قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم : 6 .
في هذه الآية الكريمة يهيب الله تعالى بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم نحو أنفسهم أهليهم من التربية والتوجيه والتذكير، محذرا ومخوفا من النار المستعرة التى وقودها وحطبُها الناس والحجارة ، والإنسان فيها مهان ورخيص كالحجارة يقذف دون إعتبار ولا عناية ، ويتولى تعذيبهم ملائكة، غلاظ أخلاقهم وصفاتهم ، مزعجةأصواتهم ، يتعبدون بهذا التعذيب لله تعالى .
ويكون وقْع هذه الآية أشد على نفس المؤمن إذا أيقن أن الصالحين من الأمة ليسوا بمنأى عن العذاب ما لم يكونوا مصلحون ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم ، من ثم فالمرء مسئول - كذلك - عن إصلاح مجتمعه ونصح الحاكم ومخاصمته إذا أساء ، وسعيه لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية.
ولما كانت المسؤلية عظيمة وعذاب النار أعظم فلابد من حث المؤمنين على بذل الجهد في الإصلاح وعلاج التخلي عن تحمل التبعة ، وتذكيرهم بوسائل الوقاية من النار كما وردت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم يجب أن يشمل الموضوع العناصر الآتية :
أولا : بيان ماهية النار وصفاتها.
ثانياً : مسؤولية النجاة من النار .
ثالثا سبل تحمل التبعة وعلاج التخلي عنها.
رابعا : وسائل الوقاية من النار من الكتاب والسنة.
وبيان ذلك في الآتي :
.
أولا : بيان ماهية النار صفاتها :
حتى نمتثل لأمر الله تعالى ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) فنتجنب الوقوع في النار يجب أن نقف على ماهية النار وصفتها، لنعلم سعة النّار وبعد قعرها وشدة حرها، ودركاتها ، وطعام أهل النار وشرابهم ولباسهم ، وصور من عذابها :
أ - سعة النّار وبعد قعرها وشدة حرها :
الّذين يدخلون النّار أعداد لا تحصى قال تعالى-: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } ق : 30 .
وعن أنس عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: « لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد، حتى يضع فيها ربّ العزّة -تبارك وتعالى- قدمه. فتقول: قط قط، وعزتك. ويزوي بعضها إلى بعض » متفق عليه.
وتسعر النّار يوم القيامة عندما تستقبل أهلها {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} التّكوير: 12 أي: أوقدت وأحميت، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلاة. فإن شدّة الحرّ من فيح جهنّم» رواه البخاري ومسلم .
ب - دركات النار :
للنار دركات منها جهنّم، ولظى والسّعير وسقر
وبعد ذلك جحيم ثم هاوية *** تهوي بهم أبدًا في حرٍّ مستعر
1- جهنم : هي للكافرين: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا } الكهف: 102 .
2- لظى : هم للذين لا يشكرون الله عند الرّخاء ولا يصبرون عند البلاء ويمنعون حق المال ويعرض بعضهم عن الحق فقال -عزّ وجلّ-: {كَلا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج: 15-18].
3- الحطمة : مسكن أهل الغيبة والنّميمة وأهل تجميع الأموال من غير حقها قال -عزّ وجلّ-: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ } الهمزة : 1-9 .
4- السعير : مسكن المكذب بيوم القيامة.. قال -تعالى-: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } الفرقان: 11.
5- سقر : ذكر الله عدة أعمال توجب دخول سقر وهي أربعة: الّذي لا يصلّي، والّذي لا يتصدق، والّذي ليس له اتجاه معين، والّذي يكذب بيوم القيامة.. قال -تعالى-: {إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 39-46].
6- الجحيم : وهذه للمتكبرين.. يقول -تعالى-: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدّخان : 47-49 .
7- الهاوية : هي أسفل طباق النّار وهي للمنافقين.. يقول -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} النساء : 145 .
واختار الله لهم هذه الطّبقة مع شدة عذابها؛ لأنهم كانوا يخدعون الله وأهل الإيمان.
ج - طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم
1. طعام أهل النّار الضّريع والزّقوم والغسلين :
طعام أهل النّار الضّريع، والضّريع شوك بأرض الحجاز يقال الشّبرق ، قال -تعالى-: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 6-7]،
وطعامهم الزّقوم وقال -تعالى-: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} الدّخان: 43-46 .
وطعامهم الغسلين : قال تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} الحاقة : 35-36 ، قال القرطبي : "هو عصارة أهل النّار".
وإذا أكل أهل النّار من هذا الطعام الخبيث من الضّريع والزّقوم غصوا به لقبحه وخبثه { إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} المزمل: 12-13 .
2 - شراب أهل النار الحميم والغسّاق والصّديد والمهل :
الحميم وهو الماء الحار الّذي تناهى حرّه قال -تعالى-:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } محمّد : 15 .
الغسّاق: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ص: 57 .
الصّديد وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }إبراهيم: 16-17].
المهل {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29].
3 - لباس أهل النّار
أخبر الحق -سبحانه وتعالى- أنه يفصل لأهل النّار حلل من النّار كما قال -تعالى-: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}[الحجّ: 19-20 .
وقال -سبحانه-: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} إبراهيم: 49-50 والقرآن : هم النّحاس المذاب.
ء - صور من عذابه :
هناك العديد والكثير من الهول والعذب في نار جهنّم.. فمن ذلك، إنضاج الجلود، والصّهر، واللفح، والسحب، وتسويد الوجوه، وإحاطة النار ، واطلاع النّار على الأفئدة ، وبيان ذلك من خلال كتاب الله تعالي :
1- إنضاج الجلود : قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء : 56 .
2 - الصّهر : قال الله تعالى : {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} الحجّ: 19-20 .
3 - اللفح : قال الله تعالى : {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} المؤمنون : 104 ،
4- السحب : قال الله تعالى : {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} القمر: 47-48 .
5- تسويد الوجوه : قال الله تعالى : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106].
6- إحاطة النّار بالكفار : قال الله تعالى في موضع آخر : { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} الزّمر: 16.
7- اطلاع النّار على الأفئدة : قال الله تعالى : { كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ } الهمزة: 4-9 .
.
ثانياً : مسؤولية النجاة من النار :
المرء مسؤول عن وقاية نفسه وأهله من النار ، ولن ينجو من عذاب النار حتي يسعي لإصلاح مجتمعه وينصح الحاكم ويخاصمه إذا أساء ، ويجاهد لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، فالمسلم لينجو من النار لابد أن يكون صالحا في نفسه مصلحا لغيره ، وقد ثبت وجوب ذلك من خلال الكتاب والسنة وبيان ذلك في الآتي :
أ - مسؤولية المرء نجاة نفسه وأهله من النار :
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ... } التحريم : 6.
قال الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : معنى " قُوا " أي يقيهم ، بمعنى أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه فإذا رأى منهم معصية لله ردعهم عنها وزجرهم عنها» .
وقال القرطبي في تفسيره ، قال مقاتل : ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه .
فيجب على الرجل أن يأمر أهلَه بالمعروف، ويحثَّهم عليه، وينهاهم عن المنكر ، ويزجرَهم عنه؛ فيأمرُهم بالصلاة، والزكاة، والصيام ، وسائرِ فرائض الإسلام ، قال تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } طه:132.
وعن إسماعيل عليه السلام قال الله تعالى : {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} مريم:55 .
ب - مسؤولية المرء نحو مجتمعه وأمته :
قد تصيب النار الصالحين لخطأ ارتكبوه أو جرم جنوه ، فلا ينجو من النار إلا الصالحين المصلحين ، فإذا رأى المؤمنون المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب ، فقد روى أحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلم يُغيِّرُوه ُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ ) .
وقد صح الوعيد في حق من لم ينكر المنكر بحسب قدرته ، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) .
وروى البيهقي عن عُمَرَ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ قال : " كَانَ يُقَالُ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذَّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ ، وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا : اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ " .
وروى الطبراني في " الأوسط " والبيهقي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنِ اقْلِبْ مَدِينَةَ كَذَا وَكَذَا عَلَى أَهْلِهَا!! قَالَ : إِنَّ فِيهِ عَبْدَكَ فُلَانًا لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ؟! قَالَ : اقْلِبْهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرَ لِي سَاعَةً قَطُّ ) .
والحديث ذكره الألباني في " الضعيفة " .
ج - الإصلاح الشامل رسالة المسلم الحق نحو نفسه ومجتمعه وأمته :
أمر الله تعالى بذلك فقال سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ؛ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) الحج : 77-78 .
وتتحقق هذه الرسالة السامية بمسؤولية ضخمة، بها يصلح المسلم نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ، وذلك على النحو التالي :
1. أن بصلاح نفسه ببنائها وتشييدها بأن يكون سليم العقيده ، صحيح العباده ، مجاهدا لنفسه ، حريصا على وقته ، منظما في شؤونه ، نافعا لغيره ، قوي الجسم ، متين الخلق ، مثقف الفكر ، قادرا على الكسب .
2 . وأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية ، وحسن اختيار الزوجة ، وتوقيفها على حقها واجبها ، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام .
3 . وأن يرشد مجتمعه بنشر دعوة الخير فيه ، ومحاربة الرذائل والمنكرات ، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف ، والمبادرة إلى فعل الخير ، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما ً.
4 . وأن يسعى لصلاح حكومته حتى تكون إسلامية بحق ، منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه. ومن صفاتها: الشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس ، والعفة عن المال العام، ومن واجباتها : صيانة الأمن، وإنفاذ القانون ، ونشر التعليم، وتنمية الثروة ، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة. ومن حقها –متى أدت واجبها الولاء والطاعة، فإذا قصرت، فالنصح والإرشاد ثم الخلع والإبعاد فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
5- ولا تكتمل مهمته في الإصلاح حتى يعيد الكيان الدولي للأمة الإسلامية ، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها ، فتتحقق الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة ، وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعها، كما قال تعالى (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) الأنفال : 39 .
.
ثالثا : سبل تحمل التبعة وعلاج التخلي عنها :
المسؤلية على النحو السالف بيانه عظيمة وثقيلة ينوء بحملها أفراد أو جماعات فهي رسالة الأمة كلها ، قال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون َ) آل عمران : 104 وعلى علماء الأمة في سبيل الدعوة إلى تحمل التبعة وعلاج التخلي عنها أن تقوم بالآتي :
1 - التبصير بالمسؤوليات والتعريف بالتكاليف: فيعرف المرء ما يجب عليه؛ لأنه لا يمكنه القيام بما يجب عليه إذا جهله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: « كف عليك هذا: وأخذ بلسان نفسه، قال: فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم» الترمذي .
2 - الحث على تحمل المسؤوليات : فإن ذلك يؤدي إلى علو الهمة ويرفع الإحباط ولذا فهو نهج تربوي قويم في تحمل المسؤوليات .
3 - مواجهة الغزو الفكري وبيان تفوق الإسلام الحضاري، وملاءمة تعاليمه السمحة لفطرة الإنسان، وفضح الواقع المرير الذي يعيشه غير المسلمين من انحلال وتفكك، وهو ما يحاولون جهدهم جر المسلمين إلى مستنقع .
4 - العناية ببرامج التزكية التي تدفع إلى تحمل التكاليف الشرعية بانشراح صدر وقبول ورغبة وبيان الثواب الجزيل الذي ينتظر الملتزم القائم بمسؤولياته الشرعية في الدنيا والآخرة .
5 - المراقبة والمحاسبة لمن يتخلى عن مسؤولياته ويقصر فيما يجب عليه تجاه المجتمع والضرب على أيدي العابثين بالوظائف العامة .
6 - تقدير من يقومون بالمهام والمسؤوليات والتنويه بدورهم وتقديم الجزاء الأوفى الذي يستحقونه .
7 - تعويد الأطفال منذ الصغر تحمل المسؤولية والقيام بمهامهم الصغيرة التي تتناسب مع أعمارهم وتبغيض الاتكالية إليهم فإنها داء خطير .
8 - بث روح التفاؤل وإشاعة الأمل وأن المستقبل لهذا الدين وما علينا إلا أن نسعى لخير أمتنا بالقيام بمهامنا فيتحقق لنا النصر المنشود .
9 - إبراز النماذج المعاصرة التي تخطت العقبات وقامت برغم العوائق بالمسؤوليات فسعدت ونجحت وصارت مثلا يحتذى وقدوة تحتسى ، فإن للأمثلة العملية تأثيرًا كبيرًا على النفوس.
10 - ترسيخ مفهوم السعادة في القيام بالمهام والنهوض بالمسؤوليات ليقدم المقدم على المسؤولية إقدام المتشوق الذي يطلب فيها السعادة والراحة .
.
رابعا : وسائل الوقاية من النار :
وسائل الوقاية من النار وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة بكثرة نذكر منها : الإخلاص ، وإدراك تكبيرة الإحرام ، والمحافظة على صلاتي الفجر والعصر ، والمحافظة على أربع ركعات قبل الظهر وبعده ، والبكاء من خشية الله ، والخطوات في سبيل الله ، وسماحة الأخلاق ، وإحسان تربية الأبناء ، والحفاظ على أذكار الصباح والمساء ، والذب عن عرض ، والإلحاح وكثرة الدعاء بذكر معين .
1. الإيمان والإخلاص :
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه : (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري ومسلم.
وحين يثبت العمل الصالح ويفتقر صاحبه الإخلاص فيرجو به غير الله، فهو أول من تصعر به جهنم ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «إن أول النّاس يقضى يوم القيامة عليه، رجلٌ استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال : كذبت. ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلّم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال : تعلّمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ. فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه. فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال : كذبت. ولكنك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه. ثم ألقي في النّار» رواه مسلم 1905.
2. إصلاح الصلاة بإدراك تكبيرة الإحرام :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار و براءة من
النفاق) رواه الترمذي .
وهذا مشروع إيماني ينبغي أن تفرغ له المرء ، إنها مائتا صلاة ، فاعتبرها مائتي خطوة إلى الجنة ، فهل لا تستحق سلعة الله الغالية أنْ تتفرغ لها ؟
3. المحافظة على صلاتي الفجر والعصر :
قال صلى الله عليه وسلم : ( لن يلج النار أحد صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني الفجر والعصر) رواه مسلم .
وهذا بأن تصلى في أول الوقت ، ويحافظ على أداء السنة قبلها .
4 . المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر وبعده :
روى النسائي والترمذي عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ ).
ولفظ الترمذي : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ). والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي .
5 . البكاء من خشية الله تعالى :
روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ»، فقوله: «لاَ يَلِجُ»: أي لا يدخل، «حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ»: كناية عن استحالة ذلك.
فنعوذ بالله من عين لا تدمع من خشيته ، ونسأله عينًا بالعبرات مدرارة ، وقلبًا خاشعًا مخبتًا .
6 . المشي خطوات في سبيل الله :
عن يزيد بن أبي مريم رضي الله عنه قال : لحقني عباية بن رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأنا أمشي إلى الجمعة فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله سمعت أبا عبس يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار ) رواه الترمذي .
7 . سماحة الأخلاق :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ" رواه الترمذي .
8. إحسان تربية البنات أو الأخوات :
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني .
9. الوصية بهذه الذكر في أذكار الصباح والمساء :
روى الطبراني والحاكم من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال : اللهم إني أُشْهِدك وأشهد ملائكتك وحَملة عرشك ، وأُشْهِد من في السماوات ومَن في الأرض أنك أنت الله لا إله إلاَّ أنت وحدك لا شريك لك ، وأشْهَد أن محمدًا عبدك ورسولك ؛ مَن قالها مَرَّة أعْتَق الله ثُلثه مِن النار ، ومن قالها مرتين أعتق الله ثلثيه مِن النار ، ومن قالها ثلاثا أعتق الله كله من النار . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخَرِّجَاه . وصححه الألباني .
10. الذب عن عرض أخيك المسلم :
روى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْههِ النَّارَ يَوْم الْقِيَامَة
11. الإلحاح وكثرة الدعاء بذلك :
عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار" ، رواه الترمذي وابن ماجه .