الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

3 - وفي العشر الأوائل من ذي الحجة زاد للمصلحين .... يوم عرفة : ثورة الإنسان لإنتزاع حقوقه وحرياته

3 - وفي العشر الأوائل من ذي الحجة زاد للمصلحين
يوم عرفة : ثورة الإنسان لإنتزاع حقوقه وحرياته
بقلم : محمد أبوغدير المحامي
يوم عرفة عيد ليس للمسلمين فقط ولكن لكل الناس ، فهو عيد للمسلمين لأنه يوم مغفرة الذنوب والخطايا والعتق من النار، ويوم فيه يُباهي الله بأهل الأرض أهل السماء كما قال الصادق المصدوق (ص): ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ) (رواه مسلم)، وصومه يكفِّر السنة الماضية والباقية، وفيها يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر، وفيها التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح.
ويوم عرفة عيد للناس كافة لأن فيه صدر أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان ، لذلك قال يهودي في حضور عمر رضي الله عنه : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم آية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه ! فقال عمر : أي آية ؟ فقال" : اليوم أكملت لكم دينكم" . فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه ، والمكان الذي أنزلت فيه : يوم جمعة ، ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد .
ميثاق عالمي لحقوق الإنسان :
في هذا اليوم الجليل وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب عموم المسلمين المجتمعين معه في هذا الموقف المهيب ويخاطب العالم كله معلنا بيانا شاملا وضامنا لحقوق البشرية وحرياتها قبل صدور إعلان الأمم المتحدة بمئات السنين .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة الخالدة:” أيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، أيها الناس، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما كان منه عن طيب نفس منه، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، أيها الناس استوصوا بالنساء خيرا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجن جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله ، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد” .
وفي هذه السطور نتعرض لبعض نصوص هذا الإعلان لنفخر به من ناحية ، ونأسى ونتألم لما تدنت فيه الحقوق والحريات في ظل الطغاة الظالمين .
حق المساواة :
تضمن البيان حق المساواة ونبذ العنصرية والطبقية ، وإلغاء الفوارق بسبب الجنس والعرق واللون والثروة ، فقال صلى الله عليه وسلم في بيان وإحكام " : يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى" رواه أحمد .
وفور دخول الإسلام مصر منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ساد حق المساواة بين المصريين جميعا ، فيقتص عمر ابن الخطاب لابن القبطي من شخص عمرو بن العاص حاكم مصر ومن ابنه لان الأخير صفع ابن القبطي حال لعبهما معا ويقول عمر قولته المشهورة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .
ولقد ضاعت المساواة بين الناس في العالم الإسلامي ، فقد قسم الحكام الطغاة المستبدون شعوبهم إلى وطنيين وأجانب ، مؤيدوهم فقط هم المواطنون ومعارضوهم هم أجانب وأعداءهم ، فسلب الطغاة معارضيهم حق الحياة - كما في مصر وسوريا واليمن - فقتلوا بعضهم وانتهكوا حرياتهم فحبسوا جلهم بلا جريرة وحجروا على فكرهم وآرائهم فمنعت ظهورهم على الإعلاميات المرئية والمقروءة والمسموعة .
حرية اختيار الحاكم :
ويقرر إعلان يوم عرفة حرية الأمة في اختيار الحاكم ويبين منزلته ، فلا مانع أن يصعد عبدٌ حبشي إلى قمة الحكم في الدولة الإسلامية وإذا وصل فله السمع والطاعة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ ، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" .
والحاكم للامة كالروح للجسد فهو قائدها وخادمها ، يحرس أرضهم ويحفظ أمنهم ويحمي أموالهم ويصون حقوقهم وحرياتهم ، فالامة هي التي تختاره بالانتخاب الحر المباشر ، وهو بشر يخطئ ويصيب ومن ثم يؤيد ويعارض ، إن أحسن يعينوه وان أساء يقوموه ، ولا يخرجون عليه إلا إذا خرج هو على دستورهم أو أنقصهم حقوقهم ونال من حرياتهم .

حرمة الدماء والأموال والأعراض :
ولقد قرر بيان عرفة حرمة الدماء والأموال وأمر بحفظ حقوق النساء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" رواه البخاري ويقول أيضا": اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ" رواه مسلم .
وهذه الحرمة التي تثبت للمسلم بمقتضى إيمانه يثبت مثلها للمعاهد بمقتضى أمانه ، سواء أكان عهده دائما من خلال الذمة أم كان مؤقتا من خلال موادعة موقوته ويبلغ الأمر مبلغ القتال عن هؤلاء المعاهدين إذا اعتدى عليهم داخل ديار الإسلام .
وقد دخل الإسلام مصر ينشر رحمته على المصريين جميعا ، يرفع عنهم ظلم الرومان فيحقن دماءهم ويصون أموالهم ، ويضمن حرية العقيدة وممارسة الشعائر فلا يعتدي على رهبانهم ولا تكسر صلبانهم ولا تسلب أموالهم ، ومن ثم بهرتهم عدالة الإسلام وسماحته فدخلوا في دين الله أفواجا .
أما حين يحكم الطغاة المستبدون فالأمر غير ذلك ، فلا حرمة لدماء المخالفين لرأيهم أو المعارضين لحكمهم ، فقد سالت دماءهم واستبيحت حرماتهم ونهبت أموالهم وهدمت بيوتهم ، ولم تسلم المرأة الحرة من بطش الطغاة فقتلت حال خروجها مطالبة بحقوقها وحرياتها وانتهكوا عرضها ، وفي مصر من المضحكات المبكيات أن يقبض على تلميذات الابتدائية بتهمة حيازة رمز رابعة العدوية ويحكم عليهن بعقوبات قاسية .
معاناة البشرية في ظل المواثيق الدولية :
ولقد عانت البشرية ولا تزال من ضياع هذه الحقوق ، وإن الدول التي وقعت أول مرة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 م كانت هي الدول الاستعماريةالتي استعبدت الإنسان وقهرت الشعوب
ففي ذات العام الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قامت العصابات الصهيونية بطرد شعب من أرضه ووطنه لتؤسس دولة اعترف بها أدعياء الحقوق الذين لا يعترفون في الواقع إلا بحقوقهم هم ، ولم تعترف فرنسا سنة 48 بحقوق شعوب المغرب العربي ، ورفضت بريطانيا الإعتراف بحقوق الشعوب التي كانت تستعمرها .
وستنتصر القيم ويسقط الطغاة :
ورغم هذا البطش والطغيان ستظل قيم بيان يوم عرفة باقية وستصبح واقع بيننا ما بقي الأحرار - أطفالا وشبابا وشيوخا رجالا ونساء - يأبون المهانة ولا يرضون الظلم ، ولا يخشون إلا الله ، لأن الله كرمهم وفضلهم على سائر خلقه ، ثائرين لإنتزاع حقوقهم وحرياتهم من الطغاة الظالمين ، .
وقد روي عَن عبد الله بن عَمْرو ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ : " إِذا رَأَيْتُمْ أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول : إِنَّك ظَالِم . فقد تودع مِنْهُم "
وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق