الأحد، 24 يونيو 2018

من ثمرات رمضان.. 3 - تدمع العين من خشية الله تعالى إعداد : محمد أبوغدير المحامي

 لقد كان شهر رمضان فرصة عظيمة لشحن القلوب بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته ، ووسيلة فعالة لكسر النفس وترقيق القلب بالصيام المفضي إلى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل وذلك هو ثمرة تقوي الله التي هي مقصود الصوم .


وكان شهر رمضان منحة ربانية ليغفر الله ذنوب عباده الصائمين نهاره والقائمين ليله ، ومن ثمار المغفرة والإستغفار صلاح العبد وسعادته واستقامة أحواله ، وحصول الرضا والطمأنينة وراحة البال ، كما ان قيام اللّيل هو شرف المؤمن ويعطيه جلالًا ونورًا ، ويجنّبه الإعراض والغفلة ، 

وقد ادرك المسلم فرص هذا الشهر ومنحه الله فيه طمأنينة في نفسه ورقة في قلبه وزرفت عينه دمعة خشية من الله تعالى، وحتى تستمر هذه الدمعة بعد انتهاء هذا الشهر الكريم ،

هيا بنا نتعرف على أنواع البكاء والتباكي لنقف عند الدمعة من خشية الله لبيان فضلها ، وأسباب حصولها ونذكر امثله للبكائين خشية من الله تعالى، وبيان ذلك في الآتي  :


أولا : أنواع البكاء والتباكي ودموع الخشية :

 أ - تعريف البكاء وأنواعه :

1. تعريف البكاء
البكاء : هو رقة تعتري القلب نتيجة خشية أو خوف أو رحمة أو شوق أو حزن ، تفتعل على أثره النفس فتنهمر الدموع تبعاً . 
2. أنواع البكاء :
ذكر الإما م ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد عشرة أنواع للبكاء بيانها كالآتي :
1- بكاء الخوف والخشية . 2- بكاء الرحمة والرقة . 3 - بكاء المحبة والشوق . 4 - بكاء الفرح والسرور . 5 - بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله . 6 - بكاء الحزن الذي يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب . 7- بكاء الخور والضعف . 8 - بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس . 9 - البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة . 10 - بكاء الموافقة : فهو أن يبكي مع الناس ولا يدري لأي شيء يبكون .

ب - التباكي :

وأما التباكي : فهو ما كان متكلفاً في البكاء ،
وهو نوعان محمود ومذموم :
المحمود : أن يُستحلب البكاء رقة القلب وخشية لله و طمعا في رحمته والفوز بجنته .
والمذموم : أن يُجتلب البكاء لأجل الخلق رياءً وسمعةَ . 

ج - الدمعة هي بكاء الخشية من الله تعالى :

تدمع العين إذا رق القلب خشية لله تعالى، فالعين تتبع القلب ، ومتى حرمت العين من البكاء فهذا من قسوة القلب ، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي.
وقد روي ان ابن المبارك جلس مع أصحابه يومًا فانطفأ السراج ؛ فقام رجل يُصلِح السراج، فلما اشتعل نظروا إلى ابن المبارك فإذا لحيته قد ابتلَّت بالدموع ! ، قالوا له : ما يبكيكِ يرحمك الله ؟! قال : تذكرتُ القبر وظُلمتَه .
سبحان الله ! هكذا السلف الصالح يبكي ظلمة القبر عندما ينطفيء السراج ؛ ونحن نبكي على فوات المسلسل التليفزيوني لو انقطع التيار الكهربائي .

ولمكانة البكاء خشية من الله تعالى كان كثير من السلف يفضلونه على بعض الطاعات ، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : لأن أدمع من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بألف دينار . 
وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً .


ثانياً : فضل من أدمعت عينه من خشية الله : 

 من دمعت عيناه من خشية الله تعالى ، كان محلا لذكر الله تعالي في القرآن الكريم ، وينال حب الله تعالى ، ويظله الله يوم القيامة بظله ، وينجيه من نار جهنم ، فلا تمسه يوم القيامة ، ولا يدخلها ولا تراها عينه ، ودلائل ذلك في الآتي :

1 .الله تعالى يحب هذه الدمعة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تراق في سبيل الله... ) رواه الترمذي .

2 . تكريمه  الله تعالى للدامعين :
يقول الله سبحانه : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة: 83 ،
ويقول عنهم سبحانه أيضًا : ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم : 58 .
ويقول كذلك : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) الإسراء: 109.

3 . يظلهم الله في ظله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»... وذكر منهم: «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) درواه البخاري ومسلم .

4 . ينجيهم الله من النار :
عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، ما النجاة؟"، قال: ( أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك ) رواه الترمذي .

5 . لا تمس النار أعينهم  :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) رواه الترمذي .

6 . لا يدخلون النار ولا تراها اعينهم :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ) رواه الترمذي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا ترى أعينهم النار : عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله» رواه الطبراني .


ثالثا : أسباب حصول الدمعة خشية من الله تعالى :

 على المسلم يستطيع أن يلتمس أسباب البكاء من خشية الله ، بأن يحاسب نفسه في حياته قبل أن تشهد عليه جوارحه يوم القيامة ، وأن يقرأ القرآن متدبرا لمعانيه ، وأن يحرص على سماع المواعظ المؤثرة من الصالحين ، وأن يتألم نادما على ما فرط في جنب الله ، ويخشى سوء الخاتمة ، وأن يذكر الله في خلوته وبيان ذلك ودلائله في الآتي :

1 . محاسبة النفس قبل أن تشهد عليه جوارحه :
يذكر قول الله تعالى فيقول : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ...) الآيات "فصلت". 

2 . قراءة القرآن وتدبر معانيه :
قال تعالى : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ  يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) الاسراء : 10 0 - 109
عَن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه  قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ( اقْرَأْ علَّي القُرآنَ ) قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : ( إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ) فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً ) قال : " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . رواه البخاري ومسلم . 

3 . سماع المواعظ المؤثرة :
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال : ( وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ) .
4 . أن يتألم نادما على ما فرط في جنب الله :
فدموعُ التائبين في جُنْحِ الليلِ تروي الغليل ، وتشفي العليل ، كما قال الإمام الطبري فـي تأويـل قوله تعالى (أَفَمِنْ هَـذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ) النجم : 59،61 : 

5 . البكاء شفقة من سوء الخاتمة :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما مرّ رسول الله صلى الله عليه والة وسلم بالحِجْر قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسَهم أن يُصيبكم ما أصابهم ؛ إلا أن تكونوا باكين " ، ثم قنّع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رأسه ، وأسرع المشيَ حتى أجاز الوادي ) . رواه البخاري ومسلم .

6 . أن يذكر الله في خلوته :
وعنه قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ واله وسَلَّم : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : وذكر منها ،  رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) رواه البخاري ومسلم . 


رابعاً : امثله لبكاء السلف الصالح خشية لله: 
وهذه أمثلة راقية لمن فاضت أعينهم خشية لله تعلى وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم فهو أرقهم قلبًا وأخشاهم  لله .

ثَبَت في الصَّحيحينِ ، عنِ ابن مسعود رضي الله عنه -: أنَّ النبي  صلى الله عليه وسلم قال له : ( اقرأ عليَّ القرآن ) ، فقال: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ؟ ! قال : ( إنِّي أحبُّ أن أسمعه مِن غيري ) ، فقرأ من سورة النساء حتى بلغ قول الله تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) النساء : 41 ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حسبك )، فإذا عيناه تَذْرفان .

وقد ثَبَتَ عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا صَلَّى سُمِع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل منَ البكاء، أي: كصوت القدر إذا اشتدَّ غليانه؛ رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي.
قال أبو بكر رضي الله عنه: ( من استطاع أن يبكي فليبك ِ، ومن لم يستطع فليتباك ) .

خطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أهل البصرة فقال : ( أيها الناس ، ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ، ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت ) .

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ( لأن أدمع دمعة من خشية الله، أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما: إذا قرأ: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) سورة الحديد: 16 ، يبكي حتى يغلبه البكاء .

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( أبكاني ثلاث : هول المطلع ، وانقطاع العمل ، وموقفي بين يدي الله ، لا أدري أيؤمر بي إلى الجنة ، أم إلى النار )
وشكا رجل إلى أم الدرداء القساوة من قلبه ، فقالت: ( عُد المريض وشيع الجنازة واطلع في القبور ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق