الجمعة، 6 يوليو 2018

من اسم الله الحسنى ... 1. الرزاق ... إعداد : محمد أبوغدير المحامي

من اسم الله الحسنى ... 1. الرزاق 

تعريف الرزاق ودلالته في حق الله وحظ المؤمن منه ...  إعداد : محمد أبوغدير المحامي

مقدمة

من أعظم أبواب المعرفة والعلم والإيمان معرفة الله - تبارك وتعالى - بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلْيا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وقال - جل وعلا -: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24] .

 وإن مما تمس الحاجة إليه في هذه الأزمان معرفة الله - تبارك وتعالى - بأنه الرزَّاق، مع أن الحاجة ماسة في كل زمان وأوان لمعرفة أسماء الله الحسنى جميعها، وتدبُّرها كلها في ضوء كتاب الله وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

أولا :تعريف الاسم  لغة واصطلاحا :

الرزاقُ في اللغة :

والرزاق والرازق اسمان من أسماء الله الحسنى، وهما مشتقان من مادة الرزق، والرزق هو كل ما ينتفع به.

ويُجمع رِزق ورَزق على أرزاق،  والرزاق من أبنية المبالغة على صيغة فعَّال.

الرزاقُ في الإصطلاح  :

الرزاق: هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًا دون عدو، وما من موجود في العالم العلوي أو السفلي إلا متمتع برزقه مغمور بكرمه، يوصل الرزق إلى محتاجه بسبب وبغير سبب ، وبطلب وبغير طلب.

قول الإمام البيهقي تفسيراً لاسم (الرزاق): المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواما إلا به, والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم لئلا ينغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم, ولا يفقدوها أصلا لفقدهم إياه .

ومن معاني الرزق: إباحة الانتفاع بالشيء على وجه يحسُن، ويستدلّون له بقول الله تعالى: {ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا} (النحل:75).

ثانيا : اسم الله الرزاق في القرآن والسنة:

اسم الله الرزاق في الكتاب :

ورد اسم الله الرزاق مفردًا مرة واحدة في قول الله تعالى:  (  إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات:58]

وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها  قول الله  تعالى)وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) المائدة:114،  وقوله تعالى:  ( وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) الجمعة:11 ، هكذا في سورة الجمعة.

جاء حديث القرآن في بيان هذا الأمر العظيم في مقامين:

المقام الأول: مقام التفضل والإنعام، والعطاء والإكرام:

وهذا جاء منه آيات كثيرة في كتاب الله - تبارك وتعالى - منها قول الله - جل وعلا -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾  [الإسراء : 70].

والمقام الثاني:  في مقام إبطال الشرك، وبيان سفه أهله وغيِّهم وضلالهم :

قال الله - جل وعلا -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ ﴾ [فاطر: 3]، وقال - جل وعلا -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ [الروم: 40]، إلى أن قال - جل وعلا -: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ ﴾ فاطر: 3].

اسم الله الرزاق  في السنة

ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أقرئنى رسول الله ( إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) صححه الألباني ، وفي رواية الترمذي والتى صححها الألباني كذلك أن النبي قال: (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق) [صححه الألباني.

يقول النبي : (إن الله قسم بينكُم أخلاقكُم كما قسم بينكُم أرزاقكُم وإن الله عز وجل يعُطى الدنيا من يُحب ومن لايُحب ولا يُعطى الإيمان إلا من أحب )  هذا الحديث من حديث ابن مسعود رواه الإمام أحمد وصححه الألباني

ثالثا : دلالاته الاسم الله الرزاق في حق الله تعالى

قال ابن جرير: هو المتكفل بأقواتهم {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:79-80]

قال الخطابى: هو المتكفل بالرزق القائم على كل نفس بما يقيمُها من قوتها فليس يختص بذلك مؤمنًا دون كافر ولا ولياً دون عدو.

يقول الحُليني: هو المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قوامًا إلا به ،  رزق والعافية رزق، والمال رزق ، وقال "هو الرزاق رزقًا بعد رزق والمكثر الموسع على عبيده سبحانه وتعالى".

رابعا : حظ المؤمن من اسم الله الرزاق :

1 -  اليقين بأن مقاليد الرزق بيد الله تعالى وحده، :

فهو ُوحده سبحانه يعطي هذا ويمنع ذاك، ويُغني هذا ويُفقر ذاك، لحكمة بالغة لا يعلمها إلا هو، وهذه اللطيفة الإيمانية نستقيها من قوله تعالى:{والله يرزق من يشاء بغير حساب} (البقرة:212 .

2 -  صدق التوكّل على الله عز وجل :

للاعتقاد بأن العبد مكتوبٌ له رزقه منذ اللحظة التي تُنفخ فيه الروح وهو في بطن أمّه كما صحّ بذلك الحديث: (ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: اكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي، أم سعيد) رواه البخاري،

3 -  العلم بأن شكر الله تعالى على نعمه سبب لدوامها :

فالشكر سبب بدوام النعم واستجلاب الأرزاق ، وحق على الله أن يعطي مَن سأله، ويزيد مَن شكره، والله منعم يحب الشاكرين، وقد وعد الشاكرين بالزيادة: { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } (الرعد:7 ، ومن أعظم صور الشكر : أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله عزَّ وجل.

4 -  الحرص على مراقبة الله سبحانه وتعالى عند طلب الرزق:

والابتعاد عمّا حرّمه الله من الخبائث، وترك الأسباب المحرّمة والطرق المنهي عنها في استجلاب الرزق، لعلمه بأن العبد يُسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

خامسا :  أنواع الرزق :

1 - الرزق العام :

هو ما يوصله لجميع المخلوقات مما تحتاجه في معاشها وقيامها، فسهل لها الأرزاق، ودبرها في أجسامها، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر، بل للآدميين والجن والحيوانات كلها ، وقد يكون من حلال أم من حرام  .

2- الرزق الخاص:

وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة ، وهو رزق القلوب بالعلم والإيمان ، وكذلك وما يصلح به بدني من الرزق الحلال الهني ، وينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين .

سادسا : مفاتيح الرزق وأسبابه :

1 - الاستغفار والتوبة : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارا ً) نوح : 12

2 - التبكير في طلب الرزق : يقول النبي : ( اللهم بارك لأمتى في بكورها )صحيح ، ووقت البكور هو وقت ما بعد الفجر.

3 – التقوى:   ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق : 2]

4 - اجتناب المعاصي : قال الله {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم : 41] ، وفي الحديث (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)

6 – كرام الضعفاء والإحسان إليهم :  النبى : قال:  )هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم(  رواه البخارى

7 - المتابعة بين الحج والعمرة فإنها سبب للرزق : لأن النبي قال ) تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة   )

8 - كثرة الإنفاق في سبيل الله : قال الله ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ : 39

9 - - الهجرة في سبيل الله :  يترك مكان الضيق إلى غيره ما فيه سعة في الرزق ولكن بضوابط الهجرة ، قال الله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء: 100

10 - صلة الرحم سببٌ لسعة الرزق: ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسَأ له في أثره فليصل رحمه( رواه البخارى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق