الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

3 - أفلا يتدبرون القرآن : . . . . . . . كرامة إنسانية وحقوق اجتماعية



قال الله تعالى :(قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ )البقرة 263

 المعنى البسيط لهذه الآية الكريمة هو : أن يأيتك سائل يطلب منك صدقة بأسلوب يسيء إليك ، فأن ترده بكلمة طيبة ولا تعطيه ، خير لك وله من أن تعطيه شيء وتؤذيه قولا أو فعلا لسوء طلبه .

لكن هذه الآية الكريمة حين تدبر كلماتها نراها غنية بالمفاهيم والقيم الجهادية والإجتماعية وبيان ذلك في الآتي :

أولا : مفاهيم ومعان راسخة :

1- مفهوم القول المعروف :
القول هو : صوت معه حروف يتلفظ بها دل على معنى سواء صدر من إنسان أو غيره من الأحياء أو الآلات ، كقول الإنسان للإنسان ، وقول الطير لمن يفهمها كالهدهد والنمل لسليمان عليه السلام ، وما يصدر من الآلات الالكترونية من قول .

والمعروف : عكس المنكر ، والمعروف في الشرع : كل قول أو فعل يعرفه الشرع ويأمر به ويمدحه ويثني على أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات .
والقول المعروف : هو القول الحسن الذي يأمر به الشرع أو يمدحه ويثني عليه الكافة وأعلاه كلمة التوحيد وتلاوة القرآن ومدارسة العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وغيرها .

2- مفهوم المغفرة والاستغفار :
المغفرةُ، والغَفر ُ: التغطيةُ على الذُّنوب والعفوُ عنها، ومن أسماءِ اللَّه -عز وجل-: الغفورُ، والغفَّارُ، وهذانِ الاسمان منْ أبنيةِ المبالغةِ ، ومعناهما: السَّاترُ لذنوبِ عبادهِ وعيوبهم، المتجاوزُ عنْ خطاياهم، وذنوبهم، يُقال: اللَّهُمَّ اغفرْ لنا مغفرةً، وغفرانًا، إنَّك أنتَ الغفورُ الغفَّار .
والاستغفارُ: طلبُ سترِ الذُّنوبِ والعيوبِ، والتَّجاوزُ والعفوُ عنها، بالمقالِ والفعالِ، وقد قيلَ: الاستغفارُ باللِّسانِ دُون الفعالِ فعلُ الكذَّابينَ.

3 - مفهوم الصدقة أوسع مما تتخيل :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة" .

ثانيا : قيم جهادية سامية في القول المعروف :

1 - ومن القول المعروف النطق بالشهادتين وهي التي  تعصم دماء قائلها :
   انتصر المسلمون على المشركين في  غزوة ، ففر واحد منهم فلحق به أسامة بن زيد وقتله ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على أسامة وقال: "أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ"، قال يا رسول الله: إنما قالها يتقي بها السيف، قال: "هل لا شققت على قلبه ، ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة فما زال يكررها  حتى ندم أسامة رضي الله عنه ندامةً شديدة على ما فعل وعرف خطأه في ذلك

2 - ومن القول المعروف الجهر بكلمة الحق في وجه الطغاة الظالمين وقد ترتفع بصاحبها إلى درجة سيد الشهداء إذا قتله الظالم :
عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ " .

3 - القول المعروف الذي صدر عن النملة  فأنقذت قومها من الهلاك حيث قال الله تعالى
﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ النمل :
 18، وكان قولها معروفا لسببين : الأول انها حريصة على حياة النمل وسلامته فأمرتهم بدخول مساكنهم ، والثانية أنها أنصفت سليمان وجنوده ففي قولها : وهم لا يشعرون : التفاتة منصفة تذكر وتؤكد عدل سليمان وفضله وفضل جنوده بأنهم لا يحطمون نملة عن عمد او اصرار ، ولذلك كان تبسم سليمان سرور بهذه الكلمة منها

ثالثا : قيم اجتماعية راقية في الصدقة مع الحلم والمغفرة :

1- المغفرة للسائل المحتاج ولو أساء إليك :
يقول الشيخ الشعراوي : حال تفسيره لهذه الآية ، هناك إنسانا تلهب ظهره سياط الحاجة، ويراك أهلا لغنى  وسعة من المال ، وقد يتجاوز أدب الحديث معك ، بأن ينال منك بلسانه فعليك أن تتحمله. وإذا كنت أنت أيها العبد تصنع المعاصي التي تغضب الله، ويحلم الله عليك ويغفرها لك ولا يعذبك بها، فإذا ما صنع إنسان معك شيئا فكن أيضا صاحب قول معروف ومغفرة وحلم

2- الإنفاق على القريب ولو أجرم في حقك  :
كان من بين الخائضين في الإفك " مسطح بن أثاثة " وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قاله في السيدة عائشة رضى الله عنها فنزلت هذه الآية :
( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (النور - 22)
فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح .

3 - الحلم على الجاهلين من الرعية حال طلبهم ما لا يستحقون  :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا قام قمنا فقام يوما وقمنا معه حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه رجل فجبذ بردائه من ورائه وكان رداؤه خشنا فحمر رقبته فقال يا محمد احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي فقال الأعرابي لا والله لا أقيدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول لا والله لا أقيدك فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم يا فلان احمل له على بعير شعيرا وعلى بعير تمرا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرفوا . أخرجه النسائي  .

3 - وفي العشر الأوائل من ذي الحجة زاد للمصلحين .... يوم عرفة : ثورة الإنسان لإنتزاع حقوقه وحرياته

3 - وفي العشر الأوائل من ذي الحجة زاد للمصلحين
يوم عرفة : ثورة الإنسان لإنتزاع حقوقه وحرياته
بقلم : محمد أبوغدير المحامي
يوم عرفة عيد ليس للمسلمين فقط ولكن لكل الناس ، فهو عيد للمسلمين لأنه يوم مغفرة الذنوب والخطايا والعتق من النار، ويوم فيه يُباهي الله بأهل الأرض أهل السماء كما قال الصادق المصدوق (ص): ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ) (رواه مسلم)، وصومه يكفِّر السنة الماضية والباقية، وفيها يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر، وفيها التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح.
ويوم عرفة عيد للناس كافة لأن فيه صدر أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان ، لذلك قال يهودي في حضور عمر رضي الله عنه : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم آية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه ! فقال عمر : أي آية ؟ فقال" : اليوم أكملت لكم دينكم" . فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه ، والمكان الذي أنزلت فيه : يوم جمعة ، ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد .
ميثاق عالمي لحقوق الإنسان :
في هذا اليوم الجليل وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب عموم المسلمين المجتمعين معه في هذا الموقف المهيب ويخاطب العالم كله معلنا بيانا شاملا وضامنا لحقوق البشرية وحرياتها قبل صدور إعلان الأمم المتحدة بمئات السنين .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة الخالدة:” أيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، أيها الناس، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما كان منه عن طيب نفس منه، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، أيها الناس استوصوا بالنساء خيرا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجن جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله ، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد” .
وفي هذه السطور نتعرض لبعض نصوص هذا الإعلان لنفخر به من ناحية ، ونأسى ونتألم لما تدنت فيه الحقوق والحريات في ظل الطغاة الظالمين .
حق المساواة :
تضمن البيان حق المساواة ونبذ العنصرية والطبقية ، وإلغاء الفوارق بسبب الجنس والعرق واللون والثروة ، فقال صلى الله عليه وسلم في بيان وإحكام " : يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى" رواه أحمد .
وفور دخول الإسلام مصر منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ساد حق المساواة بين المصريين جميعا ، فيقتص عمر ابن الخطاب لابن القبطي من شخص عمرو بن العاص حاكم مصر ومن ابنه لان الأخير صفع ابن القبطي حال لعبهما معا ويقول عمر قولته المشهورة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .
ولقد ضاعت المساواة بين الناس في العالم الإسلامي ، فقد قسم الحكام الطغاة المستبدون شعوبهم إلى وطنيين وأجانب ، مؤيدوهم فقط هم المواطنون ومعارضوهم هم أجانب وأعداءهم ، فسلب الطغاة معارضيهم حق الحياة - كما في مصر وسوريا واليمن - فقتلوا بعضهم وانتهكوا حرياتهم فحبسوا جلهم بلا جريرة وحجروا على فكرهم وآرائهم فمنعت ظهورهم على الإعلاميات المرئية والمقروءة والمسموعة .
حرية اختيار الحاكم :
ويقرر إعلان يوم عرفة حرية الأمة في اختيار الحاكم ويبين منزلته ، فلا مانع أن يصعد عبدٌ حبشي إلى قمة الحكم في الدولة الإسلامية وإذا وصل فله السمع والطاعة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ ، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" .
والحاكم للامة كالروح للجسد فهو قائدها وخادمها ، يحرس أرضهم ويحفظ أمنهم ويحمي أموالهم ويصون حقوقهم وحرياتهم ، فالامة هي التي تختاره بالانتخاب الحر المباشر ، وهو بشر يخطئ ويصيب ومن ثم يؤيد ويعارض ، إن أحسن يعينوه وان أساء يقوموه ، ولا يخرجون عليه إلا إذا خرج هو على دستورهم أو أنقصهم حقوقهم ونال من حرياتهم .

حرمة الدماء والأموال والأعراض :
ولقد قرر بيان عرفة حرمة الدماء والأموال وأمر بحفظ حقوق النساء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" رواه البخاري ويقول أيضا": اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ" رواه مسلم .
وهذه الحرمة التي تثبت للمسلم بمقتضى إيمانه يثبت مثلها للمعاهد بمقتضى أمانه ، سواء أكان عهده دائما من خلال الذمة أم كان مؤقتا من خلال موادعة موقوته ويبلغ الأمر مبلغ القتال عن هؤلاء المعاهدين إذا اعتدى عليهم داخل ديار الإسلام .
وقد دخل الإسلام مصر ينشر رحمته على المصريين جميعا ، يرفع عنهم ظلم الرومان فيحقن دماءهم ويصون أموالهم ، ويضمن حرية العقيدة وممارسة الشعائر فلا يعتدي على رهبانهم ولا تكسر صلبانهم ولا تسلب أموالهم ، ومن ثم بهرتهم عدالة الإسلام وسماحته فدخلوا في دين الله أفواجا .
أما حين يحكم الطغاة المستبدون فالأمر غير ذلك ، فلا حرمة لدماء المخالفين لرأيهم أو المعارضين لحكمهم ، فقد سالت دماءهم واستبيحت حرماتهم ونهبت أموالهم وهدمت بيوتهم ، ولم تسلم المرأة الحرة من بطش الطغاة فقتلت حال خروجها مطالبة بحقوقها وحرياتها وانتهكوا عرضها ، وفي مصر من المضحكات المبكيات أن يقبض على تلميذات الابتدائية بتهمة حيازة رمز رابعة العدوية ويحكم عليهن بعقوبات قاسية .
معاناة البشرية في ظل المواثيق الدولية :
ولقد عانت البشرية ولا تزال من ضياع هذه الحقوق ، وإن الدول التي وقعت أول مرة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 م كانت هي الدول الاستعماريةالتي استعبدت الإنسان وقهرت الشعوب
ففي ذات العام الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قامت العصابات الصهيونية بطرد شعب من أرضه ووطنه لتؤسس دولة اعترف بها أدعياء الحقوق الذين لا يعترفون في الواقع إلا بحقوقهم هم ، ولم تعترف فرنسا سنة 48 بحقوق شعوب المغرب العربي ، ورفضت بريطانيا الإعتراف بحقوق الشعوب التي كانت تستعمرها .
وستنتصر القيم ويسقط الطغاة :
ورغم هذا البطش والطغيان ستظل قيم بيان يوم عرفة باقية وستصبح واقع بيننا ما بقي الأحرار - أطفالا وشبابا وشيوخا رجالا ونساء - يأبون المهانة ولا يرضون الظلم ، ولا يخشون إلا الله ، لأن الله كرمهم وفضلهم على سائر خلقه ، ثائرين لإنتزاع حقوقهم وحرياتهم من الطغاة الظالمين ، .
وقد روي عَن عبد الله بن عَمْرو ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ : " إِذا رَأَيْتُمْ أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول : إِنَّك ظَالِم . فقد تودع مِنْهُم "
وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

2 . أفلا يتدبرون القرآن ؟ ؟ . . . . . بالصبر والصلاة يهون الشقاء والبلاء



 قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) البقرة   الآية    153

في الآية : أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة وهي تعني لغة الدعاء ، وكذلك الصلاة المفروضة ذات الركوع والسجود ، ثم يبشر الله عباده الصابرين بمعيته لهم .

والاستعانة تعني :
طلب الفرد أو الجماعة العون من الله تعالى وحده في شأن الدنيا والآخرة ، لأنه لا حول ولا قوة لهم إلا بالله القادر الوهاب .
ومن الجائز الاستعانة بالناس فيما يقدرون عليه؛ كاستعانة المسلم بأخيه ليقضي له حاجة أو يعينه في إنجاز عمل مشترك، عملا بقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2.

والصبر : هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، وعما يقتضيان حبسها عنه .

والأمور التي يستعان عليها بالصبر ثلاث هي
 1- الطاعة التي فرضها الله سبحانه على عباده :
يجب الصبر عليها لأن النفس تنفر منها العبادة لثقل أداءها ولتسلط الشيطان وغلبة الهوى ، وفيه جاء قوله جل شأنه لرسوله صلى الله عليه وسلم :  ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ).

 2 -  المحرمات والشهوات التي نهى الله عنه عنها :
 يحب الصبر على هجرها ومجاهدة النفس عن قربانها ، يقول تعالى في بيان عاقبة الصبر عن المعصية لقوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ).

 3 -  كذلك الكوارث والمصائب المؤلمة التي  قدرها الله سبحانه على عباده : كفقد عزيز ، أو حلول نازلة تجتاح ماله أو علة جسدية وغيرها مما أكد الله عز وجل وقوعها بقوله : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ) البقرة

أ - الدعاء هو :
طلب العبد العناية من الله تعالى ، واستمداده منه إياه  المعونة .

الأمور التي يستعان عليها بالدعاء هي :
 1 - عند الابتلاء بالمصائب والمحن : يفزع الإنسان إلى خالقه وينقطع إليه ضارعا منكسرا ، قال تعالى : « وإذا مسَّ الإنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِدا أو قائما فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ »

2 - عند الرخاء: عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان ، يجب أن يعلم بأنّ ما به من نعمة هي من اللّه ، وانه هو القادر على أن يزيلهاه منه ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌ وسلم بن العباس : « احفظ اللّه يحفظك ، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدّة » .

الصلاة كما عرفها الفقهاء:
هي أقوال وأفعال مخصوصة يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، تُفْتَتَح بالتكبير وتُخْتَتَم بالتسليم، لها شروط، وأركان، وواجبات، وسنن خاصة متعلقة بها.

الأمور التي يستعان عليها بالصلاة :
1 -  تحقيق الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين : وقد أجمع علماء المسلمينِ على وُجوب خَمْس صَلَوات في اليوم والليلة على كل مسلم ومسلمة بالِغَيْن عاقِلَيْن،

2 - الإمتثال لأمرالمحافظةِ عَليها في كلِّ حالٍ؛ حضرًا وسفرًا، سِلمًا وحَربًا، صِحَّة ومرضًا ، قال اللهُ تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) البقرة: 238 - 239 .

3 - تحنب الفَحشاءِ والمُنكَرِ والتطهر منهما : قال الله تعالى: ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت: 45.

4 - ُ كَفَّارةٌ للذُّنوبِ والخَطايَا : عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: سَمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقولُ: ((أرأيتُم لوْ أنَّ نَهرًا ببابِ أَحدِكم يَغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خَمْسَ مرَّاتٍ؛ هلْ يَبقَى مِن دَرَنِه شيءٌ؟ قالوا: لا يَبقَى من دَرنِه شيءٌ، قال: فذلِك مَثَلُ الصَّلواتِ الخمسِ، يَمْحُو اللهُ بهنَّ الخَطايا)).

5 - لمُرافقةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الجَنَّةِ ، عن رَبيعةَ بنِ كَعبٍ الأسلميِّ رضي الله عنه، قال: ((كنتُ أَبيتُ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فأتيتُه بوضوئِه وحاجتِه، فقال لي: سَلْ، فقلتُ: أسألُكَ مرافقتَكَ في الجَنَّةِ، قال: أوْ غيرَ ذلِك؟ قلتُ: هو ذاك! قال: فأَعنِّي على نَفْسِكَ بكَثرةِ السُّجودِ)) .

معية الله من ثمرات الصبر والصلاة والدعاء :

الصابرون في معية الله  :
هي المعية الخاصة المقتضية للمعونة والنصرة والتوفيق ، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) مرتين في [البقرة: 153، والأنفال: 46

الداعي في معيةُ الله :
قال  صلى الله عليه وسلم  : "يقول الله عز وج

2 - وفي العشر الأوائل من ذي الحجة زاد للمصلحين ... يوم عرفة كيف نستثمره لنربحه ؟




هيا نجاهد ونجتهد لنجعل يوم عرفة طاعة لله وزادا على الطريق لإصلاح النفس ونشر الخير بإتباع الآتي :

1 . ننام ليلة يوم عرفة مبكرا لنتقوى لطاعة الله : ينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه أن  ينام أول الليل، ويقوم آخره ففي كل ليلة ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: «من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟»؛ كما في الحديث الصحيح المتفق عليه .

2 . ثم صل أربع ركعات على الأقل وادع ربك وأنت ساجد بخير الدنيا والآخره مع البكاء والتباكي واحمده أن بلغك يوم تنزل الرحمات والمغفرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة ) صححه الألباني .

3 . قبل الفجر اقض وقتا في الإستغفار حتى تكتب من المستغفرين في الأسحار ، والاستغفار إقرار بعبودية العبد لربه وذل منه إلى المعبود. وقد أثنى الله تعالى على عباده المستغفرين بالأسحار فقال تعالى : [الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار] .

4 . تسحر بتناول طعام بسيط فإن في السحور بركة وانو صيام يوم عرفة لتربح طاعة الله ومغفرته ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة : يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) رواه مسلم.

٥ . استعد لصلاة الفجر وجدد وضوءك قبل الآذان واستشعر أن ذنوبك تخرج مع آخر قطرة لكل عضو تتوضأه ، وقل دعاء ما بعد الوضوء ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ فِي رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ، فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة )) .

6 . صل الفجر ، وأبشر بالنور لقوله صلى الله عليه وسلم : ( بشِّر المشَّائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة ) ،رواه الترمذي وابن ماجه بسند صحيح.

7 . ابدأ التكبير بعد السلام مباشرة ، ثم إبق في مصلاك حتى الشروق تقرأ القرآن وسبح وهلل وأحمد الله ولا تنس أذكار الصباح ، ثم صل ركعتي الضحى لتكتب لك حجة وعمرة مع رسول الله_صلى الله عليه وسلم ، وإياك أن تضيعها ، فقد ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ , تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) رواه الترمذي .

8 . اشغل طوال يومك بفعل الخيرات وقضاء حاجة الناس ، قال تعالى : " ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) سورة المائدة . وعن سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ " .أخرجه ابن ماجة .

8 . صل الظهر وكبر وسبح واقرأ شيئا من القرآن وأكثر من لا إله الا الله وحده لاشريك له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، ثم اسمع خطبة عرفات بكل جوارحك ولتكون هذا العام أفضل من كل عام في التطبيق إن شاء الله.

9 . لك أن تنام ساعة القيلولة تنوي بها التقوي على طاعة الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل " اخرجه الطبراني وحسنه الالباني .

10 . صل العصر وكبر وقل أذكار المساء ، واقرأ القرآن إلى قبل المغرب بساعة تقريبا ، ثم اقرا أذكار المساء وادعو بخشوع ، واذكر وقوفك أمام الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( يقول الرب تعالى: " من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم ( أفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))رواه الترمذي..

11 . عند آذان المغرب وانت صائم يوم عرفة لا تنس الدعاء بظهر الغيب - عند إفطار - لاخوانك المسلمين المستضعفين في كل مكان ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عيله وسلم: ( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حين يفطر، والإمام العادل، و دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام و تفتح لها أبواب السماء و يقول الرب: و عزتي و جلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) . رواه أحمد ،
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل" ((رواه مسلم)).

الجمعة، 18 سبتمبر 2015

1 وفي العشر الأوائل من ذي الحجة زاد للمصلحين  : . . . . العشر الأوائل بيان فضلها وخصائصها والأعمال الواردة فيها .

مقدمة :
أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الكتب من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور لتحقيق الكرامة الإنسانية ونشر العدل والمساواة وإقامة التنمية الاجتماعية الاقتصادية للناس جميعا ، وهذه المهام هي رســالة المصلحين .

ولا شك أن طريق الإصلاح طويل وشاق ، إذ يتربص الطغاة والمفسدون بالمصلحين ، ليثنونهم عن رسالتهم بالتضليل أو التشكيك في المنهج أو الإبعاد عن الطريق بالتخويف أو الإرهاب ثم بالحبس أو القتل .

لذلك كان المصلحون في حاجة ملحة لزاد من الإيمان وتقوى الله يفجر ينابيع الخير من داخل نفوسهم ، ويولد الطاقات ويشحذ الهمم والعزائم ، ليتخطوا العقبات ويكون الصدق والإخلاص و العزم و الثبات ويتحقق ما يشبه المعجزات من الإنجازات على الطريق .

ولقد شرع الله تعالى في حياة المسلمين الصالحين مواسماً سنويةً يجب عليهم أن يحرصوا على اغتنامها والاستزادة فيها من الخير عن طريق أداء بعض العبادات المشروعة ، والمحافظة على الأعمال والأقوال الصالحة التي تُقربهم من الله تعالى ، وتُعينه على الصبر على أذى الظالمين والثبات على الحق بنفس طيبةٍ وعزيمةٍ صادقة ، ومن هذه المواسم الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة .

وفي هذه الدراسة نبين فضل وخصائص العشر الأوائل من ذي الحجة ، ثم بيان أنواع العبادات والطاعات المشروعة والدروس التربوية المستفادة منها والتي تعين المصلحين إلى تحقيق رسالة الإصلاح ، ونبين ذلك في حلقات .

أولا : فضل العشر الأوائل في الكتاب والسنة :

1- فضلها في القرآن الكريم  :

إن فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحاً في القرآن الكريم الذي سماها بالأيام المعلومات لعظم فضلها وشرف منزلتها لما يأتي :

وردت الإشارة إلى فضل هذه الأيام العشرة في بعض آيات القرآن الكريم ، ومنها قوله تعالى : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } ( سورة الفجر 1 – 2 ) .
وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية قوله : وقوله " وَلَيَالٍ عَشْرٍ " ، هي ليالي عشر ذي الحجة ، لإجماع الحُجة من أهل التأويل عليه .

وأكد ذلك ابن كثير في تفسيره لهذه الآية بقوله : " والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباسٍ وابن الزبير ومُجاهد وغير واحدٍ من السلف والخلف .

ب - فضلها في السنة النبوية :

ورد ذكر الأيام العشر من ذي الحجة في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي منها :  

1 . عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء " رواه أبو داود .

2 . جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن العشرَ عشرُ الأضحى ، والوترُ يوم عرفة ، والشفع يوم النحر " رواه أحمد .

3 . عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيامَ عشر ذي الحجة ". قال : فقال رجلٌ : يا رسول الله هن أفضل أم عِدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : " هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله " رواه ابن حبان .

4 . عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من عملٍ أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ . قال : " ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء . قال وكان سعيد بن جُبيرٍ إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ عليه " رواه الدارمي .

. 5 عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة ". قيل : ولا مثلهن في سبيل الله ؟ . قال " ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب " رواه الهيثمي .

ثانيا : خصائص الأيام العشر من ذي الحجة  :

للأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة خصائص كثيرة ، نذكرُ منها ما يلي : 
1 . أقسم اللهسبحانه وتعالى بها في كتابه الكريم : 
ولاشك أن قسمُ الله تعالى بها يُنبئُ عن شرفها وفضلها فقال عز وجل : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } سورة الفجر : الآيتان 1 -2 .

 2 . سماها الله تعالى في كتابه الأيام المعلومات : 
وشَرَعَ فيها ذكرهُ على الخصوص فقال سبحانه : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } سورة الحج: الآية 28 .
3 . الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها : 
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد " رواه أحمد .

 4 . فيها يوم التروية :
وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج  .

 5 . فيها يوم عرفة : 
وله فضائل عظيمة منها مغفرة الذنوب والتجاوز عنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة ، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيع عبداً من النار ، من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ " ( رواه مسلم ). 
6 . فيها ليلة المُزدلفة :
التي يبيت فيها الحُجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة .

 7 . أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام .

8 . أن فيها يوم النحر :
وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، روي عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر ، ثم يوم القَرِّ " ( رواه أبو داود ،)

9 . جعلها الله تعالى ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين :
كسوق الهدي الخاص بالحاج ، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين.
 
10 . أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان :
 لما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية .

11 . أن هذه الأيام المباركات تُعد مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره " ( فتح الباري )

 12. أنها أيام يشترك في خيرها وفضلها الحُجاج إلى بيت الله الحرام ، والمُقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبطٍ بمكانٍ مُعينٍ إلا للحاج .


ثالثا : بعض الأعمال الواردة في هذه الأيام :

1 . التوبة النصوح : 
والتوبة : هي الرجوع إلى الله تعالى بعد معصيته، وطلب رضاه وغفرانه ورحمته، وأمّا بالنسبة له تعالى، فهي إفاضة الرحمة والرضا على العبد العاصي
وأن النّصْح في التوبة - كما ذكر ابن القيم - أن يتضمن ثلاثة أشياء: استغراق جميع الذنوب، و إجماع العزم والصدق، و تخليصها من الشوائب والعلل، وهي أكمل ما يكون من التوبة.

2. أداء الحج والعمرة : 
كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) .

3- المحافظة على الواجبات : ويقصد بالمحافظة على الواجبات أداؤها في أوقاتها وإحسانها بإتمامها على الصفة الشرعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومراعاة سننها وآدابها ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا حببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته).

4- الإكثار من الأعمال الصالحة:
إن العمل الصالح محبوب لله (تعالى) في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة، وهذا يعني فضل العمل فيها، وعظم ثوابه، فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر وقته في هذه العشر بطاعة الله (تعالى)، من:
الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك من طرق الخير، وهذا من أعظم الأسباب لجلب محبة الله (تعالى).

5- الذكر : وله مزية على غيره من الأعمال؛ للنص عليه في قوله (تعالى): ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)) الحج: 28 .
 قال ابن عباس: أيام العشر، أي: يحمدونه ويشكرونه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، ويدخل فيه: التكبير والتسمية على الأضحية والهدي، ولقوله (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).

6- الصدقة : 
قال صلى الله عليه وسلم : (ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم .

7 - التكبير : 
وهو نوعان : الأول وهو المطلق : ويكون في أي وقت وفي أي مكان ، عن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَ التَّحْمِيدِ " أخرجه أحمد .
والثاني المقيد بأدبار الصلوات الخمس ، ويبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق ، عن شقيق بن سلمة رحمه الله قال : " كان علي رضي الله عنه يكبر بعد صلاة الفجر غداة عرفة ثم لا يقطع حتى يصلي الإمام من آخر أيام التشريق ثم يكبر بعد العصر " أخرجه ابن المنذر والبيهقي .
أما صفة التكبير : فقد قد ثبت عن ابن مسعود : " أنه كان يكبر أيام التشريق : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، و الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ". أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح .

8- الأضحية :  
وهي سنة مؤكدة في حق الموسر، وقال بعضهم كابن تيمية بوجوبها). فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : " ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا " متفق عليه ، ( الصفحة هي جانب العنق ) .
والسنة أن يشهد المضحي أضحيته ، وأن يباشرها بنفسه ، وأن يأكل منها شيئاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

الأحد، 6 سبتمبر 2015

1 - أفلا يتدبرون القرآن : . . . . . . . . . ولعبدي ما سأل :


قال الله تعالى : (( أهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) سورة الفاتحة :6 – 7

هذا دعاء عظيم وكريم يردده المسلم في صلاته سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الأقل ، وقد يتضاعف هذا العدد إذا هو صلى السنن والنوافل ، ويتوجه المسلم إلى الله بهذا الدعاء ( اهدنا الصراط المستقيم ).

ولا تقوم صلاة بغير هذا الدعاء لأنه جزء ﻻ يتجزء من سورة الفاتحة لما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبادة بن الصامت:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " .

ومعناه : وفقنا وأرشدنا - يا الله - إلى معرفة الطريق المستقيم الموصل الي الحق ، واروقنا الاستقامة عليه ، فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته . 

والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين ، والهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين .
وسمات الصراط المستقيم أنه:

( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ، فهو طريق الذين قسم الله تعالى لهم نعمته . لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حيداهم عنه ، أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلا إليه ، إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين .

وهذا الدعاء مستجاب من الله تعالى ، لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ... ، ومنها إذا قال : اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " .
إلا أن الله تعالى يستجيب لبعض المسلمين هذا الدعاء وقد لا يستجيب للبعض الآخر رغم تلاوة الجميع له مرات عديدة في كل صلاتهم ، لماذا ؟؟؟ .
لأن الإستجابة مرهونة بالفقه والعمل بمقتضى الآية الكريمة التي سبقتها : ( إياك نعبد وإياك نستعين ).

فماذا تعني هذه الآية الكريمة وما ارتباطها باللاحقة عليها ؟؟؟

والمعنى: نخصك يا الله بالعبادة، ونخصك بالاستعانة، فلا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك؛ إذ لا تصح العبادة إلا لله، ولا يجوز الاستعانة إلا به.

قرنت العبادة بالاستعانة ليدل على أن العبد لا يستطيع أن يقوم بأي عبادة إلا بإعانة الله وتوفيقه، فهو إقرار بالعجز عن حمل هذه العبادة.

فالاستعانة بالله علاج غرور العبد وكبريائه، و"يجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم، وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته"

ومقتضى الإقرار قولا وعملا بأن الله وحده هو الذي يعبد وهو الذي يستعان - كما يقول صاحب الظلال - أن يتخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص .

وقد قيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟! فقال :
1ـ لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه .
2ـ وعرفتم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم تتبعوا سنته !
3ـ وعرفتم القرآن فلم تعملوا به !
4ـ وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها !
5ـ وعرفتم الجنة فلم تطلبوها !
6ـ وعرفتم النار فلم تهربوا منها !
7ـ وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه!
8 ـ وعرفتم الموت فلم تستعدوا له !
9ـ ودفنتم الأموات فلم تعتبروا !
10ـ وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس !!

وبالنظر إلى هذه الكلمات التي قالها العارف بالله إبراهيم بن أدهم ، فإن الناس بالنظر إلى هذه الآية : (( أهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) ، ثلاث فئات هم :

الأول : فئة مهتدية ؛ تؤمن بالله وتتبع منهجه وتتربى عليه ، صالحة في نفسها مصلحة لغيرها داعية إلى ربها ، تؤذى من الظالمين فتصبر وتثبت على الحق وترجوا النصر ، وهذه يباركها الله تعالى ويعينها على الخير والحق والصلاح ، فيدعون ... فيتقبل دعاءها في صلاتها ويهديها الصراط المستقيم .

والثاني : فئة غافلة ؛ لا تمارس الفساد بنفسها وقد لا تنكره على غيرها ، منشغلة ببؤس الحياة أو زخرفها ، تقبل على الله بجوارحها وقلوبها لاهية ، تدخل في الصلاة بلا خشوع وتقرأ القرأن أو تسمعه بلا تدبر أو تفكر ، فيمر عليهم هذا الدعاء الكريم في صلاتهم دون وعي أو أدراك ، فيدعود ... وقد يستجاب لهم .

والثالثة : فئة ضالة ؛ لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه ، وإن صلت وصامت فرياء وسمعة ، فاسدة في ذاتها مفسدة لغيرها ، تصد الناس عن سبيل الله ، يشاركون المغضوب عليهم والضالين ظلمهم وطغيانهم أو يؤيدونهم في ذلك ، وهذه يمقتها الله تعالى ولا يرض لها الصلاح والفلاح ، وقد يدعون ... فأنى يستجاب لهم .