الأحد، 23 يونيو 2019

بذل المال فريضة دعوية إعداد : محمد أبوغدير

من الخطأ الفادح أن يظن البعض أن الدعاة لا علاقة لهم بالمال ولا بالحياة المادية عمومًا ؛ كيف هذا؟ والمال هو عصب الحياة ، وبه تتحقق آمال وطموحات الدعاة الشخصية وتمتد لتشمل تحقيق اهداف الدعوة كإصلاح المجتمع واقامة الدولة والخلافة المسلمة .

والدعوة التي تمتلك مالًا دعوة قوية ومؤثرة في محيطها؛ بل تملك زمام التأثير والإصلاح عمومًا ، والداعية كآحاد الناس يحتاح إلى متطلبات الحياتية الشخصية والعائلية إن كان له أسرة ، فضلا عن مساهمته في شؤون دعوته ، ومن ثم فالدعوة والدعاة يحتاجون إلى الكثير من المال .

فالدعوة لا تحيا إلا ببذل المال ، لذلك توعد الله تعالى المتقاعسين عن تلبية نداء الإنفاق في سبيل الله باﻹستبدال ، فقال تعالى: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ 38 محمد .

والبذل الذاتي الذي يمنحه الأفراد لدعوتهم يبقى هو الأصل والباقي كله فرع ، ومن ثم فالدعوة تحتاج أفرادًا كأبي بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأضرابهم ممن أوقفوا أموالهم وأنفسهم في سبيل رفعة دينهم ونصرته ويعلمون أن أي مال ينفق في سبيل الدين فهو في سبيل إعزازهم هم .

ومن هنا كثرت النصوص الآمرة بالإنفاق، الداعية إلى البذل ، لأن الإنفاق في حد ذاته عبادة مقصودة لكل مسلم، قال تعالى: { والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم }.

وفي هذه السطور نبين كيف رغب الكتاب والسنة في الإنفاق ، ونذكر وسائل بذل بالمال ، وكون الدعوات لا تقوم إلا بالمال ، وآداب الإنفاق ، وأفضل أوقات بذل المال ، وثمراته ، وبذل النبي وأصحابه للمال ، وبيان ذلك في الآتي :


أولا : القرآن الكريم والسنة يرغباب في الإنفاق :

رغب الإسلام في الصدقة، والعطف على الفقراء، ومواساة أهل الحاجة والمسكنة، ورتب على ذلك أعظم الأجر عند الله - تعالى - يوم القيامة.

أ - من القرآن الكريم :

1 . قال - تعالى -: { يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لاَ بَيعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالكَافِرُونَ هُم الظَّالِمُونَ } البقرة: 254 .

2 .  وقال - تعالى -: { يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم وَمِمَّا أَخرَجنَا لَكُم مِن الأَرض ِ} البقرة: 267 .

3 . وقال - تعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُم المُفلِحُونَ} التغابن: 16 .

ب من السنة النبوية :

عن زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزَا، ومن خَلَّف غازياً في أهله بخير فقد غزا) متفق عليه.

وعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) رواه مسلم.

وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أبو داود والنسائي والدارمي.

 وعن خزيم بن فاتك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أنفق في سبيل الله كُتب له بسبعمائة ضعف) رواه الترمذي والنسائي.

وعن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجرالغازي ) رواه ابوداود.

وعن علي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وعبدالله بن عمرو وجابر بن عبدالله وعمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين، كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ) ثم تلا هذه الآية: ( وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) رواه ابن ماجة.

وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَجوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلقَاهُ جِبرِيلُ،...وَلَرَسُولُ اللَّهِ حِينَ يَلقَاهُ جِبرِيلُ، أَجوَدُ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ ).
وإن رجلا سأله فأعطاه غنما بين جبلين فأتى الرجل قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. رواه مسلم .


ثانيا : وسائل بذل المال :

التضحية بالمال في سبيل الله تعالى ذات الشأن الكبير في إحقاق الحق، وتأمينه وتأمين أهله والمنادين به، إذ لا يخفى على أحد ما للمال من أهمية في حياة الإنسان ، ووسائل بذل المال أنواع هي :

1 - ومنها بذله في سبيل التمكين لدين الله ونشره في الأرض والدعوة إليه .
2 - ومنها بذل المال لدفع ضرر عن المسلمين في الحاضر أو المستقبل .
3 - منها بذل المال في تجهيز الجيوش المجاهدة في سبيل الله .
4 - ومنها تأمين احتياجات المسلمين في حالة السلم .
5 - ومنها تأمين الاحتياجات المتوقعة لهذه الجيوش في المستقبل القريب أو البعيد .
6 - ومنها بذله في وجوه الخير والبر عموما .


ثالثا : لا تقوم الدعوات إلا ببذل المال :

لا شك ان دين الله لا يقوم براحة الأبدان وسلامة النفوس ، ولا تتحقق الآمال والطموحات الدعويةالمشار اليها سلفا إلا بتضحية العاملين .

