الأحد، 24 يونيو 2018

من ثمرات رمضان.. 3 - تدمع العين من خشية الله تعالى إعداد : محمد أبوغدير المحامي

 لقد كان شهر رمضان فرصة عظيمة لشحن القلوب بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته ، ووسيلة فعالة لكسر النفس وترقيق القلب بالصيام المفضي إلى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل وذلك هو ثمرة تقوي الله التي هي مقصود الصوم .


وكان شهر رمضان منحة ربانية ليغفر الله ذنوب عباده الصائمين نهاره والقائمين ليله ، ومن ثمار المغفرة والإستغفار صلاح العبد وسعادته واستقامة أحواله ، وحصول الرضا والطمأنينة وراحة البال ، كما ان قيام اللّيل هو شرف المؤمن ويعطيه جلالًا ونورًا ، ويجنّبه الإعراض والغفلة ، 

وقد ادرك المسلم فرص هذا الشهر ومنحه الله فيه طمأنينة في نفسه ورقة في قلبه وزرفت عينه دمعة خشية من الله تعالى، وحتى تستمر هذه الدمعة بعد انتهاء هذا الشهر الكريم ،

هيا بنا نتعرف على أنواع البكاء والتباكي لنقف عند الدمعة من خشية الله لبيان فضلها ، وأسباب حصولها ونذكر امثله للبكائين خشية من الله تعالى، وبيان ذلك في الآتي  :


أولا : أنواع البكاء والتباكي ودموع الخشية :

 أ - تعريف البكاء وأنواعه :

1. تعريف البكاء
البكاء : هو رقة تعتري القلب نتيجة خشية أو خوف أو رحمة أو شوق أو حزن ، تفتعل على أثره النفس فتنهمر الدموع تبعاً . 
2. أنواع البكاء :
ذكر الإما م ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد عشرة أنواع للبكاء بيانها كالآتي :
1- بكاء الخوف والخشية . 2- بكاء الرحمة والرقة . 3 - بكاء المحبة والشوق . 4 - بكاء الفرح والسرور . 5 - بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله . 6 - بكاء الحزن الذي يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب . 7- بكاء الخور والضعف . 8 - بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس . 9 - البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة . 10 - بكاء الموافقة : فهو أن يبكي مع الناس ولا يدري لأي شيء يبكون .

ب - التباكي :

وأما التباكي : فهو ما كان متكلفاً في البكاء ،
وهو نوعان محمود ومذموم :
المحمود : أن يُستحلب البكاء رقة القلب وخشية لله و طمعا في رحمته والفوز بجنته .
والمذموم : أن يُجتلب البكاء لأجل الخلق رياءً وسمعةَ . 

ج - الدمعة هي بكاء الخشية من الله تعالى :

تدمع العين إذا رق القلب خشية لله تعالى، فالعين تتبع القلب ، ومتى حرمت العين من البكاء فهذا من قسوة القلب ، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي.
وقد روي ان ابن المبارك جلس مع أصحابه يومًا فانطفأ السراج ؛ فقام رجل يُصلِح السراج، فلما اشتعل نظروا إلى ابن المبارك فإذا لحيته قد ابتلَّت بالدموع ! ، قالوا له : ما يبكيكِ يرحمك الله ؟! قال : تذكرتُ القبر وظُلمتَه .
سبحان الله ! هكذا السلف الصالح يبكي ظلمة القبر عندما ينطفيء السراج ؛ ونحن نبكي على فوات المسلسل التليفزيوني لو انقطع التيار الكهربائي .

ولمكانة البكاء خشية من الله تعالى كان كثير من السلف يفضلونه على بعض الطاعات ، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : لأن أدمع من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بألف دينار . 
وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً .


ثانياً : فضل من أدمعت عينه من خشية الله : 

 من دمعت عيناه من خشية الله تعالى ، كان محلا لذكر الله تعالي في القرآن الكريم ، وينال حب الله تعالى ، ويظله الله يوم القيامة بظله ، وينجيه من نار جهنم ، فلا تمسه يوم القيامة ، ولا يدخلها ولا تراها عينه ، ودلائل ذلك في الآتي :

1 .الله تعالى يحب هذه الدمعة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تراق في سبيل الله... ) رواه الترمذي .

2 . تكريمه  الله تعالى للدامعين :
يقول الله سبحانه : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة: 83 ،
ويقول عنهم سبحانه أيضًا : ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم : 58 .
ويقول كذلك : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) الإسراء: 109.

3 . يظلهم الله في ظله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»... وذكر منهم: «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) درواه البخاري ومسلم .

4 . ينجيهم الله من النار :
عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، ما النجاة؟"، قال: ( أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك ) رواه الترمذي .

5 . لا تمس النار أعينهم  :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) رواه الترمذي .

6 . لا يدخلون النار ولا تراها اعينهم :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ) رواه الترمذي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا ترى أعينهم النار : عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله» رواه الطبراني .


ثالثا : أسباب حصول الدمعة خشية من الله تعالى :

 على المسلم يستطيع أن يلتمس أسباب البكاء من خشية الله ، بأن يحاسب نفسه في حياته قبل أن تشهد عليه جوارحه يوم القيامة ، وأن يقرأ القرآن متدبرا لمعانيه ، وأن يحرص على سماع المواعظ المؤثرة من الصالحين ، وأن يتألم نادما على ما فرط في جنب الله ، ويخشى سوء الخاتمة ، وأن يذكر الله في خلوته وبيان ذلك ودلائله في الآتي :

1 . محاسبة النفس قبل أن تشهد عليه جوارحه :
يذكر قول الله تعالى فيقول : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ...) الآيات "فصلت". 

2 . قراءة القرآن وتدبر معانيه :
قال تعالى : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ  يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) الاسراء : 10 0 - 109
عَن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه  قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ( اقْرَأْ علَّي القُرآنَ ) قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : ( إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ) فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً ) قال : " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . رواه البخاري ومسلم . 

3 . سماع المواعظ المؤثرة :
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال : ( وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ) .
4 . أن يتألم نادما على ما فرط في جنب الله :
فدموعُ التائبين في جُنْحِ الليلِ تروي الغليل ، وتشفي العليل ، كما قال الإمام الطبري فـي تأويـل قوله تعالى (أَفَمِنْ هَـذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ) النجم : 59،61 : 

5 . البكاء شفقة من سوء الخاتمة :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما مرّ رسول الله صلى الله عليه والة وسلم بالحِجْر قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسَهم أن يُصيبكم ما أصابهم ؛ إلا أن تكونوا باكين " ، ثم قنّع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رأسه ، وأسرع المشيَ حتى أجاز الوادي ) . رواه البخاري ومسلم .

6 . أن يذكر الله في خلوته :
وعنه قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ واله وسَلَّم : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : وذكر منها ،  رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) رواه البخاري ومسلم . 


رابعاً : امثله لبكاء السلف الصالح خشية لله: 
وهذه أمثلة راقية لمن فاضت أعينهم خشية لله تعلى وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم فهو أرقهم قلبًا وأخشاهم  لله .

ثَبَت في الصَّحيحينِ ، عنِ ابن مسعود رضي الله عنه -: أنَّ النبي  صلى الله عليه وسلم قال له : ( اقرأ عليَّ القرآن ) ، فقال: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ؟ ! قال : ( إنِّي أحبُّ أن أسمعه مِن غيري ) ، فقرأ من سورة النساء حتى بلغ قول الله تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) النساء : 41 ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حسبك )، فإذا عيناه تَذْرفان .

وقد ثَبَتَ عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا صَلَّى سُمِع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل منَ البكاء، أي: كصوت القدر إذا اشتدَّ غليانه؛ رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي.
قال أبو بكر رضي الله عنه: ( من استطاع أن يبكي فليبك ِ، ومن لم يستطع فليتباك ) .

خطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أهل البصرة فقال : ( أيها الناس ، ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ، ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت ) .

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ( لأن أدمع دمعة من خشية الله، أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما: إذا قرأ: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) سورة الحديد: 16 ، يبكي حتى يغلبه البكاء .

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( أبكاني ثلاث : هول المطلع ، وانقطاع العمل ، وموقفي بين يدي الله ، لا أدري أيؤمر بي إلى الجنة ، أم إلى النار )
وشكا رجل إلى أم الدرداء القساوة من قلبه ، فقالت: ( عُد المريض وشيع الجنازة واطلع في القبور ) .

الجمعة، 22 يونيو 2018

من ثمرات رمضان ... 2 - يبتسم القلب إعداد : محمد أبوغدير المحامي

شهر رمضان منحة ربانية ليغفر الله ذنوب عباده الصائمين نهاره والقائمين ليله والذاكرين الله تعالى على كل أحوالهم ، ومن ثمار المغفرة والإستغفار صلاح العبد وسعادته واستقامة أحواله ، وحصول الرضا والطمأنينة وراحة البال ، كما ان قيام اللّيل هو شرف المؤمن ويعطيه جلالًا ونورًا ، ويجنّبه الإعراض والغفلة .


فإذا ادرك  المسلم ثمرات هذا الشهر رق قلبه وأشرقت روحه وحصلت إبتسامته التي تنثر عبير المودة وتنشر نسائم المحبة ، وكانت بلسما للألم ودواءا للحزن ، على كل من حوله .

وحينما تبتسم قلوب الصالحين يدركون  بأن السعادة حقا تغمرهم، فالراحة و الهناء حين تطمئن القلوب و ليست عندما تسكن الجوارح .

 وهيا بنا نهيئ أنفسنا أن تكون البسمة حالنا الناشيء قلب موصول بالله تعالى وروح َمشرقة ووجه منطلق، وفي هذه السطور القصيرة نتكلم عن فقه الإبتسامة من حيث مفهومها، وتمييزها عن الضحك، وكيف حث الرسول صلى الله عليه وسلم عليها ، وفوائدها ، وكونها طاعة وعبادة ، وون الرسول هو قدوتنا فيها، وبعض ما قال العلماء والمفكرين عنها، وبيان ذلك في التي .

أولا : مفهوم الإبتسامة :

الإبتسامة من التبسم وهو مبادئ الضحك ، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور ، فإن كان بصوت يسمع من بعيد فهو القهقهة ، وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم .

والإبتسامة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى ، فهي سحر حلال تنبثق من القلب فتعطي الإنسان نشاطا وحيوية ، إن رسمها لنفسه ازداد بها قوة ، وإن أرسلها لقريب أشعره بالراحة ، وإن وجهها لمن لايعرفه صنعت معه صداقةً ، لذلك قال ابن عيينة رحمه الله: ( البشاشة مصيدة القلوب ).

ثانياً : الفرق بين الابتسامة والضحك :

1 - في الابتسامة يراعي الآداب فلا تبرز فيها سوى نواجذ الأسنان ، بينما الضحك قد يتجاوز إلى ظهور لسان المزمار

2 - والابتسامة دليل التواضع، بينما الضحك قد تصاحبه القهقهة فيكون دليل الكبر.

3 - الابتسامة حالة دائمة لأنها قناعة قلبية ورضا داخلي لذلك يبقى مفعول الابتسامة طويلاً ، بينما الضحك لا يلبث أن يتلاشى لأنه قد يأتي نتيجة لحالة مفاجئة طارئة.

ثالثا : الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على الإبتسامة

 الرسول الكريم عليه السلام يدعو المسلمين على طلاقة الوجه والتبسم في وجه بعضهم البعض:

1 • (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق). مسلم 2626.

2 • (تبسمك في وجه أخيك صدقة). رواه الترمذي.

3 • (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق). رواه أبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان.


رابعاً : فوائد الابتسامة :

1. أنها باب من أبواب الصدقة والمعروف :
قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم : ( وتبسمك في وجه أخيك لك صدقة )  رواه الترمذي .
وقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم : ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه الحاكم والبيهقي .

2. أنها سبب في كسب مودة الناس ومحبتهم :
قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم : ( لن تسعوا الناس بأموالكم ، فليسعهم منكم بسط الوجه  )  رواه الحاكم  .

3. فيها ترويح للنفس ودواء للهموم وذهاب للغموم :
قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم : ( وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة ) رواه الطبراني في الكبير  .

4. تجدد في النفس النشاط :
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه " إن هذه القلوب تمل كما تملّ الأبدان ، فابتغوا لها طرف الحكمة " .

5. أنها مظهر من مظاهر حسن الخلق :
 قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ( أنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) رواه مسلم .

6.  وفيها تأس بسيد الخلق  صلى الله عليه وسلم :
قال عبدالله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه : " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الترمذي .
وعن جرير بن عبد الله - رضى الله عنه- قال : ( ما حجبني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ولا رآني إلا تبسّم في وجهي ) رواه البخاري

ثالثا : الإبتسامة طاعة وعبادة :

 1 . نبتسم لأنفسنا لنسعدها وندخل السرور إليها ، نبتسم عندما نحقق إنجازاً ولو صغيراً فإن ذلك يدفع إلى مزيد من العطاء والإنجاز ، نبتسم عند الإخفاق لأن ذلك خطوة على طريق النجاح .

2 . ونبتسم لأقرب الناس إلينا من الوالدين والزوجة والأولاد  فهم أولى الناس بالابتسامة ، فكم تبددت جبال المشاكل فور تلقيها حرارة الابتسامة ، وسارعت بالانصهار والذوبان .

3 . ونبتسم لرفقاء العمل وجيران المنزل وتلاميذ الفصل ، لتفرج بها عنهم هموم قلوبهم و نداوي بها مكلومهم وننشط خاملهم و تفرح محزونهم .

رابعاً : الرسول قدوتنا في الإبتسامة :

1 . كان حال الرسول دائما التبسم :
وقال عبدالله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه : " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الترمذي .
يقول جابر بن سمرة رضي الله عنه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ( .... كان لا يضحك إلا تبسما ... ) رواه الحاكم .

2 . لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم وهو ينظر إلى مستقبل هذه الأمة :
عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: "نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ثم استيقظ يتبسم فقلت: ما أضحكك، قال : ( أناسٌ من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادعوا الله أن يجعلني منهم فدعا لها ) رواه البخاري .

ولقد ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا وهو مبتسم ‏:
فعن ‏أنس بن مالك ‏رضي الله عنه: ( أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم ‏‏الاثنين ‏وأبو بكر‏ ‏يصلي بهم، فإذا برسول الله ‏- صلى الله عليه وسلم قد‏ ‏كشف ستر حجرة ‏عائشة ‏فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضح )

خامساً : بعض أقوال العلماء والمفكرين عن التبسم :

• قال أبو حاتم بن حبان - رحمه الله -:
"البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البـِشر يطفئ نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي ومنجاة من الساعي، ومن بشَّ للناس وجها لم يكن عندهم بدون - بأقل - الباذل لهم ما يملك".

• وعن عروة بن الزبير قال:
 "أخبرت أنه مكتوب في الحكمة: يا بني ليكن وجهك بسطا، ولتكن كلمتك طيبة؛ تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء".

• وعن سعيد بن الخمس قال:
"قيل له ما أبشـَّك؟ قال: إنه يا قوم على برخيص". يعني: إن البشاشة رخيصة لا تكلفه مالا ولا جهدا، وإنها غالية وقيمة؛ لأنها تجذب القلوب وتقتلع أسباب البغضاء.

• فولتير :
الابتسامة تذيب الجليد وتنشر الارتياح وتبلسم الجراح: انها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية

• شكسبير :
 أن تشق طريقا بالابتسامة خير من أن تشقه بالسيف

•حكمة تايلندية :
 الابتسامة طريقك الأقصر الى قلوب الاخرين

الأحد، 17 يونيو 2018

من ثمرات رمضان ... 1. الزهد في الدنيا إعداد : محمد أبوغدير المحامي

حينما يحسن المؤمن الاستفادة من شهر رمضان  فيتلو كتاب الله الكريم متدبرا آيَاتِهِ وعاملا بأحكام فإنه يستشعر نورا يحيا به قلبه ويُشفى به صدره ، وحال صلاته وقيامه وتهجده خاشعا لله تعالى، وكذلك حال قيامه وركوعه وسجوده يأنس بالقرب من ربه ، فتزول غفلة قلبه وتهون في عينه زخارف الدنيا ومتعها ويتعلق قلبه باليوم الآخر .

 وحال صيام المؤمن نهار رمضان يشعر عند جوعه بانكسار نفسه وانقشاع شهواته وكأن نفسه تحررت من رغبات الحياة، فيثمر صبره على الجوع رقةً في قلبه وفيضًا في مشاعره، فيعطي – في سبيل الله – الفقير والمحتاج بسخاء لا يخشى معه الفقر، واثقًا بأن ما كان لله أفضل مما بقي في يده .

فلا شك أن طاعته وإخلاصه لله في رمضان التي نتج عنها تحرر النفس من زخارف الدنيا ومتعها في عين المؤمن وتعلق قلبه باليوم الآخر ، وإنفاقه للمال إنفاق الواثق بأن ما كان لله أفضل مما بقي في يده ، تعني بصدق أن المؤمن تحلى بشمائل ( الزاهد في الدنيا ). 

وحتى نتربى على الزهد لنتخلق به سائر أيامنا وفي كل أحوالنا، هيا بنا نتعرف على مفهوم الزهد لغة وإصطلاحا وعند السلف، ثم بيان حقيقته،  وبيان الطريق إليه في الدنيا، ونقف على فضله وثمراته، لكي نلتمس أسباب التحلي بهذه الصفة العظيمة، تم نختم بذكر صور من زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وبيان ذلك في الآتي :

أولا : مفهوم الزهد :

أ – الزهد في اللغة: 

من فعل زهِد ومعناه أعرض، أو تخلّص من التّعلق بشيءٍ معين، 
ومعنى الزّهد كذلك: الشّيء القليل، فيقال مبلغ زهيد أي قليل.

ب – والزهد اصطلاحاً: 

هو العزوف عن الدّنيا ومتاعها وملذّاتها باعتبارها أمراً زائلاً، والرّضا بالقليل منها والقناعة بدون تكلف. 

ج – تعريف السلف الصالح للزهد:

1 – سئل الزهري عن الزاهد فقال: من لم يغلب الحرام صبره، ولم يشغل الحلال شكره..

2 – وقال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا: قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس.

3 – وقال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالزهد الفرض: الزهد في الحرام، والزهد الفضل: الزهد في الحلال، والزهد السلامة: الزهد في الشبهات.


ثانياً : حقيقة الزهد

أ - حقيقة الزهد أنه :
انصراف القلب والنفس عن طلب الدنيا، والعزوف عن متاعها وملذاتها، والرّضا بالقليل منها، وأن يكون ما في يد الله أوثق مما في يد العبد، وأن يكون حاله في المصيبة وحاله إذا لم يصب بها سواء، وأن يكون مادحه وذامه في الحق سواء.

ب - وليس من الزهد :
وليس من الزهد في الدنيا تحريم الحلال ولا إضاعة المال ولا الإعراض عن السلطة والحكم. 

فلقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما.
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق، وله تسع نسوة.
وكان علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان  رضي الله عنهم من الزهاد، مع ما كان لهم من الأموال.


ثالثاً : الطريق إلى تحقيق الزهد في الدنيا :
 قال ابن القيم - رحمه الله -: "ولا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين:

النظر الأول: النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها، وألم المزاحمة عليها، والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع، مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها، وهم في حال الظفر بها، وحزن وغم بعد فواتها، فهذا أحد النظرين.

النظر الثاني: النظر في الآخرة، وإقبالها، ومجيئها، ولا بد من دوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا، فهي كما قال سبحانه: ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ الأعلى: 17.


رابعاً :  فضل الزهد وثمراته :

للزهد فضل عظيم وثمراته جليلة ورد ذكرها في آيات وأحاديث كثيرة، فهيا نتدبر هذه النصوص ليبين لنا هذا الفضل وتلك الثمرات لنسعى جاهدين للتخلق بهذه الفضيلة :

أ – الزاهد في الدنيا يحبه الله: 

روى ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال قال: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس) .

ب – الزهد مصدر الراحة والاطمئنان لأهله: 

قال سبحانه:(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد: 23 .

ج - الزهد نهج العلماء :

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ القصص: 78-80] 
ففي هذه الآية نسب الزهد إلى العلماء ووصف أهله بالعلم وهو غاية الثناء.

د - الزهد من صفات أهل الآخرة :

قال سبحانه: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى: 20], وقال تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[طه: 131].ةج

هـ - الزهد طريق إلى حب الله وحب الناس :

عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» . حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره .

و – الدنيا حقيرة ومتاعها زائل: 

قال سبحانه وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب) آل عمران: 14 .
ومن حقارة الدنيا ما رواه مسلم عن مُسْتَوْرِدً، أَخَو بَنِي فِهْرٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ – وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ – فِى الْيَمِّ فلينظر بم يرجع).

 و - كفاف الدنيا ينفع والزائد منها مهلك: 

فينبغي على الإنسان التقليل من الدنيا، قال عز وجل: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يونس: 34 .


 خامساً : صورمن زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم :

أ - النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا :

وهذه بعض الأحاديث التي تصف زهد النبي صلى الله عليه وسلم :

1. زهده في طعامه صلى الله عليه وسلم :
عن عَائِشَة رضي الله عَنْهَا قالت : (مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ) رواه البخاري ومسلم. 
وعنها رضي الله عنها قالت : (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ) رواه البخاري ومسلم .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : (مَا أَكَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا مُرَقَّقًا ، وَلاَ شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ) – مسموطة : أي : مشوية - رواه البخاري 

2 . زهده في أثاثه ورياشه صلى الله عليه وسلم :
وعن عَبْد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : (نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ؟ فَقَالَ : مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) رواه الترمذي. 
ودخلت امرأة أنصارية بيته صلى الله عليه وسلم ، فرأت فراشه مثنية، فانطلقت، فبعثت بفراش فيه صوف إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ((رُدِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله عليّ جبال الذهب والفضة)). قالت عائشة: فرددته. رواه البيهقي وأحمد

3 . تركته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته :
قال عمرو بن الحارث رضي الله عنه : (مَا تَرَكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً) رواه البخاري .

ب - زهد الصحابة رضوان الله عليهم :

1. زهد عبدالرحمن ابن عوف :
أخرج البخاري في صحيحه عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أن عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه أُتي بطعام وكان صائماً، فقال: قُتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، فلم يوجد له ما يُكَفَّن فيه إلا بُردة، إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بُسِط لنا من الدنيا ما بُسِط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا -  قد خشينا أن تكون حسناتنا عُجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

2. زهد مصعب بن عمير رضي الله عنه :
أخرج البخاري ومسلم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، قتل يوم أحد وترك بردة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئاً من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُها.

3. زهد خباب بن الأرت :
 وهذا زهد خباب بن الأرت يدخل عليه بعض أصحابه وهو في مرض الموت فيقول لهم : إن في هذا المكان ثمانين ألف درهم ، والله ما شدَدْتُ عليها رباطًا قط ، ولا منعت منها سائلًا قط ، ثم بكى ، فقالوا : ما يبكيك؟! فقال أبكي لأن أصحابي مضوا ولم ينالوا من أجورهم في هذه الدنيا شيئًا ، وإني بقيت فنلت من هذا المال ما أخاف أن يكون ثوابًا لتلك الأعمال ) أخرجه أبو يعلى والطبراني  والبيهقي في شعب الإيمان  وأبو نعيم في الحلية .

4. زهد سلمان الفارسي :
 وهذا سعد ابن أبي وقاص يذهب إلى سلمان الفارسي يعوده فرآه يبكي ، فقال له سعد : ما يبكيك يا أخي ؟ أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس ..؟ قال سلمان : ما أبكي واحدة من اثنتين ، ما أبكي ضَنًّا على الدنيا ، ولا كراهية في الآخرة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه عهد إلينا عهدًا ما أراني إلا قد تعدَّيت ، قال : وما عَهِد إليك ؟ قال : عَهِد إلينا أنه يكفي أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب ، ولا أراني إلا قد تعدَّيت   فجُمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر درهما ) أخرجه ابن حبان.