجو منه أحد إلا من عصمه الله من الأنبياء والمرسلين ، ولقد صدر الخطأ عن أصحاب النبي الكرام صلى الله عليه وسلم ، والعلماء والأولياء يخطئون أيضا ، ، وبيان ذلك في الآتي :
لقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " أخرجه الترمذي .
وعن خطأ الصحابة الكرام رضي الله عنهم وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين من الخطأ ، قال عليه الصلاة والسلام : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" أخرجه مسلم والترمذي .
وعن خطأ العلماء والأولياء قال الإمام الترمذي : "وإنما تفاضل أهل العلم بالحق الصدق والإتقان ، والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ليس من شرط أولياء الله المتقين ترك الصغائر مطلقاً ، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه توبة .
وإذا كان لا عصمة لبشر فمن مصلحة الجميع أن يتغافل ويتغافر بعضهم عن ذنوب بعض حتى تتصافى القلوب وتطيب النفوس وتبقى الأخوة الصادقة على قلب رجل واحد لتقيم شرائع الإسلام ومناهجه .
ومن ناحية أخرى يقول الإمام ابن القيم : يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو , فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده , وأن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده , فإنما الجزاء من جنس العمل .

ب - الخطأ اليسير مغتفر في جانب الخير الكثير :

نتغافر ونتغافل عن أخطاء إخواننا لأن المسلم يوزن بسيئاته وحسناته معا ، فأيهما غلب كان الحكم له ، كما قال تعالى : ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) المؤمنون : 102 ، 103 .

فمن كانت حسناته هي الراجحة على سيئاته مع الندم على السيئات كان على سبيل النجاة وطريق الفوز والفلاح ،  وبيان ذلك في الآتي :
قال الحافظ ابن رجب : "والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه" .
وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" أخرجه أبو داود .
قال الشافعي : "ذوو الهيئات الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة" .
وبهذا المنهج عامل النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب لكفار قريش عن تحرك جيش المسلمين لغزوهم ، فقال عمر : إنه خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أليس من أهل بدر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم" رواه البخاري.
وعن هذه الواقعة قال ابن القيم رحمه الله : فدل ذلك على أن مقتضى عقوبة حاطب قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه لما له من المشهد العظيم ، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات" .

ج - تجنب الجدال والمراء والخصومة :

التغافر والتغافل عن الأخطاء بين الأحباب ضرورة حتى لا نقع في مذمة الجدال والمراء والخصومة ، قال الإمام النووي – رحمه الله : ( مما يذم من الألفاظ المراء , والجدال , والخصومة  ) .
والمراء كما عرفه الإمام أبو حامد الغزالي : هو طعنك في كلام الغير لإظهار خلل فيه , لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيتك عليه .
ولكون ترك المراء شاق على النفوس التي اعتادته ، فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من تركه بهذه البشارة العظيمة : فقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا ) رواه أبو داود وحسنه الألباني .
الجدال المذموم الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك ، كقوله -صلى الله عليه وسلم : ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل ) ، ثم تلا قوله تعالى ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) أخرجه الترمذي .
وقال الأوزاعي : ( إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل ) .
وقال محمد بن علي بن حسين – ( الخصومة تمحق الدين ، وتنبت الشحناء في صدور الرجال .

د - سلامة الصدر تجاه المؤمنين  :

التغافر والتغافل عن الأخطاء بين الأحباب ضرورة لسلامة الصدر ونقاء القلب، امتلاؤه إيمانًا ويقينًا وتقوى ومحبة ورحمة ، وخُلوُّه من كل غلٍّ وحسد وحقد على المسلمين.
والصدر السليم هو الذي لا غشَّ فيه، ولا غلَّ فيه، ولا حقد فيه، ولا حسد فيه، ولا ضغينة فيه، ولا كراهية ولا بغضاء فيه لأحد من المسلمين.
وقال الفضيل بن عياض : ( لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صلاة ولا صيام ، وإنما أدرك بسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة )

.
رابعا : من ثمرات التغافر والتغافل :

أ - الستر وعدم الإشاعة :

التغافر والتغافل وسيلة فعالة لستر العيوب والأخطاء ، وغلق أبواب الإشاعات المغرضة وحماية أعراض المؤمنين ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري  .
ومن الستر بيان الأخطاء دون التعرف للأشخاص ما أمكن ذلك ، ومن ذلك حديث القبرين اللذين مر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير" رواه البخاري ، فلم يذكر اسمي الرجلين ، بل أشار إلى ما وقعا فيه من الخطأ محذراً من ذلك ، فحصل المقصود والغرض .
ومن الستر أيضا استخدام أسلوب التعريض وعدم فضح صاحب الخطأ ، روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بال أقوم يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) أخرجه البخاري  .

ب - تحول العداوة إلى صداقة  :

إنّ مجتمع المؤمنين لا ينبغي أن تقوم فيه المعاملة بين أفراده على المؤاخذة والمحاسبة والانتصار للذات، والانتصاف لها في كل صغيرة وكبيرة. وإنما ينبغي أن تقوم فيه المعاملة على المسامحة والتغاضي والصفح والصبر، وهذا ما دعت إليه نصوص الشرع، وحثّ عليه رب العالمين: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ فصلت: 34، 35 .

ج - العفو والصفح :

العفو : التجاوز وترك الانتقام ، والصفح : ترك التأنيب والعتاب .
العفو والصفح من ثمرات التغافر والتغافل ، وبهما تخلو القلوب من العداوة ويغيب تربَّص الفرصََ للانتقام ، فلا إضمار للشّرَّ لمن أساء ولا تكدر لعيشُة الأحباب ولا اضطراب لنفوسهم ولا وهنَ لأجسادهم ، ولا نيل من أعراضهم ، فلا مكان للمحبة والأخوة في الله تعالى إلا بسلامةِ القلب من وسَاوس الضغينة وغواشي الغِلّ ونيران العداوة وحسائِك الحقد .
قال الله تعالى : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ الأعراف: 199 .
وقال سبحانه ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ البقرة: 109 .
 وقال الله تعالى أيضا : ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ المائدة: 13 .
وقال الله تعالى أيضا : ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾  الحجر: 85.

الجمعة، 9 ديسمبر 2016

مراقبة الله ، إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مراقبة الله مفهومها ، ورودها في القرآن والسنة ، درجاتها ، فضلها ، وكيفية تحقيقها ، والطريق اليها ، قصص حولها .

المراقبة لغة:

مصدر مأخوذ من راقب يراقب مراقبة، وتدل على الانتصاب لمراعاة الشيء.
والرقيب : الحافظ .
وراقب الله في أمره : أي خافه.

المراقبة شرعا :

قال المحاسبي: ( المراقبة دوام علم القلب بعلم الله عز وجل في السكون والحركة علماً لازماً مقترناً بصفاء اليقين ) .

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
 المراقبة : هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه ،
فاستدامته لهذا العلم، واليقين بذلك هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على عمله.
ومن راقب الله في خواطره ؛ عصمه الله في حركات جوارحه ..

ثانيا : المراقبة في الكتاب والسنة :

أ- في القرآن الكريم  :

 1 . قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} سورة آل عمران : 5.
2 . وقال سبحانه : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ٌ} سورة الحديد : 4.
3 . وقال سبحانه : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } سورة غافر : 19 .
4 . وقال سبحانه : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} سورة البقرة: 235 .
5 . وقال سبحانه : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا } سورة الأحزاب : 52.
6 . وقال سبحانه : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ٰ} سورة العلق: 14 .

ب - في السنة النبوية  :

1 .  عن معاذ رضي الله عنه قال يا رسول الله أوصني { قال اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله قال هذا وأشار بيده إلى لسانه } قال الألباني صحيح لغيره .

2 . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق علي  رواه البخاري .
وإذا نظرت إلى هؤلاء السبعة تجد أن الشيء المشترك والوصف الذي تحقق فيهم جميعاً هو المراقبة لله تبارك وتعالى.

3 . في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم؛ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) رواه البخاري .

ثالثاً:  درجات المراقبة:

أ - الدرجة الأولى: استدامة السير إلى الله والقرب إليه مع الأنس والسرور به:

قال ابن القيم في معرض شرحه لهذه الدرجة: "فإن الحضور يوجب أنساً ومحبة، وإن لم يقارنهما تعظيم أورثاه خروجاً عن حدود العبودية ورعونة ، فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب فهو سبب للبعد عنه ، والسقوط من عينه . وأما السرور الباعث فهو الفرحة والتعظيم ، واللذة التي يجدها في تلك المداناة ، فإن سرور القلب بالله وفرحه به، وقُرّة العين به لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا ألبتة... ولا ريب أن هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل، وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته" .

ب - الدرجة الثانية: مراقبة الله بصيانة الباطن والظاهر:

قال ابن القيم شارحاً لهذه الدرجة: "هذه مراقبةٌ لمراقبة الله لك، فهي مراقبة لصفة خاصة معينة، وهي توجب صيانة الباطن والظاهر، فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة" .

ج- الدرجة الثالثة: مراقبة الله بشهود انفراده سبحانه بأزليته وحده، دوكل ما سواه فكائن بعد عدمه بتكوينه:
قال ابن القيم مبينا معنى هذه الدرجة: "وهذا الشهود متعلّق بأسمائه وصفاته، وتقدُّم علمه بالأشياء ووقوعها في الأبد مطابقة لعلمه الأزلي، فهذا الشهود يُعْطي إيماناً ومعرفة، وإثباتا للعلم والقدرة، والفعل، والقضاء والقدر .


رابعاً: فضيلة المراقبة:

أ - أن المراقبة سبب من أسباب دخول الجنة:

قال تعالى: {هَلْ جَزَاء ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَـٰنُ} [الرحمن:60].
قال ابن القيم مفسراً الآية: "الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنك تراه... وفي الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل، ومراقبته، ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان" .

ب - أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه :

قال تعالى: {رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} [البينة:8].
قال أهل العلم: "ذلك لمن راقب ربه عز وجل، وحاسب نفسه وتزود لمعاده" .

ج - باعثة على المسارعة إلى الطاعات:

قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101].
قال القصري: "إذا عرف العبد مقام الإحسان، سارع إلى طاعته قدر وسعه، فهذا حال المحب الذي يعبد الله كأنه يراه" .

د-  يحصل بها معية الله وتأييده:

قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128].
قال ابن كثير: "أي معهم بتأييده ونصره ومعونته، وهذه معية خاصة" .

هـ-  معينه على ترك المعاصي والمنكرات:

قال ابن الجوزي: "فقلوب الجهال تستشعر البُعْد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكُفَّ عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط" .
وقال ابن القيم:  "فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته"[9].

و- من أفضل الطاعات وأعلاها:

قال ابن عطاء: "أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات".

ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته:

قال القصري: "فأما كونه من الإيمان فبيّن؛ لأنه في نفسه تصديق بالنظر إلى الله في الحال، أو تصديق بأن الله ينظر إليه، إلا أنه ثمرة الإيمان، وأعلاه وخالصه" .

ح- بالمراقبة يسعد العبد، وتصلح أحواله في الدارين:

قال ابن علان: "فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً، بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن، وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية، والفضائل العلية التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية... وذلك إنما يكون بالمراقبة، ومعرفة أن فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه" .

خامساً: كيف تراقب الله؟:

أ- أن تنظر قبل العمل وأثناءه :

للمراقب أن ينظر قبل العمل الى همه وحركته أهي لله خاصة أو لهوى النفس و الحق، فإن كان لله تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله، وانكف عنه، ثم لام نفسه على رغبته فيه، وهمه به، وميله إليه، وعرّفها سوء فِعْلها، وأنها عدوّة نفسها" .

ب-  أن تراقب الله قبل الهم بالمعصية فتكفّ عنها :

إن العبد مأمور بأن يعلم أن الله يراه، فإذا هم بمعصية وعلم أن الله يراه، ويبصرُه على أي حالة كان، وأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور كفَّ عن المعصية ورجع عنها" .

ج- أن تراقب الله بعد الوقوع في المعاصي بالتوبة:

قال ابن القيم: "ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع" .

د- مراقبته في المباحات بشكره سبحانه على نعمه :

قال ابن القيم في مدارج السالكين : "ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنه لا يخلو العبد من نعمة لا بد له من الشكر عليها".

     سادساً: الطرق المعينة على المراقبة:

أ- التعبد لله بأسماء الله وصفاته العلى :

ومن المراقبة التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة" .
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء/1، وقال: ( إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) هود/57 ، وقال: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [المجادلة/7]، وقال:  ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

ب- قطع أشغال الدنيا عن القلب وتعاهده بالرعاية والعناية :

جاء في كتاب الوصايا : سئل المحاسبي: عن ما يوصل المرء إلى حالة المراقبة ، فأجاب : "قطع علائق الأشغال، ولزوم العلم، والتعاهد بالعناية والرعاية" .

ج- تعظيم الله سبحانه وتعالى :

إذا ثبت تعظيم الله في قلب العبد أورثه الحياء من الله، والهيبة له، فاستحى  أن يطلع الله على قلبه وهو معتقد لشيء مما يكره، أو على جارحة من جوارحه، تتحرك بما يكره، فطهّر قلبه من كل معصية، ومنع جوارحه من جميع معاصيه" .

د- التفكر في أمور الآخرة:

 فإن العبد إذا فكر في مواطن الآخرة من موت، وقبر، وحشر،... وعلى أنه معروض على الله في ذلك العالم ومواطنه؛ تهيأ لذلك العرض"

ه - العلم بشهادة الجوارح في الآخرة.

قال تعالى: }حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 20 فصلت
وقال تعالى: }الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [يس/65].

و - العلم بشهادة الأرض بما عُمِل فوقها من المعاصي.

قال تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا » رواه الترمذي.


سابعا : قصص في المراقبة :
جاء في  إحياء علوم الدين أن عبد الله بن دينار قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرّسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله ؟ قال: فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تُعتقك في الآخرة .

سابعا قصة في المراقبة :
قصة عمر بن الخطاب حين كان يتفقد رعيته ليلاً، إذ مر على باب من أبواب بيوت المدينة، فسمع امرأة تهيئ اللبن لتبيعه نهارًا، فخلطته بالماء، فقالت لها ابنتها: إن أمير المؤمنين عمر نهانا أن نخلط الماء باللبن، فقالت لها أمها: ولكن عمر لا يرانا الآن، فقالت الفتاة المؤمنة: ولكن رب عمر يرانا.

قصة أخرى :
قصة عمر بن الخطاب حين كان يتفقد رعيته ليلاً، إذ مر على باب من أبواب بيوت المدينة، فسمع امرأة تهيئ اللبن لتبيعه نهارًا، فخلطته بالماء، فقالت لها ابنتها: إن أمير المؤمنين عمر نهانا أن نخلط الماء باللبن، فقالت لها أمها: ولكن عمر لا يرانا الآن، فقالت الفتاة المؤمنة: ولكن رب عمر يرانا.

الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

الكلمة الطيبة رسالة إعداد : محمد أبوغدير المحامي

قال الله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ إبراهيم: 24-26 .

الكلمة الطيبة رسالة : تزكو بها الأنفس والأرواح ويفتح الله بها قلوب عباده ، والكلمة دعوة إلى الله : فهي أحسن ما يقال في الأرض ويصعد إلى السماء ، والكلمة الطيبة إصلاح وجهاد : فهي معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح وأفضل جهاد في مواجهة السلطان الظالم ،
والكلمة أمانة وشهادة : فهي السبيل لوصول الولاية لمن يستحقها عبر صندوق الانتخاب فبها لا  يصل إلى الولاية إلا مستحقيها فالناخب إما أن يكون شاهد حق ، أو شاهدة زور ، ومن ثم فمن حقوق الناخب : أن يعرفة المهمة التي التي يقوم بها للمرشح حال فوزه و من واجب العلم بشخصية المرشح وسماته قبل إنتخابه .
وبيان ذلك في الصفحات الآتية :


أولا : الكلمة الطيبة تزكية للنفس ودعوة للغير :

أ - الكلمة تزكية للنفس  :

فالكلمة الطيبة تخرج من لسان العبد الصالح تكون عنوانه ودليله ولباسه الساتر وجماله الظاهر وعطره الفواح ، فيفتح الله بها قلوب العباد وتزكو بها أرواحهم .
والكلمة الطيبة ذكر لله تعالى وتسبيح وتهليل وتكبير، وحمد ودعاء، وشكر وقراءة قرآن ، وعلم نافع، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ونصيحة نافعة، وغير ذلك من العبادات القولية.
قال تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ فاطر: 10
والمؤمن الحق يعلم أن سلامة إيمانه مرتبط بنزاهة لسانه قال صلى الله عليه وسلم: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري ومسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم ) رواه البخاري ومسلم .

ب - الكلمة الحسنة دعوة إلى الله :

قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 33) سورة فصلت
وكلمة الدعوة هي أحسن كلمة تقال في الأرض ، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ؛ ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ .
والكلمة الطيبة الخالية من السباب وتجريح الأعراض، وإيذاء الأسماع وإيلام القلوب ووغر الصدور تنزع العداوة من القلوب وتزرع المحبة والولاية بين المؤمنين ، قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) 34 سورة فصلت
وليس للداعية أن يرد بالسيئة ، فإن الحسنة لا يستوي أثرها كما لا تستوي قيمتها مع السيئة والصبر والتسامح ، والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر ، يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة ، فتنقلب من الخصومة إلى الولاء ، ومن الجماح إلى اللين .

ثانيا : الكلمة الطيبة إصلاح وجهاد :

.
أ - الكلمة منهج إصلاح :

والمؤمن الحق يشعر بقيمة كلمته فهي معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح والإصلاح في الدنيا ، والفوز والنجاة في الآخرة ، يقول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا ) سورة الأحزاب: الآيتان 70-71 .
وللكلمة الطيبة قوة عظيمة في الانتصار على النفس خاصة عند الخصام والجدال والعداوة حينما تصدر من المؤمن القوي الحق الذي ينتصر على نفسه. عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم  ) :ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ( متفق عليه  .
والكلمة الطيبة لها آثارها الحسنة العاجلة والآجلة على صاحبها وعلى من بلغته ، فكم من كلمة طيبة غيرت مجتمعاً من الشر إلى الخير ، ومن الذل إلى العز، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة.

ب - الكلمة أفضل جهاد :

إن كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا قيلت في مواجهة صاحب السلطان فقد يتعرض من قالها للأذى والهلاك ، لذلك كان أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف .
أخرج الإمام أحمد في مسنده : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل قال : ( كلمة حق عند سلطان جائر ( .
وإنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير ، فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير ، وإن مات فى سبيلها فهو سيد الشهداء كقوله صلى الله عليه وسلم ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله )

.
ثالثا : الكلمة أمانة وشهادة :

من أعظم الأمانات ولاية أمور الناس ، وقد تكون الولاية عامة وضخمة كرئيس الدولة الذي يحكم أو البرلمان الذي يسن التشريعات والقوانين ، وقد تكون الولاية خاصة وبسيطة كاختيار مجلس إدارة نادي أو جمعية .
ومن الأمانة أن تعطى الولاية لمن يستحقها من أهلها ، وتستحق هذه الولاية بكلمة يدلي بها الناخب في انتخاب يشهد بها على كفاءة المرشح على تولي الولاية ، لذلك كانت الانتخابات أمانة وشهادة .

أ - معنى الانتخاب :

 1 . الانتخابات لغة :
انتخب الشيءَ : اختارَه.
ونُخْبةُ القَوم ونُخَبَتُهم : خِيارُهم.

2 .  الانتخابات اصطلاحا :
هي تلك العملية التي بواسطتها يقوم المواطنون باختيار ممثليهم لاستلام مناصب السلطة التشريعية أو التنفيذية أو المؤسسات المحلية، وذلك من خلال التصويت .

3 . والتصويت :
هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات.

ب - الانتخابات أمانة :

قال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء :58 .
والانتخاب أمانة للناخبين كي يولوا هذه الولايات مستحقيها ، ممن هم كفؤ لها ، فإن الناخب أعطي هذه الأمانة وهي تولية من يعتقد أنه الأصلح للمنصب الذي ينتخب له ، وعلى الناخب أن يؤدي الأمانة ولا يضيعها .
سأل أبو ذر الرسول صلى الله عليه وسلم الإمارة ، فكان الجواب صريحا وواضحا قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها )   .
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن يزيد بن أبي سفيان قال : قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ، ذلك أكثر ما أخاف عليك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم  ) .
وأخرج الشيخان عن معقل قال : سمعت رسول الله يقول : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) .
وفي كتاب السياسة الشرعية يقول ابن تيمية رحمه الله : فليس عليه أن يستعمل إلا الأصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجودة من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ، فإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذ الولاية بحقها ، فقد أدى الأمانـة وقام بالواجب في هذا  .

ج - الانتخـاب شهادة  :

الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره ، لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : ( أترى الشمس ؟ قال نعم ، فقال : على مثلها فاشهد ، أو دع ) رواه
والشهادة أمر خطير دنيا ودينا ، لذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة الزور ، وجعلها صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر فقال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) رواه مسلم .
فكلمة الناخب إما أن تكون شهادة حق ، أو شهادة زور ، فإذا تحققت شروط الناخب ، وأدى الشهادة كما يرضي الله ورسوله فهذه شهادة حق يثاب عليها حال إدلائه بصوته ، وتبقى صدقة جارية يثاب هذا الناخب على كل عمل خير يقوم به هذا المرشح بعد فوزه .
أما إذا أعطى صوته لمرشح ليس كفئاً ، وكان بين المرشحين من هو أرضى منه لله ورسوله ، فهذا الانتخاب شهادة زور والعياذ بالله ، وقد سبق تشديد الوعيد لشهادة الزور ، وأنها تعدل الشرك بالله .

د - حق الناخب وواجبه  :

1 .  الحق في معرفة المهمة التي يرشح لها :
فمن حق الناخب على الجهة المشرفة على الانتخاب أن تحيطه علما بالمهام والواجبات التي تقع على عاتق من يشغل الموقع المرشح له ، وكذلك بيان دوره في المجتمع وأهميته .

2 .  واجب العلم بشخصية المرشح وسماته :
ولقد لخص القرآن الكريم السمات العامة للمسئول في القوة والأمانة حال ذكر حكاية عن بنت الرجل الصالح شعيب ، فقال الله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) القصص : 26 .
ومن ثم ينبغي أن تتوفر في المراد انتخابه ثلاث صفات رئيسة هي :
 * أن يكون لديه معرفة وإلمام بالحاجات المرتبطة بالناس وبالقوانين الخاصة بالشأن المرشح له حتى يتمكن من أداء دوره بنجاح.
 * أن يمتلك القوة والجرأة التي تمكنه من الدفاع عن حقوق المواطنين ضمن إطارها الطبيعي.
 * أن يكون لديه شعور بالمسؤولية تجاه الناس الوطن ، والأمانة المانعة من أن يستغل الموقع لمصالحه الشخصية .
وعليه يجب على الناخب أن يتحقق من وجود تلك السمات في شخصية المرشح حتى ينتخبه .

3 .  وسؤال أهـل الـذكر إن كان لا يعلم :
بهذا العلم يتمكن الناخب من المقارنة بين المرشحين ، ويعرف الأفضل منهم والأرضى لله ورسوله فينتخبه أو يشهده بأنه هو الأصلح لهذه المهمة ، وعندئذ تكون شهادته صحيحة ، وموافقة للشرع .
أما إذا كان الناخب لا يقدر على أداء الشهادة صحيحة على النحو السالف بيانه ، لكونه لا يعرف المرشحين ، فيتعين عليه أن يسأل عنهم من يثق بدينهم وعلمهم ليعرف من هو الأرضى لله ورسوله فيقدم له صوته .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من استعمل رجلا ً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) رواه الحاكم3 والتصويت :
هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات.

ب - الانتخابات أمانة :

قال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء :58 .
والانتخاب أمانة للناخبين كي يولوا هذه الولايات مستحقيها ، ممن هم كفؤ لها ، فإن الناخب أعطي هذه الأمانة وهي تولية من يعتقد أنه الأصلح للمنصب الذي ينتخب له ، وعلى الناخب أن يؤدي الأمانة ولا يضيعها .
سأل أبو ذر الرسول صلى الله عليه وسلم الإمارة ، فكان الجواب صريحا وواضحا قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها )   .
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن يزيد بن أبي سفيان قال : قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ، ذلك أكثر ما أخاف عليك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم  ) .
وأخرج الشيخان عن معقل قال : سمعت رسول الله يقول : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) .
وفي كتاب السياسة الشرعية يقول ابن تيمية رحمه الله : فليس عليه أن يستعمل إلا الأصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجودة من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ، فإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذ الولاية بحقها ، فقد أدى الأمانـة وقام بالواجب في هذا  .

ج - الانتخـاب شهادة  :

الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره ، لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : ( أترى الشمس ؟ قال نعم ، فقال : على مثلها فاشهد ، أو دع ) رواه
والشهادة أمر خطير دنيا ودينا ، لذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة الزور ، وجعلها صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر فقال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) رواه مسلم .
فكلمة الناخب إما أن تكون شهادة حق ، أو شهادة زور ، فإذا تحققت شروط الناخب ، وأدى الشهادة كما يرضي الله ورسوله فهذه شهادة حق يثاب عليها حال إدلائه بصوته ، وتبقى صدقة جارية يثاب هذا الناخب على كل عمل خير يقوم به هذا المرشح بعد فوزه .
أما إذا أعطى صوته لمرشح ليس كفئاً ، وكان بين المرشحين من هو أرضى منه لله ورسوله ، فهذا الانتخاب شهادة زور والعياذ بالله ، وقد سبق تشديد الوعيد لشهادة الزور ، وأنها تعدل الشرك بالله .

د - حق الناخب وواجبه  :

. 1  الحق في معرفة المهمة التي يرشح لها :
فمن حق الناخب على الجهة المشرفة على الانتخاب أن تحيطه علما بالمهام والواجبات التي تقع على عاتق من يشغل الموقع المرشح له ، وكذلك بيان دوره في المجتمع وأهميته .

. 2  واجب العلم بشخصية المرشح وسماته :
ولقد لخص القرآن الكريم السمات العامة للمسئول في القوة والأمانة حال ذكر حكاية عن بنت الرجل الصالح شعيب ، فقال الله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) القصص : 26 .
ومن ثم ينبغي أن تتوفر في المراد انتخابه ثلاث صفات رئيسة هي :
 * أن يكون لديه معرفة وإلمام بالحاجات المرتبطة بالناس وبالقوانين الخاصة بالشأن المرشح له حتى يتمكن من أداء دوره بنجاح.
 * أن يمتلك القوة والجرأة التي تمكنه من الدفاع عن حقوق المواطنين ضمن إطارها الطبيعي.
 * أن يكون لديه شعور بالمسؤولية تجاه الناس الوطن ، والأمانة المانعة من أن يستغل الموقع لمصالحه الشخصية .
وعليه يجب على الناخب أن يتحقق من وجود تلك السمات في شخصية المرشح حتى ينتخبه .

 . 3 وسؤال أهـل الـذكر إن كان لا يعلم :
بهذا العلم يتمكن الناخب من المقارنة بين المرشحين ، ويعرف الأفضل منهم والأرضى لله ورسوله فينتخبه أو يشهده بأنه هو الأصلح لهذه المهمة ، وعندئذ تكون شهادته صحيحة ، وموافقة للشرع .
أما إذا كان الناخب لا يقدر على أداء الشهادة صحيحة على النحو السالف بيانه ، لكونه لا يعرف المرشحين ، فيتعين عليه أن يسأل عنهم من يثق بدينهم وعلمهم ليعرف من هو الأرضى لله ورسوله فيقدم له صوته .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من استعمل رجلا ً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) رواه الحاكم

الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

الجهاد في سبيل الله ، إعداد : محمد أبوغدير المحامي


تعريف الجهاد لغة واصطلاحا ، ومفهومه الواسع ، والقتال في الإسلام ، أهداف وغايات الجهاد ، التربية الجهادية .


أولا : تعريف الجهاد لغة واصطلاحا :

الجهاد في اللغة :
بذل ما في الوسع من القول والفعل
فتعريف الجهاد لغة يطل على بذل الطاقة أو الوسع أو المشقة .

تعريف الجهاد شرعًا :

1 . عرف الإمام ابن تيمية الجهاد بأنه : ( بذل الوسع والقدرة في حصول محبوب الحق ، ودفع ما يكرهه) ، وقال أيضًا : ( هو الاجتهاد في حصول ما يحبه من الإيمان ، والعمل الصالح ، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان .

2 . قال الكاساني : ( الجهاد في عرف الشرع يستعمل في بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله - عز وجل - بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك  .

3 . قال الحافظ ابن حجر : ( بذل الجهد في قتال الكفار )

4 . يقول الإمام البنا في رسالة التعاليم: وأريد بالجهاد: الفريضةَ الماضية إلى يوم القيامة، والمقصودَ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية )
وأول مراتبه إنكار القلب ، وأعلاها القتال في سبيل الله ، وبين ذلك : جهاد اللسان والقلم واليد ، وكلمة الحق عند السلطان الجائر
ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها ، وجزالة الثواب للعاملين فيها  ، قال الله تعالى : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) الحج- 78 ،وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم : الجهاد سبيلنا . :



من آيات الجهاد في الإسلام

قال الله تعالى : (  إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون(  حجرات : 15 قال الله تعالى :  قال الله تعالى : (  ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) محمد : 31
قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(البقرة:216).
قال الله تعالى : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)(النساء:74).
قال الله تعالى :  (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران/171:169).
قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)(الصف:4).


ثانيا : أهداف وغايات الجهاد :

أ - هداية الناس إلى الحق :

لأجل أن يعبد الله وحده ، وأن يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان، يقول عليه الصلاة والسلام : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله
والجهاد سبيل لإعلاء كلمة الله ، وإزالة الشرك والكفر ، قال تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39

ب -  رفع الظلم عن المظلومين ونصرهم  :

قال تعالى : وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) النساء: 75 .

جـ -  حفظ الإسلام والدفاع عن الأوطان والأعراض والأموال ورد العدوان :

وفي هذه الحالة يتعين الجهاد على أهل البلد المعتدى عليهم ، قال الله تعالى : ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) البقرة: 194 .

د – التمكين لدين الله وإقامة الخلافة الإسلامية  :

إن دعوة الإسلام تسعى إلى التمكين لدين الله وإقامة الخِلافةَ الإسلاميَّة وجمْعَ الأمَّة تحت سُلطان واحد يَحكمُهم بشِرعة الله على منهاج النُّبوَّة ، وذلك واجب كلُّ مسلِمٍ في هذه الحياة ، قال الله تعالى}:   وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ{ المؤمنون:51]، وقال:  }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { آل عمران:103
ولا شك أن هذه الدعوة تواجه كل يوم مكر الأعداء وكيد العملاء ، وانحراف القادة والرؤساء ، وهذه القوى تمتلك كل أسباب القهر والتنكيل والإبادة ، وتحقيقه هدف التمكين لدين الله وإقامة الخِلافةَ الإسلاميَّة يحتاج إلى حركة أعدت نفسها للجهاد الطويل والمرير ولكل أنواع المعاناة والمواجهات .


ثالثا المفهوم الواسع للجهاد :


أ - أنواع الجهاد ومراتبه عند الإمام ابن القيم  :

ويقول الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد: الجهاد على أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.

1 . فجهاد النفس :
وهو أيضا على أربع مراتب:
أن يجاهدها على تعلم الهدى ، وعلى العمل به بعد علمه ، وعلى الدعوة إليه ، وعلى الصبر على مشاق الدعوة ،
فإذا استكمل المسلم هذه الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يكون ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به، ويعلمه، ويدعو إليه.

2 . وجهاد الشيطان :
 وهو على مرتبتين :
جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات ، وجهاده على دفع ما يلقي من الشهوات .
فالأول يكون بعدة اليقين، والثاني يكون بعدة الصبر، قال تعالى: وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون السجدة- 24 .

3 . وجهاد الكفار والمنافقين :
وهو أربع مراتب:
بالقلب . واللسان . والمال . والنفس.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وجهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع، وهو ثلاث مراتب:
• الأولى باليد إذا قدر،
• فإن عجز انتقل إلى اللسان،
• فأن عجز جاهد بقلبه.


رابعا : الجهاد القتالي في الإسلام :

أ - الجهاد القتالي حفظ لهويَّة الأمَّة وكيانِها :

أنَّ الحرب في الإسلام ليستْ عدوانيَّة، ولا استِفْزازيَّة، ولا همجيَّة، ولكنَّها للدِّفاع عن الدِّين والبلاد، وإنقاذ المستضعفين من المسلمين في أيِّ دولةٍ كانت؛ وذلك أنَّ الإسلام يعتبر بلاد المسلمين كلَّها دارًا واحدةً وبلدًا واحدًا، يَجب حمايتُه والجهاد دونه إن كان دارَ عدْل بيد المسلمين، ويجب استِرْداده إن كان مسلوبًا .

ب - حالات الجهاد القتالي في الإسلام :

1 .أنَّ الإسلام أجاز الجِهاد القتالي في حالتين اثْنتَين فقط :
حالة الدِّفاع عن النَّفس وعن الدِّين وعن حريَّة العقيدة ؛ قال الحق - سبحانه وتعالى -: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ سورة الحج: 40 - 41..

2 . وحالة دفْع العدْوان وردّ اعتِداء المعتَدين بالقدر اللازم دون مجازاة أو تنكيل ، ورفْع الظُّلْم عن المستضعفين، وإقامة العدْل في الأرض؛ قال الله - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ سورة البقرة: من الآية 194 ، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ سورة البقرة: 190 .


خامسا : التربية الجهادية :

أ - الإسلام دعوة جهادية :

تحت هذا العنوان من كتاب أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي ذكر الأستاذ فتحي يكن أنه :

1 . الإسلام دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة : وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : (  وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله ) رواه الشيخان .

2 .  طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلات لها : قال الله تعالى :  ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء : 214  .

3 . لا يرضى لأتباعه الدنية في شيء ولا يقبل لهم الذل والهوان في أمر قال الله تعالى : (  ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } المنافقون : 8   ، وقال الله تعالى : (  محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... ) الفتح : 29.

4 . ثم إن الإسلام يعتبر الجهاد طريق المؤمنين إلى الجنة ، وسبيلهم إلى مرضاة الله ـ تعالى ـ ونعيم الآخرة ، وإن ترك الجهاد والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) رواه الشيخان وأبو داود .


ب - الجماعة المسلمة حركة جهادية :

والمسلمون الأولون عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم .

يصف الله تعالى في القرآن الجماعة المسلمة بقوله:  (  إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون(  حجرات : 15 قال الله تعالى :  (  ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) محمد : 31

ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه الشيخان، ويقول أيضا :  )  لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة .

ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) للحاكم في المستدرك


ج - مهام التربية الجهادية :

إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الاهتمام بأمرين أساسيين :
1 . الاهتمام بالنفس بربطها بالله والشوق إلى لقائه والموت في سبيله ، وبالتالي صونها عن كل ما يركن بها إلى الأرض وشهواتها ، ولو كان حلالاً طيبًا ، وبذلك تكون نفسًا مجاهدة .

2 . الاهتمام بالجسد ليكون معافى قويًّا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم ، وبخاصة في عصر تعددت فيه هذه الخبرات والعلوم ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )


د - مراحل التربية على الجهاد :

 التربية على الجهاد تستوجب مرور الأخ بالمراحل الآتية :

1 . عاطفة حية قوية :
تفيض حنانا إلى عز الإسلام ومجده، وتهفو شوقا إلى سلطانه وقوته، وتبكي حزنا على ما وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة، وتشتعل ألما على هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا يرضي محمداصلى الله عليه وسلم ولا يرضي نفسا مسلمة، وقلبا مؤمنا، (ومن لم  يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

2 · هم الدائم :
 المؤدي الى التفكير الجدي في طريق النجاة، وتلمس سبيل الخلاص :
وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل، وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لأمتك منفذا أو تصادف منقذا، ونية المرء خير من عمله، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

3 ·  مشاركة إيجابية :
بأن تنزل عن بعض وقتك، وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين فإن كنت قائدا ففي مطالب القيادة تنفق، وإن كنت تابعا ففي مساعدة الداعين تفعل، وفي كل خير، وكلا وعد الله الحسنى . الحديد- 10.

4 · صبر وتضحية :
بأن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تنصح لله ورسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ترك قوم التناصح إلا ذلوا، وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، إلا خذلوا، {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون  المائدة - 79.

5 · رفض وعداء للواقع المضاد :
أن تتنكر لمن تنكر لدينه، وأن تقاطع من عادى الله ورسوله، فلا يكون بينك وبينه صلة ولا معاملة، ولا مؤاكلة ولا مشاربة، وأن تعمل على إقامة ميزان العدل، وإصلاح شؤون الخلق، وإنصاف المظلوم، والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه.

6 · جندية كاملة لله تعالى :
وأن تقف لله نفسك ومالك ، لا تبقي على ذلك من شيء، فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام، ودوى نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام، كنت أول مجيب للنداء، وأول متقدم للجهاد : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم التوبة-111.
جاء في الحديث: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر)  البخاري.
وجاء أيضا: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) ابن ماجه بإسناد صحيح .

7 · إذا لم تصل به إلى درجة  المجاهد فليكن محبا للمجاهدين :
 إن لم توفق إلى شيء من ذلك كله: أن تحب المجاهدين من كل قلبك، وتنصح لهم بمحض رأيك، وقد كتب الله لك بذلك الأجر، وآخلاك من التبعة، ولا تكن غير ذلك فيطبع الله على قلبك، ويؤاخذك أشد المؤاخذة. قال تعالى: ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَنا ألاّ يجدوا ما ينفقون. إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون التوبة-  ( 91-93)..

الجهاد في سبيل الله ، تعريف الجهاد لغة واصطلاحا ، ومفهومه الواسع ، والقتال في الإسلام ، أهداف وغايات الجهاد ، التربية الجهادية . إعداد : محمد أبوغدير المحامي



أولا : تعريف الجهاد لغة واصطلاحا :

الجهاد في اللغة :

بذل ما في الوسع من القول والفعل
فتعريف الجهاد لغة يطل على بذل الطاقة أو الوسع أو المشقة .

تعريف الجهاد شرعًا :

عرف الإمام ابن تيمية الجهاد بأنه : ( بذل الوسع والقدرة في حصول محبوب الحق ، ودفع ما يكرهه) ، وقال أيضًا : ( هو الاجتهاد في حصول ما يحبه من الإيمان ، والعمل الصالح ، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان .

قال الكاساني : ( الجهاد في عرف الشرع يستعمل في بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله - عز وجل - بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك  .

قال الحافظ ابن حجر : ( بذل الجهد في قتال الكفار )
وبهذا يتضح أن الجهاد في تعريفه الشرعي عند العلماء لا ينحصر عند الفقهاء في قتال الكفار ، وإنما يتسع ليشمل جهاد المنافقين ، وجهاد النفس ، وليدخل فيه الجهاد باليد واللسان والقلب .


ثانيا : المفهوم الواسع للجهاد :


أ - أنواع الجهاد ومراتبه عند الإمام ابن القيم  :

ويقول الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد: الجهاد على أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.

1 . فجهاد النفس :
وهو أيضا على أربع مراتب:
أن يجاهدها على تعلم الهدى ، وعلى العمل به بعد علمه ، وعلى الدعوة إليه ، وعلى الصبر على مشاق الدعوة ،
فإذا استكمل المسلم هذه الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يكون ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به، ويعلمه، ويدعو إليه.

2 . وجهاد الشيطان :
 وهو على مرتبتين :
جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات ، وجهاده على دفع ما يلقي من الشهوات .
فالأول يكون بعدة اليقين، والثاني يكون بعدة الصبر، قال تعالى: وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون السجدة- 24 .

3 . وجهاد الكفار والمنافقين :
وهو أربع مراتب:
بالقلب . واللسان . والمال . والنفس.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وجهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع، وهو ثلاث مراتب:
• الأولى باليد إذا قدر،
• فإن عجز انتقل إلى اللسان،
• فأن عجز جاهد بقلبه.


ب - مظاهر أخرى للجهاد عند الإمام حسن البنا :

يقول في رسالة التعاليم: وأريد بالجهاد: الفريضةَ الماضية إلى يوم القيامة، والمقصودَ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية )
وأول مراتبه إنكار القلب ، وأعلاها القتال في سبيل الله ، وبين ذلك : جهاد اللسان والقلم واليد ، وكلمة الحق عند السلطان الجائر
ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها ، وجزالة الثواب للعاملين فيها  ، قال الله تعالى : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) الحج- 78 ،وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم : الجهاد سبيلنا .

واتساقا مع هذا الفهم الأصيل الواسع لمعنى الجهاد وأنواعه كتب الإمام حسن البنا في رسالة هل نحن قوم عمليون فقال:
1. فالجهاد في الإسلام عاطفة حية قوية، تفيض حنانا إلى عز الإسلام ومجده :
تهفو شوقا إلى سلطانه وقوته، وتبكي حزنا على ما وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة، وتشتعل ألما على هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا يرضي محمدا صلى الله عليه وسلم ولا يرضي نفسا مسلمة، وقلبا مؤمنا، (ومن لم  يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
2. فمن الجهاد في الإسلام  أن يحملك هذا الهم الدائم والجوى اللاحق على التفكير الجدي في طريق النجاة :
 وتلمس سبيل الخلاص، وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل، وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لأمتك منفذا أو تصادف منقذا، ونية المرء خير من عمله، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
3. ومن الجهاد في الإسلام :أن تنزل عن بعض وقتك، وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين :
فإن كنت قائدا ففي مطالب القيادة تنفق، وإن كنت تابعا ففي مساعدة الداعين تفعل، وفي كل خير، وكلا وعد الله الحسنى . الحديد- 10.
4.   ومن الجهاد في الإسلام : أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تنصح لله ورسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم:
وأن تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ترك قوم التناصح إلا ذلوا، وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، إلا خذلوا، {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون  المائدة - 79.
5.  ومن الجهاد في الإسلام : أن تتنكر لمن تنكر لدينه، وأن تقاطع من عادى الله ورسوله :
فلا يكون بينك وبينه صلة ولا معاملة، ولا مؤاكلة ولا مشاربة، وفي الحديث (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) أبو داود.
6.  ومن الجهاد في الإسلام : أن تكون جنديا لله، تقف له نفسك ومالك، لا   تبقي على ذلك من شيء :
 فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام ، ودوى نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام، كنت أول مجيب للنداء، وأول متقدم للجهاد ، قال الله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ) التوبة-111.
7. ومن الجهاد في الإسلام : أن تعمل على إقامة ميزان العدل :
 وإصلاح شؤون الخلق، وإنصاف المظلوم، والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه.
جاء في الحديث: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر)  البخاري.
وجاء أيضا: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) ابن ماجه بإسناد صحيح .
8.  ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى إن لم توفق إلى شيء من ذلك كله : أن تحب المجاهدين من كل قلبك، وتنصح لهم بمحض رأيك :
وقد كتب الله لك بذلك الأجر، وأخلاك من التبعة، ولا تكن غير ذلك فيطبع الله على قلبك، ويؤاخذك أشد المؤاخذة. قال تعالى: (  ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَنا ألاّ يجدوا ما ينفقون. إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) التوبة-  ( 91-93)..


ثالثا : الجهاد القتالي في الإسلام :

أ - الجهاد القتالي حفظ لهويَّة الأمَّة وكيانِها :

أنَّ الحرب في الإسلام ليستْ عدوانيَّة، ولا استِفْزازيَّة، ولا همجيَّة، ولكنَّها للدِّفاع عن الدِّين والبلاد، وإنقاذ المستضعفين من المسلمين في أيِّ دولةٍ كانت؛ وذلك أنَّ الإسلام يعتبر بلاد المسلمين كلَّها دارًا واحدةً وبلدًا واحدًا، يَجب حمايتُه والجهاد دونه إن كان دارَ عدْل بيد المسلمين، ويجب استِرْداده إن كان مسلوبًا، كما يَعتبر المسلمين جميعًا أمَّة واحدة يَجب الدِّفاع عنْهم لاستِنقاذ المستضعفين وحمايتهم في أيِّ بلد أو دولة .

ويقول الأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الجهاد في الإسلام، إنَّ الجهاد القتالي في حقيقته هو الحصْن الَّذي لا بدَّ منه لحفظ هويَّة الأمَّة وكيانِها، لا مندوحة عنه لنجاح مسعاها الَّذي كلَّفها به الله - عزَّ وجلَّ - نحو إنشاء حضارة إنسانيَّة عادلة، تكلأُ الإنسان من ظلم أخيه الإنسان، وتقيه من الوقوع في مغبَّات منجزاته العلميَّة والحضاريَّة، تلك المغبَّات الَّتي من شأنِها أن تفسِد وتُشْقي بدلاً من أن تُصلح وتُسعد.


ب - حالات الجهاد القتالي في الإسلام :

1 .أنَّ الإسلام أجاز الجِهاد القتالي في حالتين اثْنتَين فقط :
حالة الدِّفاع عن النَّفس وعن الدِّين وعن حريَّة العقيدة ؛ قال الحق - سبحانه وتعالى -: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ سورة الحج: 40 - 41..

2 . وحالة دفْع العدْوان وردّ اعتِداء المعتَدين بالقدر اللازم دون مجازاة أو تنكيل ، ورفْع الظُّلْم عن المستضعفين، وإقامة العدْل في الأرض؛ قال الله - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ سورة البقرة: من الآية 194 ، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ سورة البقرة: 190 .


ج  - الجهاد القتالي للنبي صلى الله عليه وسلم :

ومَن تأمَّل في جهادِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم – القِتالي، يجد أنَّه لم يرفع سيفَه إلاَّ إذا اضطرَّ إليْه نصرةً لكلمة الله ودفاعًا عن دين الله وعنِ المستضْعفين؛ وخير دليلٍ على هذا أنَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لم يقتُل بيده الشَّريفة إلاَّ رجُلا واحدًا وهو أُبي بن خلف يوم أُحُد، فما بُعث - عليْه صلوات ربّي وسلامه - للقتال، ولكن بُعث لتبْليغ الرِّسالة وهداية النَّاس أجْمعين، وما القِتال إلاَّ للدِّفاع عن الدَّعوة الإسلاميَّة وردّ الَّذين يقفون في وجهِها بالعداء والكيد، وصدق ربُّنا - تبارك وتعالى - الَّذي خاطب نبيَّه وصفوة خلقه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ سورة المائدة: 67.


الجهاد القتالي ليس بديلا عن الجهاد السياسي :

أنَّ الجهاد القتالي، إن تعيَّن، لا يقيل من الجهاد السياسي قبله وبعده، ولربَّما كان الجهاد السياسي التَّربوي البنائي أصعبَ منالا وأشْقى طريقًا، وأحْوج إلى خصال الصَّبر الطَّويل والمرابطة المستمرَّة والرِّفْق من القِتال الذي تهوِّنُ ريح الشَّهادة وكرامات التَّأْيِيد الإلهي فيه صبر ساعة وصبر الإصابة.
كلا الجهادين مِرْقاة إحسانيَّة ومدرسة تربويَّة، وامتحان يوشِّح القرآن وتوشح السنَّة صدور مستحقِّيه بأوسمة الفلاح الأبدي، وقد أصبح العالم كلُّه يُبصر ويسمع تميُّز الجهاد الإسلامي بالمضاء والعزيمة والقوَّة.



رابعا : أهداف وغايات الجهاد :


أ - هداية الناس إلى الحق :

لأجل أن يعبد الله وحده ، وأن يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان، يقول عليه الصلاة والسلام : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله
والجهاد سبيل لإعلاء كلمة الله ، وإزالة الشرك والكفر ، قال تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39

ب -  رفع الظلم عن المظلومين ونصرهم  :

قال تعالى : وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) النساء: 75 .

جـ -  حفظ الإسلام والدفاع عن الأوطان والأعراض والأموال ورد العدوان :

وفي هذه الحالة يتعين الجهاد على أهل البلد المعتدى عليهم ، قال الله تعالى : الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) البقرة: 194 .

د – التمكين لدين الله وإقامة الخلافة الإسلامية  :

إن دعوة الإسلام تسعى إلى التمكين لدين الله وإقامة الخِلافةَ الإسلاميَّة وجمْعَ الأمَّة تحت سُلطان واحد يَحكمُهم بشِرعة الله على منهاج النُّبوَّة ، وذلك واجب كلُّ مسلِمٍ في هذه الحياة ، قال الله تعالى}:   وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ{ المؤمنون:51]، وقال:  }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { آل عمران:103
ولا شك أن هذه الدعوة تواجه كل يوم مكر الأعداء وكيد العملاء ، وانحراف القادة والرؤساء ، وهذه القوى تمتلك كل أسباب القهر والتنكيل والإبادة ، وتحقيقه هدف التمكين لدين الله وإقامة الخِلافةَ الإسلاميَّة يحتاج إلى حركة أعدت نفسها للجهاد الطويل والمرير ولكل أنواع المعاناة والمواجهات .


خامسا : التربية الجهادية :

أهداف وغايات الجهاد الضخمة السالف بيانها يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى  تربية جهادية  تخرج أنماطًا من المجاهدين ، يحبون الموت كما يحب الناس الحياة ، ويعيشون هم الإسلام وقضايا الإسلام ليلهم ونهارهم .
والتربية الجهادية ليست فقرة خاصة تضاف إلى منهج التربية في ظرف من الظروف أو في فترة من الفترات ، وإنما هي روح المنهج كله ، والسمة المشتركة بين جميع فقراته .
إن تحول حركات ( فكرية وتربوية ) علنية إلى حركات جهادية يحمل معه كثيرًا من المحاذير والأخطار ، في حين أن نشأة هذه الحركات على الأسس الجهادية ابتداء يجعلها أكثر أثرًا وأشد خطرًا على الكيانات الجاهلية ، وأقدر على اقتلاعها ، وإقامة البديل الإسلامي مكانها .

أ - الإسلام دعوة جهادية :

تحت هذا العنوان من كتاب أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي ذكر الأستاذ فتحي يكن أنه :
من صفات الإسلام الرئيسية أنه دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة : وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : (  وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله ) رواه الشيخان .
فمن طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلات لها : قال الله تعالى :  ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء : 214  .
ومن طبيعته أنه يرفض كل الحلول المطروحة ويعتبرها مشكلات وليست بحلول ، فهو لا يقبل مع الإسلام منهجًا غير منهجه ، ولا دينًا غير دينه ، ولا شرعة غير شرعته : قال الله تعالى :(  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا ) المائدة 3 ، وقال الله تعالى : ) ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين  (آل عمران : 19  .
ومن طبيعته أنه يجعل التشريع حق الله وحده ، ولا يقبل بالاحتكام لغير شرع الله ، ولهذا فهو يرفض التشريعات الوضعية جميعًا ، سواء كانت أجنبية أم عربية ، شرقية أم غربية : قال الله تعالى : ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون )  المائدة : 52  .
ومن طبيعته أنه لا يرضى لأتباعه الدنية في شيء ولا يقبل لهم الذل والهوان في أمر قال الله تعالى : (  ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } المنافقون : 8   ، وقال الله تعالى : (  محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... ) الفتح : 29.
ثم إن الإسلام يعتبر الجهاد طريق المؤمنين إلى الجنة ، وسبيلهم إلى مرضاة الله ـ تعالى ـ ونعيم الآخرة ، وإن ترك الجهاد والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) رواه الشيخان وأبو داود .

ب - الجماعة المسلمة حركة جهادية :

لم تكن الجماعة المسلمة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة فكرية أو فلسفية ) هدفها نشر الفكر والفلسفة بين الناس قبلوها أو رفضوها ، أو حتى تخريج مفكرين وفلاسفة ، ولم تكن فرقة صوفية تعيش معزولة عن دنيا الناس وصراعاتهم في أجواء الرياضة الروحية ، لا تدري ما يجري حولها من كيد للإسلام ، وتآمر عليه وتشويه لشخصيته ، واستئصال لوجوده ، حسبه منها صلاة وصوم وإنشاد .
فكتاب الله ـ تعالى ـ يصف الجماعة المسلمة بقوله:  (  إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون(  حجرات : 15 قال الله تعالى :  (  ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) محمد : 31
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه الشيخان، ويقول أيضا :  )  لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) للحاكم في المستدرك .
والمسلمون الأولون عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم .

ج - ماذا نعني بالتربية الجهادية ؟

التربية الجهادية لا تعني بحال إسقاط جوانب التربية الأخرى من الحساب ، لا تعني التفرغ للتربية العسكرية وشئون القتال ، لا تعني إهمال التربية الروحية والفكرية وإغفال التربية السياسية والحركية ، إنما تعني تأصيل الروح الجهادية لدى الفرد والجماعة ، وجعل هذه الروح وشيجة الربط بين سائر الاهتمامات والعنوان الرئيسي لها ، تعني إيجاد الإنسان الذي يعيش من أجل الإسلام .. الإنسان الذي يدرك عظمة دوره وخطورته ودقته ، فهو لا يتوانى يهيئ نفسه ويستعد للقيام بهذا الدور على أكمل وجه .. الإنسان المعلق قلبه بالله وبالآخرة ، فهو لا يعيش لدنياه مقدمًا فضول الوقت والجهد لآخرته ودعوته .. الإنسان المتلهف إلى الشهادة في سبيل الله ، والذي يعيش حقيقة الشعار الذي يردده : ( الموت في سبيل الله أسمى أمانينا (.

إن التربية الجهادية هي التربية التي تجعل الإنسان كائنًا ما كان اختصاصه وعمله مجاهدًا في سبيل الله ، مسخرًا اختصاصه للجهاد في سبيل الله .. فهو عالم ومجاهد ، وهو طبيب ومجاهد ، وهو كاتب ومجاهد ، وهو مهندس ومجاهد ، وهو معلم ومجاهد ، وهكذا يكون الجهاد السمة المميزة والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعًا .

إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الاهتمام بأمرين أساسيين :
أولاً : الاهتمام بالنفس بربطها بالله والشوق إلى لقائه والموت في سبيله ، وبالتالي صونها عن كل ما يركن بها إلى الأرض وشهواتها ، ولو كان حلالاً طيبًا ، وبذلك تكون نفسًا مجاهدة .

ثانيًا : الاهتمام بالجسد ليكون معافى قويًّا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم ، وبخاصة في عصر تعددت فيه هذه الخبرات والعلوم ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

فقه محاسبة النفس إعداد : محمد أبوغدير المحامي

فقه محاسبة النفس

تعريف المحاسبة ، ومشروعيتها ، وأهميتها ،
وأنواعها وكيفيتها ، وثمراتها وسائل تنميتها ، وأسباب فقدانها  وآثارها .

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة
المؤمن يعلم علم اليقين أنه محاسب على القليل والكثير من الأعمال وإن خفيت ، وأن الله عز وجل لهم بالمرصاد ، وسيناقش في الحساب عن مثاقيل الذر من الخطرات واللحظات .
ويوقن – كذلك - أنه لا نجاة له إلا بلزوم محاسبة، ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات .
فمَن حاسب نفسه قبل أن يُحاسب خفّ حسابه يوم القيامة، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.

والحديث عن محاسبة النفس يقتضي التعرض لتعريف المحاسبة ، ومشروعيتها ، وأهميتها ، وأنواعها وكيفيتها ، وثمراتها وسائل تنميتها ، وأسباب فقدانها  وآثارها ، ونبين ذلك بإيجاز في الآتي  :

أولا : تعريف المحاسبة :

قال الماوردي في معنى المحاسبة:
( أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل ).
.
وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله:
(هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله ـ عز وجل ـ جانبه بعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله ـ عز وجل ـ ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه )

ثانيا : مشروعية المحاسبة :

جاءت نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح ترغب محاسبة النفس وترهيب في تركها، وبيان ذلك في الآتي :

أ - محاسبة النفس في القرآن الكريم :

. 1 يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر:18 ، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.

. 2 وقد قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (   الشمس:7-10 ، قال الإمام البدوي رحمه الله في تفسيره: قال الحسن: معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل قَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا أهلكها وأضلها وحملها على المعصية.

ب - محاسبة النفس في السنة النبوية :

 . 1 روى رواه الإمام أحمد والترمذي عن أنس بن مالك عن رسول الله قال: ( الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) ، ومعنى دان نفسه : أي حاسبها .

. 2 وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) الحاقة:18

ج - محاسبة النفس في أقوال الصحابة والسلف الصالح :

كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله : ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة )، أخرجه البيهقي وابن عساكر .
ونقل ابن القيم عن الحسن أنه قال: ( المؤمن قوّام على نفسه يحاسب نفسه لله، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسـبة )

ثالثا : أهمية المحاسبة :

 - 1طريق لاستقامة القلوب وتزكية النفوس :

 فإن زكاتها وطهارتها موقوف على محاسبتها ، فبها تزكو تطهر.

 - 2أنها دليل على صلاح الإنسان وعلى خوفه من الله ؛ فبالخوف يحاسب تفسه و يعاتبها على تقصيرها .

 - 3أنها طريق للتوبة ؛ وذلك لأنه إذا حاسب نفسه أدرك تقصيره في جنب الله ، فقاده هذا إلى التوبة .

- 4 أنها طريق الراحة من محاسبة الله للعبد في يوم القيامة ، وإذا أهملها في الدنيا اشتد عليه الحساب يوم القيامة .

- 5 أنها طريق سكن الفردوس ، والنظر إلى وجه الرب سبحانه ، وتركها يؤدي به إلى دخول النار ، والحجاب عن الرب تعالى .

رابعا : أنواعها محاسبة النفس وكيفية :
النوع الأول - المحاسبة المطلقة :

وهي غير مقيدة بوقت أو بحالة ، بل تحدث يومياً ، في أول النهار يوصيها بالأعمال الصالحة وينهاها عن الأعمال السيئة ، فكأنه يضع لها جدول أعمال ينبغي تحقيقه ، ويمثل لنفسه أنه مات ثم يطلب أن يعاد إلى الدنيا ولو يوماً واحداً ، فكأنه أعيد .
في آخر النهار يكون له وقفة أخرى : ينظر ماذا عمل ، وماذا أنجز ، فيبدأ بالفرائض : هل هي خالصة لله ؟ ، هل اتبع فيها الرسول ؟ ، هل ازداد بها رفعة ، هل فيها نقص فيتداركه بقضاء أو إصلاح ؛ ثم يحاسبها على المناهي : فإن ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار .
ثم يحاسب نفسه على نعم الله : هل تذكرها واستشعرها وأسندها إلى المنعم سبحانه وقام بشكرها بصرفها في طاعة الله ولم يستعملها في معصية الله ؟ فمثلاً : نعمة النظر : هل قام بغضه عن الحرام ؟ وهل استعمله في ما يحبه الله ، واللسان نعمة : فهل حفظه عن الغيبة والكذب والنميمة وكافة آفاته وهل استعمله في الذكر ونشر العلم والدعوة إلى الله وتلاوة القرآن وغير ذلك من الأعمال الصالحة ؟ .

النوع الثاني - المحاسبة المقيدة :

وهي التي تكون في وقت محدد أو عند حالة معينة ، وهي أربعة أحوال :

الحال الأول . محاسبة قبل العمل :

يقف مع نفسه وقفة محاسبة : هل يقدم على هذا العمل أو لا ؟ ، وهل الأفضل أن يعمله أو يتركه ؟ ، وهل الدافع لعمله ابتغاء مرضات الله أو له أهداف دنيوية ؟ ،
قال الحسن رحمه الله : (رحم الله عبدا وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر) ، فإذا نظر في هذه الأشياء أقدم على العمل أو أحجم عنه .

الحال الثاني . محاسبة بعد العمل :

. 1  محاسبتُها على التقصير في الطاعات في حق الله ـ تعالى :
بأن يسأل نفسه: هل أديتُ هذه الفريضة على الوجه الأكمل مخلصاً فيها لله ووفق ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم يجبر نقصها بأداء النوافل .
 . 2 محاسبتها على معصية ارتكبتها:
لماذا ارتكبها ؟ ، وما الذي دفعه إليها والسبيل الى كل ما يبعده عنها ، وأن يتوب منها توبة نصوحاً ويستغفر ويعمل الحسنات الماحيةِ والمذهبة للسيئات ، كما قال الله ـ سبحانه ـ: (( إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)) هود:114

 . 3 محاسبتها على أمرٍ كان تركه خيراً من فعله :
لِمَ فعلهُ هذا الأمر؟ أليس الخير في تركه؟ وما الفائدة التي جنيتها منه؟ هل هذا العمل يزيد من حسناتي؟ ونحو ذلك من الأسئلة.
. 4  محاسبتها على أمر مباح أو معتاد لم فعله :
وهل أردت به وجه الله والدار الآخرة فيكون ذلك ربحاً لي ؟ أو فعلتُه عادةً وتقليداً بلا نيّةٍ صالحة ولا قصدٍ في المثوبة؛ فيكون فعلي له مضيعة للوقت على حساب ما هو أنفع وأنجح ؟ ثم ينظر لنفسه بعد عمله لذلك المباح، فيلاحظ أثره على الطاعات الأخرى من هل قللها أو أضعف روحها، أو كان له أثرٌ في قسوة القلب وزيادة الغفلة .

الحال الثالث : محاسبة النفس عند نهاية الأسبوع أو الشهر أو السنة :

فتقف مع نفسك وقفة محاسبة تكون بمثابة جرد لأعمالك ، ما ذا قدمت ؟ ، وبما ذا قصرت ؟ ، هل ازددت من الله قرباً أو ازددت منه بعدا ؟ ، هل أنت خاسر أو رابح أو حافظت على رأس المال على الأقل ؟ .

الحال الرابع : محاسبة النفس عند الأوقات والأماكن الفاضلة :

في مواسم الخير كرمضان ، وعشر ذي الحجة ، ويوم الجمعة ، وآخر الليل ، هل اغتنمها بما يقربه إلى الله أو مرت عليك دون فائدة ؟، وكذلك إذا كنت في مكان فاضل كالحرم هل اغتنمت وجودك فيه بما يقربك إلى الله أو لم تلق لذلك بالاً ؟.

خامسا : الثمار المترتبة على المحاسبة :

1 -  مراقبة الله :
لأنه كلما هم بمعصية حاسب نفسه ، وكلما هم بتقصير في واجب حاسب نفسه ، وهذه هي المراقبة لله حتى يصل إلى مرتبة الإحسان .

- 2 يطلع على عيوب نفسه:
 لأنه بالمحاسبة لابد أن يجد في نفسه عيباً ، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى ، وأما من لم يحاسب نفسه لم يطلع على عيوبها ، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته .

 - 3إخلاص النية لله :
لأن المحاسبة وقفة خفية بينك وبين نفسك لا يعلمها إلا الله ، وأنت أدرى بنفسك وبحقيقة أعمالك ؛ تعرف هل عملت هذا العمل رياء أو سمعة أو عملته لله ، وهذا يقودك بإذن الله إلى أن تجعل أعمالك كلها خالصة لله.

 - 4استشعار المسلم للهدف الذي خلق من أجله:
إذا حاسبت نفسك علمت أنك لم تخلق عبثاً ولن تترك سدى ، لم تخلق للأكل والشرب والنكاح وجمع الأموال ، خلقت لأمر عظيم وهيئت لأمر جسيم ، فحينها تستشعر الهدف الذي خلقت من أجله .

 - 5الاجتهاد في الطاعة :
فإن الصائمين في حر النهار ما صاموا إلا بعد محاسبتهم لأنفسهم ، والقائمين الليل لماذا كانوا يقومون الليل ، والتالين للقرآن ، والباذلين أموالهم في سبيل الله ، وغيرهم ما فعلوا ما فعلوا إلا بعد محاسبتهم لأنفسهم .

 - 6البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها :
لأنه إذا حاسب نفسه على المعصية دعاه ذلك إلى أن لا يعملها مرة أخرى ، وبذلك يبتعد قدر الإمكان عن المعاصي .

 - 7الزهد في الدنيا:
 لأنه سيعرف حقيقة الدنيا وحقية نفسه وما تريد ، وسيدرك أن الدنيا دار ممر وفناء ، يزرع بها العبد ما يحب أن يراه غداً ، مما يجعله ينظر إلى الدنيا على أنها مزرعة للآخرة ؛ فلا ينافس أهلها عليها

سادسا : وسائل تنمية المحاسبة :

- 1 الاطلاع على أخبار السلف في محاسبتهم لأنفسهم :
فعليك إن كنت من المحاسبين لنفسك أن تطالع أحوال الرجال والنساء من المجتهدين ؛ لينبعث نشاطك ويزيد حرصك ، وإياك أن تنظر إلى أهل عصرك ؛ فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، وسيأتي طرفاً من أخبارهم في ذلك .

- 2 صحبة أهل الهمة العالية المحاسبين لأنفسهم ؛ لأنك ستقتدي بهم في ذلك .

- 3  معرفة طبيعة النفس :
وأنها داعية إلى العصيان والجهل ؛ فلابد من محاسبتها وإلا قادتك إلى مهاوي الردى .

- 4  العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل :
 والهدى والضلال ، والضار والنافع ، والكامل والناقص ، والخير والشر ، ويبصر به مراتب الأعمال : راجحها ومرجوحها ، ومقبولها ومردودها ؛ وبقدر هذا العلم يكون التفاوت بين العباد من ناحية المحاسبة ، فمن كان حظه من هذا العلم أقوى كان حظه من المحاسبة أكمل وأتم .

 - 5 سوء الظن بالنفس :
لأن حسن الظن بالنفس يمنع الإنسان من أن يبحث عن عيوبه ، بل وربما لبَّس عليه فيرى المساوىء محاسن والعيوب كمالاً ، ومن عرف نفسه حق المعرفة أساء الظن بها ، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه .

 - 6 أن تقارن بين نعمة الله عليك وبين أفعالك :
 فالله سبحانه أنعم عليك نعماً كثيرة وأنت لم تقم بحقها ، وحينها تعلم أنه ليس إلا أن يعفو عنك ويرحمك أو تهلك.

- 7  أن تقارن بين حسناتك وسيئاتك أيهما أكثر وأرجح قدراً وصفة :
فهذا سيعينك على محاسبة نفسك ؛ لأنك لا بد أنك ستجد معاصي عملتها ؛ إذ لا يوجد معصوم بيننا .

سابعا : أسباب فقدان المحاسبة وآثارها :

أ - أسباب فقدان المحاسبة  :

- 1 المعاصي : سواء كان ذلك بفعل الكبائر أو بالإصرار على الصغائر ؛ حيث إن هذه المعاصي تسبب الران على القلب ، فإذا لم يحاسب العبد نفسه ويتوب تراكم هذه الران على قلبه ، وتقل محاسبته لنفسه حتى يصبح قلبه لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً .

 - 2التوسع في المباحات:  لأن هذا التوسع يرغبه في الدنيا ويقلل تفكيره في الآخرة ، وإذا لم ينظر إلى آخرته ، أو قل نظره إليها قلت محاسبته لنفسه .

 - 3عدم استشعار عظمة الله وما يجب له من العبودية والخضوع :فلو استشعرنا ذلك وعرفنا لله حقه لأكثرنا من محاسبتنا لأنفسنا ، ولقارنا بين نعم الله علينا وبين معاصينا ، ولقارنا بين حقه علينا وبين ما قدمناه لآخرتنا .

 - 4تزكية النفس وحسن الظن بها:  لأن حسن الظن بالنفس يمنع من التعرف على عيوبها وإذا لم تكتشف الداء كيف ستعالجه .

- 5 عدم تذكر الآخرة : والانشغال بالدنيا ولو وضعنا الآخرة نصب أعيننا لما أهملنا محاسبة أنفسنا .

ب - آثار فقد المحاسبة :

1 - عدم محاسبة النفس تسهل على العبد الوقوع في المعاصي:
حيث إن محاسبة النفس تجعله يندم على فعله المعصية ، وإذا ندم أوشك أن لا يعملها مرة أخرى ، أما إذا لم يأبه للمعصية ولم يحاسب نفسه عليها فإنه من السهل أن يقع فيها أو في معصية غيرها مرة أخرى .

- 2 يعسر عليه ترك المعاصي والبعد عنها :
لأنه يكون حينئذ ألفها واعتاد عليها ، وتشربها قلبه فيصعب عليه تركها .

- 4 استثقال الطاعات:
لأن الطاعة تحتاج إلى جهد وعزيمة ،وهذه العزيمة لا تأتي إلا بالوقوف مع النفس وقفة محاسبة ، وأخذها بالحزم والجد .

 - 5هلاك القلب:
قال ابن القيم : في إغاثة اللهفان : ( وترك المحاسبة يؤول إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرور : يغمض عينيه عن العواقب ، ويمشي الحال ، ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه.

الأحد، 2 أكتوبر 2016

منزلة الأم وفضلها في القرآن والسنة إعداد : محمد ابوغدير المحامي

أولا : منزلة الأم في القرآن الكريم :

 1. ولقد أوصى القرآن الكريم بالأم وفضل الأم على الأب لموجبات الحمل والرضاع والرعاية :
فقال سبحانه : (ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) . لقمان:14-15

2. وكرر الله تعالى تلك الوصية لفضل الأم ومكانتها :
فقال: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهراً ).(الأحقاف:15).

3. والإسلام قدّس رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات:
فحرم الزواج من الأمهات قال سبحانه: ( حُرمت عليكم أمهاتكم ) النساء:23.

4. كما بيّن أن رباط الزوجية لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة أبداً ، وشتان بينهما :
قال سبحانه: (وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتكم ) . الأحزاب: 4 . (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هُنَّ أمهاتهم. إنْ أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم ).(المجادلة:2)

5. و رباط الأمومة يبيح للولد أن يأكل من بيت أمه:
فقال تعالى ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم ) . النور:61 .

6. الأم مسؤولة عن تربية ولدها، فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها، وأشار سبحانه إل هذه المسؤولية الأخلاقية :
فقد قال تعالى : ( ما كان أبوك امرأ سَوء وما كانت أمك بغياً ) . مريم: 28. وأوجب الله سبحانه وتعالى للأم ميراث ولدها إن مات في حياتها كما أوجب له ميراثها إن ماتت في حياته فقال سبحانه وتعالى: (فإن لم يكن له ولد ووَرِثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) . النساء:11 .

7 . والأم يستعطف ويسترحم بها ولما ترمز إليه من الحنان والرحمة والشفقة :
فقال تعالى على لسان هارون عليه السلام لما اخذ موسى عليه السلام برأسه : ( قال ابنَ أمَّ إن القوم استضعفوني..) الأعراف: 150 . وفي موضع آخر قال: ( يا بنَ أُم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) . طه:94 .

8 . وجعل الله سبحانه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين :
من حيث واجبُ البر وحرمةُ الزواج والحقوق الواجبة لهن من الاحترام والتقدير، قال سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) . الأحزاب:6 .

9 . ضربها الله سبحانه في القرآن للأمهات المثاليات أسوة للمؤمنات مريم وأم موسى عليهما السلام :
فقال عن ام عيسى عليه السلام (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى رَبْوة ذات قرار ومعين) . المؤمنون: 50. ( وأمه صدِّيقة ). المائدة:75 ، وعن أم موسى قال: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين … وأصبح فؤاد أُم موسى فارغاً إنْ كادت لتُبدي به لولا أن رَبطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) . القصص: 7-10 .

10. وعن عاطفة الأمومة - حق رعاية وامتنّ بذلك على موسى لعظيم تلك المنة وأهميتها :
فقال سبحانه: (فرددناه إلى أمه كيف تقرّ عينها ولا تحزن ) . القصص: 23 .


ثانيا : منزلة الأم في السنة النبوية:

سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: [أمك] . قيل : ثم من ؟ قال: [أمك] . قيل ثم من؟ قال [أمك] . قيل ثم من؟ قال: [أبوك] . رواه البخاري .

2. وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: [الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس، وشهادة الزور] . رواه البخاري .

3. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سَبّ الوالدين وبيّن أنه من الكبائر فقال: [إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه] . قيل يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: [يسُب الرجل أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ أمه] . رواه البخاري .

4. ومن تمام الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى أهل وُدّهما قال صلى الله عليه وسلم: [إن أبرّ البرّ صلةُ الولد أهل ودّ أبيه] . رواه مسلم.

5. ومن تمام الإحسان أيضاً قضاءُ ما كان عليهما من دَين لله أو للناس فقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه، وتُوفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فاقضِه عنها] . رواه مسلم.

6. وجاءت امرأة تسأله عن أمها التي ماتت وعليها صوم شهر؟ فقال: أرأيتِ لو كان على أمك دَين أكُنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فدين الله أحق بالقضاء] .
وكذلك امرأة سألت عن أمها وماتت ولم تحجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ حُجيّ عنها ] . رواه مسلم.

7. ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في البر فاستأذن ربّه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذن في زيارتها فأذن له. رواه مسلم.  8. وكان صلى الله عليه وسلم شديد البر بمرضعاته ومربياته من ذلك أنه جاءت حليمة أمه بالرضاعة فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه. (الإصابة لابن حجر 4/274) .

9. وحين سيق إليه السّبيُ من هوازن كانت الشيماء بنت حليمة فيهم فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني لأُختك من الرّضاعة وعرّفته بعلامة عرفها صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، ودمعت عيناه وقال لها: [ ههنا ] ، فأجلسها على ردائه وخيّرها بين أن تقيم معه مُكرمة محبّبة أو أن ترجع إلى قومها، فأسلمت ورجعت إلى قومها، وأعطاها رسول الله نَعَماً وشاه وثلاثة أعبد وجارية.

الأحد، 28 أغسطس 2016

حـفـظ اللســان . . . مفهومه ، وفوائده ، ووسائله ، وشروط وأدأب الكلام ، وحالات إطلاق اللسان إعداد : محمد أبوغدير المحامي

أن اللسان على صغره حجمه نعمة جليلة ونقمة خطيرة ، فإن قل الإنسان كلامه وحفظ لسانه ، كان ذلك عنوانا لأدبه وإزكاء لنفسه ورجحانا لعقله، كما قال بعض الحكماء : " كلام المرء بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل ".
أما إذا أطلق لسانه بالقول ساقه إلى شفا جرف هارٍ من النار ، كما في سؤال معاذ : يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ ورد صلى اللّه عليه وسلم حين قال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
ولذا عُني الإسلام بأمر اللسان أيما عناية ، فحث ربنا جل وعلا في محكم التنزيل وعلى لسان سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه على حفظ اللسان وصيانة المنطق، ومجانبة الفحش والبذاء، وهذا الموضوع يقتضي التعرض للعناصر الآتية :
أولا : مفهوم حفظ اللسان  :
ثانيا : فوائد حفظ اللسان  :
ثالثا : وسائل حفظ اللسان :
رابعا : الالتزام بشروط الكلام وآدابه  :
خامسا : الحالات التي يجوز فيها إطلاق اللسان :

أولا : مفهوم حفظ اللسان  :

إ - معنى اللسان في القرآن الكريم

1. اللسان بمعنى عضو التحدث كقول الله تعالى :  "لا تحرك به لسانك لتعجل به" القيامة 16 ، وقوله سبحانه وتعالى " ولسانا وشفتين" البلد 9.
2. اللسان بمعنى التعبير عن النفس بمفردات اللغة ، كقوله تعالى :  واحلل عقدة من لساني" طه27 ،  قوله سبحانه وتعالى" وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون" القصص 34.
3. اللسان بمعنى الصدوق والكذاب ، كما في قوله تعالى : " ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا" مريم50 ،  قوله سبحانه وتعالى " واجعل لي لسان صدق في الآخرين" الشعراء84
4. اللسان بمعنى اللغة ، كما في قوله تعالى : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم" ابراهيم4 ، وقوله سبحانه وتعالى " بلسان عربي مبين" الشعراء 195

ب : المقصود بحفظ اللسان :

المقصود بحفظ اللسان، هو ألا يتحدث الإنسان إلا بخير، ويبتعد عن قبيح الكلام ، فالإنسان مسئول عن كل لفظ يخرج من فمه؛ حيث يسجله الله ويحاسبه عليه، يقول الله تعالى: ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ق: 18.
عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان (تذل له وتخضع) تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنَا)رواه الترمذي وصححه الألباني .

ج - أقوال السلف في حفظ اللسان :

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا ويكتب عليه حتى أنينه في مرضه ، فلما مرض الإمام أحمد فقيل له: إن طاووساً كان يكره أنين المرض ، فتركه .
وكان الشعبي إذا طُلب في المنزل وهو يكره خط دائرة وقال للجارية : ضعي الأصبع فيها وقولي ليس هاهنا
قال عبد الله بن محمد بن زياد : كنت عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله قد اغتبتك ، فاجعلني في حل ، قال : أنت في حل إن لم تعد ، فقلت له : أتجعله في حل يا أبا عبد الله وقد اغتابك ؟ قال : ألم ترني اشترطت عليه .

ثانيا : فوائد حفظ اللسان  :

أ - حفظ اللسان طريق النجاة في الدنيا:

قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "وعن ابن عمرو مرفوعًا : ( من صمت نجا )؛ رواه أحمد والترمذي وقال: غريب  ، وعن أبي سعيد قال: ( إذا أصبح ابن آدم قالت الأعضاء كلها للِّسان: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا ) ؛ رواه الترمذي مرفوعًا .

ب - حفظ اللسان طريق النجاة في الآخرة :

قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: وعن أبي هريرة مرفوعًا: ( إن العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلُّ بها في النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب ) ؛ رواه أحمد والبخاري ومسلم، ومعنى "ما يتبين فيها": لا يتدبرها ويفكر في قبحها، وما يخاف أن يترتب عليها .
ولأحمد والبخاري: ( أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم ) .

ج : حفظ اللسان طريق الفوز بالجنة  :

روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَضْمَنْ لي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ".
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلِمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَمُدُّ لِسَانَهُ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ، إِلا وَهُوَ يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ" رواه أبو يعلى والبيهقي ، ومعنى ذرب اللسان : حدته وشره وفحشه ، وإذا كان الصديق رضي الله عنه يقول هذا ويفعل هذا بلسانه فما بالنا نحن.
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : ( والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ).

د - استقامةُ اللسان استقامةٌ للجوارح  :

روى الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ) ..
ومعنى تُكَفِّر اللسان تذل وتخضع له من قولهم كفَّر اليهودي إذا خضع وطأطأ رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه.
قال الغزالي : المعنى فيه أن نطق اللسان يؤثر في أعضاء الإنسان بالتوفيق والخذلان فاللسان أشد الأعضاء جماحاً وطغياناً وأكثرها فساداً وعدواناً ويؤكد هذا المعنى قول مالك بن دينار رضي الله عنه إذا رأيت قساوة في قلبك ووهناً في بدنك وحرماناً في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك.

ثالثا : وسائل حفظ اللسان  :

أ - اجتناب الخوض في الباطل :

الخوض في الباطل : هو الكلام في المعاصي، كذكر مجالس الخمر، ومقامات الفساق ، وقريب من ذلك الجدال والمراء ، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع فينبغي للإنسان أن ينكر المنكر من القول، ويبين الصواب فإن قبل منه وإلا ترك المماراة ، هذا إذا كان معلقا بالدين، فإما إن كان في أمور لذ فلا وجه للمجادلة فيه.
وروى البخاريِّ ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرجل ليتكلَّم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، يهوي بها سبعين خريفًا في النار ).
ويقول ابن القيم رحمه الله : ( وفي اللسان آفتان عظيمَتان ، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى : آفة الكلام ، وآفة السكوت، وقد يكون كلٌّ منهما أعظمَ إثمًا مِن الأخرى في وقتِها، فالساكت عن الحق شيطانٌ أخرسُ عاصٍ الله، مُراءٍ مُداهنٌ ؛ إذا لم يخَف على نفسه، والمتكلِّم بالباطل شيطانٌ ناطقٌ عاصٍ لله، وأكثر الخلق منحرفٌ في كلامه وسكوته ؛ فهُم بين هذين النوعين، وأهل الوسط - وهم أهل الصراط المستقيم - كَفُّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه في الآخرة ).

ب - لزوم الصمت  :

روى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَمَتَ نَجَا ).
روى البيهقي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ ).
روى الطبراني عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليك بُحسن الخلُق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما تجمَّل الخلائق بمثلهما ).
روى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تزال سالمًا ما سكتَّ، فإذا تكلَّمت كُتِبَ لك أو عليك".
روى البخاري عن سهل بن سعد  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يضمنُ لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ).
وعن أسلم أن عمر رضي الله عنه دخل يومًا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه، فقال عمر : مَه ، غفر الله لك . فقال له أبو بكر: إن هذا أوْردني شرَّ الموارد.

ج - ترك الكلام فيما لا يعني  :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركُهُ ما لا يعنيه" .
وكان عطاء بن أبي رباح يعظ ، فقال ( إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون: أمَا يستحي أحدكم أنه لو نشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها، ليس من أمر دينه، ولا دُنياه.
قال الله تعالى ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ ) الانفطار:10، 11، وقال سبحانه أيضا : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق:17، 18.

د - تجنب الغيبة والنميمة والسخرية :

الغيبة : هي ذكر أخاك الغائب بما يكرهه إذا بلغه، سواء كان نقصًا في بدنه أو في نسبه أو في ثوبه .
النميمة : وهي إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه.
السخرية والاستهزاء.. ومعنى السخرية الاحتقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه.

رابعا : الالتزام بشروط الكلام وآدابه  :

أ - شروط الكلام :

يقول الماوردي في أدب الدنيا والدين : واعلم أنّ للكلام شروطا لا يسلم المتكلّم من الزّلل إلّا بها ، ولا يعرى من النّقص إلّا بعد أن يستوفيها :
1. أن يكون الكلام لداع كاجتلاب نفع أو دفع ضرر :ذلك أنّ مالا داعي له هذيان ، لأن من لم يراع صحّة دواعي كلامه وإصابة معانيه ، كان قوله مرذولا ورأيه معلولا .
2. أن يكون الكلام في موضعه ويصيب به فرصته : لأنّ الكلام في غير حينه لا يقع موقع الانتفاع به ، فإن قدّم ما يقتضي التّأخير كان عجلة وخرقا ، وإن أخّر ما يقتضي التّقديم كان توانيا وعجزا ، لأنّ لكلّ مقام قولا، وفي كلّ زمان عملا .
3. أن يقتصر منه على قدر حاجته : فإنّ الكلام إن لم ينحصر بالحاجة ويقدّر بالكفاية ، لم يكن لحدّه غاية ولا لقدره نهاية ، وما لم يكن من الكلام محصورا كان إمّا حصرا إن قصر، أو هذرا إن كثر .
4. اختيار اللّفظ الّذي يتكلّم به  :لأنّ اللّسان عنوان الإنسان، يترجم عن مجهوله ، ويبرهن عن محصوله ، فيلزمه أن يهذب ألفاظه ، وحريّ به تقويم لسانه .

ب - آداب الكلام  :

1. يقول الماوردي في أدب الدنيا والدين : أنّ للكلام آدابا إن أغفلها المتكلّم أذهب رونق كلامه وطمس بهجة بيانه، ولها النّاس عن محاسن فضله، بمساوئ أدبه ، فعدلوا عن مناقبه ، بذكر مثالبه .
2. أن لا يتجاوز في مدح  ولا يسرف في ذمّ : وإن كانت النّزاهة عن الذّمّ كرما، والتّجاوز في المدح قلقا يصدر عن مهانة؛ والسّرف في الذّمّ انتقام يصدر عن شرّ، وكلاهما شين، وإن سلم من الكذب .
3. أن لا تبعثه الرّغبة والرّهبة في وعد أو وعيد يعجز عنهما ولا يقدر على الوفاء بهما فإنّ من أطلق بهما لسانه، وأرسل فيهما عنانه ، ولم يستثقل من القول ما يستثقله من العمل صار وعده نكثا ووعيده عجزا .
4. أنّه إن قال قولا حقّقه بفعله، وإذا تكلّم بكلام صدّقه بعمله، فإنّ إرسال القول اختيار، والعمل به اضطرار، ولأن يفعل ما لم يقل أجمل من أن يقول ما لم يفعل .
5. أن يراعي مخارج كلامه بحسب مقاصده وأغراضه ، فإن كان ترغيبا قرنه باللّين واللّطف ، وإن كان ترهيبا خلطه بالخشونة والعنف .
6. ألّا يرفع بكلامه صوتا مستكرها، ولا ينزعج له انزعاجا مستهجنا، وليكفّ عن حركة تكون طيشا، وعن حركة تكون عيّا، فإنّ نقص الطّيش أكثر من فضل البلاغة .
7. أن يتجافى هجر القول ومستقبح الكلام ، وليعدل إلى الكناية عمّا يستقبح صريحة ، ويستهجن فصيحة ، ليبلغ الغرض ، فهكذا يصون عنه سمعه فلا يصغي إلى فحش .

خامسا : الحالات التي يجوز فيها إطلاق اللسان :

أ - كثرة ذكر الله تعالى:

روى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ أربع من أعطيهن فقد أوتي خيري الدنيا والآخرة: لسانًا ذاكراً، وقلباً شاكر، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة صالحة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله”.
وحول الفقرة الأولى من هذا الحديث يقول الدكتور القرضاوي : أن أولى هذه النعم اللسان الذاكر بأن يؤتي الله المؤمن لساناً يذكره في كل الأحيان، وفي كل الأحوال، لا يفتر عن ذكر الله، فحينما ينشغل الناس بدنياهم، وحينما تستغرق الناس مصالحهم، هو يذكر الله عز وجل، فإن الله سبحانه لم يرض من عباده أن يذكروه مجرد ذكر، أو ذكراً قليلاً، وإنما قال : “يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بكرة وأصيلاً .) 41 الأحزاب
المؤمنون دائمو الذكر لله عز وجل ( يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ) ، آل عمران 191 .
روى الترمذي عن عبد الله بن بُسر  كما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا رسول الله ، إن شرائع الإسلام كثرت علي ، فباب نتمسك به جامع . فقال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .(
ومع هذا ينبغي أن يكون القلب مع اللسان ، وإذا لم يحضر القلب فبالتعود . إن شاء الله تصل إلى حضور القلب .

ب - كلمة الحق  :

إن للكلمة أثرا عظيما في النفس البشرية،فهي في قوتها تفوق السلاح المادي، فالسلاح مهما بلغت قوته يظل قاصرا على إخضاع الأجساد والجوارح في أفعالها وحركاتها، عاجزا عن إخضاع العقول والنفوس في تفكيرها وأحاسيسها .
ولقد أعلا الإسلام من شأن كلمة الحق، وجعلها من أعظم الجهاد وأفضله، فقد روى أحمد عن أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه،أن النبي عليه السلام قال: ( ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )
وقال بعض العلماء : الساكت عن الحق شيطان أخرس ، والناطق بالباطل شيطان ناطق ، فالذي يقول الباطل ويدعو إلى الباطل هذا من الشياطين الناطقين، والذي يسكت عن الحق مع القدرة ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يغير ما يجب تغييره ويسكت وهو يستطيع أن يتكلم هذا يقال له شيطان أخرس من شياطين الإنس يعني؛ لأن الواجب على المؤمن إنكار الباطل والدعوة إلى المعروف وإذا استطاع هذا وجب عليه ، ، فالذي يسكت عن إنكار المنكر وهو قادر ليس له مانع هذا هو الشيطان الأخرس .

ج - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قال الله جل وعلا : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران:104) وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ(التوبة: من الآية71)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم – : (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) وقال عليه الصلاة والسلام : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، فهذا يبين لنا وجوب إنكار المنكر على حسب الطاقة باليد ثم اللسان ثم القلب.
عن أم حبيبة مرفوعًا: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ذكر الله عز وجل)) ورواه ابن ماجه .

الأحد، 14 أغسطس 2016

#التنمية_البشرية_في_السيرة_النبوية 5 . فـن الإيـجـابـيـة إعداد : محمد أبوغدير المحامي

تعريف الإيجابية :
هي اقتناع عقلي ودافع نفسي وجهد بدني ، به لا يكتفي المرء بتنفيذ الواجب بل يبادر في طلبه ، ولا يرضى بمجرد أدائه بل يتقنه ، ويضيف إلى العمل المتقن روحاً وفعالية ، دون جفاء أو تبرم أو استثقال .
وبهذا المعنى للإيجابية كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإيجابي الأول ، ولقد ورثها لأصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، فهو معلمهم وزعيمهم وقدوتهم ،
وفيما يلي ثلاثة أمثلة يتبين من خلالها كيف كان صلى الله عليه وسلم يزرع الإيجابية في عقول أصحابه ومشاعرهم لتنطق بها حواسهم .
.
.
أولا : الرسول يريدها إيجابية مطلقة :

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) .

وتتجلى روعة هذا الحديث الذي رغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم على غرس فسيلة النخيل وهي التي لا  تؤتي ثمارها في الحياة الدنيا إلا بعد سنوات ، ومع اليقين باستحالة أن ينتفع بها أحد والقيامة قائمة ، ومن ثم يتضمن هذا الحديث الدلالات الآتية :

أ - دل هذا الحديث على الإيجابية المطلقة التي لا يتقيد فيها العمل بمدة محددة ولا بزمن محدود ، ولا بثمرة مرتقبة ، فقط الترغيب فى اغتنام آخر فرصة من الحياة الدنيا .

ب - المسلم الإيجابي قلبه معلق بالمثوبة متطلع للأجر ، يثق بأن أجره ممتد إلى ما بعد انقضاء عمره ، وذلك كله لا يكون بالأمنيات ولا يتحقق بالشفاعات ، وإنما ميدانه العمل ، قال الله تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )  سورة التوبة: 105   .

ج - المسلم الإيجابي هو من أدرك رسالته وعرف أنه لم يخلق عبثاً ولم يترك هملاً ، بل هو حامل رسالة ومبلغ أمانة ، ومن ثم فلا مكان عنده لنوم ولا كسل ،
وإيجابيته هذه أداء للواجب فضلا عن كونها معذرة إلى الله عز وجل من التقصير ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتْ أمة منهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ معذبهم عذابا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأعراف : 164
.
.
ثانيا : الرسول يزرع الإيجابية في حياة أصحابه :

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا ؟ ) ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا .
قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟) ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا .
قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ ) ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟ ) ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة )َ .

يحكي هذا الحديث عن برنامج تربوي خاص ، يطرحه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام ، في وقت مخصوص ، ليحقق اهدافا مخصوصة ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - في بداية يوم جديد وبعد صلاة الفجر التي لا يحضرها منافق ، يدعوا الرسول أصحابه ليقتربوا منه وليتفوا حوله ، ليكونوا في ذمة الله وحفظه ، ويوجه عدة أسئلة إليهم يحاسبهم أو يتابعهم في تنفيذ أعمال هي صيام النافلة ، وإتباع الجنازة ، وإطعام الفقير ، وعيادة المريض .

ب - ويريد بذلك صلى الله عليه وسلم أن يشحذ همم أصحابه ويذكي طموحهم ، وبالتالي يدفعهم إلى البذل والعمل ، وانتهاز الفرص واستثمار الواقع ، فإذا كان اهتمامه بنوافل الأعمال ورغائبها هكذا ، فكيف يكون الحال بشأن أركان الدين وفرائضه فلا شك ستكون المحاسبة أشد والمتابعة أقوى ، وبذلك يستهدف وصولهم إلى الإيجابية بمعناها السابق .

ج - قد يشعر المرء من أول وهلة باستحالة تنفيذ الأسئلة التي يطرحها الرسول على أصحابه ، أو على الأقل بصعوبتها ، وخاصة انه لم يكن قد مضي من الوقت بعد صلاة الفجر إلا لحظات ، فمتى وكيف تتبع الجنائز ويطعم المسكين ويعاد المريض ويتحدد الصائم من المفطر ، إلا أن أبو بكر الصديق يقف ويعلن حال إجابته على كل سؤال انه نفذ المطلوب ، ومن ثم يستطيع غيره أن يفعلها ، ويضحى البرنامج الذي وضعه رسول الله مثاليا في رفع همة أصحابه وتحقيق مهارة الإيجابية لديهم .

د - وكانت لهذه النوافل التي اختارها المصطفي ليتابع أداء أصحابه لها قيمة تربوية خاصة ، فهي زاد المصلحين للوصول إلى قمة الإيجابية التي هي الطريق إلى هداية الأفراد وإصلاح المجتمعات وتحكيم الشريعة ،
فالصوم السبيل إلى التقوى ووسيلة لضبط شهوات الشباب فالصوم جنة من الخطأ ووجاء لمن لم يستطع الزواج ، وإتباع الجنازة يذكر بالموت ويزهد في الدنيا ويرفع الهمة إلى العمل الصالح استعدادا للقاء الله ، وإطعام الفقير وعيادة المريض هما مثالين للتكافل الواجب بين المسلمين الذين يسعى بذمتهم أدناهم وهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .

ه - وهنا تبرز عبقرية الصديق أبو بكر لكونه جمع أعمال الخير الكثيرة في يوم واحد ، ويستحق بشري الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال عن هذه الأعمال ( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ) فهنيئا لأبي بكر ، وهنيئا لكل من اتبع سنة النبي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده صلى الله عليه وسلم .
.
.
ثالثا : صورة ﻹيجابية الصحابة ذكورا وإناث  :

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ القِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: « انْشُرْهَا لأبِي طَلْحَةَ ».
فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَة َ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ ،
وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ ، ثُمَّ تَرْجِعَان ِفَتَمْلَآَنِهَا ، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا ) .

هذا مشهد لجانب من يَوْمُ أُحُد حينما حاصر المشركون رسول الله صلى الله عليه ، يقطع بالمستوى الرفيع من الإيجابية التي وصل إليها أصحابه رجالا ونساء أثمرت أن يضحوا بأنفسهم في سبيل الله ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - أهم ما يميز المسلم الإيجابي أنه ذو همة عالية ، يرمق أعلى الجنة ويرجوها ، يحب رسوله صلى الله عليه وسلم ويتخذه قدوة ويفديه بروحه وولده وأمه وأبيه ، عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري ومسلم .

ب - وقد ظهر ذلك الحب بصورة عملية حينما حاصر المشركون الرسول ومن معه في أحد ، إذ كان أصحابه رضوان الله عليهم ويفدونه بأرواحهم ويتلذذون بأصناف العذاب لينجو هو صلى الله عليه وسلم ويستشهدوا هم .

ج - فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يديه صلى الله عليه وسلم ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو ، ويقول : " نحري دون نحرك يا رسول الله " ، وعرضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -- صخرة من الجبل فنهض أبو طلحة إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض عليه، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أوجب طلحة ) أي وجبت الجنة.

د - في هذه المعركة ظهرت بطولات النساء وصدق إيمانهن ، إذ أثبت أنهن خرجن لكي يسقين العطشى ويداوين الجرحى ومنهن من قامت برد ضربات المشركين الموجهة للرسول صلى الله عليه وسلم ،
وممن شاركن في غزوة أحد أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، وأم عمارة ، وحمنة بنت جحش الأسدية ، وأم سليط، وأم سليم رضي الله عنهن .
وثبت كذلك أن امرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها ، فلما نعوهم لها قالت: " ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ، قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل ـ أي صغيرة ـ " .
.
.
رابعا : الإيجابية فريضة لتحقيق منهج الإسلام :

أ - إن الإسلام منهج حياة واقعية ، لا تكفي فيه المشاعر والنيات ما لم تتحول إلى حركة واقعية ، إنما يتحقق في حياة البشر بجهدهم البشري , وفي حدود طاقتهم البشرية .

ب - ويبدأ العمل بالمنهج بأن تحمله مجموعة من البشر ، تؤمن به إيمانا كاملا ، وتستقيم عليه وتجعله وظيفة حياتها وغاية آمالها ، وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم العملية كذلك ، وتجاهد لهذه الغاية بحيث لا تستبقي جهدا ولا طاقة ، وهذه هي الإيجابية المنشودة .