فإذا قلت الموارد او جفت المنابع، وضيق ذات الدعاة تتسع الثغـرات على الدعوة الإسلامية يوماً بعد يوم، وتكثر المجالات الشاغرة التي تفتقر إلى من يقوم بها .

 وفي غيبة إنفاق أهل الدعوى على دعوتهم تتسع الثغرات يوماً بعد يوم ، وتزداد قوة أهل الباطل وتنفذ مخططاتهم  في تحجيم العمل الدعوي أو اجهاضه ، وهنا شكوى عمر ـ رضي الله عنه ـ الـمُرَّةَ ماثلة حيث قال : "اللهم إني أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة" .

 ولا يرفع هذا الواقع إلا الصدق مع الله، ودليله الاستعداد للبذل والتضحية في كل جانب تحتاج إليه الدعـــــوة في وقت كهذا، وهو الوقت الذي يعظم فيه الأجر ويزداد فيه الفضل .

وشتان بين من يضـحـي وهو يرى ثمرة الجهد وتلوح له أمارات النصر، وبين من يضحي وقد غابت عن ناظريه أمارات النصر ودلائل التمكين، قال الله ـ عز وجل ـ: ( لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وكُلاًّ وعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ).الحديد: 10.


رابعا : آداب الإنفاق في سبيل الله:

حتى يتقبل الله مالك الذي بذلته ينبغي أن تراعي الأمور التالية:

1- أن تخلص نيتك لله تعالى :

 قال الله تعالى -: ( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) البقرة: 272].

2- أن تتخير الأجود الذي تحبه فتنفقه :
قال الله تعالى -: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ( أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) مسلم .
وعن سعيد بن هلال أن ابن عمر - رضي الله عنهما - نزل الجحفة وهو مريض فاشتهى سمكا، فلم يجدوا إلا سمكة واحدة، فلما قربت إليه أتى مسكين حتى وقف عليه، فقال له ابن عمر: خذها، فقال له أهله: سبحان الله! قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه. فقال: إن عبد الله يحبه!!
ووقف سائل على باب الربيع فقال: أطعموه سكراً فقالوا: ما يصنع هذا بالسكر؟ نطعمه خبزا أنفع له قال: ويحكم أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر!!

3- أن تقدم ذوي الحاجة من أقربائك وذوي رحمك :
فقد قال رسول الله: ( الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة ) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .

4- أن تتحرى بصدقتك أهل الدين :
الذين يستعينون بهذه الصدقة على طاعة الله، ولا ينفقونها في معصيته فتكون معاونا لهم على المعصية والإثم.

5- أن تسر بصدقتك ما استطعت :
إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة فأعلنها، قال الله تعالى -: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم .... } البقرة: 271 .
وذكر من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه.

6- أن تتصدق بما لديك وإن كان قليلا :
 فعن جابر قال: (ما سئل النبي شيئا قط فقال: لا). متفق عليه.
وأتى سائل إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وعندها نسوة، فأمرت له بحبة عنب، فتعجب النسوة منها، فقالت: إن فيها ذرا كثيرا!! تتأول قوله - تعالى -: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} الزلزلة: 7 .

7 - أن تعود نفسك على الصدقة ولو كنت فقيرا :
 فقد سئل عن أفضل الصدقة فقال: ((جهد المقل)) [رواه أحمد والنسائي وأبو داود]. أي صدقه الفقير.

8 – اجتناب المنّ والأذى:
قال الله تعالى : {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا، لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. البقرة:263-264.

9 – الاعتدال في الإنفاق وعدم الإسراف:
يقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}. البقرة:219.
وقال أيضاً: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. الفرقان:67.

 10 – الإنفاق حسب الأولى:
على المرء أن ينفق حسب الأولى في الإنفاق ويقدم المسكين على الفقير. قال الله سبحانه : {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}. البقرة:273.


خامسا : أفضل أوقات الصدقة :

أفضلَ ما تكون الصدقة إذا كانت
في عز الشباب، واقتبال العمر،
مع كمال الصحة والعافية،

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ( أَيٌّ الصَّدَقَةِ أَعظَمُ أَجرًا؟ قَالَ: أَن تَصَدَّقَ وَأَنتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخشَى الفَقرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلقُومَ قُلتَ: لِفُلَانٍ, كَذَا، وَلِفُلَانٍ, كَذَا، وَقَد كَانَ لِفُلاَنٍ,) فهذه الصدقة من أحب الصدقات إلى الله - تعالى -.


سادسا : ثمرات بذل المال :

أما الثمرات التي تجنيها من صدقتك فكثيرة منها  :

1. الصدقة دليل على إيمان صاحبها :
قال: ((... والصدقة برهان... )) [رواه مسلم].

2 - والصدقة يخلفها الله عليك:
قال - تعالى -: ( وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ, فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39].
وقال - تعالى - في الحديث القدسي: ((أَنفِق يَا ابنَ آدَمَ أُنفِق عَلَيكَ)) متفق عليه من حديث أبي هريرة].
وعن أبي هريرة أن النبي قال: ((مَا مِن يَومٍ, يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا)) [متفق عليه].

3 - الصدقة تدفع النار عن المنفق يوم القيامة:
 فعن عدي بن حاتم عن النبي أنه قال: ((اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعرَضَ وَأَشَاحَ، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنظُرُ إِلَيهَا، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ,، فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ, طَيِّبَةٍ,)) [رواه البخاري].

 4 - تظل المنفق نفقته يوم القيامة  :
جاء في الحديث الصحيح أن النبي قال: ((كُلٌّ امرِئٍ, فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفصَلَ بَينَ النَّاسِ، أَو قَالَ يُحكَمَ بَينَ النَّاسِ، قَالَ يَزِيدُ: وَكَانَ أَبُو الخَيرِ لَا يُخطِئُهُ يَومٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيءٍ,، وَلَو كَعكَةً أَو بَصَلَةً أَو كَذَا)) [رواه الإمام أحمد].

5 - الصدقة تدخل المنفق الجنة من باب الصدقة :
 كما قال النبي: ((وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ.. )) [متفق عليه].

6 - والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار:
 قال: ((تصدقوا ولو بتمرة، فإنها تسد من الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)) [صحيح ابن المبارك].

7 - يضاعف الله للمنفق أجر صدقته يوم القيامة إلى سبعمائة ضعف :
فعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال: رسول الله: ((لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة)) [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة أن النبي قال: ((مَن تَصَدَّقَ بِعَدلِ تَمرَةٍ, مِن كَسبٍ, طَيِّبٍ, -وَلاَ يَقبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ -صغير الخيل- حَتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ)) [رواه البخاري].

8 - رحمة الله وغفرانه للسيئات :

وهذه من أعظم الثمرات وأجلها ، عن أبي هريرة أن النبي قال: ( غُفِرَ لإمرَأَةٍ, مُومِسَةٍ مَرَّت بِكَلبٍ, عَلَى رَأسِ رَكِيٍّ, -بئر- يَلهَثُ، كَادَ يَقتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَت خُفَّهَا فَأَوثَقَتهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَت لَهُ مِنَ المَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ) رواه البخاري .


سابعا : بذل النبي وأصحابه للمال :

فقد كان صلى الله عليه وسلم مباركاً أينما كان، وهو أسوة الدعاة والمصلحين في بذل  المال  وهذه بعض الأمثلة :

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام شيئاً إلا أعـطــــــاه، قال: "فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محـمــداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة"

وعنه قال: "إن كـانـت الأَمَــةُ من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت" فـكــان صلى الله عليه وسلم باذلاً لجــاهــــه ووقته وراحته وماله... في مرضاة الله ـ تعالى ـ ونفع الخلق.


وكان بذل الصحابة مضرباً للأمثال،

فحينما جاء أبو بكر رضي الله عنه بماله كله فوضعه بين يدي الرسول في غزوة تبوك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله.

وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله، وجاء عثمان رضي الله عنه بشيء كثير جداً ووضعه بين يدي الرسول صلي الله عليه وسلم ،فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (اللهم ارض عن عثمان فإني راضٍ عنه) وهكذا جهّز جيش العسرة.

 وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه، وقد تصدّق أبو طلحة رضي الله عنه بعين بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد. ولمّا نزلت هذه الآية : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245) .

قال أبو الدحداح: يا رسول الله قد أقرضت ربي حائطي وفيه ستة مائة نخلة، فجاء يمشي حتى أتى الحائط وأمّ الدحداح فيه وعيالها، فنادى يا أمّ الدحداح، فقالت: لبيك. قال: أخرجي، فقد أقرضت ربي.

الثبات عند لقاء العدو ( إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) إعداد : محمد أبوغدير المحامي


المسلم عزيز كريم لا يرضى لنفسه الذل والمهانة، ولا يقبل بالخضوع والخنوع لغير الله، واثقا من نصر الله له مهما كانت قوة العدو وجبروته ، فعليه أن يتسلح بالصبر  والثبات عند لقاء العدو .

والثبات عنصر مهم في نجاح الدعوات ، فكما تحتاج الدعوة إلى الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة، فهي تحتاج إلى الثبات.. وبدونه لا تبقى دعوة.. ولا ينعقد للأمة نصر ، ومن أجل هذا جعل الإمام الشهيد الثبات ركنا من أركان البيعة، مسترشدا بهدي القرآن، وسيرة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم .

فدعوة الله لا تحيا ولا تنتشر ودين الله لا يقوم في أرضه إلا بصنف من الرجال مخلصين عاملين يجاهدون ويضحو ويثبتون بلا كلل ولا ملل ولا انقطاع ولا فتور أمام المحن والابتلاءات، والإغراءات والتهديدات ، ، قال الله تعالى : ( يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) إبراهيم- 27.

وفي هذه السطور نبين كيف حث القرآن والسنة على الثبات عند لقاء العدو ، والمواطن التي يمتحن فيها  الثبات ، ووسائل الثبات ، وثمراته ، وعوامل النصر الحقيقي ، و صور من ثبات الصحابة حال الإستضعاف،  وتفاصيل ذلك في الآتي :


أولا : الثبات عند لقاء العدو في الكتاب والسنة :

أ - وقد ورد في كتاب الله تعالى الكثير من النصوص تحث على الثبات عند لقاء العدو  منها :
 قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال : 45.

وقال ألله تعالى : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )البقرة - الآية 250 .

وقال ألله تعالى : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )الأنفال - الآية 12

ب - ولقد زرع الرسول صلى الله عليه وسلم الثبات في قلوب أصحابه عند لقاء العدو بقوله :
 "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط من الحديد، ما دون عظامه من لحمٍ أو عصبٍ، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمِّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه"
هكذا رواه البخاري عن الخباب بن الأرت حال طلبه من الرسول الدعاء وهو يعاني من الاضطهاد والتعذيب والحرمان .

وهكذا كانت سمات المؤمن الذي تربي على  كتاب الله وسنة رسوله أن لا يخاف أو يخشى إلا الله واثقا من تمكين الله له في الأرض، مهما كانت التضحيات .


ثانيا : المواطن التي يمتحن فيها  الثبات :

أ - الثبات فى الميدان عند الزحف:
فحين تتقابل الصفوف والرايات فى ساحة من الساحات يكون الثبات هو واجب الساعة؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الذين آمنوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا” (الأنفال: 45)،
وقال الله تعالى:”أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *ولَقَدْ كنتم تمنون المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأنتم تنظرون”(آل عمران:142 – 143).

ب - الثبات في الفتن الاضطهاد والطغيان والظلم .
ويُمثِّلها أروع تمثيل قول الله عز وجل:”قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إذْ هُمْ عليها قعود * وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * ومَا نقموا منهم إلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِى لَهُ ملك السموات والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شيء شَهِيدٌ”(البروج: 4 -9).

ج - الثبات أمام بطش الظالمين:
يُعْتَبر البطش والتنكيل من أساليب المبطلين الشائعة والمتكررة عبر التاريخ، حين يغيظهم استمساك أهل الحق وصلابتهم، فيثورون عليهم محاولين القضاء عليهم -إن استطاعوا- أو إزاحتهم عن طريقهم على الأقل بكل الوسائل الدنيئة، وقد ذاق الصحابة الكرام العذاب ألوانًا من أعدائهم، فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ، فهذا بلال رضي الله عنه يُجرَّد من ثيابه ويُلْقَى على نار البطحاء، وتُوضع الصخرة العظيمة الملتهبة على صدره، فلا يزال يعلن عقيدته:(أَحَدٌ.. أَحَد)، مستخفًّا بهؤلاء الظالمين، متحديًا لهم، مُصِرًّا على مبدئه معتزا به مهما لاقى فى سبيله.

د - الثبات عند علوِّ الأعداء:
فقد يُصَاب الإنسان بحالة من اليأس والقنوط عند ارتفاع شأن الأعداء وعلو راياتهم، ولكن المسلم الواثق بنصر الله تعالى والواعي لدينه العامل له بإخلاص وتجرد يعى تمامًا أن الحرب جولات، وأن النَّصْر للمؤمنين حين يستوفون موجباته، وأن عُلُوّ الباطل وأعوانه ما هو إلا لوقت محدود، وأن العاقبة لمن اتقى.


ثالثا : وسائل الثبات عند لقاء العدو  :

أ - الإقبال على القرآن :
القرآن العظيم وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، ومن ثم فالقرآن الكريم هو وسيلة الثبات الأولى ، ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )  ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا )  .

ب - التزام شرع الله والعمل الصالح :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} إبراهيم /27 . قال قتادة : ” أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر ” . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً }النساء /66 . أي على الحق .
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} .

ج - الدعاء :
 : من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } ، { ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا } ..

د - ذكر الله
 : وهو من أعظم أسباب التثبيت .  تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال/45 .

و - ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات قال تعالى  ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) . فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، والإيمان يزيد وينقص .


ز - الالتفاف حول العناصر المثبتة :
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة ، البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات .

ح - الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيرا عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران .

ط - معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
فيقول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196 تسرية   وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .

ي - استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :

وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري وأشد الصبر عند الصدمة الأولى .


رابعا :  ثمرات  الثبات عند لقاء العدو :

للثبات عند لقاء العدو ثمار عديدة، منها :

أ - تعبيد الناس لرب العالمين :
وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله  وفي الآخرة رضوان الله وجنته والنجاة من سخطه والنار ، وقد نبه الله سبحانه إلى خيرية الجهاد في الدنيا والآخرة في قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216).

 ب - تظهر حقيقة المحبة لله عز وجل وصدق العبودية له :
فحال لقاء العدو يظهر الصادق فيها من الكاذب؛ وفي سبيل الله تعالى تقدم الروح رخيصة لله تعالى ، وذلك من أقوى البيان على صحة دعوى المحبة لله تعالى ولدينه، وبالجهاد يمحص ما في القلوب ويبتلى به ما في الصدور ويتخذ الله عز وجل من شاء من عباده شهداء.
 (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَـافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: من الآية54).

ج - تصقل عقيدة الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله :
فهذه العقيدة صلب التوحيد وأسه المتين ، وتقوى بالجهاد في سبيل الله تعالى، والدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنها تضعف ويصيبها الوهن بترك ذلك أو ضعفه ، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).

د - نشر التوحيد وشريعة الإسلام التي يهنأ الناس في ظلالها :
وبلقاء العدو والنصر عليه يرتفع عن البشرية الظلم والشقاء بارتفاع الشرك الذي فيه استعباد الناس وظلمهم وقهرهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف:10-13).

ه - عيش المسلمون حياة طيبة عزيزة :
وبلقاء العدو والنثر عليه تخلو حياة المسلمين  من التذلل للكفار والبقاء تحت سيطرتهم وقهرهم ، ففي الثبات إلجام لأعداء الدين، وعز للدعاة والمصلحين والتمكين لأهل الحق.
صيانة عرض العلماء من أن يخوض فيه أهل الأهواء والأباطيل، فلو كان صف العلماء متذبذب الوحدة، ومشتت الكلمة، لأصبحوا محط السخرية والشتم، وفي ثباتهم تثبيت للعامة وباقي الأمة.


خامسا : عوامل النصر الحقيقية:

قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين. ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط ..

ومن خلال هذه الآيات الكريمات حدد الأستاذ  سيد قطب في الظلال عوامل النصر الحقيقية بأنها : الثبات عند لقاء العدو ، والاتصال بالله بالذكر ، والطاعة لله والرسول ، وتجنب النزاع والشقاء ، والصبر على تكاليف المعركة ، والحذر من البطر والرئاء والبغي ، وبيان هذه العوامل في الآتي :

1 . الثبات عند لقاء العدو :
فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر. فأثبت الفريقين أغلبهما. وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون وأنه يألم كما يألمون، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون; فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه! وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار; وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر؟ بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا; وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها ولا حياة له بعدها، ولا حياة له سواها؟!

2 . والاتصال بالله بالذكر :
وأما ذكر الله كثيرا عند لقاء الأعداء فهو التوجيه الدائم للمؤمن; كما أنه التعليم المطرد الذي استقر في قلوب العصبة المؤمنة،
إن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى: إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب; والثقة بالله الذي ينصر أولياءه.. وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها، فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا لا للسيطرة، ولا للمغنم، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي..

3 . والطاعة لله والرسول ، لتجنب النزاع والشقاق :
وأما طاعة الله ورسوله، فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداء; فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .. فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه; وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار. فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة .

  4 . والصبر على تكاليف المعركة :
وأما الصبر. فهو الصفة التي لا بد منها لخوض المعركة.. أية معركة.. في ميدان النفس أم في ميدان القتال. (واصبروا، إن الله مع الصابرين ) وهذه المعية من الله هي الضمان للصابرين بالفوز والغلب والفلاح..

5 . الحذر من البطر والرئاء والبغي :
يبقى هذا التعليم ليحمي العصبة المؤمنة من أن تخرج للقتال متبطرة طاغية تتعاجب بقوتها! وتستخدم نعمة القوة التي أعطاها الله لها في غير ما أرادها ، قال الله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط )
والعصبة المؤمنة إنما تخرج للقتال في سبيل الله لتقرير ألوهيته سبحانه في حياة البشر، وتقرير عبودية العباد لله وحده ، ولتحطيم الطواغيت التي تغتصب حق الله في تعبيد العباد له وحده، والتي تزاول الألوهية في الأرض بمزاولتها للحاكمية - بغير إذن الله وشرعه - وتخرج العصبة المؤمنة لإعلان تحرير "الإنسان" في "الأرض" من كل عبودية لغير الله، تستذل إنسانية الإنسان وكرامته.


سادسا : من صور الثبات :

1 ) ثبات عمار بن ياسر وعائلته الأيوبية :

عندما علم صناديد قريش عن إسلام بعض الصحابة من المستضعفين منهم، مارسوا معهم التعذيب الجسدي بشتّى أشكاله، وقد نال عمار من تلك المعاناة العصيبة الحصة الكبرى والحظ الأوفر، حيث لم يترك المشركون وسيلة من وسائل القهر والتعذيب إلاّ واستعملوها معه، فكانوا يسحبونه على الرمضاء المحرقة مجرداً من ثيابه، ثم يضعون صخرة كبيرة على صدره، فإن يئسوا منه لجأوا إلى تفريقه بالماء بغمس وجهه ورأسه حتى يختنق أو يشرف على الموت، ليس ذلك فحسب، بل وصل العذاب إلى أمه وأهانتها وقتلها بحربة في فرجها أردتها صريعة، وأينا يطيق أن تمسأمه بسوء، وقد علم عمّار أن ما أصابه وأصاب أمّه إنما هو بسبب الإسلام، ومع ذلك صبر وثبت فنال الدرجات العلى، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي عمار وأم عمار وعمار: (اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة )وهذا جزاء الثبات على الحق، وأنعم به من ثواب.

2 ) ثبات بلال بن رباح :

كان بلال بن رباح من المسلمين المستضعفين وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى; فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد، فسجلها التاريخ كلمةً خالدة منم وقف جبّار، ومن منّا يطيق ما أصابه، وما كان ذلك إلا من صدق إسلامه، وقوة عزيمته.

3 ) ثبات كعب بن مالك :
ورد في صحيح البخاري قصة كعب بن مالك  الطويلة، في قصة الثلاثة الذين خلفوا عن المسلمين عن غزة تبوك ، وكان كعب ميسور الحال والمال ولم يكن شيء يعيقه سوى الركون وحب الدنيا، قال كعب: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف،فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأماأنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو فيم جلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهوا بن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة ، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فناشدته فسكت، فعدتله فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار. قال:فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها.
 ومنت جمعت عليه هذه المصائب، وتنكر المسلمين عليه، وانصرف عنه حتى الصبيان والسفهاء،ثم جاءته دعوة من ملك الغساسنة يواسيه فيها ويطلب منه اللحاق بهم وترك المسلمين ليعيش مع الملوك ويصغي له كل الناس، ومع ذلك صبر على بلاء وثبت على امتحانه حتى أتاه الفرج من عند الله عز وجل فقد قال تعالى: (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الذين خلفوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وضاقت عليهم أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إليه ثم تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

4) ثبات إمام أهل السنة أحمد بن حنبل :

عندما آمن المأمون بفكرة خلق القرآن وأجبر العلماء على القول بذلك، وعذّب وقتل مني خالف هذا القول، كان الإمام أحمد بما أعطاه الله من العلم ثابتاً على الحق، فأتى به أمام السلطان وسُئل، فقال إن القرآن منزل من عند الله قال تعالى: (كتاب أنزلناه إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وليتذكر أولوا الْأَلْبَابِ) ، فجلد الإمام أحمد حتى أغمي عليه وتقطع جلده، ثم وضعوا عليه حصيرا وداسوه بأقدامهم، ومنع الإمام أحمد من تحديث الناس، وزاد في الشدة عليه من بعده ابنه الواثق وهو لا يزال ثابت، ونقل عن المرمزي أنه قال: دخلت على الإمام أحمد أيام المحنة، فقلت: يا إمام قال الله: (ولا تقتلوا أنفسكم)، فقال: “يا مرمزي،اخرج فانظر إلى رحبة دار الخليفة. فرأيت خلقاً من الناس لا يحصي عدهم إلا الله والصحف في أيديهم والمحابر والأقلام في أيمانهم، فقلت لهم: أي شيء تعملون؟ قالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، فقلت: مكانكم. فدخلت إلى الإمام فقلت له ما رأيته. فقال: يا مرمزي أأضل هؤلاء كلهم؟ أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء. ومن ذلك: ما قاله علي بن ألمديني رحمه الله تعالى: “أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة”

الخميس، 13 يونيو 2019

من ثمرات رمضان ... 4 - علو الهمة اعداد : محمد أبوغدير

علو الهمة خلق رفيع ، تهفو إليه الفطر القويمة ، وتعشقه النفوس الكريمة ، وأهل الهمة العالية هم صفوة الأمة ، وأهل المجد والكرم ، فالحياة عندهم ايمان وجهاد وبر وفلاح ، وصبر وثبات ، فهم فرسان بالنهار رهبان بالليل تغلبوا على شهواتهم فسمت أرواحهم وارتفعت درجاتهم .

الهمة عمل قلبي، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةًً من القيود التي تكبل الأجساد..

ولقد حث القرآن الكريم والسنة النبوية على علو الهمة ، وبيان مكانتها في الإسلام ، ولعلو الهمة أسباب كثيرة هي ثمرات لطاعات رمضان المتنوعة


أولا : معني علو الهمة :

عرف احد السلف علو الهمة بأنه : توجه القلب بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق وطلب المراتب السامية بقصد حصول الكمال واستصغار ما دون النهاية من معالي الأمور  .

الهمة عمل قلبي، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةًً من القيود التي تكبل الأجساد .

وقال الراغب الأصفهاني:  والكبير الهمة على الإطلاق : هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه ، فلا يصير عبد رعاية بطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة .


ثانيا : مكانة علو الهمة :

1 . الهمة أبلغ من العمل :

وهمَّة المؤمن أبلغ من عمله قال صلى الله عليه وسلم : ( من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة  ) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ) رواه مسلم وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن تجهز للجهاد ، ثم أدركه الموت: " قد أوقع الله أجره على قدر نيته " رواه الإمام أحمد وغيره


2 . صاحب الهمة سباق :

وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية ، قال صلى الله عليه وسلم في قوله: ( سبق درهم مائة ألف) ، قالوا : يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ، قال: ( رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ، فأخذ من عَرْضها مائة ألف ) رواه أحمد وغيره .
وقال ابن القيم: ( فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكلِّ خلق جميل. ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتصف بكلِّ خلق رذيل ) الفوائد .


4 . صاحب الهمة سباق :

كما قال صلى الله عليه وسلم في قوله: ( سبق درهم مائة ألف) ، قالوا : يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ، قال: ( رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ، فأخذ من عَرْضها مائة ألف ) رواه أحمد وغيره .


ثالثا :رمضان مدرسة الارتقاء الإيماني :

لقد من الله على المؤمنين بشهر رمضان  يهيئهم لعلو الهمة ، فقد ثبت في صحيح السنة أن الله ينظر لعباده فهذا الشهر المبارك فلا يعذبهم ، والملائكة تستغفر لهم ، والجنة تتزين لهم ، ويغفر الله لهم ، وفيه تفتح لهم أبواب الجنة وتغلق النار وتسلسل الشياطين .
 في رمضان ترتقي المشاعر فتتعلق  القلوب بالمساجد ويكون الفوز بالجنة .

ورمضان شهر القرب من الله والتزود من الخيرات والطاعات ، فتتعلق فيه القلوب بالمساجد ويسعى الصائمون للبكور في الصلاة وقراءة القرآن ومجالس العلم والذكر طوال الشهر الكريم ، رغبة منهم في التزود منه للوصول إلى الدرجات العلا في الجنة .

 ولهذا كان رمضان شهر الارتقاء الإيماني وسمو الطاعة لكل المسلمين، فالمسلم الفاسق يقل فسقه فيه ، والمسلم الذي يسدد ويقارب يكون في رمضان أكثر تسديدا ومقاربة ، أما المسلم المجتهد زاد اجتهاده في رمضان كانت كافة طاعاته إيمانا واحتسابا واسبابا لعلو همته وبيان ذلك فيما ياتي.


رابعا : أسباب علو الهمة ثمرات طاعات رمضان :

ولعلو الهمة اسباب هي : الإخلاص واليقظة والتنافس في الصالحات ، والتطلع إلى الكمال والحرص على الوقت وتوظيفه ،  وطلب العلم والسعي لإصلاح واقع الأمة ومصاحبة أصحاب الهمم ومطالعة سيرهم ، وهذه الأسباب هي ثمرات لطاعات رمضان المتنوعة ، وبيان هذه الأسباب وكيف كانت ثمرة لهذه الطاعات في الآتي :

1 . الإخلاص :

  عرف ءحد السلف الإخلاص بأنه : نسيان رؤية المخلوقين بدوام النظر إلي الخالق تبارك وتعالى بأن تكون المشاعر والشعائر والشرائع من الله تعالى وله وحده لا شريك له سبحانه ، والإيمان الجازم بأن الناقد بصير ، يقول الإمام بن القيم رحمه الله : لقاح الهمة العالية: النية الصالحة ، والإخلاص هو أول أسباب علو الهمة .

ورمضان يربي المؤمنين على الإخلاص ، لأنَّ الصِّيام سرٌّ بين العبد وربِّه لا يطَّلع على ذلك غيره ، وحقيقته ترك حظوظ النَّفس وشهواتها الَّتي جبلت على الميل إليها لله عزَّ وجل ، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله : صلى الله عليه و سلم ، قال الله تعالى : ( كُلُّ عَمَل ابن آدم لَهُ إلاَّ الصومَ فإِنَّه لي وأنا أجزي بهِ .... ) .
ولمَّا صار الصِّيام دليل إخلاص العبد ، وعنوانًا على نَبْذِ كلِّ رياء، ومعقد السِّرِّ بين العبد وربِّه في الدُّنيا ، فإنه يرفع همة المسلم ويعينه على فعل العالى من الإعمال واستسهال الصعب وبذل الغالى والثمين إبتغاء رضا الله والفوز بالجنة .


2 . الاجتهاد والمثابرة في طلب العلم   وتحصيله :

من أعظم ما يعين على علو الهمة طلب العلم ومطالعة ما أعده الله عزَّ وجلَّ لطالب العلم والعلماء ، فإنَّ الله سبحانه قد ذكر العلماء في كتابه فقال : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ) آل عمران : 18.
 والخشية لله التي هي سبب الفوز لديه وقد جعلها الله من سمات العلماء  فقال: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر : 28.
وأخبر عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة :11 .

ورمضان شهر العلم والذكر ، والمساجد بيوت الله التي أمر سبحانه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، قال تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال ِ} النور: 36 ،
وفي رمضان كان جبريل يلقى رسول الله ويتدارس معه القرآن ، كما روى البخاري عن بن عباس رضي الله عنهما، قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن .
 الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).  رواه مسلم .
  وارتفعت همة المؤمن بمشيه إلى المساجد ومكثه فيها فارفتع درجاته وحطت خطاياه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً)) رواه مسلم .


 3 . اليقظة والتنافس في الصالحات :

من أسباب علو الهمة أن يخلع المؤمن ثوب النوم والرقاد فيفارق بيقظته جموع الغافلين ، ويعرض عن أفعال الجاهلين ، فلا يقر له قرار حتى يسكن في جنة عرضها السموات والأرض ، فقال الله تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران آية 133 .
قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره. ، وقال وُهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل)

ورمضان طريق اليقظة والتنافس في الصالحات ، والتخفف من الأوزار والتغافر والتسامح بين المؤمنين ، وقد تحققت هذا لى المؤمن حال صيام رمضان إيمانا واحتسابا وبمغفرة الله له ما تقدم من ذنبه ، وكذلك حال قامه رمضان بصفة عامة ومن قام ليلة القدر بصفة خاصة حيث مغفرة الله له ما تقدم من ذنبه .
 والتوبة سبب للفلاح والتدافع لعمل الصالحات والتنافس عليها ، قال الله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النـُّـور ، من الآية: 31 .


4 . التطلع إلى الكمال والترفع عن النقص:

صاحب الهمة العالية يتطلع دائما إلى الكمالات ، ويترفع عن الدنايا ، وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( إن الله يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها ). أي يبغض الرديء الحقير من كل شيء وعمل.
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله : صلى الله عليه و سلم ، قال الله تعالى : ( .... والصِّيامُ جُنَّةٌ فإِذا كان يومُ صومِ أحدِكم فَلاَ يرفُثْ ولا يصْخَبْ فإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أو قَاتله فَليقُلْ إِني صائِمٌ ،  ) .

وصيام المؤمن في رمضان وفي سائر الشهور وسيلة الى الكمال والبعد عن النقائص ، فبالصوم أرتقت المشاعر وتهذب الجوارح وسمت الأخلاق ومن آداب الصائم غض البصر ويثمر فوائد كثيرة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : ( غض البصر يورث ثلاث فوائد : حلاوة الإيمان ولذته ، نور القلب والفراسة ، قوة القلب وثباته وشجاعته ) .
ومن وجوه التَّقوى أنَّ الصَّائم يترك ما حرَّم الله عليه من الأكل والشُّرب وسائر المفطرات الَّتي تميل النَّفس إليها، متقرِّبًا بذلك إلى الله تعالى، راجيًا ثوابه.رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) .


5 . الحرص على الوقت وتوظيفه :

 فأصحاب الهمم العالية يحرصون على كل ثانية  فالوقت هو الحياة ، وإنما سعد من سعد ، وارتقى من ارتقى في مراتب المجد من استثمر الأوقات وكان حريصا على الدقائق واللحظات .

والطاعة في شهر رمضان علمت المؤمن الحرص على الوقت وتوظيفه ، فالمسلم يستيقظ قبلَ الفجر ليتهجد حيث قال الله تعالي: " أمَن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذرُ الآخرة ويرجو رحمة ربه " سورة الزمر ، ثم السحور حيث قال رسول الله صلي اله عليه وسلم :"تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه ، وفي وقت السحر  يكون الاستغفار حتي آذان الفجر حيث قال تعالي : " وبالأسحار هم يستغفرون " سورة الذاريات ، ثم أداء سنة الفجر لقوله رسول الله صلي الله عليه وسلم  : ( ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها " .
وربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الصوم والعمل , فقَالَ عن شهر شعبان انه ( . . .  شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ. )رواه أحمد والنسائي عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ .


6 . الاهتمام بواقع الأمة والسعي لإصلاحه :

اصحاب الهمة العالية أشد انشغالا بقضايا أمتهم واحساسا بآلامها ، فيفرحون لفرحها ، ويحزنون لماأصابها .
قال الله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران : 104 .
ويدفعهم ذلك الشعور إلى العمل لرفعتها وعزها واستعادة سؤددها وكرامتها ، فيوقنون بمسؤليتهم نحو أمتهم ويسعون إلى إصلاح المجتمع الذي يعيشون فيها .

وفي رمضان توثقت روابط الأمة ، وتقوت صلة الأرحــام وذوى القــربى ، حيث تم التزاور بين الأسر والعائلات ، وفيه سعى المؤمنون لقضاء حوائج بعضهم بعضا ، ولزكاة الفطر اثرها الفعال في تحقيق التكافل ، وكذلك الكفارة على من يفطر يوما عمدا ، فضلا عن تبادل الهدايا المالية والعينية بين المسلمين بصفة .
ورمضان شهر التغيير والإصلاح ، وتصاحب هذا الشهر الكريم انطلاقة قوية وصادقة لعودة الأمة إلى الله تبذل فيها الجهود الكبيرة لواجب الدعوة الى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبصيرا وهداية للغير ممن غفل عن الحق والهدى، قال الله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد :11 .
وهذا هو الطريق لوصول الأمة إلى العزة والقوة والجهاد والنصر فيه بإذن الله, قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) محمد:7 .