مقدمة
أولا :تعريف السلام لغة واصطلاحا :
السلام في اللغة :
السَلاَمٌ : (س ل م ) مصدر سَلَمَ ، و السَّلاَم الأَمان و السَّلاَم الصُّلْحُ .
و السَّلاَم : التحِيَّة عند المسلمين ، و السَّلاَم السلامةُ والبراءة من العيوبِ .
والسَّلامُ :- : اِسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِسَلاَمَتِهِ مِنَ النَّقْصِ وَالعَيْبِ وَسِيَادَةِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَجْوَائِهِ .
وجاء في مختار الصحاح أن السلام في اللغة دائر على معنيين: أولهما : البراءة من العيوب ، ثانيهما: أن السلام بمعنى السلامة،
السلام في الاصطلاح :
قال ابن كثير "السلام أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقال القرطبي "السلامة من النقائص "
ونقل عن ابن العربي أنه اتفق العلماء على أن القول في الله تعالى السلام تشير إلى ثلاثة معاني : الأول : الذي سلم من كل عيب وبرأ من كل نقص ، والثاني : ذو السلام أي المسلم على عباده في الجنة ، قال تعالى ( سلاما قولا من رب رحيم ( ، والثالث : الذي سلم الخلق من ظلمه سبحانه وتعالى .
السلام في النصوص الشرعة:
يُطلق لفظ (السلام) في النصوص الشرعية ويراد به عدة أمور هي :
الأول: اسم الله تعالى : قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ ؛ سمي بذلك سبحانه لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء .
الثاني : السلامة من الآفات : وهو المعنى الأصل ، ومنه قول الله عز وجل: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ، أي: قولاً يسلمون فيه من مقابلة الجاهل بجهله .
الثالث : التحية : وهو قولنا: (السلام عليكم) ومنه قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ، و(السلام) الوارد في التحية إما أن يكون المراد به: اسم الله تعالى ، فيكون المعنى: اسم الله عليكم ، وجاء اسم السلام في التحية دون بقية أسمائه سبحانه لتضمنه معنى السلامة ، أو يكون المراد به: السلامة نفسها ، فيكون المعنى: السلامة عليكم ، فكأن المسَلِّم يقول للمخاطب: لك منى السلامة ، فلا تخشى شيئًا ، فيرد عليه الآخرُ بالمثل .
الرابع: الصلح والمهادنة : وضده الحرب ، ولهذا وردا متقابلين في نصوص كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، حربًا لأعدائك ، وسِلْمًا أوليائك . وسمى سلامًا لأنه يحصل به سلامةٌ من القتال وتبعاته.
الخامس : كلام اهل الجنة :قال الله تعالى :" لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا 26 ) قال " لا يسمعون فيها لغوا " أي لا يسمع المثابون في الجنة لغوا يعنى مالا فائدة فيه من الكلام، لان كل ما يتكلمون به فيه فائدة (ولا تأثيما) ولا يجري فيها ما يؤثم فيه قائله من قبيح القول (إلا قيلا سلاما سلاما) يعني لكن يسمعون قول بعضهم لبعض على وجه التحية " سلاما سلاما " إنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب وكريم الاخلاق الذي يوجب التواد، لان طباعهم قد هذبت على أتم الكمال.(8) .
ثانيا : اسم الله السلام في القرآن والسنة:
أ - اسم الله السلام في القرآن :
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم مرة واحدة في قول الله تبارك وتعالى : }الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ{ سورة الحشر: الآية 23.
اسم الله السلام في السنة :
عن ثوبان t أن النبي r كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» رواه مسلم
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض) متفق عليه.
ثالثا : دلالاته الاسم الله السلام في حق الله تعالى
اسم الله السلام دائر على ثلاث معان:
1) السالم من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله .
2) الذي سلم من مشابهة خلقه، قال عز من قائل: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ سورة الشورى: الآية 11
3) الذي سلم المؤمنون من عقوبته ، فهو الذي يسلم عباده المؤمنين في الدنيا والبرزخ والآخرة.
فهو سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله واهم، وسلام في صفاته عن كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع عن غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من الكفء والنظير، والسمي والمماثل، والسلام من الشريك، وحياته سلام من الموت ومن السِنَةِ والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب.
وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان، أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقًا وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه، وهو غني عن كل ما سواه ، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه, سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عقابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه .
سلام من أن يكون ظلمًا أو تشفيًا أو غلظة أو قسوة, بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه, بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضًا لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من حمده وحكمته وعزته ، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه والجاهلون به من خلاف حكمته، وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة .
وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب، وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته, بل شرعه كله حكمة ورحمة ومصلحة وعدل، وعطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى ومنعه عدل محض وحكمة، لا يشوبه بخل أو عجر .
واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجًا إلى ما يحمله أو يستوي عليه بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، وهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره، ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد .
وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة وخير وإحسان وبر، وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه، أو تملق به أو انتفاع بقربه, وسلام مما يتقوله المعطلون فيها).
رابعا : حظ المؤمن من اسم الله السلام :
1. أن يتبيّن للمسلم حقيقةَ أن صفات القهر والعزّة، والقوّة والانتقام، وغيرها من صفات الجلال التي اتصف بها الخالق جلّ وعلا، منزهةٌ وسالمةٌ من الجور والظلم على العباد: { ولا يظلم ربك أحدا} الكهف:49 ، وإنما هي مجازاةٌ بمقتضى العدل الإلهيّ الذي هو كمالٌ مطلق.
2. وأن يتبيّنُ أن الله سبحانه وتعالى حين اتصفت أفعاله بالسلامة من كل عيب، كان من مقتضى ذلك أن يكون ما شرعه لعباده هو خيرٌ من كلّ وجه، فشريعته الكاملة تضبط أمور الناس وتحقّق لهم المصلحة في أمور معاشهم ومعادهم، يقول الحق تبارك وتعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة:50 ، وفي آيةٍ أخرى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} الجاثية:18 .
3. محبته الله سبحانه وتعظيمه وإجلاله، لأنه سبحانه المتصف بصفات الكمال والجلال، والمنزه عن النقائص والعيوب؛ ومن كان هذا وصفه فإن النفوس مجبولة على حبه وتعظيمه، وهذه المحبة تورث حلاوة في القلب،ونورًا في الصدر، وهذا هو النعيم الدنيوي الحقيقي الذي يصغر بجانبه كل نعيم .
4. سعي المؤمن في إشاعة السلام بين المسلمين بإفشاء السلام، وكف الشر، والسب، والقذف، والعدوان عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، مع السعي لنشر الإسلام الذي هو دين السلام في الأرض بالدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى. (
5. تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب، وهو السالم من كل نقص وعيب، فمعناه قريب من القدوس، وقيل إن القدوس إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، والسلام: إشارة إلى أنه لا تطرأ عليه عيوب في الزمن المستقبل، فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب تزول سلامته ولا يبقى سليمًا .
6. الله سبحانه وتعالى المُسلِّم على عباده وأوليائه في الجنة، قال الله تبارك وتعالى: }خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ{ سورة إبراهيم: الآية 23 , فينزل بركة اسمه السلام عليهم فيسلمون من كل آفة ونقص قال تعالى: }سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ{ سورة يس: الآية 58 ، وقال سبحانه: }تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا{ سورة الأحزاب: الآية 44 .
7. الله تعالى هو المُسلِّم على أنبيائه ورسله، قال تعالى: }سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ{ سورة الصافات: الآية 79 ، وقال تعالى: }سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{ سورة الصافات: الآية 109.، وقال تعالى: }سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ{، سورة الصافات: الآية 120.وقال تعالى: }سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ{ سورة الصافات: الآية 130 ، وقال تعالى: }وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ{ سورة الصافات: الآية 181 ، وقال تعالى: }قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ{ سورة النمل: الآية 59 .
8. الحرص على نشر هذا الاسم بين العباد، وأنه سبب لدخول الجنة : قد وردت أحاديث عدة في نشر اسم الله السلام والتسليم على العباد به، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي r أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» متفق عليه، ويقول أهل العلم: فدلالة كمال إسلام وإيمان العبد نشر السلام، وجاء عن عبد الله بن سلام أنه قال: لما قدم رسول الله r المدينة انجفل الناس إليه وقيل: قدم رسول الله r فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجه رسول الله r عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء تكلم به أن قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام» رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني..
9. الدعاء بالاسم الله السلام: ورد دعاء بالاسم المطلق عند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ : رَبِّ سَلمْ سَلمْ ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ، حَتَّى يجيء الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا ) رواه الحاكم ، ومن الدعاء بمقتضى الاسم ما رواه الترمذي وصححه الألباني ن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله)) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق