الأحد، 22 يوليو 2018

قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ... إعداد : محمد أبوغدير المحامي

قال الله تعالى:   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم  : 6 . 

في هذه الآية الكريمة يهيب الله تعالى بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم نحو أنفسهم أهليهم  من التربية والتوجيه والتذكير، محذرا ومخوفا من النار المستعرة التى وقودها وحطبُها الناس والحجارة ، والإنسان فيها مهان ورخيص كالحجارة يقذف دون إعتبار ولا عناية ، ويتولى تعذيبهم ملائكة، غلاظ أخلاقهم وصفاتهم ، مزعجةأصواتهم ، يتعبدون بهذا التعذيب لله تعالى .
ويكون وقْع هذه الآية أشد على نفس المؤمن إذا أيقن أن الصالحين من الأمة ليسوا بمنأى عن العذاب ما لم يكونوا مصلحون ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم ، من ثم فالمرء مسئول - كذلك - عن إصلاح مجتمعه ونصح الحاكم ومخاصمته إذا أساء ، وسعيه لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية. 

ولما كانت المسؤلية عظيمة وعذاب النار أعظم فلابد من حث المؤمنين على بذل الجهد في الإصلاح وعلاج التخلي عن تحمل التبعة ، وتذكيرهم بوسائل الوقاية من النار كما وردت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم يجب أن يشمل الموضوع العناصر الآتية :
أولا : بيان ماهية النار  وصفاتها. 
ثانياً : مسؤولية النجاة من النار . 
ثالثا سبل تحمل التبعة وعلاج التخلي عنها. 
رابعا : وسائل الوقاية من النار  من الكتاب والسنة. 
 وبيان ذلك في الآتي :

أولا : بيان ماهية النار  صفاتها :

حتى نمتثل لأمر الله تعالى ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) فنتجنب الوقوع في النار يجب أن نقف على ماهية النار وصفتها، لنعلم سعة النّار وبعد قعرها وشدة حرها، ودركاتها ، وطعام أهل النار وشرابهم ولباسهم ، وصور من عذابها :

أ - سعة النّار وبعد قعرها وشدة حرها :

الّذين يدخلون النّار أعداد لا تحصى قال تعالى-: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } ق : 30 .

وعن أنس عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: « لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد، حتى يضع فيها ربّ العزّة -تبارك وتعالى- قدمه. فتقول: قط قط، وعزتك. ويزوي بعضها إلى بعض » متفق عليه. 
وتسعر النّار يوم القيامة عندما تستقبل أهلها {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} التّكوير: 12 أي: أوقدت وأحميت، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلاة. فإن شدّة الحرّ من فيح جهنّم» رواه البخاري ومسلم .

ب - دركات النار :

للنار دركات منها جهنّم، ولظى  والسّعير وسقر
وبعد ذلك جحيم ثم هاوية *** تهوي بهم أبدًا في حرٍّ مستعر

1- جهنم : هي للكافرين: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا } الكهف: 102 .

2- لظى : هم للذين لا يشكرون الله عند الرّخاء ولا يصبرون عند البلاء ويمنعون حق المال ويعرض بعضهم عن الحق فقال -عزّ وجلّ-: {كَلا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج: 15-18].

3- الحطمة : مسكن أهل الغيبة والنّميمة وأهل تجميع الأموال من غير حقها قال -عزّ وجلّ-: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ } الهمزة : 1-9 .

4- السعير : مسكن المكذب بيوم القيامة.. قال -تعالى-: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } الفرقان: 11.

5- سقر : ذكر الله عدة أعمال توجب دخول سقر وهي أربعة: الّذي لا يصلّي، والّذي لا يتصدق، والّذي ليس له اتجاه معين، والّذي يكذب بيوم القيامة.. قال -تعالى-: {إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 39-46].

6- الجحيم : وهذه للمتكبرين.. يقول -تعالى-: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدّخان : 47-49 .

7- الهاوية : هي أسفل طباق النّار وهي للمنافقين.. يقول -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} النساء : 145 .
واختار الله لهم هذه الطّبقة مع شدة عذابها؛ لأنهم كانوا يخدعون الله وأهل الإيمان.

ج - طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم

1. طعام أهل النّار الضّريع والزّقوم والغسلين :

طعام أهل النّار الضّريع، والضّريع شوك بأرض الحجاز يقال الشّبرق ، قال -تعالى-: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 6-7]، 

وطعامهم الزّقوم وقال -تعالى-: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} الدّخان: 43-46 . 

وطعامهم الغسلين : قال تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} الحاقة : 35-36 ، قال القرطبي : "هو عصارة أهل النّار".

وإذا أكل أهل النّار من هذا الطعام الخبيث من الضّريع والزّقوم غصوا به لقبحه وخبثه { إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} المزمل: 12-13 . 

2 - شراب أهل النار الحميم والغسّاق  والصّديد والمهل :

 الحميم وهو الماء الحار الّذي تناهى حرّه قال -تعالى-:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } محمّد : 15 .

 الغسّاق: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ص: 57 . 

 الصّديد وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }إبراهيم: 16-17].

 المهل {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29]. 

3 - لباس أهل النّار

أخبر الحق -سبحانه وتعالى- أنه يفصل لأهل النّار حلل من النّار كما قال -تعالى-: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}[الحجّ: 19-20 . 

وقال -سبحانه-: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} إبراهيم: 49-50 والقرآن : هم النّحاس المذاب.

ء - صور من عذابه :

هناك العديد والكثير من الهول والعذب في نار جهنّم.. فمن ذلك، إنضاج الجلود، والصّهر، واللفح، والسحب، وتسويد الوجوه، وإحاطة النار ، واطلاع النّار على الأفئدة ، وبيان ذلك من خلال كتاب الله تعالي :

 1- إنضاج الجلود : قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء : 56 .

2 - الصّهر : قال الله تعالى : {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} الحجّ: 19-20 .

3 - اللفح : قال الله تعالى : {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} المؤمنون : 104 ، 

4- السحب : قال الله تعالى : {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} القمر: 47-48 . 

5- تسويد الوجوه : قال الله تعالى :  {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106].

6- إحاطة النّار بالكفار : قال الله تعالى في موضع آخر : { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} الزّمر: 16. 

7- اطلاع النّار على الأفئدة : قال الله تعالى : { كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ } الهمزة: 4-9 .

ثانياً : مسؤولية النجاة من النار :

المرء مسؤول عن وقاية نفسه وأهله من النار ، ولن ينجو من عذاب النار حتي يسعي لإصلاح مجتمعه وينصح الحاكم ويخاصمه إذا أساء ، ويجاهد لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، فالمسلم لينجو من النار لابد أن يكون صالحا في نفسه مصلحا لغيره ، وقد ثبت وجوب ذلك من خلال الكتاب والسنة وبيان ذلك في الآتي :

أ - مسؤولية المرء نجاة نفسه وأهله من النار :

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا  ... } التحريم : 6. 

قال الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : معنى " قُوا " أي يقيهم ، بمعنى أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر  الله يأمرهم به ويساعدهم عليه فإذا رأى منهم معصية لله ردعهم عنها وزجرهم عنها» . 

وقال القرطبي في تفسيره ، قال مقاتل : ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه . 

فيجب على الرجل أن يأمر أهلَه بالمعروف، ويحثَّهم عليه، وينهاهم عن المنكر ، ويزجرَهم عنه؛ فيأمرُهم بالصلاة، والزكاة، والصيام ، وسائرِ فرائض الإسلام ، قال تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } طه:132. 
وعن إسماعيل عليه السلام قال الله تعالى : {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} مريم:55 . 

ب -  مسؤولية المرء نحو مجتمعه وأمته :

قد تصيب النار الصالحين لخطأ ارتكبوه أو جرم جنوه ، فلا ينجو من النار إلا الصالحين المصلحين ، فإذا رأى المؤمنون المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب ، فقد روى أحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلم يُغيِّرُوه ُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ ) .

وقد صح الوعيد في حق من لم ينكر المنكر بحسب قدرته ، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) .

وروى البيهقي عن عُمَرَ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ قال : " كَانَ يُقَالُ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذَّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ ، وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا : اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ " .

وروى الطبراني في " الأوسط " والبيهقي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنِ اقْلِبْ مَدِينَةَ كَذَا وَكَذَا عَلَى أَهْلِهَا!! قَالَ : إِنَّ فِيهِ عَبْدَكَ فُلَانًا لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ؟! قَالَ : اقْلِبْهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرَ لِي سَاعَةً قَطُّ ) .
والحديث ذكره الألباني في " الضعيفة " . 

ج - الإصلاح الشامل رسالة المسلم الحق نحو نفسه ومجتمعه وأمته :

أمر الله تعالى بذلك فقال سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ؛ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) الحج : 77-78 .

وتتحقق هذه الرسالة السامية بمسؤولية ضخمة، بها يصلح المسلم نفسه ، ويأمر أهله ، ويرشد مجتمعه وينصح حاكمه ويخاصمه ، ويسعى لإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ، وذلك على النحو التالي :

1. أن بصلاح نفسه ببنائها وتشييدها بأن يكون  سليم العقيده ، صحيح العباده ، مجاهدا لنفسه ، حريصا على وقته ، منظما في شؤونه ، نافعا لغيره ، قوي الجسم ، متين الخلق ، مثقف الفكر ، قادرا على الكسب . 

2 . وأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية ، وحسن اختيار الزوجة ، وتوقيفها على حقها واجبها ، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام . 

3 . وأن يرشد مجتمعه بنشر دعوة الخير فيه ، ومحاربة الرذائل والمنكرات ، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف ، والمبادرة إلى فعل الخير ، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما ً.
4 . وأن يسعى لصلاح حكومته حتى تكون إسلامية بحق ، منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه. ومن صفاتها: الشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس ، والعفة عن المال العام، ومن واجباتها : صيانة الأمن، وإنفاذ القانون ، ونشر التعليم، وتنمية الثروة ، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة. ومن حقها –متى أدت واجبها الولاء والطاعة، فإذا قصرت، فالنصح والإرشاد ثم الخلع والإبعاد فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . 

 5- ولا تكتمل مهمته في الإصلاح حتى يعيد الكيان الدولي للأمة الإسلامية ، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها ، فتتحقق الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة ، وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعها، كما قال تعالى (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) الأنفال : 39 . 

ثالثا : سبل تحمل التبعة وعلاج التخلي عنها :

المسؤلية على النحو السالف بيانه عظيمة وثقيلة ينوء بحملها أفراد أو جماعات فهي رسالة الأمة كلها ، قال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون َ) آل عمران : 104 وعلى علماء الأمة في سبيل الدعوة إلى تحمل التبعة وعلاج التخلي عنها أن تقوم بالآتي :

1 - التبصير بالمسؤوليات والتعريف بالتكاليف: فيعرف المرء ما يجب عليه؛ لأنه لا يمكنه القيام بما يجب عليه إذا جهله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: « كف عليك هذا: وأخذ بلسان نفسه، قال: فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم» الترمذي . 

2 - الحث  على تحمل المسؤوليات : فإن ذلك يؤدي إلى علو الهمة ويرفع الإحباط ولذا فهو نهج تربوي قويم في تحمل المسؤوليات . 

3 - مواجهة الغزو الفكري وبيان تفوق الإسلام الحضاري، وملاءمة تعاليمه السمحة لفطرة الإنسان، وفضح الواقع المرير الذي يعيشه غير المسلمين من انحلال وتفكك، وهو ما يحاولون جهدهم جر المسلمين إلى مستنقع .

4 - العناية ببرامج التزكية التي تدفع إلى تحمل التكاليف الشرعية بانشراح صدر وقبول ورغبة وبيان الثواب الجزيل الذي ينتظر الملتزم القائم بمسؤولياته الشرعية في الدنيا والآخرة .

5 - المراقبة والمحاسبة لمن يتخلى عن مسؤولياته ويقصر فيما يجب عليه تجاه المجتمع والضرب على أيدي العابثين بالوظائف العامة .

6 - تقدير من يقومون بالمهام والمسؤوليات والتنويه بدورهم وتقديم الجزاء الأوفى الذي يستحقونه .

7 - تعويد الأطفال منذ الصغر تحمل المسؤولية والقيام بمهامهم الصغيرة التي تتناسب مع أعمارهم وتبغيض الاتكالية إليهم فإنها داء خطير .

8 - بث روح التفاؤل وإشاعة الأمل وأن المستقبل لهذا الدين وما علينا إلا أن نسعى لخير أمتنا بالقيام بمهامنا فيتحقق لنا النصر المنشود .

9 - إبراز النماذج المعاصرة التي تخطت العقبات وقامت برغم العوائق بالمسؤوليات فسعدت ونجحت وصارت مثلا يحتذى وقدوة تحتسى ، فإن للأمثلة العملية تأثيرًا كبيرًا على النفوس.

10 - ترسيخ مفهوم السعادة في القيام بالمهام والنهوض بالمسؤوليات ليقدم المقدم على المسؤولية إقدام المتشوق الذي يطلب فيها السعادة والراحة .

رابعا : وسائل الوقاية من النار  :

وسائل الوقاية من النار وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة بكثرة نذكر منها : الإخلاص ، وإدراك تكبيرة الإحرام ، والمحافظة على صلاتي الفجر والعصر ، والمحافظة على أربع ركعات قبل الظهر وبعده ، والبكاء من خشية الله ، والخطوات في سبيل الله ، وسماحة الأخلاق ، وإحسان تربية الأبناء ، والحفاظ على أذكار الصباح والمساء ، والذب عن عرض ، والإلحاح وكثرة الدعاء بذكر معين . 

1. الإيمان والإخلاص  :

فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه : (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري ومسلم. 
  وحين يثبت العمل الصالح ويفتقر صاحبه الإخلاص فيرجو به غير الله، فهو أول من تصعر به جهنم ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «إن أول النّاس يقضى يوم القيامة عليه، رجلٌ استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال : كذبت. ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلّم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال : تعلّمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ. فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه. فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال : كذبت. ولكنك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل  ثم أمر به فسحب على وجهه. ثم ألقي في النّار» رواه مسلم 1905.

2. إصلاح الصلاة بإدراك تكبيرة الإحرام :

قال  صلى الله عليه وسلم : ( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار و براءة من
 النفاق) رواه الترمذي . 
وهذا مشروع إيماني ينبغي أن تفرغ له المرء ، إنها مائتا   صلاة ، فاعتبرها مائتي خطوة إلى الجنة ، فهل لا تستحق سلعة الله الغالية أنْ تتفرغ لها ؟ 

3. المحافظة على صلاتي الفجر والعصر :

قال  صلى الله عليه وسلم  : ( لن يلج النار أحد صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني الفجر والعصر)  رواه مسلم . 
وهذا بأن تصلى في أول الوقت ، ويحافظ على أداء السنة قبلها . 

4 . المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر وبعده :

روى النسائي والترمذي عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ ).
ولفظ الترمذي : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ). والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي .

5 . البكاء من خشية الله تعالى :

روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ»، فقوله: «لاَ يَلِجُ»: أي لا يدخل، «حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ»: كناية عن استحالة ذلك.
فنعوذ بالله من عين لا تدمع من خشيته ، ونسأله عينًا بالعبرات مدرارة ، وقلبًا خاشعًا مخبتًا .
6 . المشي خطوات في سبيل الله  :

عن يزيد بن أبي مريم  رضي الله عنه  قال : لحقني عباية بن رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأنا أمشي إلى الجمعة فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله سمعت أبا عبس يقول قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : ( من أغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار ) رواه الترمذي . 

7 . سماحة الأخلاق :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ" رواه الترمذي . 
 8. إحسان تربية البنات أو الأخوات :

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني . 

9. الوصية بهذه الذكر في أذكار الصباح والمساء  :

روى الطبراني والحاكم من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال : اللهم إني أُشْهِدك وأشهد ملائكتك وحَملة عرشك ، وأُشْهِد من في السماوات ومَن في الأرض أنك أنت الله لا إله إلاَّ أنت وحدك لا شريك لك ، وأشْهَد أن محمدًا عبدك ورسولك ؛ مَن قالها مَرَّة أعْتَق الله ثُلثه مِن النار ، ومن قالها مرتين أعتق الله ثلثيه مِن النار ، ومن قالها ثلاثا أعتق الله كله من النار . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخَرِّجَاه . وصححه الألباني . 

 10. الذب عن عرض أخيك المسلم :

روى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْههِ النَّارَ يَوْم الْقِيَامَة

11. الإلحاح وكثرة الدعاء بذلك :

عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار" ، رواه الترمذي وابن ماجه .

الاثنين، 16 يوليو 2018

من أسماء الله الحسنى ... 3 - العزيز إعداد : محمد أبوغدير المحامي

اسم الله العزيز ، تعريفه ، وذكره في القرآن ، ودلالته في حق الله ، وحظ المؤمن منه

مقدمة
من أعظم أبواب المعرفة والعلم والإيمان معرفة الله -تبارك وتعالى - بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلْيا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحسنى فادعوه بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وقال – جل وعلا -: ﴿ هُوَ الله الخالق الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24] .
وإن مما تمس الحاجة إليه في هذه الأزمان معرفة الله - تبارك وتعالى - بأنه العزيز ، مع أن الحاجة ماسة في كل زمان وأوان لمعرفة أسماء الله الحسنى جميعها، وتدبُّرها كلها في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

أولا : تعريف العزيز لغة واصطلاحا :

العزيز في اللغة :
العزيز لغة : يدور حول ثلاثة معانٍ : القوة والغلبة والندرة
1 – القوة : كما في قول الله تعالى ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس/14] أي فقوينا وشددنا بثالث
2 – والغلبة : كما في قول الله تعالى ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص/23] يعني غلبني فيه
3 – والندرة : كما فيقول الله تعالى : (وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا .

العزيز في الاصطلاح :
المعنى الأول: العزيز الذي لا مثيل له، ولا مشابه له، ولا نظير له، مِن فِعلِ عز يعز .
المعنى الثاني: العزيز هو الغالب الذي لا يُغلب .
المعنى الثالث القوي الشديد : العزيز هو القوي الشديد، من عز يعز ندر يندر، عز يعز غلب يغلب، عز يعز قوي يقوى، والآية الكريمة: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14

ثانيا : العزيز في القرآن الكريم :

اسم الله العزيز ورد كثيرًا في القرءان، ورد اثنتين وتسعين مرة. ولا شك أن في هذا إشارات، فورود الاسم وتكراره بهذا الشكل لابد أن يكون له حكمة.
واقترن بأسماء كُثر :
فاقترن أحيانًا باسمه الحكيم ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة/260]
واقترن بالعليم ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام/96]
واقترن بالغفور﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر/28]
واقترن بصفة (الانتقام المنتقم) سبحانه وتعالى يقول الله جل و علا ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران/4]
واقترن باسم الله الغفار ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص/66]
واقترن باسمه الحميد ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج /8]

ثالثا : دلالة اسم في العزيز في حق الله تعالى :

قال ابن القيم - رحمه الله -: العزة متضمنة لأنواع ثلاثة:
- 1عزة القوة، الدال عليها من أسمائه القوي المتين.
- 2عزة الامتناع، فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضار النافع المعطي المانع.
- 3عزة القهر، والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته، لا يتحرك منها متحرك إلا بحوله، وقوته ، وقال بعضهم: ذكر العزيز في القرآن في اثنتين وتسعين مرة ، قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ البقرة: 260 ، وقال أيضًا: ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ الأنعام: 96.
ويقول ابن جرير: العزيز أي الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه لذلك قال ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ البروج /8
آمنوا بالعزيز فمالهم ينقمون عليهم؟ آمنوا بالحميد وشكروا أنعم الله عليهم ،أهذا ما نقموه عليهم؟!
وقال ابن كيسان: معناه الذي لا يُعجزه شيء، ألم يقل الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ فاطر/43 .
قالوا العزيز الذي لا مثل له ألم يقل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ الشورى/11 .

رابعا : حظ المؤمن من اسم الله العظيم :

. 1 الإيمان بالله العزيز الذي لا يُغلب، ولا يُقهر، يعطي الشجاعة والثقة به سبحانه :
لأن معناه أن ربه لا يُمانع، ولا يرد أمره، وأنه ما شاء كان، وإن لم يشأ الناس، وما لم يشـأ لم يكن وإن شـاؤوا .
والمتأمل في قصص الأنبياء والرسل يجد ذلك واضحًا جليًا، فمن ذلك قصة موسى - عليه السلام -، حينما أمر فرعون بقتل جميع الذكور لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه ، فولد موسى - عليه السلام -، وتربى في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته ، ولما حاول قتله أهلكه الله وقائده هامان وجنوده أجمعين .
. 2أن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله :
قال تعالى: فمن طلب العزة فليطلبها من رب العزة ، قال تعالى : ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ ، فاطر: 10 ، أي من أحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعًا، وقد ذم الله أقوامًا طلبوا العزة من غيره سبحانه ، فوالوا أعداء الله من الكافرين ، ظنًا منهم أن هذا هو سبيل العزة ، وطريقها .
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" ، وكان من دعاء السلف: " اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك" .
. 3 سؤال الله تعالى، والتضرع إليه بهذا الاسم العزيز :
روى الترمذي في سننه من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل: بسم الله أعوذ بعزة الله و قدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترًا" .
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول : " اللهم أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون "
. 4 من أسباب العزة والرفعة العفو والتواضع :
روى مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
فمن عفا عن شيء مع مقدرته على الانتقام، عظم في القلوب في الدنيا، وفي الآخرة يعظم الله له الثواب، وكذلك التواضع رفعة في الدنيا والآخرة.
. 5هوان المسلمين وضعفهم سببه البعد عن العزيز :
أن ما أصاب المسلمين من ضعف، وذل وهوان، وتخلف عن بقية الأمم في هذه الأزمنة، إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، والبعد عن دين الله تعالى، ولو أنهم تمسكوا بهذا الدين، وعملوا به لأعزهم الله، ونصرهم على الأعداء، ولأصبحوا سادة العالم، وقادة الشعوب، كما حصل للصحابة رضوان الله عليهم ، فقد وصلت فتوحاتهم إلى مشارق الأرض ومغاربها .
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث تميم الداري - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر".
. 6الشجاعة والثقة في نصر الله :
إذا علم العبد أن الله العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر يتولد في نفسه شجاعة وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى؛ فهو عبد العزيز الذي لا يغلب سبحانه ولا يقهر.
لذا تجد بعض الصالحين حين يتعاملون مع الأمراء والسلاطين يتعاملون بثقة وصمود وشموخ ولا يخشون في الله لومهم أو بطشهم .. لسان حالهم يقول : قد لذنا بالعزيز القهار فمن ! علينا ؟

الجمعة، 6 يوليو 2018

من اسم الله الحسنى ... 2. السلام إعداد محمد أبوغدير المحامي


من اسم الله الحسنى ... 2. السلام 
 تعريف السلام وذكره في القرآن والسنة ، ودلالته في حق الله وحظ المؤمن منه.

إعداد محمد أبوغدير المحامي


أولا : تعريف السلام  لغة واصطلاحا :

أ - السلام في اللغة :

السَلاَمٌ : (س ل م ) مصدر سَلَمَ  ، و السَّلاَم الأَمان و السَّلاَم الصُّلْحُ . 
و السَّلاَم : التحِيَّة عند المسلمين ، و السَّلاَم السلامةُ والبراءة من العيوبِ . 
والسَّلامُ :- : اِسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِسَلاَمَتِهِ مِنَ النَّقْصِ وَالعَيْبِ وَسِيَادَةِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَجْوَائِهِ . 
وجاء في مختار الصحاح أن السلام في اللغة دائر على معنيين: أولهما  : البراءة من العيوب ، ثانيهما: أن السلام بمعنى السلامة،

2 - السلام في الاصطلاح  :

قال ابن كثير "السلام أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقال القرطبي "السلامة من النقائص "
ونقل عن ابن العربي أنه اتفق العلماء على أن القول في الله تعالى السلام تشير إلى ثلاثة معاني : الأول : الذي سلم من كل عيب وبرأ من كل نقص ، والثاني : ذو السلام أي المسلم على عباده في الجنة ، قال تعالى  ( سلاما قولا من رب رحيم ( ، والثالث : الذي سلم الخلق من ظلمه سبحانه وتعالى .

3 - السلام  في النصوص الشرعة:

يُطلق لفظ (السلام) في النصوص الشرعية ويراد به عدة أمور هي :

أ -  اسم الله تعالى :
قال تعالى:  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ  ؛ سمي بذلك سبحانه لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء  .

ب - السلامة من الآفات :
وهو المعنى الأصل ، ومنه قول الله عز وجل:  وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا  ، أي: قولاً يسلمون فيه من مقابلة الجاهل بجهله  .

 ج - التحية :
وهو قولنا: (السلام عليكم) ومنه قوله تعالى:  ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) ،
و(السلام) الوارد في التحية إما أن يكون المراد به: اسم الله تعالى ، فيكون المعنى: اسم الله عليكم ، وجاء اسم السلام في التحية دون بقية أسمائه سبحانه لتضمنه معنى السلامة ، أو يكون المراد به: السلامة نفسها ، فيكون المعنى : السلامة عليكم ، فكأن المسَلِّم يقول للمخاطب: لك منى السلامة ، فلا تخشى شيئًا ، فيرد عليه الآخرُ بالمثل  .

 ء - الصلح والمهادنة :
وضده الحرب ، ولهذا وردا متقابلين في نصوص كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:  اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، حربًا لأعدائك ، وسِلْمًا أوليائك  . وسمى سلامًا لأنه يحصل به سلامةٌ من القتال وتبعاته.

هـ - كلام اهل الجنة :
قال الله تعالى :" لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا 26  ) قال " لا يسمعون فيها لغوا " أي لا يسمع المثابون في الجنة لغوا يعنى مالا فائدة فيه من الكلام، لان كل ما يتكلمون به فيه فائدة (ولا تأثيما) ولا يجري فيها ما يؤثم فيه قائله من قبيح القول (إلا قيلا سلاما سلاما) يعني لكن يسمعون قول بعضهم لبعض على وجه التحية " سلاما سلاما " إنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب وكريم الاخلاق الذي يوجب التواد، لان طباعهم قد هذبت على أتم الكمال .



ثانيا : اسم الله السلام في القرآن والسنة:

أ -  اسم الله السلام في القرآن :

ورد هذا الاسم في القرآن الكريم مرة واحدة في قول الله تبارك وتعالى : ( الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن ) سورة الحشر: الآية 23.

ب - اسم الله السلام في السنة :

عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» رواه مسلم
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض) متفق عليه.



ثالثا : دلالات اسم الله السلام في حق الله تعالى  :

اسم الله السلام دائر على ثلاث معان:

1. السالم من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله :

فهو سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله واهم، وسلام في صفاته عن كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع عن غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار،

2 . الذي سلم من مشابهة خلقه :

قال عز من قائل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) سورة الشورى: الآية 11
فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من الكفء والنظير، والسمي والمماثل، والسلام من الشريك، وحياته سلام من الموت ومن السِنَةِ والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب،
واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجًا إلى ما يحمله أو يستوي عليه بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، وهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره، ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد .

3 . الذي سلم المؤمنون من عقوبته ، فهو الذي يسلم عباده المؤمنين في الدنيا والبرزخ والآخرة :

سلام من أن يكون ظلمًا أو تشفيًا أو غلظة أو قسوة, بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه, بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضًا لحكمته ولعزته،
فوضعه العقوبة موضعها هو من حمده وحكمته وعزته ، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه والجاهلون به من خلاف حكمته، وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة .


رابعا : حظ المؤمن من اسم الله السلام:

1. أن صفات الله كالقهر ، والقوّة والانتقام منزهةٌ وسالمةٌ من الجور والظلم على العباد :

أن يتبيّن للمسلم حقيقةَ أن صفات القهر والعزّة، والقوّة والانتقام، وغيرها من صفات الجلال التي اتصف بها الخالق جلّ وعلا، منزهةٌ وسالمةٌ من الجور والظلم على العباد: { ولا يظلم ربك أحدا} الكهف:49 ، وإنما هي مجازاةٌ بمقتضى العدل الإلهيّ الذي هو كمالٌ مطلق.

2 . أن ما شرعه لعباده هو خيرٌ من كلّ وجه :

وأن يتبيّنُ أن الله سبحانه وتعالى حين اتصفت أفعاله بالسلامة من كل عيب، كان من مقتضى ذلك أن يكون ما شرعه لعباده هو خيرٌ من كلّ وجه، فشريعته الكاملة تضبط أمور الناس وتحقّق لهم المصلحة في أمور معاشهم ومعادهم، يقول الحق تبارك وتعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة:50 ، وفي آيةٍ أخرى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}  الجاثية:18 .

3 . محبته الله سبحانه وتعظيمه وإجلاله  :

لأنه سبحانه المتصف بصفات الكمال والجلال، والمنزه عن النقائص والعيوب؛ ومن كان هذا وصفه فإن النفوس مجبولة على حبه وتعظيمه، وهذه المحبة تورث حلاوة في القلب،ونورًا في الصدر، وهذا هو النعيم الدنيوي الحقيقي الذي يصغر بجانبه كل نعيم.

4. سعي المؤمن في إشاعة السلام بين المسلمين :

وذلك بإفشاء السلام، وكف الشر، والسب، والقذف، والعدوان عليهم، قال صلى الله عليه وسلم:  ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، مع السعي لنشر الإسلام الذي هو دين السلام في الأرض بالدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى.

5. تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب  :

فالله تعالى هو السالم من كل نقص وعيب، فمعناه قريب من القدوس، وقيل إن القدوس إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، والسلام: إشارة إلى أنه لا تطرأ عليه عيوب في الزمن المستقبل، فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب تزول سلامته ولا يبقى سليمًا .

6. الله سبحانه وتعالى المُسلِّم على عباده وأوليائه في الجنة :

قال الله تبارك وتعالى: ( خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ من ) سورة إبراهيم: الآية 23 , فينزل بركة اسمه السلام ضعليهم فيسلمون من كل آفة ونقص قال تعالى: سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ سورة يس: الآية 58 ، وقال سبحانه: ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) سورة الأحزاب: الآية 44.

7. الله تعالى هو المُسلِّم على أنبيائه ورسله :

قال تعالى: ( سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي العَالَمِينَ) سورة الصافات: الآية 79 ، وقال تعالى: ( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيم ) سورة الصافات: الآية 109.، وقال تعالى: سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، سورة الصافات: الآية 120.وقال تعالى: ( سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِين) سورة الصافات: الآية 130 ، وقال تعالى: ( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين) سورة الصافات: الآية 181 ، وقال تعالى: ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة النمل: الآية 59 .

8. الحرص على نشر هذا الاسم بين العباد، وأنه سبب لدخول الجنة :

قد وردت أحاديث عدة في نشر اسم الله السلام والتسليم على العباد به، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»  متفق عليه،
ويقول أهل العلم: فدلالة كمال إسلام وإيمان العبد نشر السلام، وجاء عن عبد الله بن سلام أنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء تكلم به أن قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام» رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني..

9 . الدعاء بالاسم الله السلام :

ورد دعاء بالاسم المطلق عند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان  ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ : رَبِّ سَلمْ سَلمْ ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ، حَتَّى يجيء الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا ) رواه الحاكم ، ومن الدعاء بمقتضى الاسم ما رواه الترمذي وصححه الألباني ن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله(

من اسم الله الحسنى ... 1. الرزاق ... إعداد : محمد أبوغدير المحامي

من اسم الله الحسنى ... 1. الرزاق 

تعريف الرزاق ودلالته في حق الله وحظ المؤمن منه ...  إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة

من أعظم أبواب المعرفة والعلم والإيمان معرفة الله - تبارك وتعالى - بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلْيا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وقال - جل وعلا -: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24] .

 وإن مما تمس الحاجة إليه في هذه الأزمان معرفة الله - تبارك وتعالى - بأنه الرزَّاق، مع أن الحاجة ماسة في كل زمان وأوان لمعرفة أسماء الله الحسنى جميعها، وتدبُّرها كلها في ضوء كتاب الله وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

أولا :تعريف الاسم  لغة واصطلاحا :

الرزاقُ في اللغة :

والرزاق والرازق اسمان من أسماء الله الحسنى، وهما مشتقان من مادة الرزق، والرزق هو كل ما ينتفع به.

ويُجمع رِزق ورَزق على أرزاق،  والرزاق من أبنية المبالغة على صيغة فعَّال.

الرزاقُ في الإصطلاح  :

الرزاق: هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًا دون عدو، وما من موجود في العالم العلوي أو السفلي إلا متمتع برزقه مغمور بكرمه، يوصل الرزق إلى محتاجه بسبب وبغير سبب ، وبطلب وبغير طلب.

قول الإمام البيهقي تفسيراً لاسم (الرزاق): المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواما إلا به, والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم لئلا ينغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم, ولا يفقدوها أصلا لفقدهم إياه .

ومن معاني الرزق: إباحة الانتفاع بالشيء على وجه يحسُن، ويستدلّون له بقول الله تعالى: {ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا} (النحل:75).

ثانيا : اسم الله الرزاق في القرآن والسنة:

اسم الله الرزاق في الكتاب :

ورد اسم الله الرزاق مفردًا مرة واحدة في قول الله تعالى:  (  إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات:58]

وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها  قول الله  تعالى)وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) المائدة:114،  وقوله تعالى:  ( وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) الجمعة:11 ، هكذا في سورة الجمعة.

جاء حديث القرآن في بيان هذا الأمر العظيم في مقامين:

المقام الأول: مقام التفضل والإنعام، والعطاء والإكرام:

وهذا جاء منه آيات كثيرة في كتاب الله - تبارك وتعالى - منها قول الله - جل وعلا -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾  [الإسراء : 70].

والمقام الثاني:  في مقام إبطال الشرك، وبيان سفه أهله وغيِّهم وضلالهم :

قال الله - جل وعلا -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ ﴾ [فاطر: 3]، وقال - جل وعلا -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ [الروم: 40]، إلى أن قال - جل وعلا -: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ ﴾ فاطر: 3].

اسم الله الرزاق  في السنة

ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أقرئنى رسول الله ( إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) صححه الألباني ، وفي رواية الترمذي والتى صححها الألباني كذلك أن النبي قال: (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق) [صححه الألباني.

يقول النبي : (إن الله قسم بينكُم أخلاقكُم كما قسم بينكُم أرزاقكُم وإن الله عز وجل يعُطى الدنيا من يُحب ومن لايُحب ولا يُعطى الإيمان إلا من أحب )  هذا الحديث من حديث ابن مسعود رواه الإمام أحمد وصححه الألباني

ثالثا : دلالاته الاسم الله الرزاق في حق الله تعالى

قال ابن جرير: هو المتكفل بأقواتهم {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:79-80]

قال الخطابى: هو المتكفل بالرزق القائم على كل نفس بما يقيمُها من قوتها فليس يختص بذلك مؤمنًا دون كافر ولا ولياً دون عدو.

يقول الحُليني: هو المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قوامًا إلا به ،  رزق والعافية رزق، والمال رزق ، وقال "هو الرزاق رزقًا بعد رزق والمكثر الموسع على عبيده سبحانه وتعالى".

رابعا : حظ المؤمن من اسم الله الرزاق :

1 -  اليقين بأن مقاليد الرزق بيد الله تعالى وحده، :

فهو ُوحده سبحانه يعطي هذا ويمنع ذاك، ويُغني هذا ويُفقر ذاك، لحكمة بالغة لا يعلمها إلا هو، وهذه اللطيفة الإيمانية نستقيها من قوله تعالى:{والله يرزق من يشاء بغير حساب} (البقرة:212 .

2 -  صدق التوكّل على الله عز وجل :

للاعتقاد بأن العبد مكتوبٌ له رزقه منذ اللحظة التي تُنفخ فيه الروح وهو في بطن أمّه كما صحّ بذلك الحديث: (ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: اكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي، أم سعيد) رواه البخاري،

3 -  العلم بأن شكر الله تعالى على نعمه سبب لدوامها :

فالشكر سبب بدوام النعم واستجلاب الأرزاق ، وحق على الله أن يعطي مَن سأله، ويزيد مَن شكره، والله منعم يحب الشاكرين، وقد وعد الشاكرين بالزيادة: { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } (الرعد:7 ، ومن أعظم صور الشكر : أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله عزَّ وجل.

4 -  الحرص على مراقبة الله سبحانه وتعالى عند طلب الرزق:

والابتعاد عمّا حرّمه الله من الخبائث، وترك الأسباب المحرّمة والطرق المنهي عنها في استجلاب الرزق، لعلمه بأن العبد يُسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

خامسا :  أنواع الرزق :

1 - الرزق العام :

هو ما يوصله لجميع المخلوقات مما تحتاجه في معاشها وقيامها، فسهل لها الأرزاق، ودبرها في أجسامها، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر، بل للآدميين والجن والحيوانات كلها ، وقد يكون من حلال أم من حرام  .

2- الرزق الخاص:

وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة ، وهو رزق القلوب بالعلم والإيمان ، وكذلك وما يصلح به بدني من الرزق الحلال الهني ، وينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين .

سادسا : مفاتيح الرزق وأسبابه :

1 - الاستغفار والتوبة : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارا ً) نوح : 12

2 - التبكير في طلب الرزق : يقول النبي : ( اللهم بارك لأمتى في بكورها )صحيح ، ووقت البكور هو وقت ما بعد الفجر.

3 – التقوى:   ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق : 2]

4 - اجتناب المعاصي : قال الله {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم : 41] ، وفي الحديث (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)

6 – كرام الضعفاء والإحسان إليهم :  النبى : قال:  )هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم(  رواه البخارى

7 - المتابعة بين الحج والعمرة فإنها سبب للرزق : لأن النبي قال ) تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة   )

8 - كثرة الإنفاق في سبيل الله : قال الله ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ : 39

9 - - الهجرة في سبيل الله :  يترك مكان الضيق إلى غيره ما فيه سعة في الرزق ولكن بضوابط الهجرة ، قال الله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء: 100

10 - صلة الرحم سببٌ لسعة الرزق: ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسَأ له في أثره فليصل رحمه( رواه البخارى

الأربعاء، 4 يوليو 2018

من ثمرات رمضان ... 4 - حياة القلوب إعداد : محمد أبوغدير المحامي

القلب محل نظر الله تعالى وموطن رضاه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم ) رواه مسلم .

 والقلب مصدر لسعادة الإنسان، فإن حمل القلب صفات الطمأنينة والإنابة والوجل والخوف والرحمة والرأفة والخشِوع والسَكينة والقوة والإخبِات كان صاحبه من السعداء ، وإن انتكس القلب وخلى من الإيمان وأظلم اتَّخذه الشيطان بيتًا ووطنًا له وتحكَّم فيه كان صاحبه من الأشقياء في الدنيا والآخرة.

وقد ذكر علماء السلف أسباب حياة القلوب ودوائها، ومنها قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( اطلب قلبك في ثلاثة مواطن : عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك).
ويقول سليمان الخواص : دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .

وإذا دققنا في هذه الأسباب نرى أنها فرائض شرعها الله تعالي وسنن حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها ويحييها المسلمون في رمضان ، فهيا بنا بعد إنقضاء رمضان  نستمر في إحياء هذه الطاعات لتبقى قلوبنا حية

 وفي هذه السطور نبين أقسام القلوب ، ثم نتعرف على القلوب الحية وصفتها في القرآن الكريم ، ثم أسباب ووسائل حياة القلب .


 أولا : أقسام القلوب :

جاء في إغاثة اللهفان  أن القلوب تنقسم  إلى صحيح وسقيم وميت  :

القلبٌ السليمٌ:
وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، قال تعالى: { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } الشعراء: 88-89.
والقلب السليم هو الذي قد سلم من كل شهوةٍ تُخالف أمر الله ونهيه، ومن كلِّ شبهةٍ تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم.

 القلب الميت:
وهو ضدُّ الأول وهو الذي لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقفٌ مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربِّه وغضبه، فهو متعبدٌ لغير الله: حباً، وخوفاً، ورجاءً، ورضاً وسخطاً، وتعظيماً، وذُلاً .

 القلب المريض:
هو قلبٌ له حياةٌ وبه علةٌ، فله مادتان تمده هذه مرةً وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما. ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به، والإِخلاص له، والتوكل عليه، وفيه من محبة الشهوات .


ثانيا :  ماهية القلوب الحية :

حياة القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابّه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا حياة ألبتة إلا بذلك،

والقلوب الحيةهي التي تحمل صفات رائعة منها الطمأنينة والإنابة والوجل والرحمة والرأفة والخشِوع والسَكينة والقوة والإخبِات،
ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل ولا حياة للقلب بدون أتباعهم.


ثالثاً : صفاة القلوب الحية في القرآن الكريم  :

 وللقلوب المؤمنة الحية صفات ذكرها القرآن الكريم  هيا نقرأ هذه الآيات ونتدبر في هذه الصفات :

1 – القلب المطمئنة :
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾  الرعد: 28 .

 2 – القَلْبٍ المُنِيب:
قال تعالى: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ ق: 33 .

 3 – القلب الوجِل:
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ الأنفال: 2 .

 4 – القلب الرحيم الرؤوف :
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾ الحديد: 27 .

 5 – القلب الخاشِع :
قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾  الحديد: 16 .

6 – السكينة :
قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾  الفتح: 4 .

7 – القلب القوى :
قال تعالى : ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾  الكهف: 14 .

 8 -القلب المخبِت :
قال تعالى : ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ إن اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ الحج: 54 .


رابعاً : وسائل وأسباب حياة القلب :

يحتاج العبد إلى طاعة ربه عزّ وجلّ لحياة قلبه وسلامته من العلل كما يحتاج جسده للطعام ليحيا، وليعلم أن المعاصى بمثابة الأطعمة المسمومة التى تفسد القلب، وحياة القلب تؤهل المؤمن لحياة طيبة فى الدنيا وسعادة غير محدودة فى الآخرة .

1-  ذكر الله وتلاوة القرآن :
فأنفع شىء للعبد هو ذكر الله، قال الله عزّ وجلّ : ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد :28 .
وعن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (مثل الذى يذكر ربه والذى لايذكر ربه مثل الحىّ والميت) رواه البخارى ومسلم،
قال ابن تيمية : (الذكر للقلب كالماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا أخرج من الماء).

 وأفضل الذكر تلاوة القرآن, فهي دواء للقلب وعلاج لجميع الأمراض، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ) يونس من الآية : 57 ، وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء من الآية : 82 .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : ( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم) .

2 – الإستغفار والدعاء :
الإستغفار والدعاء ومن وسائل حياة القلوب ، فبالإستغفار يغفر الله تعالى الذنوب والمعاصي التي لها أثر عظيم في إفساد القلب وإضلاله، وإفساح المجال للشيطان للدخول إلي القلب لفساده؛ قال تعالى : ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين : 14 .
ويأتي الإستغفار ليمحو الذنوب ويحيي القلوب قال تعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء من الآية : 110 .

وللدعاء عظيم الأثر في إصلاح القلوب وإحيائها، قال صلى الله عليه وسلم : « إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) أخرجه الحاكم.
لذلك روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه  قال : إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم  فى المجلس الواحد مائة مرة يقول : ( رب اغفر لى وتب علىّ إنك أنت التواب الغفور )

3 . الجوع أو الصيام :
ومن وسائل إحياء القلوب بعد الجوع، وقد ذكر الإمام العزالي في إحياء علوم الدين عشرة فوائد للجوع نذكرها بتصرف : في الجوع صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة وبها يتهيأ لإدراك لذة المثابرة والتأثر بالذكر، والشبع يورث البلادة ويعمي القلب، فكم من ذكر يجري على اللسان ولكن القلب لا يلتذذ به ولا يتأثر لقسوة القلب ولا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تسكن لربها وتخشع له، والجائع أو ال
صائم  لا ينسى بلاء الله وعذابه؛ ولا ينسى أهل البلاء، فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة، ومن جوعه جوع أهل النار .

4 . تقوى الله :
ومن وسائل دواء القلوب التقوى، فهي الطريق الموصل إلى رحمة الله ورضوانه وحياة القلوب وسلامتها، وسُلم الارتقاء نحو سمو النفس وعفتها وطهارتها وتحريرها من شهوات الدنيا وتعويدُ النفس على الصبر وتحمل المكاره رجاء عفو الله تعالى ورضاه، فكيف لا يكون القلب حياً وقد تحررت النفس عن رغبات الحياة .
والصوم وسيلة عظمى لتقوى الله سبحانه القائل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة:183 .

5. قيام الليل :
فهو يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) رواه أبوداود وابن حبان .
وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : ( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ) رواه الترمذي والنسائي .

6 . الاعتكاف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم  يعتكف كل رمضان عشرة أيام ؛ فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعكتف عشرين يوما ) رواه البخاري .
فالقلوب حين تناجي ربها حال اعتكاف المؤمنين في بيوت الله وقد انقطعوا عن الدنيا وملذاتها, وشهواتها، وزخارفها فهي تتخلى عن كل ما يشغلها عن خالقها ورازقها .
يقول الشهيد سيد قطب : لا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى.. لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت, وانقطاعها عن شواغل الأرض وضجة الحياة  وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة.

 7 – الإنفاق :
الإنفاق من أسباب القربات إلى الله تعالى ودخول الجنة ، فهو وسيلة لصفاء القلوب ورضى النفس ، لذلك كان روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه).