الاثنين، 16 يوليو 2018

من أسماء الله الحسنى ... 3 - العزيز إعداد : محمد أبوغدير المحامي

اسم الله العزيز ، تعريفه ، وذكره في القرآن ، ودلالته في حق الله ، وحظ المؤمن منه

مقدمة
من أعظم أبواب المعرفة والعلم والإيمان معرفة الله -تبارك وتعالى - بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلْيا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحسنى فادعوه بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وقال – جل وعلا -: ﴿ هُوَ الله الخالق الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24] .
وإن مما تمس الحاجة إليه في هذه الأزمان معرفة الله - تبارك وتعالى - بأنه العزيز ، مع أن الحاجة ماسة في كل زمان وأوان لمعرفة أسماء الله الحسنى جميعها، وتدبُّرها كلها في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

أولا : تعريف العزيز لغة واصطلاحا :

العزيز في اللغة :
العزيز لغة : يدور حول ثلاثة معانٍ : القوة والغلبة والندرة
1 – القوة : كما في قول الله تعالى ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس/14] أي فقوينا وشددنا بثالث
2 – والغلبة : كما في قول الله تعالى ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص/23] يعني غلبني فيه
3 – والندرة : كما فيقول الله تعالى : (وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا .

العزيز في الاصطلاح :
المعنى الأول: العزيز الذي لا مثيل له، ولا مشابه له، ولا نظير له، مِن فِعلِ عز يعز .
المعنى الثاني: العزيز هو الغالب الذي لا يُغلب .
المعنى الثالث القوي الشديد : العزيز هو القوي الشديد، من عز يعز ندر يندر، عز يعز غلب يغلب، عز يعز قوي يقوى، والآية الكريمة: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14

ثانيا : العزيز في القرآن الكريم :

اسم الله العزيز ورد كثيرًا في القرءان، ورد اثنتين وتسعين مرة. ولا شك أن في هذا إشارات، فورود الاسم وتكراره بهذا الشكل لابد أن يكون له حكمة.
واقترن بأسماء كُثر :
فاقترن أحيانًا باسمه الحكيم ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة/260]
واقترن بالعليم ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام/96]
واقترن بالغفور﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر/28]
واقترن بصفة (الانتقام المنتقم) سبحانه وتعالى يقول الله جل و علا ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران/4]
واقترن باسم الله الغفار ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص/66]
واقترن باسمه الحميد ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج /8]

ثالثا : دلالة اسم في العزيز في حق الله تعالى :

قال ابن القيم - رحمه الله -: العزة متضمنة لأنواع ثلاثة:
- 1عزة القوة، الدال عليها من أسمائه القوي المتين.
- 2عزة الامتناع، فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضار النافع المعطي المانع.
- 3عزة القهر، والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته، لا يتحرك منها متحرك إلا بحوله، وقوته ، وقال بعضهم: ذكر العزيز في القرآن في اثنتين وتسعين مرة ، قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ البقرة: 260 ، وقال أيضًا: ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ الأنعام: 96.
ويقول ابن جرير: العزيز أي الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه لذلك قال ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ البروج /8
آمنوا بالعزيز فمالهم ينقمون عليهم؟ آمنوا بالحميد وشكروا أنعم الله عليهم ،أهذا ما نقموه عليهم؟!
وقال ابن كيسان: معناه الذي لا يُعجزه شيء، ألم يقل الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ فاطر/43 .
قالوا العزيز الذي لا مثل له ألم يقل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ الشورى/11 .

رابعا : حظ المؤمن من اسم الله العظيم :

. 1 الإيمان بالله العزيز الذي لا يُغلب، ولا يُقهر، يعطي الشجاعة والثقة به سبحانه :
لأن معناه أن ربه لا يُمانع، ولا يرد أمره، وأنه ما شاء كان، وإن لم يشأ الناس، وما لم يشـأ لم يكن وإن شـاؤوا .
والمتأمل في قصص الأنبياء والرسل يجد ذلك واضحًا جليًا، فمن ذلك قصة موسى - عليه السلام -، حينما أمر فرعون بقتل جميع الذكور لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه ، فولد موسى - عليه السلام -، وتربى في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته ، ولما حاول قتله أهلكه الله وقائده هامان وجنوده أجمعين .
. 2أن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله :
قال تعالى: فمن طلب العزة فليطلبها من رب العزة ، قال تعالى : ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ ، فاطر: 10 ، أي من أحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعًا، وقد ذم الله أقوامًا طلبوا العزة من غيره سبحانه ، فوالوا أعداء الله من الكافرين ، ظنًا منهم أن هذا هو سبيل العزة ، وطريقها .
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" ، وكان من دعاء السلف: " اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك" .
. 3 سؤال الله تعالى، والتضرع إليه بهذا الاسم العزيز :
روى الترمذي في سننه من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل: بسم الله أعوذ بعزة الله و قدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترًا" .
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول : " اللهم أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون "
. 4 من أسباب العزة والرفعة العفو والتواضع :
روى مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
فمن عفا عن شيء مع مقدرته على الانتقام، عظم في القلوب في الدنيا، وفي الآخرة يعظم الله له الثواب، وكذلك التواضع رفعة في الدنيا والآخرة.
. 5هوان المسلمين وضعفهم سببه البعد عن العزيز :
أن ما أصاب المسلمين من ضعف، وذل وهوان، وتخلف عن بقية الأمم في هذه الأزمنة، إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، والبعد عن دين الله تعالى، ولو أنهم تمسكوا بهذا الدين، وعملوا به لأعزهم الله، ونصرهم على الأعداء، ولأصبحوا سادة العالم، وقادة الشعوب، كما حصل للصحابة رضوان الله عليهم ، فقد وصلت فتوحاتهم إلى مشارق الأرض ومغاربها .
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث تميم الداري - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر".
. 6الشجاعة والثقة في نصر الله :
إذا علم العبد أن الله العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر يتولد في نفسه شجاعة وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى؛ فهو عبد العزيز الذي لا يغلب سبحانه ولا يقهر.
لذا تجد بعض الصالحين حين يتعاملون مع الأمراء والسلاطين يتعاملون بثقة وصمود وشموخ ولا يخشون في الله لومهم أو بطشهم .. لسان حالهم يقول : قد لذنا بالعزيز القهار فمن ! علينا ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق