الأربعاء، 22 يونيو 2016

كيف نربح رمضان ؟ ... ٧. نتزكى لنحلق نحو الحرية . إعداد : محمد أبوغدير المحامي

رمضان شهر الحرية ، كيف ذلك ؟
والمسلم حال صيامه تفرض عليه قيود شتى ، ممنوع من الطعام والشراب الحلال من طلوع الفجر حتى غروب الشمس ، ممنوع من إتيان زوجته طوال فترة صومه ، وعليه أن يقطع من وقته يقوم ويركع ويسجد في صلاة التراويح ، ويستيقظ من احلي نومه للسحور وليصلى الفجر في المسجد ، ويلزم بدفع صدقة الفطر ، وغيرها من شعائر شهر رمضان التي يتعبد بها المسلم لله تعالى  ، وبيان ذلك يقتضي بيان ما يأتي :

معني الحرية ،
علاقة الحرية بالعبودية لله تعالى ،
وسائل وأسباب الحرية في شعائر رمضان ،
والحريات التي قررها الإسلام وأنواعها

وفي هذه السطور بيان للمذكور .

أولا : تعريف الحرية :

أ - تعريف الحرية في اللغة :

الحر نقيض العبد ، والحرية نقيض الرق والاستعباد .

ب - تعريف الحرية اصطلاحا :

.1 و الحرية في الإسلام هي :
هبة السماء للإنسان لتكريمه ولحمايته من الاستعباد والاستبداد ،
فقال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) سورة الإسراء الآية :70 ،
 ومن هذا المطلق صرخ عمر بن الخطاب قبل ألف وأريعمائة عام قائلا : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا

٢ . 2 والحرية هي : العبودية الخالصة لله :
إذ قال الدكتور يوسف القرضاوي أن العبودية الخالصة لله هي عين الحرية وسبيل السيادة الحقيقية فهي - وحدها - التي تُعتِق القلب من رِقِّ المخلوقين ، وتُحرره من الذُّل والخضوع لكل ما سِوى الله  .

. 3 من تعريفات الحرية أنها :
( قدرة الإنسان على إتيان أي عمل لا يضر بالآخرين ، وان الحدود المفروضة على هذه الحرية لا يجوز فرضها إلا بالقانون ) .
هو ما ورد في الإعلان الصادر لحقوق الإنسان في فرنسا عام 1789 ,

ثانيا : الإنسان بين الحرية والعبودية لله تعالى :

جبلت النفس البشرية على المطامع والأهواء والشهوات ، وإذا ملك الإنسان تجبر وطغى ، ومن ثم كان الإنسان في حاجة إلى ضوابط وزواجر تمنع طغيانه واستبداده ، فكانت شرائع السماء خضوع الإنسان لشرائع الله و العبودية الخالصة له سبحانه وبذلك يتُحرر من الذُّل والخضوع لكل ما سِوى الله فتكون الحرية المنشودة ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - تزكية النفس ضرورة لحماية الحرية  :

والحرية لابد لها من حماية ولا شك أن الإنسان هو المكلف بحمايتها ، فهل يمكن أن يحميها الإنسان من نفسه وبين جنبيه شهوة مدمرة وبقلبه وعقلة هوى قاتل وغضب حارق وشيطان مضل .
ألا ترى الساسة الكبار وهم يسيرون شؤون البلاد عبيدا لمطامعهم وشهواتهم السياسية ؟ فكيف يأتمنون على الحرية ؟
أتظن أن الجماهير المنساقة خلف شهواتها ونزواتها وأهوائها قادرة على أن تنتزع حرياتها من الحكام الظلمة المحصنين بتشريعاتهم الظالمة فضلا عن سياطهم الملتهبة ونيرانهم الحارقة وقضائهم الجائر .

ب -  الحرية الكاملة هي العبودية الخالصة لله تعالى :
إن العبودية لله تحرر نفوس المؤمنين من المطامع والأهواء والشهوات ، وتربط نفوسهم بالله ، وقيد إرادتهم بإرادته وحده ، والله سبحانه عنوان الخير والحب والرحمة ، فمن استعبده الحق والخير والرحمة كان متحرراً من كل ما عداها من صفات مذمومة .

ويقول الله تعالى في الحديث القدسي ( يا ابن آدم خلقتك من أجلي وخلقت كل شيء من أجلك )، ومقتضى عبودية العبد لله ، حريته وغناه عن من سواه ، أن لا يخضع إلا لله ، وأن لا يرجو إلا الله ، وان لا يخاف إلا الله .

وكما سبق القول بأن الدكتور القرضاوي ذكر أن العبودية الخالصة لله هي عين الحرية وهي التي تُعتِق القلب من رِقِّ المخلوقين ، وتُحرره من الذُّل والخضوع لكل ما سِوى الله من أنواع الآلهة والطَّوَاغيتِ التي تَستعبِدُ الناس وتَسترِقُّهم أشدَّ ما يكون الاسترقاق والاستعباد ، وإنْ ظهروا - صورةً وشكلاً - بمظهر السادة .

ثالثا : وسائل التزكية الرمضانية لنحلق نحو الحرية :

مدرسة رمضان بما يتضمنه من فرائض ونوافل يؤديها المسلم هي طريق الوصول إلى كمال العبودية المؤدية إلى الحرية ، وشعائر رمضان وسيلة لتحقيق العبودية المؤدية للحرية ، وطالب الحرية حال جهاده لانتزاع الحرية من الطغاة يحتاج لزاد إيماني يعينه على الثبات  يجده في أعمال اليوم والليلة في رمضان ، وبيان ذلك في الآتي :

أ - رمضان مدرسة الحرية  :

إذا كانت الحرية هي كمال العبودية لله ، فإن رمضان هو شهر "الحرية" ، لأن الصيام مدرسة هي طريق الوصول إلى كمال العبودية لتخريج الأحرار بالمعنى العلمي الصحيح ،
فإن أداء المسلمون لكل ما أمرهم الله به من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ومسارعة إلي الخيرات وإحسان وصدقات، وعدم وقوفهم عند ظواهر الأعمال بل فهموا مراد الله فيها ، وتغذت بصائرهم إلي لباب أسرارها ، فعرفوا لرمضان معني لم يعرفه غيرهم وفازوا بربح لم يفز به سواهم، واكتسبوا منه تزكية النفوس وتصفية الأرواح .

ب - شعائر رمضان وسيلة لتحقيق العبودية المؤدية للحرية  :

 . 1 في صيام رمضان يمتنع المسلم عن الطعام والشراب طوال النهار من طلوع الفجر غروب الشمس وقد تكون هو الذي يعد الطعام وعينه تنظر إليه بشوق ونفسه تشتهيه والجوع والعطش يقتله ، إلا أنه يتمرد على هذه الرغبة ويدوس على تلك الشهوة يتبرئ من عبودية الطعام والشراب ، معلنا عبوديته لله تعلى ، متصفا بصفات الأحرار .

. 2  في نهار رمضان يمتنع المسلم عن شهوة النساء ، وقد يدخل الرجل بيته فتقع عينه على جمال زوجته فيجد رغبة فيها فيصرف نظره عنها ويمنع شهوته عن حلاله طاعة لربه وامتثالا لأمره ، أليس في ذلك قوة إرادة تصاحبها تربية على احترام حرمات الغير ، ومن ثم تحقيق لعبوديته لربه وإعلانا لكمال حريته .

. 3  في ليل رمضان ينام المسلم بعد يوم عمل شاق لا تكفيه ساعات ليرتاح من التعب ، وما يبرح لرفع الغطاء عن جسده ويهب واقفا ليقوم الليل في وقت السحر قائما لله ساجدا ، رافعا أكف الضراعة داعيا ومستغفرا ، لتزكو نفسه وتسموا روحه وهو في معية الله وبين يديه سبحانه ، أليس في ذلك كمال حريته وهو في تمام عبوديته لله .

 . 4 في شهر رمضان ينفق المسلم بسخاء من ماله ، فيعطي الفقير والمسكين ، ويفطر الصائم ويقدم الهدية لأرحامه حال وصالهم ، ويشارك في أعمال البر ، رغم أنه جبل على حب للمال ورغبته في اكتنازه إلا أنه يفعل ذلك طاعة لله وابتغاء مرضاته سعيا أن يحقق عبوديته لله ، متحرراً من الشح والبخل .

ج - أسباب معينة على انتزاع الحرية من الطغاة :

الحرية لا تمنح ولا تهدى وإنما تنتزع انتزاعا ، ومن ثم تكون هناك مواجهة بين طلاب الحرية والطغاة فلابد من التسلح بالصبر والثبات بزاد يتقوى به على الاستمرار في طريق الحرية حني ينالها وهذا الزاد هو من أعمال اليوم والليلة في رمضان وهي :

الإقبال على القرآن : القرآن العظيم وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .

1.  ذكر الله : وهو من أعظم أسباب التثبيت . تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال 45 .

2.  الدعاء : يفزع الإنسان إلى خالقه وينقطع إليه ضارعا منكسرا ، قال تعالى : (( وإذا مسَّ الإنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِدا أو قائما فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مسه )).

رابعا : حريات الإنسان في الإسلام :

الإسلام سبق كل والمواثيق الدولية والإقليمية والدساتير الوطنية في إقراره للحقوق والحريات وحمايتها ، ولا يسع المجال لبيان كل حرية من هذه الحريات ، وإنما نتحدث بشكل عام عنها بحيث لا يتجاوز ذكر المبادئ العامة مع بعض أدلتها بإيجاز :

أ ـ الحرية الدينية :

إن الحرية الدينية هي أهم أنواع الحريات في الحقيقة ، وهي يقصد بها أمور هي:

١ . حرية العقيدة :
حيث من حق الفرد اعتناق أي دين، فقال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاء فليكفر )سورة الكهف الآية29
وقال تعالى للكفار : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) سورة الكافرون الآية6
وقال تعالى : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قدت بين الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )سورة البقرة الآية 256

٢ . حرية العبادة ، وممارسة الشعائر التعبدية:
مع أن دين الكفار هو الشرك وعبادة الأصنام ، قال تعالى : ( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي ولكم عملكم أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مما تعملون) سورة يونس الآية 41 ،
وعد من أسباب الجهاد الدفاع عن أماكن العبادة لكل الأديان السماوية فقال تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). سورة الحج الآية40

ب ـ الحريات السياسية :

حيث حمى الإسلام هذه الحرية أيضاً مادامت في إطار غير مسلح ومنها :

- 1  حرية إبداء الرأي والحق في المعارضة :
الحاكم بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو حسب المصطلح الإسلامي " النصيحة " حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال : ( لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ) رواه مسلم في صحيحه.

- 2  حرية تشكيل أحزاب سياسية :
لكل حزب برنامجه الخاص في إطارا لشرعية والدستور الإسلامي ، بل إن في ذلك ثراء وإثراء وتحويلاً للنصيحة الفردية إلى المؤسسة المنظمة القادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة أفضل وأقوى من الفرد ، والمساهمة الفعالة في منع الفساد الإداري ، وفي تحقيق التنمية الشاملة.

 - 3 ومن الحقوق السياسية أيضا :
حق تولي الوظائف العامة ، وحق المشاركة في تدبير شؤون الدولة على أساس الاختصاص دون التفرقة بين شخص أو آخر .

ج ـ الحريات الاقتصادية :

من هذه الحريات حرية التملك ، وحرية العمل ، وهذان الحقان مفصلان في شريعتنا الإسلامية الغراء لا يسع المجال هنا للخوض في تفاصيلهما .

د ـ الحقوق الثقافية والعلمية :

لم نجد إلى اليوم كتاباً قديماً ، أو دستوراً ، أو نظاما يبدأ بالأمر الجازم بالقراءة والعلم إلا القرآن العظيم الذي تقول : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنسان مِنْ علق اقرأ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ)سورة العلق الآية 1 – 5 .
ثم تنزل مئات الآيات في بيان فضل العلم وأهميته ن وأنه مفتاح الحضارة قامت على العلم ، وأن أصحابها صرفوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها ، وأن العلم في الإسلام للجميع .

#كيف_نربح_رمضان_? أعداد : محمد #أبوغدير_المحامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق