الاثنين، 21 أبريل 2014

لا تحزن إن الله معنا بقلم : محمد أبوغدير المحامي


لا تحزن إن الله معنا


{ لا تحزن إن الله معنا }  التوبة 40

  هذه الجملة القصيرة ذات الكلمات القوية الشجاعة سجلها القرأن الكريم على لسان النبي الأمين صلى الله عليه وسلم يطمئن بها صاحبه الصدّيق ،  وقد لحق بهما الكفار وأحاطوا بهما من كل جانب ، بعد أن قال له لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا يا رسول الله، فسجل الله تعالى رد النبي :{ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }

وبذات قوة العبارة وفي حزم ، وبصدقها وفي عزم، وبصارمتها وفي جزم ، اقولها للمجاهدين الثابتين في الميادين المصرية بصدورهم العارية واياديهم المسالمة وقلوبهم المؤمنة ، واقولها للصقور الآحرار في السجون ، وللأطهار الأبرار المتهمين زورا وبهتانا ، واقولها لأسر الشهداء الثكالى والأرامل وللأطفال الابرار الأيتام :

 ما دام الله معكم فلا حزن ولا خوف ولا قلق، إنما السكينة .. والثبات.. والهدوء.. والطمئنينة، لأن الله معكم ،   لن تغلبوا، لن تهزموا ، لن تضلوا ، لن تضيعوا، لن تيأسوا ، لن تقنطوا .... لأن الله معكم  ،  فالنصر حليفكم، والفرج رفيقكم، والفتح صاحبكم، والفوز غايتكم، والفلاح نهايتكم .... لأن الله معكم  .

ليس هناك من هو أقوى قلبا من المجاهدين الثابتين في الميادين المصرية ، ولا أهدى منهم نهجا، ولا أجلّ منهم مبدأ، ولا أحسن منهم سيرة، ولا أرفع منهم قدرا .....لأن الله معهم  ، وما أضعف الأنقلابيين رغم دباباتهم ومدافعهم ، ما أذلّهم خصمنا رغم حكومتهم المغتصبة وسلطتهم المنهوبة ، ما أحقر من هان شعبه واذله وتحالف مع اعدائه ما أجبن من قاتلنا وواجبه حمايتنا ..... كل ذلك لأن الله مع المحسنين .

   وغدا - وإن غدا لناظره قريب - سوف ينتصر  الحق وتتحرر الأمة من طفيان العسكر وتثأر لشهدائها وتنعم بحقوقها وحرياتها ، ويسمع أهل الأرض روعة الأذان وكلام الرحمن ونغمة القرآن ..... لأن الله معهم.

الصلة بالله مفهومها ووسائل تقويتها وثمراتها إعداد : محمد أبوغدير المحامي



مقدمة

تحقيق الصلةُ باللهِ واجبة على الفرد والجماعة والأمةِ ، وتجديدُها وتقويتها لابدَّ منه من أجل النجاة والفوزِ في الدنيا والآخرة ، وتتحقق هذه الصِّلةِ وتتجدد بالقيامُ بجميعِ ما أمرَ اللهُ به , فالأمةُ إذا صدقت ربَّها في عباداتها وطاعاتِها ، والتزمت شريعَته نالتْ تأييدَه وفتحَه ونصره في الدنيا ، وحظيتْ برحمتِه وجنَّتِه في الآخرة . وكذلك الفرد المسلمُ إذا صفتْ سريرتُه وأحسنَ القيامَ بأوامر الله فإنه يفوز بمحبةِ الله سبحانه ، وله البشارةُ والعنايةُ من ربِّه .



المطلب الأول : مفهوم الصلة بالله وصفات الموصولون



الفرع الأول : مفهوم الصلة بالله:



أ - معنى الصلة لغة :

قال الجوهري : الوصل ضد الهجران ، والتواصل ضد التصارم ، والقطيعة تحصل بالهجران وعدم الإحسان وما شاكلهما من وجوه الصلة .



ب - مفهوم الصلة بالله:

هو التذكر الدائم لله عز وجل على كل حال وفي أي مكان وزمان, في المنشط والمكره, في الغنى والفقر, في الحزن والفرح, في الشّدة والرخاء, وساعة الفرج والكرب ، فالصلة تكون في جميع شؤون الحياة كلّها كما قال الله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين} [الأنعام : 162].



ج - الصلة بالله والإيمان به سبحانه :

وعلى قدر الإيمان الذي يوجد في القلب تكون صلتك بالله تعالى, كما قال الإمام ابن تيميه رحمه الله: "إذا نقصت الأعمال الظاهرة الواجبة؛ كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان, فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة, بل يلزم من وجود هذا كاملا وجود هذا كاملا, كما لزم من نقص هذا نقص هذا ...".

ويقول أيضا: "وإذا قام بالقلب التصديق بالله والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والباطنة فما يظهر على البدن من الأقوال والأفعال له أيضا تأثير فيما في القلب, فكل منها يؤثر في الآخر لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له والفرع يستمدّ من أصله, والأصل يثبت ويقوى بفرعه.



الفرع الثاتي : صفات الموصولون بالله وعلاماتهم:



أ - صفات الموصولون بالله :

قال علي : الموصولون بالله هم أهل الفضل, منطقهم الصواب, وملبسهم الاقتصاد, ومشيهم التواضع, غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم, ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم, لا يرضون من أعمالهم بالقليل, ولا يستكثرون منها الكثير, فهم لأنفسهم متهمون, ومن أعمالهم مشفقون .



أ - علامات الموصولون بالله :

وقال رضي الله عنه : ومن علامة أحدهم أنّك ترى: قوة في دين, وحزما في لين, و إيمانا في يقين, وحرصا في علم , وعلما في حلم, وقصدا في غنى, وخشوعا في عبادة, وتجملا في فاقة, وصبرا في شدة, وطلبا في حلال, ونشاطا في هدى, يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل, يمسي وهمه الشكر, ويصبح وهمه الذكر, يمزج العلم بالحلم, والقول بالعمل, قريبا أمله, قليلا زللـه, خاشعا قلبه, خاشعة نفسه, مكظوما غيظه, ميتة شهوته, الخير منه مأمول, والشر منه مأمون, يعفوا عمن ظلمه, ويعطي من حرمه, ويصل من قطعه, بعيدا فحشه, لينا قوله, غائبا منكره, حاضرا معروفه, مقبلا خيره, مدبرا شره, في الزلازل وقور, وفي المكاره صبور, وفي الرخاء شكور, نفسه منه في عناء, والناس منه في راحة.



المطلب الثاني : وسائل تقوية الصلة بالله :



الفرع الأول: أعمال القلوب ومنها:



أ – محبة الله تعالى :

ومحبة الله هي إيثار طاعة الله ورسوله على ما سواه بالتزام أمره واجتناب نهيه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل كبير وصغير وسلوك طريق المحبين والتحزب لأهل محبة الله ونصرتهم ومودتهم وصرف المحبة الإيمانية لكل محبوب لله والبعد عن كل ما يسخط الله وينافي محبته ، (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

مراتب محبة الله تعالى : المرتبة الأولى : كامل المحبة لله تعالى وهو من التزم السنن والواجبات واجتنب المكروهات والمحرمات. وهذا حال الأنبياء والأصفياء من هذه الأمة ، المرتبة الثانية: مقتصد المحبة لله تعالى وهو من اقتصد في عمله فواظب على الواجبات وترك المحرمات ولم يتزود من الصالحات. وهذا حال عامة الصالحين ، المرتبة الثالثة: ناقص المحبة لله تعالى وهو من قصر في فعل الواجبات وارتكاب المحرمات وأسرف على نفسه بالسيئات. وهذا حال أهل الغفلة والهوى من هذه الأمة.

أسباب المحبة لله عز وجل : 1- إخلاص القصد لله في العبادة ، 2- تلاوة كلام الرحمن والتدبر في معانيه ، 3- الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار ، 4- المواظبة على الصلوات الخمس في بيوت الله ، 5- الإنفاق وبذل المال في مرضاة الله ، 6- ملازمة حلق العلم ومجالس الإيمان ، 7- مصاحبة الصالحين والبعد عن الفاسقين ، 8- الإحسان إلى الخلق والنصح لهم ، 9- الصبر والاحتساب على الأقدار المؤلمة والرضا بها.

موانع تمنع المحبة وتضعفها : 1- الرياء وإرادة الدنيا في عمل الآخرة ، 2- هجر كلام الرحمن والجفاء منه ، 3- إضاعة الفرائض والتهاون في فعلها ، 4- الغفلة عن ذكر الله ، 5- الشح بالمال ومنعه عن المحاويج والفقراء ، 6- الاشتغال بالمعاصي والملاهي الموجبة لسخط الله ، 7- مصاحبة أهل الغفلة والفساد. 8- حب النفس وترك النصح للخلق ، 9- التسخط والتضجر من الرزايا والمصائب.



ب - الخوف والخشية من الله تعالى :

الخوف من الله هو : أن يوقف العبد نفسه عند محارم الله، تاركاً لها، مجافياً لطرقها ومسالكها، لكن أن يحصن العبد نفسه بالفقه والعلم، أو بمجالس العلم، أو بالأخوة الصادقة وغيرها من أعمال البر التي تبعد عن الغواية فحالته حينها هي الخشية.

الخوف من الله تعالى مقامان: الخوف من عذابه وهو خوف عامة الخلق وهو حاصل بالإيمان بالجنة والنار ويضعف هذا الخوف بسبب ضعف الإيمان أو قوة الغفلة. وزوال الغفلة يحصل بالتذكر والتفكر في عذاب الآخرة ويزيد بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم أو سماع أخبارهم والمقام الثاني الخوف من الله تعالى وهو خوف العلماء العارفين.. {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30]..

والخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله – تعالى - فتراهم يؤدون حقوق الله، وهم خائفون وجلون من عدم قبولها، وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: ((لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبَل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات))؛ رواه الترمذي.

يخاف العبد من ستة أمور: الأول: يخاف العبد من ربه ألا يقبل منه عملاً، الثاني: أن تخاف من الملائكة أن تكتب عليك سيئات لم تستغفر منها؛ الثالث: أن يخاف من سوء الخاتمة، الرابع: أن تكون على خوف من هجوم ملك الموت عليك فجأة، الخامس: أن يكون فيه أموالك حرام،



جـ - التوكل على الله تعالى :

التوكل على الله عبادة الصادقين وسبيل المخلصين ، أمر الله تعالى به أنبياءه المرسلين، وأولياءه المؤمنين، قال رب العالمين: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِير} وقال :{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وأمر به المؤمنين:فقد قال الله تعالى في سبعة مواضع من القرآن :{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}

التوكل لا ينافي أخذ الأسباب : فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ -لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» [سنن الترمذي]ويجب أن تتخذ الأسباب ولو كانت ضعيفة في نفسها لأن الله لما أراد أن يطعم مريم وهي في حالة وهن وضعف أمرها أن تهز جذع النخلة ، ومع ذلك لا يعتمد على الأسباب وإنما يكون الاعتماد على الله تعالى.

كيف يمكن للمرء أن يستشعر حقيقة التوكل؟ : وتأتي الإجابة في قول حاتم الأصم، حين سأله رجل: (علام بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟)، قال: (على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه) ، والتوكل كما قال ابن القيم: نصف الدين و النصف الثانى الإنابة ، فإن الدين استعانة و عبادة ، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة ، و قال أيضاً : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم ، و قال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان



الفرع الثاني: أعمال العقل والفكر :



أ - ذكر الله تعالى:

وكذلك يحتاج المسلم في عدته الإيمانية الروحية إلى الذكر وقد قال تعالى: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال الله - تعالى -: ﴿ وَلَذِكُر اللهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45] ، وقال تعالى: ﴿ وَاذكُروا الله كَثِيراً لَعَلَّكم تُفْلِحونَ ﴾ [الجمعة: 10] ، وقال تعالى: ﴿ وَاذكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَولِ بالغُدُوِّ والآصَال، وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].

وليعلم المسلم أن حقيقة الذكر ليست باللسان بل لابد أن ينشأ أولاً في الشعور والوجدان ثم يفيض على اللسان مناجاة وحمدًا وتسبيحًا وتنزيهًا فحينئذٍ يكون المسلم من الذاكرين حقًا الذين أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا ، وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، مثل الحي والميت". [رواه البخاري].



ب - مطالعة الأسماء الحسنى والصفات العلى وآثارها:

إن مطالعة الأسماء الحسنى ومعانيها، والصفات العلى وآثارها، مما يهذب النفس، ويجدد الإيمان في القلب، ويوثق الصلة بالله - تعالى ، وقد جاء في القرآن الكريم قول الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].

وجاء في السنة الثابتة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)). [رواه البخاري ومسلم].

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله : "لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب - جل جلاله - ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان".



ج - محاسبة النفس:

قال ابن القيم (إغاثة اللهفان 1\136): ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل ونوع بعده ، فالأول أن يقف عند أول همه وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.

قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبدا وقف عند همه فإذا كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر. النوع الثاني : وهو محاسبة النفس بعد العمل وهو أنواع ثلاثة: الاول : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي ،والثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خير له من فعله ، والثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ أو أراد به الدنيا؟



د - ذكر الموت والدار الآخرة وقصر الأمل:

فقد جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيلٍ" ، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". [رواه البخاري].

فلا ينبغي أن يغفل المسلم عن ذكر دار مستقره في الآخرة، وعن أنه راحل عن الدنيا، فلا تعتريه الغفلة وهو في سكرة الدنيا والأموال والتجارة غافلًا ناسيًا، وقد بين الله ذلك في كتابه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت". [رواه الترمذي.

وعن قصر الأمل وأن الموت لا محالة منه ولا فرار، فلا بد من الاستعداد له، قال تعالى: ﴿ يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمَوالكُم ولا أَولادكُم عَن ذِكرِ اللهِ * ومن يَفعَلْ ذلِكَ فَأُولَئِكَ هم الخاسِرُونَ * وأنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبلِ أَن يأتِي أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرْتَني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وأَكُنْ مِنَ الصَّالحِينَ * ولن يُؤَخِّرَ الله نَفساً إذَا جَاءَ أَجَلُهَا واللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11] وقال أيضا وقال تعالى: ﴿ حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلِّي أعمَلُ صَالحاً فِيما تَرَكتُ كَلاَّ إنَّهَا كَلِمَةٌ هو قَائِلُهَا وَمِن ورَائِهم بَرْزَخٌ إلى يَوْم يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100]. كما قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُم يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عنِ النَّارِ وأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وما الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].



الفرع الثالث: أعمال الجوارح ومنها:



أ - إقامة الصلاة بأركانها وخشوعها:

إن الصلاة عماد الدين، فهي تربي المؤمن على مراقبة الله تعالى له في كل حركاته وسكناته، بها تمحى ذنوبه، وتزوده بطاقة روحية تعينه على مواجهة الشدائد والمحن، وتقوي الصلة بين العبد وربه، : «أقرب ما بكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فاكثروا الدعاء». أخرجهمصداقا لقوله الإمام مسلم. إن الصلاة هي خضوع المسلم لله تعالى أثناء إقامتها، وانقياده له، مما يكون له أثر كبير على سلوك الفرد.

ليس المقصود من الصلاة أداؤها فحسب فإقامة الصلاة تشمل القيام بشروطها وأركانها وخشوعها والمحافظة على أوقاتها ومراعاة سننها وآدابها ، وكلما أتقن المسلم ما سبق كانت صلاته أقرب إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، القائل (وصلوا كما رأيتموني أصلي ) ، فهذا الاقتداء كما هو شامل لصفة الصلاة الحسية ، فهو شامل أيضاً للإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في خشوعه وطمأنينته في صلاته .

والصلاة من صفات المتقين قال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1-3] ، وهي طريق لتهذيب النفس والأخلاق، وحفظها عن الفواحش والدنايا والمحرمات، كما أخبرنا تعالى في كتابه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45] ، وهي كذلك من أعظم ما يذهب السيئات والخطايا عن الإنسان، فقال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].



ب - تلاوة القرآن وتدبره:

القرآن كلام الله رب العالمين وهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، وهو الذكر المبارك والنور المبين، ألقاه على جبريل الأمين فنـزل به على قلب محمد  ؛ ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، من عَلِمَ علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، ويهدي للتي هي أقوم، وهو هدى للمتقين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، محفوظ من التغيير والتبديل

أن أفضل الذكر تلاوة القرآن وذلك لتضمنه لأدوية القلب كما قال الله - عز وجل -: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82] ، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57] ، وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه" [رواه مسلم].

وأن تفهم القرآن وتدبره هو المقصود الأعظم ، والمطلوب الأهم من التلاوة. فبه تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب. قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن)[النساء:82] وقال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) [ص:29] ، روى أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ.



جـ - قيام الليل:

قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، قيام الليل من أعظم الزاد والبناء الإيماني في قلب المسلم وهو من أول ما أمر الله به نبينا عليه الصلاة والسلام يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ [المزمل: 1-4] وقال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).

وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا، يا رسول الله، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً". [متفقٌ عليه]. فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].

وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.



د – الزكاة والصدقة:

الزكاة والصدقة من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله -عز وجل-؛ قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (سورة آل عمران، الآيتان: 133-134) ، قال الله تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [سورة إبراهيم: 31] ، وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة التغابن: 16].

ومن فضل الزكاة الفوز بالقرب من رحمة الله قال سبحانه: "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للدين ينفقون و يؤتون الزكاة" ، وان الله يعين المتصدق على الطاعة ويهيئ له طرق السداد والرشاد وقال سبحانه: "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى" ، ومنها التطهير من دنس الذنوب و الأخلاق و الرذيلة، قال صلى الله عليه وسلم : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" ، والصدقة سبب من أسباب المعية الخاصة لان المتصدق محسن " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" ، والصدقة برهان على إيمان صاحبها قال صلى الله عليه وسلم : " الصدقة برهان" .

والصدقة والزكاة تطفيء عن أهلها حر القبور كما في الحديث "إن الصدقة لتطفيء عن أهلها حر القبور" ، ( انها تدفع ميتة السوء كما في الحديث "ان الصدقة تطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء" ، والمتصدق يكون في ظل الله يوم القيامة كما في الحديث "انما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته" ، وانها تزيد العمر ويذهب الله بها الكبر والفخر كما في الحديث "ان صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ويذهب بها الكبر و الفخر" ، ان الصدقة حجاب من النار لمن احتسبها كما في الحديث " انها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله عز وجل"



هـ - الاهتمام بالأذكار والأوراد والنوافل:

إن الله سبحانه يقول لأقرب عباده إليه وأرفعهم درجة لديه: )إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا (، وقال تعالى: )وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود(، وقال تعالى: )واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا(. والطريق إلى الله سبحانه هو مراقبة الأوقات وعمارتها بالأوراد على سبيل الدوام . أخرج الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي: وقال ابن حجر في التلخيص صححه الحاكم وسكت عليه، عن ابن أبي أوفى t: أن الرسول r قال: "خيار عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر والأهلة لذكر الله". يعني المؤذنين الذين يهتمون بالصلاة وأقاتها.



و - الاهتمام بإزالة العوائق :

إن الطريق إلى الوصول إلى الله شاق ، والنفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب ويحتاج السالك الى تهذيب الأخلاق وترويضها وقطع الآفات والاشتغال بتنقية الطريق وتنظيفها من العوائق ،

ومن العوائق التلطخ بالمعصية , وقد نبه السلف إلى هذه القضية فقد قال الضحاك: "ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب" ثم قرأ: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير(

ومن العوائق: التوسع في المباحات: فقد يكون التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها هو السبب

ومن العوائق مشاهدة ذوي الأسوة على حال من التفريط فبعض الشباب ينظر إلى بعض ذوي الأسوة أنه نمط فريد من الناس ولا يمكن أن يقع منه تفريط أو تقصير وحين يطلع منهم أو من بعضهم على شيء من التفريط فإن هذه النظرة قد تحمله على محاكاتهم .

ومن العوائق: كثرة الواجبات والأعباء، ففي زحمة العمل وإلحاح الأعباء والواجبات قد يهمل الصلة بالله أو قد يضيق عليه الوقت بذلك .

ومنها عوائق ظن العبد بأنه بلغ الكمال فترك نفسه ومحاسبتها ، عوائق كثرة الواجبات والأعباء، ففي زحمة العمل وإلحاح الأعباء والواجبات قد يهمل الصلة بالله أو قد يضيق عليه الوقت بذلك ، عوائق التسويف المهلك



المطلب الثالث : ثمار الصلة بالله



الفرع الأول : انشراح الصدر وطمئنيه وسعادة القلب:

من ثمرات الصلة القوية بالله أن يكون المرء مطمئن القلب منشرح الصدر صابرًا محتسبًا راضيًا بقضاء الله وقدره، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، سعيد مهما أصابته ضراء أو تعرض لفتن أو الم ، قال تعالى: ) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وقال تعالى أيضا (الرعد:28) {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وقال تعالى أيضا: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48.

وقوة الصلة بالله تجعل المؤمن طائعا لله عاملا بأحكام شريعته ومن ثم فلهو الحياة الطيبة قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/ 97 ، وفي كتاب الله الشفاء لأمراض النفوس، وضيق الصدور، وكروب القلوب، بل وشفاء لعلل الأجساد وأمراض الأبدان قال تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"[الإسراء: 82 وفي الصلاة الطمئنينة والراحة فكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ). رواه الإمام أحمد والنسائي ، وعنها قال صلى الله عليه وسلم: ( أَرِحْنَا بِهَا يَا بلال) رواه الإمام أحمد وأبو داود.



الفرع الثاني : الدافع الذاتي وعلو الهمة :

الصلة بالله تربي في صاحبها العمل والانطلاقة الذاتية دون أن ينظر لأوامر أو ضغوط خارجية بل بالاندفاع النفسي وتربي فيه السير الذاتي إلى الهدف المنشود ، والموصول بالله يحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة ، ويستشعر مراقبة الخالق قبل محاسبة الخلق ، الموصولون بالله يتحمسون لفعل الخير، ويسعون إليه ويحرصون على ألا يفوتهم شيء من ذلك ، ويتذوق حلاوة الشعور بالسعادة عندما يصلحون أنفسهم بطاعة الله ويسعدون غيرهم بتقديم الخير

والموصول بالله يصدق فيه قول الله تعالى : قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر/ 9) ، ويضع نصب عينيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أغني عنك من الله شيئاً ويا فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً " رواه البخاري ومسلم . عن أبي حازم الأشجعي قال: قال رسول الله (ص) "من أصبح منكم اليوم صائماً؟"، قال أبو بكر (رض): أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة" قال أبو بكر (رض): أنا، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً" قال أبو بكر (رض): أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟"، قال أبو بكر (رض): أنا، فقال رسول الله: "ما إجتمعن في إمرئ إلا دخل الجنة".

والموصول بالله ذو همة عالية في كل موقف وعلى كل أحواله ، يضع نصب عينيه قول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[ سورة آل عمران: 102] و قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [ سورة الحج : 78] ، فيراقب الله قبل أن يعطي وقبل أن يأخذ وقبل أن يتكلم ، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، وحال الرضى والغضب ، ويتساءل ما موقفي من الله يوم القيامة ؟ يتصور دائماً أن الله يسأله: لِمَ فعلت هذا، لمَ ابتززت مال فلان ؟ لمَ كذبت على فلان ؟ لمَ غششت فلاناً ؟ لمَ طلقت زوجتك ؟ لمَ أهملت أولادك ؟ المؤمن لا يكون عالي الهمة إلا إذا تصور في كل ثانية أن الله سيسأله وسيحاسبه، لذلك من خاف الله في الدنيا أمِّنه الله يوم القيامة، ومن أمِن الله في الدنيا أخافه يوم القيامة.



الفرع الثالث : الثبات عند المحن والشدائد :

وقوة الصلة بالله تجعل المسلم عاملا مجاهدا في سبيل غايته، مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين: فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية تنفيذا لقوله تعالى : )من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا( الأحزاب - 23.

قوة الصلة بالله تدفع على الثبات في الفتن الاضطهاد والطغيان والظلم: قال تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )

وتدفع على الثبات في الجهاد وعند لقاء العدو : قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا" (الأنفال: 45)، وقال الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ"(آل عمران:142 - 143). وقوله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الأنفال: 45



الفرع الرابع : بناء الشخصية المعتدلة المتوازنة :

صلة الإنسان القوية بالله تعالى هو المرتكز الأكبر في شخصيته ، وهي المقياس الذي يحدد مدى استعداد الإنسان المؤمن بالله لتحقيق الاعتدال والتوازن الشخصي بين الدنيا والآخرة ، وبين الحاجات الجسدية والعقلية والنفسية ، وفي السلوك والممارسات والمواقف ، وبين الفرد والمجتمع ، فقد دعا القرآن الإنسان إلى أن يوازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة بل جعل الله الدنيا طريقاً إلى الآخرة، فليس هناك فصل بين عمل الدنيا وعمل الآخرة حيث قال الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا .)

وإلى جانب دعوته إلى إشباع حاجات الجسم المادية والغريزية من الطعام والشراب والجنس والراحة ، دعا وبعناية فائقة إلى احترام العقل، وتلبية حاجاته العقلية من العلم والمعرفة ، وفسح المجال أمام عمليات الفكر والتفكير المنتج ، وأن يحمل الأحاسيس والمشاعر الوجدانية والعواطف الإنسانية من الحب والكراهية والرضا والسخط والإحسـاس بالكرامة والقيم الاعتبارية .

وفي مجال تنظيم السلوك في اتجاهاته المختلفة، فدعا إلى الانفق المعتدل، وتناول الطعام والشراب بشكل معتدل، وممارسة العمل والكسب والجنس والراحة والنوم بشكل معتدل ، لذا حرّم الاسراف والتبذير والتقتير، ودعا إلى عدم المبالغة في الحب والكراهية، وكره كثرة النم والبطالة، ودعا إلى الاعتدال في الكسب المادي وطلب المعيشة وعدم إرهاق الجسم .

قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...) (البقرة/ 143) وقال أيضا : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67) ، (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/ 77)، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر/ 9) ، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا...) (هود/ 112).

الأحد، 13 أبريل 2014

المبشرات بانتصار الإسلام الدكتور يوسف القرضاوي


تلخيص كتاب  ( المبشرات بانتصار الإسلام ) الدكتور يوسف القرضاوي

من اللازم أن نتحدث عن  مبشرات انتصار الإسلام ونشيعها بين المسلمين ؛ حتى نبعث الأمل المحرك للعزائم ، ونهزم اليأس القاتل للنفوس ، وهذه المبشرات كثيرة، والحمد لله ، بعضها مبشرات نقلية من القرآن الكريم ومن السنة النبوية ، وبعضها من التاريخ، وبعضها من الواقع ، وبعضها من سنن الله في الخلق ، وسنتحدث عن كل واحدة من هذه المبشرات في الصحائف التالية بما يفتح الله به .

ولا - المبشرات من القرآن الكريم :

جاء في القرآن الكريم الهادي والصراط المستقيم كثير من المبشرات بانتصار هذا الدين، وهي كما يلي:

1 - وعد الله بنصرة الإسلام:

في القرآن مما وعد به الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بنصرة الإسلام، وإتمام نوره ولو كره الكافرون، وإظهاره على كل الأديان ولو كره المشركون.

جاء في سورة التوبة قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ } .

يقول العلامة ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين: "يقول تعالى: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب: { أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ } أي ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، فكذلك ما أرسل به رسول الله لابد أن يتم ويظهر، ولهذا قال تعالى مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه: { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ } ، والكافر هو الذي يستر الشيء ويغطيه، ثم قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ } ، فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح، والعلم النافع، ودين الحق هو: الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } أي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أمتي ما زُوي لي منها" .

2 - وعد الله أمة محمد بالنصر والتمكين :

من المبشرات القرآنية قوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } .

يقول ابن كثير : "هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً وحكماً فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى، وله الحمد والمنة، فإنه لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن عض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس، وملوك عُمان، والنجاشي ملك الحبشة، الذي تملك بعد أصحمة رحمه الله وأكرمه.

ثم لما مات سول الله واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خلفيته أبو بكر لصديق رضي الله عنه فبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس ، فتحوا طرفاً منها، وجيشاً إلى أرض الشام ، وثالثاً إلى بلاد مصر وتوفاه الله عز وجل، واختار له ما عنده من الكرامة ، ومنّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قياماً تاماً ، لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته، وكمال عدله، وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَر كسرى، وأهانـه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر، وانتزاع يده عن بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله، عليه من ربه أتم سلام وأزكي صلاة.

وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى بلاد الصين وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وجبي الخراج من المشارق والمغارب.

وهذا الوعد الإلهي للمؤمنين وعد دائم ومستمر، وما تحقق في عهد الخلفاء الراشداين من نصر وتمكين يمكن أن يتحقق لمن بعدهم، فإن وعد الله تعالى لايتخلف، قال تعالى: { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } ، ووعد الله هنا مشروط بالإيمان وعمل الصالحات وعبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، قال تعالى: { يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } .

3 - قصص الرسل وعاقبة المؤمنين والمكذبين:

ومن المبشرات القرآنية ما قصه علينا القرآن من قصص الرسل والمؤمنين وأقوامهم ، ومخالفيهم من المشركين ، وكيف كانت العاقبة للرسول والذين آمنوا معه ، وكان الهلاك والدمار للذين تمردوا على الله وكذبوا المرسلين.

4 - وعد الله بنصر المؤمنين وإنجائهم والدِّفَاع عنهم:

ومن المبشرات القرآنية: وعد الله المؤمنين بالنصر والنجاة والدفاع والولاية والمعية.

على وجه العموم. إقرأ قوله تعالى: { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } . { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ } . { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } .

5 - وعد الله بإحباط كيد الكافرين ومؤامراتهم:

ومن المبشرات القرآنية: وعده سبحانه بإحباط كيد الكافرين، ومكرهم بالإسلام وأهله، وجهودهم الدائبة لإطفاء نوره؛ وأنه تعالى سيرد كيدهم في نحورهم، ويعيد سهامهم المسمومة إلى صدورهم. وهو جل شأنه لا يخلف الميعاد.

من ذلك قوله تعالى: {ِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } .

6 - فسوف يأتي الله بقوم يحبهم:

ومن المبشرات القرآنية: ما ذكره الله تعالى في سورة المائدة ، مهدداً المرتدين المارقين من الدين، بأنهم لن يضروا الله شيئاً، ولن ينهدم الدين بارتدادهم عنه، فقد تكفل سبحانه بأنه يدخر لهذا الدين جيلاً من المؤمنين الأقوياء يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.

7 - سنريهم أياتنا:

ومن المبشرات القرآنية قوله تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ } .وهذا وعد من الله تعالى، يبرز منه في كل زمـن ما نشهده بأعيننا، وما نسمعه بآذاننا، وما نحسه بقلوبنا.

ومن جملة ذلك: ما نراه في عصرنا من دراسات أهل العلم الطبيعي والرياضي، لبيان أوجه جديدة للإعجاز العلمي في القرآن الكريم وبعض هذه الدراسات نظرات جيدة وعميقة اعترف بها عدد من غير المسلمين.

ثانياً - المبشرات من السنة النبوية :

وفي السنة النبوية والسيرة النبوية: مبشرات كثيرة وفيرة ولكن المسلمين في عصور التراجع والتخلف أغفلوها ونسوها، ولم يذكروا إلا أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وكل هذه المبشرات إخبار بمستقبل الإسلام ، وأن الغد له ولأمته، أخبر بها من لا ينطق عن الهوى. وسنذكر أهم هذه المبشرات :

1 - انتشار الإسلام في العالم كله:

من هذه المبشرات : ما رواه تميم الداري قال: سمعت رسول الله يقول: "ليبلغن هذا الأمر ( يعني أمر الإسلام ) ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر" .

ومعنى بلوغه ما بلغ الليل والنهار: انتشاره في الأرض كلها، حيث يبلغ الليل والنهار، ودخول هذا الدين الحواضر والبوادي ، فالحواضر هي التي بيوتها من مدر (أي من حجر)، والبوادي هي التي بيوتها من وبر وشعر، وسيدخل الإسلام جميعها، وبهذا يتحقق وعد الله تعالى في كتابه : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } وذلك في ثلاث آيات : في التوبة: 33، وفي الفتح: 82، وفي الصف: 9.

ومعنى ظهوره على الدين كله، غلبته على جميع الأديان ، ولا زلنا ننتظر هذه البشارة، ولن يخلف الله وعده.

وأكد هذه البشارة: ما رواه المقداد بن الأسود، قال: سمعت رسول الله يقول: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز، أو بذل ذليل.." الحديث.

2 - دعوة الإسلام إلى أوروبا وفتح رومية:

ومن هذه المبشرات ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي قبيل قال:  كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص وسئل: أيْ المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله : أي المدينتين تفتح أولاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال: "مدينة هرقل تفتح أولاً" .

ورومية هي: روما عاصمة إيطاليا الآن، والقسطنطنية هي: استانبول الآن، يفهم من السؤال أن الصحابة كانوا قد علموا قبل ذلك أن الإسلام سيفتح المدينتين، ويدخل أهلهما في دين الله، ولكن يريدون أن يعرفوا: أيّ المدينتين تسبق الأخرى، فأجابهم أن مدينة هرقل - وهي القسطنطنية - ستفتح أولاً.

وقد تحقق ذلك على يد الفتى العثماني الطموح (محمد بن مراد) ابن الثالثة والعشرين ، والذي عرف في التاريخ باسم (محمد الفاتح)، وفتحت (مدينة هرقل) في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، وبالتحديد: في يوم الثلاثاء 20 من جمادى الأولى سنة 857 - 29 أيار (مايو) سنة 1453. وبقي الجزء الثاني من البشرى: فتح رومية، وبه يدخل الإسلام أوروبا مرة أخرى بعد أن خرج منها مرتين: مرة من الأندلس، ومرة من البلقان.

3 - اتساع دولة الإسلام في المشارق والمغارب:

ومن هذه المبشرات ما رواه مسلم وغيره عن ثوبان قال: قال رسول الله : "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها،وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض.." الحديث .

ومعنى (زوى لي الأرض): أي قبضها، وضمها وجمعها له عليه الصلاة والسلام حتى يراها جملة واحدة.

وهذا الحديث يبشر باتساع دولة الإسلام حتى تشمل المشارق والمغارب، أي: الأرض كلها، فإذا كان حديث تميم الداري، وحديث المقداد السابقان يؤذنان بانتشار دعوة الإسلام، وعلو كلمة الإسلام، فهذا الحديث يبشر بقوة دولة الإسلام واتساعها، بحيث تضم المشارق والمغارب، التي رآها النبي ، وبهذا تلتقي قوة الدعوة، وقوة الدولة، وبعبارة أخرى: قوة القرآن وقوة السلطان، وفي هذا من الخير ما فيه.

4 - الرخاء والأمن وفيض المال:

ومن هذه المبشرات: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله أنه قال: "لاتقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً" وزاد أحمد في روايته: "حتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق".

ومنها: ما رواه أبو هريرة أيضاً عن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يُهم ربَّ المال من يقبل منه صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي" .

يؤكده حديث أبي موسى مرفوعاً "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب! ثم لا يجد أحداً يأخذها منه" .

وهذا كله دليل على ظهور الرخاء ورغد العيش، وزوال الفقر من المجتمع، بحيث لا يوجد فيه فقير يستحق الصدقة أو يقبلها. وهذا من بركات عدل الإسلام، وأثر الإيمان والتقوى في حياة الناس، كما قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} .

5 - عودة الخلافة على منهاج النبوة:

ومن هذه المبشرات : ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن الرسول قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جَبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" ثم سكت؟ .

والملك العاضّ - وفي رواية: العضوض - هو الذي يصيب الناس فيه عسف وظلم كأنه له أنياباً تعض. أما مُلْك الجَبرية فهو القائم على الجبروت والطغيان، أشبه بالحكم العسكري المستبدّ في عصرنا. فهذا الحديث يبشر بانقشاع عهود الاستبداد والظلم والطغيان، وعودة: الخلافة الراشدة، المتبعة لمنهاج النبوة في إقامة العدل والشورى، ورعاية حدود الله وحقوق العباد.

6 - الانتصار على اليهود:

ومن هذه المبشرات: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: "تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، ثم يقول الحجر: يامسلم، هذا يهودي ورائي،فاقتله" .

فهل ينطق الحجر والشجر بلسان المقال آية من آيات الله، وما ذلك على الله بعزيز أوينطقان بلسان الحال؟ بمعنى أن كل شيء يدُل على اليهود، يكشف عنهم.

وأياّ كان المراد، فالمعنى أن كل شيء سيكون في صالح المسلمين، وضد أعدائهم اليهود، وأن النصر آتٍ لا ريب فيه، وأن أسطورة (القوة التي لا تقهر) التي يشيعها اليهود لن تستمر، وأن الذين اغتصبوا فلسطين بقوة السلاح، وسلاح القوة، سيخذلهم الله، الذي يملي للظالمين، ثم يأخذهم أخذاً أليماً شديداً، ولن تغني عنهم ترسانتهم النووية التي يُدِلون بها، كما لم تغن حصون أسلافهم من بني النضير عنهم شيئاً، حين جاءهم بأس الله الذي لايُرد عن القوم المجرمين، كما قال تعالى في شأنهم:{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ } .

7 - بقاء الطائفة المنصورة:

ومن هذه المبشرات: ما رواه عدد من الصحابة رضي الله عنهم، مثلما رواه معاوية عنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس" .

ومعنى هذا الحديث: أن الخير سيستمر في هذه الأمة، وأنها لا تخلو من قائم لله بالحجة، ومن ناصر للحق، مستمسك به، حتى تقوم الساعة، وأن هذه الطائفة المنصورة باقية حتى يأتي أمر الله، وإن أصابها ما أصابها من لأواء وأذى.

يؤكد هذا ما رواه أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله : "إن الله أجاركم من ثلاث خلال: ألاّ يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً، وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وألا تجتمعوا على ضلالة" .

8- ظهور المجددين في كل قرن:

ومن هذه المبشرات: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها دينها" .

وكلمة (من) في الحديث تشمل (المفرد) كما قالوا عن عمر بن عبدالعزيز والشافعي والغزالي، كما تشمل الجمع، كما ذهب إليه بعض الشراح، فقد يكون المجدد جماعة دعوية أو تربوية أو جهادية، وهنا يكون سؤال المسلم: ما دوري في حركة التجديد؟ بدل أن يكون كل همه انتظار ظهور المجدد، وهو لا حول له ولا قوة !

ثالثاً - مبشرات من التاريخ :

وحسبنا من مبشرات التاريخ عامة وتاريخنا خاصة الذي يبدأ بسيرة النبي حقيقتان كبيرتان في غاية الأهمية في موضوعنا الذي نبحث .

الحقيقة الأولي: أن النصر لا يأتي من عند الله إلا عندما يكون الناس أحوج شيء إليه، وعندما يبرأ الناس من حولهم وقوتهم، ويلوذون بحول الله تعالى وقوته، وعندما تغلق الأبواب في وجوههم إلا بابه، وتنقطع الأسباب دونهم إلا أسبابه، هناك يدعون دعاء المضطرين، ويلجؤون إليه لجوء المفتقرين. وهو سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه، ولا يخيب من افتقر إليه ورجاه.

وقد قص علينا القرآن كيف نصر الله رسوله في هجرته إلى المدينة وبأي جند نصره. يقول تعالى: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

ورأينا ذلك النصر في يوم بدر، فقد خرجوا من بيوتهم للعير لا للنفير، فلم يكن القتال في نيتهم، وفي هذا يقول القرآن: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } .

ومع هذا كان النصر للمؤمنين، حين استغاثوا بالله فأغاثهم: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

وكان الرسول يدعو ربه في ذلك اليوم، ويلح في الدعاء يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تَهْلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض"!! وما زال يدعو حتى سقط الرداء عن منكبيه، وأبوبكر يقول له: والله يارسول الله لينصرنك الله، وليبيضن وجهك! .

وهكذا نجد أن نصر الله تعالى يتنزل على عباده المؤمنين، حين تضيق بهم الحيل وتخذلهم أسباب الأرض، فيمدون أكفهم إلى السماء.

وهذا أمر ثابت في تاريخ الرسالات كلها، وفي تاريخ الرسل جميعاً، كما بين ذلك القرآن في قوله في أواخر سورة يوسف:{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ } .

الحقيقة الثانية: التي عرفناها من تاريخنا: هو المخزون النفسي والروحي الكبير، الذي تدخره الأُمة، ولا يبرز إلا في المحن والخطوب.

إن التاريخ يحدثنا أن في الإسلام (قوة ذاتية) مخبوءة، لا تبرز إلا عند حلول الشدائد بساحته، وإحاطة المحن بأمته.

فهناك نراه أصلب ما يكون عوداً، وأعظم ما يكون صموداً، وأشد ما يكون قوة، وأقدر ما يكون على تفجير الطاقات المكنونة لأمته، وإبراز ما خبيء قوته وقدرته، فإذا هو يقاوم فيصمد، بل يغالب فيغلب وإذا الضعف الظاهر الذي أطمع الناس قد استحال إلى قوة، بل إلى قوة قاهرة منتصرة.

أ – في فجر تاريخ الإسلام :

رأينا ذلك في فجر تاريخ الإسلام: في يوم بدر، حيث انتصرت القلة على الكثرة، والضعف المادي على القوة، وامتن الله على المؤمنين بقوله:{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

ب – في حروب الردة :

ورأينا ذلك بعد وفاة رسول الله ، وقد ارتدت قبائل العرب - فيما عدا المدينة ومكة والطائف - وظهر أدعياء النبوة وانضم إليهم مانعوا الزكاة، الذين أقروا بالصلاة ولم يقروا بالزكاة، وكانت فتنة عارمة، ومحنة قاسية، جعلت بعض الصحابة يقول لأبي بكر رضي الله عنه : يا خليفة رسول الله؛ لا طاقة لك بحرب العرب جميعاً، إلزم بيتك، وأغلق بابك، واعبد ربك، حتى يأتيك اليقين!!

ولكن أبا بكر الرجل الرقيق البكاء أبى أن يستسلم، وثبت كالطود، وزأر كالليث، وجهز أحد عشر جيشاً لحرب المرتدين ومانعي الزكاة، ولما ناقشه عمر في مقاتلة مانعي الزكاة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: (لا إله إلا الله) فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" . وهنا قال له أبو بكر رضي الله عنه في يقين وقوة: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة: فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (عنزة صغيرة) - وفي رواية: عقالاً - كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه.

وقامت معارك بين الصحابة على قلّتهم وبين المرتدين ومانعي الزكاة على كثرتهم انتهت بانتصار المؤمنين على المارقين الذين رجعوا إلى حظيرة الإسلام تائبين مستغفرين، وعادت جزيرة العرب حصناً ومعقلاً للإسلام، على امتداد القرون.

ج – في الحروب الصليبية :

وظهرت القوة الكامنة في الإسلام مرة أخرى، حين زحف عليه الغرب النصراني بقضه وقضيضه، وثالوثه وصليبه، في تسع حملات شهيرة عرفت باسم الحملات الصليبية.

ساعده على ذلك غفلة المسلمين، وغرق حكامهم في الشهوات فلا غرو أن ينتصر الصليبيون في أول الأمر، وأن يقيموا ممالك وإمارات في ديار الإسلام، بالتعاون مع الخونة من الأمراء، وأن يدخلوا بيت المقدس، بعد مذبحة قتل فيها عشرات الألوف، وجرت الدماء للركب. وبقي الصليبيون في الشام نحو مائتي عام، وبقي بيت المقدس في أيديهم تسعين سنة كاملة.

ثم هيأ الله للإسلام رجالاً صمموا على أن يقاوموا العدوان، وأن يستردوا الأرض المغتصبة، ويستعيدوا الحق السليب، فكان عماد الدين زنكي، وابنه البطل نور الدين محمود الشهيد، والقائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، الذي كتب الله له النصر على الصليبيين في معركة (حطين) الشهيرة.

وكان هذا دليل على أن الأمة الإسلامية قد تنام، وقد تمرض، ولكنها لاتموت، مادام يجري في عروق أبنائها دم العقيدة، وما دام فيها من يقودها بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

د - في حروب التتار:

وكما تعرض الإسلام للغزو من الغرب على أيد الصليبيين الأوروبيين النصارى تعرض للغزو من الشرق على أيدي التتار الوثنيين. الذين هجموا على بلاد الإسلام كالريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.

زحفوا على عاصمة الخلافة العباسية بغداد دار السلام، وأرقى بلاد الإسلام، فسقطت تحت ضرباتهم وبمعونة من خان ممن ينتسبون إلى الإسلام، وسالت الدماء أنهاراً، واسود نهر دجلة من كثرة ما ألقي فيه من كتب الحضارة، التي سال مدادها، حتى أحالت ماء النهر أسود حالكاً.

ولم تكد تمضي سنوات، حتى تحققت معجزة الإسلام مرتين؛ انتصر الإسلام على التتار عسكرياً، في معركة (عين جالوت) بقيادة القائد المملوكي الصالح سيف الدين قطز.

وانتصر الإسلام مرة أخرى معنوياً، فإذا هؤلاء الجبابرة الذين غزوا الإسلام يغزوهم الإسلام، وإذا سيف الغازي المصلت يسقط أمام تأثير العقيدة الإسلامية العزلاء، وإذا الغالبون يدخلون أخيراً في دين المغلوبين!! على خلاف ما هو معروف ومألوف، وهو ما قرره ابن خلدون أن المغلوب هو المولع دائماً بتقليد الغالب المنصور..

هـ - حروب التحرير في العصر الحديث :

وفي العصر الحديث، رأينا الجهاد البطولي، ضد الغزاة المستعمرين، في سائر ديار الإسلام: جهاد الأمير عبدالقادر الجزائري ضد الفرنسيين في الجزائر، والأمير عبدالكريم الخطابي ضد الأسبان في المغرب، والبطل عمر المختار ضد الطليان في ليبيا، والشيخ عز الدين القسام ضد الإنجليز واليهود في فلسطين، مروراً بثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، ومعارك فلسطين ضد الصهاينة، والقناة ضد الإنجليز.

كما اعترف المؤرخون الغربيون أنفسهم - أمثال برنارد لويس في كتابه (الغرب والشرق الأوسط) - أن الحركات الدينية كانت هي قائدة معارك التحرير في سائر البلاد الإسلامية ضد الاستعمار، حتي حركة كمال أتاتورك نفسها، ولكن المؤسف أن الإسلاميين يزرعون والعلمانيين هم الذين يحصدون، إنهم لصوصمدربون على سرقة ثمار الجهاد وثورات المجاهدين!

رابعاً - مبشرات من الواقع :

ومن قارن بين حال الأمة منذ قرن مضى، وحالها اليوم، بل من استقرأ حالها منذ خمسين سنة، أوثلاثين سنة، وتأمل حالها في هذين العقدين من الزمان، سيجد أن أوضاعها تغيرت - إلى حد كبير - إلى ما هو أحسن وأمثل. وهذا أمر يلاحظه ويشهد به كل مراقب يقظ للأحداث، في كل جانب من جوانب الحياة، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، الفكرية والأخلاقية والسلوكية.

1 – الإقبال على الإسلام والالتزام به بين المسلمين :

وتكفي شهادة رجل غربي مثقف، اهتدى إلى الإسلام عن بصيرة، وآمن به عن بيّـنه، وهو الدكتور: مراد هوفمان.

يقول هوفمان في كتابه "الإسلام عام 2000" وفي فصله الثاني تحت عنوان (قليل من التفاؤل): يجب على المرء أن يعرف كيف كانت الحال بمكة والمدينة في القرن السابق، ليتعرف على التقدم الحادث. لدينا أوصاف يُعتمد عليها من الحجاج الغربيين أمثال: المسلم السويسري بروكارت الذي عاش في مكة والمدينة ستة أشهر في 1814/1815، وقد أيد رواية بروكارت كل من المسلم البريطاني سير ريتشارد بيروتون الذي زار مكة والمدينة في 1853 ، والألماني غير المسلم هيترش فون مالتزان الذي عاش في مكة في 1860 . اتفق المؤلفون الثلاثة على تدهور حالة الأماكن المقدسة، وانعدام الأمن، وانتشار الخرافات.

ولم تقم الصلاة بانتظام، حتي بين الحجاج، الذي هبط عددهم إلى 70.000 عام 1814 (حسب تقدير بروكات) ثم إلى 30.000عام 1860 (حسب تقدير مالتزان).

أما من يحج أو يعتمر اليوم، يجد التقدم هائلاً عن حالة القرن الماضي، فقد تم توسيع الحرم المكي والحرم المدني بجمال واقتدار ليسعا 480.000 , 650.000حاج، وما زالا صغيرين أمام الزيادة الهائلة لمن يريدون الج، والذين يحجون الآن طبقاً لحصص محددة لكل دولة لا تتعداها، مُنعت الكحوليات، السرقات قليلة، النساء لا يدخلن البلاد منفردات، والصلاة على مدار الساعة أمام أنظار العالم.

اختلف موقف المستشرقين من الإسلام، منذ عشرينات القرن الحالي، وكان ذلك بداية لتغييرات أخرى إيجابية، فلم تعد دراسة الإسلام على طريقة لورنس العرب لصالح الإمبريالية البريطانية، بل كثير من زملائهم المستشرقين، تحلوا في دراستهم للإسلام بروح التعاطف والاعتناق بدلاً من الاشمئزاز والضيق.

والخلاصة؛ أن ذلك التطوير، نُظر إليه كتهديد أصولي، مما جعل الإسلام يحتل القمة في ما يشغل الإعلام العالمي في الربع الأخير من القرن العشرين .

2 - استمرار حركة الإحياء والتجديد:

إن من خصائص الإسلام: أن حركة الإحياء والتجديد فيه من الداخل مستمرة، ولا تنقطع حتى تقوم الساعة، بوساطة (الورثـة الحقيقيين) لعلم النبوة، الذين يقدمونه للناس خالصاً غير مشوب، متكاملاً غير مجزأ، بيّناً غير غامض (ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).

أنشأت بفضل الله تعالى وتوفيقه، صحوة إسلامية كبرى، في سائر ديار العرب والإسلام، بل حتى خارج ديار الإسلام، حيث الأقليات والجاليات الإسلامية في الغرب والشرق، صحوة أيقظت العقول والقلوب، والعزائم، وأعادت للناس الثقة بالإسلام، والأمل في انتصاره بعد أن ظن من ظن أن راية الإسلام قد سقطت.

3 - الصحوة الإسلامية وآثارها في الحياة الإسلامية:

لا يستطيع عاقل منصف أن ينكر أثر (الصحوة الإسلامية) في حياتنا المعاصرة، تلك الصحوة التي شرقت وغربت، وأضاءت بنورها ديار الإسلام، ثم ذهبت إلى حين يوجد المسلمون خارج أوطان الإسلام، بين الأقليات الكبيرة والصغيرة، والجاليات المنتشرة في أنحاء العالم، وهدى الله بها ملايين الشبان والشابات.

أثبتت هذه الصحوة وجودها على الصعيد الفكري بما احتوته (المكتبة الإسلامية) المعاصرة من شتى الدراسات في الجوانب المتعددة.

وأثبتت الصحوة وجودها على الصعيد السلوكي، فامتلأت المساجد بالمصلين والمصليات، وخصوصاً من الشباب، وازدحمت بهم كذلك مواسم الحج والعمرة، وعادت المرأة المتبرجة إلى الحجاب طوعاً.

وأثبتت الصحوة وجودها على الصعيد السياسي، فأصبـح هناك تيار شعبي هائل، ينادي بالعودة إلى إلإسلام، وتطبيق شريعة الإسلام.

وأثبتت الصحوة وجودها على الصعيد الجهادي، فانتصرت في أفغانستان وفي الشيشان على الاتحاد السوفيتي ، وفي البوسنة والهرسك على الوحش الصربي، وزلزلت الانتفاضة وأشبالها، والمقاومة الإسلامية ورجالها الكيان الصهيوني: الدولة التي لا تقهر، والشوكة التي لا تكسر!

هذه الظواهر وغيرها حركت غرائز الشر في القوى المعادية للإسلام وأمته وصحوته، فاجتمعت على الكيد له، والمكر به، والتربص بصحوته، وقد قال إسحاق رابين في مؤتمر الدار البيضاء: إن أعداءنا الكونيين ثلاثة: الأصولية، والجوع، والمخدرات! والحقيقة أنه ذكر الجوع، والمخدرات للتغطية وذر الرماد في العيون، وإنما قصده الأساسي: الأصولية، وإن شئت الترجمة الحقيقية لها فهي (الصحوة الإسلامية)!

4 - التيار الإسلامي أقوى وأرجح في الميزان:

إن القوى التي تملكها أمتنا الإسلامية ليست بالهينة ولا اليسيرة، إذا أحسنت توظيفها والاستفادة منها، فهي في الحق قوى كبيرة وهائلة.

أ - القوى البشرية: أولى هذه القوة: القوة البشرية العددية، فأمتنا تملك اليوم من البشر ما يزيد على المليار والربع من المسلمين المؤمنين بعقيدة التوحيد، منتشرين في قارات العالم الست.
ب - القوة المادية والاقتصادية: وثانية هذه القوى: القوى المادية والاقتصادية، فأمتنا تملك من المعادن والثروات المذخورة في باطن الأرض، والثروات المنشورة على ظاهرها، والثروات المائية والبحرية، ما لا تملكه أمة أخرى.

وموقعنا الجغرافي كذلك له قيمة كبيرة: استراتيجية وحضارية، فهو ملتقى القارات ومنبع الحضارات، ومهبط الرسالات السماوية الكبرى: اليهودية والنصرانية - المنسوختان - والإسلام.

ج - القوة الروحية: وثالثة هذه القوى التي تملكها أمتنا: القوة الروحية، قوة الرسالة التي تؤمن بها، وتدعو بها، وتدعو إليها، وتحيا لها وتموت عليها: رسالة الإسلام العامة الخالدة، والتي ختم الله بها النبوات والرسالات.

5 - تحذيرات الأجانب من القوة المذخورة في الإسلام وأمته:

إننا نحن المسلمين قد نجهل القوى المذخورة لدينا، ولكن الأجانب الدارسين لطبيعة أمتنا، ومذخور الطاقات في شعوبنا، هم الذين يدركون حقيقة ما نملك من قوة ذاتية، يحسبون لها ألف حساب، بل يساورهم وَهْمٌ مُفـزع من خشية انطلاقها يوماً من الأيام، يقول البروفسور "جب" في كتابه: "وجهة الإسلام": (إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بسرعة مذهلة تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعو إلى الاسترابة في أمرها، إن الحركات الإسلامية لا ينقصها إلا الزعامة، لا ينقصها إلا صلاح الدين من جديد).

خامساً - مبشرات من السنن الإلهية :

وهناك مبشرات أخرى مستمدة من سنن الله في الخلق وفي الاجتماع الإنساني، وهي سنن وقوانين ثابتة تجري على الاخرين، كما جرت على الأولين، وتجري على المسلمين كما تجري على المشركين، لا تتخلف ولا تتبدل، كما قال سبحانه:{ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } .
فإذا نظرنا إلى هذه السنن الإلهية وجدنا مجموعة منها في صفنا نحن المسلمين، ودعاة الإسلام، من ذلك:

1 - سُنة التدوال:

وشاءت إرادة الله أن سنة التدوال أو قانون المداولة بين الناس يعمل معنا لا ضدنا، وكما قال الإمام حسن البنا رحمه الله : إن الدور لنا لا علينا!

فقد كانت قيادة العالم قديماً في يد الشرق، على أيدي الحضارات الفرعونية والآشورية والبابلية والكلدانية والفينيقية، والفارسية والهندية والصينية. ثم انتقلت إلى الغرب، على يد الحضارة اليونانية ذات الفلسفة الشهيرة، والرومانية ذات التشريع المعروف، ثم انتقلت هذه القيادة مرة أخرى إلى الشرق على يد الحضارة العربية الإسلامية، وهي حضارة متميزة جمعت بين العلم والإيمان، بين الرقي المادي والسمو الروحي، ثم غفا الشرق وغفل عن رسالته. فأخذ الغرب الزمام، وكانت له القيادة مرة أخرى، ولكنه لم يرع أمانة هذه القيادة، بل أفلس في ميدان الروح والأخلاق، وفرط في العدل، وأعلى القوة على الحق والمصالح على القيم، والمادة على الروح، والجماد على الإنسان، وكال بمكيالين في التعامل مع القضايا البشرية، فكان من سنة الله أن تنتقل الشعلة إلى غيره. وحسب استقراء التاريخ: فإنها سوف تعود إلى الشرق مرة أخرى الشرق الذي يملك رسالة غير رسالة الغرب، وهو الشرق الإسلامي، فعليه أن يتهيأ لذلك، ويعد العدة، كما قال تعالى: { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } ، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } .

2 - سنة التغيير:

ومن السنن الإلهية التي نجدها في صف المسلمين، ونعدها من المبشرات: [سنة التغيير] التي قررها القرآن الكريم في أكثر من آية. فالذين يتغيرون من الخير إلى الشر، ومن الاستقامة إلى الانحراف، من الصلاح إلى الفساد، ومن البصيرة إلى العمى، يغير الله ما بهم من حال النعمة إلى النقمة، ومن القوة إلى الضعف، ومن العزة إلى الذل، ومن الرخاء إلى الشدة.

وهذه السنة تمنحنا نحن المسلمين الأمل في التغيير وتحسين الأحوال، فقد رأينا الكثير من المسلمين في عصر الصحوة الإسلامية، يتغيرون تغيراً جذرياً من الإعراض عن الإسلام إلى الإقبال عليه، من الجهل بأحكامه، إلى الحرص على التفقه فيه، من التسيب والشرود عن تعاليمه إلى الالتزام بها، من انشغال الفرد بخاصة نفسه وعدم اهتمامه بأمر أمته إلى حمل هموم الأمة، والمشاركة في قضاياها بإخلاص وإيجابية، من الجري وراء اللذات واتباع الشهوات إلى إحياء الدعوة وتبني الجهاد للدفاع عن الدين وحرماته، من التكشف والتعري عند النساء إلى الالتزام بالحجاب، من البعد عن المساجد إلى عمارتها بالصلوات والدروس.

وكل هذه الأعمال والآثار تشعرنا أن الأمة قد تغيرت إلى حد كبير، ومقتضى عدل الله تعالى وسنته ألا يتخلى عنها، وأن يكافئها على هذا التغير النفسي والسلوكي العميق بأن يغير ما بها، ويحولها إلى حال أفضل.

سادسا - المبشرات تدفع إلى المزيد من العمل :
والأمر الذي يجب التنبيه عليه هو: أن المبشرات بمستقبل الإسلام، التي ذكرت، لا ينبغي لنا أن نتكل عليها، وننام على آذاننا، ونخلد إلى الدعة والكسل، وننتظر نصر الله ينزل علينا دون جهد نبذله، وجهاد نمارسه، وعمل دؤوب نقوم به في جوانب حياتنا كلها، نقوّم ما اعوج منها، ونصلح ما فسد، ونبني ما تهدم، نقوّي ما ضعف، ونكمّل ما نقص، بروح المجددين، لا بعقلية المقلدين.

لقد أرشد القرآن إلى أن نصر الله لا يكون ولا يتم إلا بالمؤمنين، كما أنه لا يكون إلا للمؤمنين. كما قال تعالى يخاطب رسوله الكريم: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} .

فلا نتوقع أن تنزل ملائكة السماء التي نزلت في بدر أو في الأحزاب أو في حنين على قوم فرغت قلوبهم من الإيمان، أو خلت حياتهم من أخلاق الإيمان، وأعمال المؤمنين، فالله تعالى يقول في بدر: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } .

إن الرسالات لا تنتصر وحدها، إنما تنتصر بأهلها، والحق لا يعلو وحده، إنما يعلو وفق سنن الله بدعاته ورجاله الذين جمعوا بين العلم، والعمل والإخلاص، كما قال الشاعر: وشيمة السيف: أن يزهى بجوهره وليس يعمل إلا في يدي بطل!


إن المبشرات بانتصار الإسلام يجب أن تمنحنا وقوداً متجدداً، لمزيد من العطاء والعمل الذي تحتاج إليه أمتنا على كل صعيد. ولا تطمع الأمة أن يمدها الله بنصره، على ما بها من سيئ الخصال، وسيئ الفعال، بل لا بد للأمة أن تغير ما بأنفسها حتى يغير الله ما بها.
يستحيل أن ينصر الله الكُسالى على العاملين، والمختلفين على المتحدين، والفوضويين على المنظمين.
يستحيل أن تنتصر أمة أعظم ما يشغلها لعب الكرة، وأهم ما يملأ صحفها المقروءة، وإذاعتها المسموعة والمرئية هو لغناء والرقص والتمثيل


المرأة في يومها العالمي : القصاص من الانقلابيين والعار على منظمات حقوق الإنسان بقلم محمد أبوغدير المحامي

‏نشرت على الفيسبوك في  7 مارس، 2014‏، الساعة ‏02:48 مساءً‏

اهل علينا اليوم العالمي لحقوق المرأة ، ولم تعد المرأة خط أحمر ، فقد تعرضت للاعتقال والاحتجاز والسب والضرب والإغتصاب والأحكام الجائرة .في ظل صمت مخز من المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، ومنظمات حقوق المرأة التي تتشدق بالحريات ولم تتحرك للدفاع عنهن .
إن العنف ضد المرأة هو انتهاك للكرامة الإنسانية وخرق لكل المواثيق الدولية وإهدر لحقوق الإنسان التي ضمنتها له الكثير من الأديان السماوية والشرائع ودافع عنها الإنسان وتضمنتها كل القوانين،
فقد تعرضت المرأة المصرية سواء كانت بالغة أو قاصرة أو طالبة أو عاملة لانتهاكات جسيمة وخطيرة لحقها في سلامة جسدها وحقها في الحياة وفي حرية الرأي والتعبير بسبب موقفها الرافض لإنقلاب العسكر والمؤيد للشرعية وتقديمها نموذجا للمرأة المصرية المناهضة للتعدي على حقوق الإنسان وحرياته وانتهاك كرامته.
وتعدى العسكر على حق المرأة في الحياة فدبرت مجزرة حرائر المنصورة واستشهد فيها أربعة نساء ثم تلى ذلك استشهاء العديد منهن بمجازر اعتصام رابعة والنهضةيوم 14 أغسطس 2013 وتم اعتقال الكثيرات منهن في هذا اليوم وكذلك يوم 16 أغسطس 2013 بأحداث مسجد الفتح ورمسيس وغير ذلك من حالات القتل والاعتقال في كافة ميادين مصر .
وسلبت المرأة حرية التعبير عن الرأي افتم القبض والاعتقال لفتيات صغيرات من مدارسهن وضربهن لمجرد إبداءهم لآراءهن ورفع شعار رابعة رمزا للصمود والتحدي ، وتعرضت المرأة الى تعديات وإهانة عنصرية إذ تم استهدافها إن كان ارتدئها زيا إسلامي معين، أو كان انتمائها السياسي إسلاميا حال المعارضة للانقلاب .
وقد تم احتجاز المرأة فى ظروف غير قانونية وغير حقوقية داخل أقسام الشرطة، وقد عانين من الاعتقال والتعذيب وهن محرومات من حقوقهن الأساسية الإنسانية ومحرومات من الطعام والملابس ومقابلة المحامين، ويتم تسليط المجرمين الجنائيين ضدهن.
قد القيت الفتيات الصغيرات الحرائر في السجون دون ضمانات للقبض والتحقيق ، وتم حبسها احتياطيا لمدد طويلة دون مبرر قانوني او واقعي ، وقد تعرضن لإعتداءات وانتهاكات وصلت لحد الاغتصاب ، وقد صدر ضدهن احكام جائرة قاسية رغم انتفاء الفعل المؤثم قانونا .
ان ما ارتكبه الانقلابيون ضد المرأة من افعال - على النحو السالف بيانه - هي جرائم لا تسقط بالتقادم ، وعلى المجتمع ان يقف وقفة واحدة ضد العسكر حتى يسقطوا هذا الإنقلاب الغادر المجرم الذي اسقط الحقوق وتعدى على الحريات وهان كرامة الانسان ، وعليهم ان يثأروا لأعراضهم التي داسها العسكر بكل خسة ودناءة ،
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم" رواه الحاكم في المستدرك .

لماذا يصمد المستبدون الإنقلابيون ؟؟؟

نشرت على الفيسبوك في ‏13 ديسمبر، 2013‏، الساعة ‏09:47 صباحاً


يجيب العلامة عبد الرحمن الكواكبي في كتاب ( طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ) فيقول :


(( العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ ، وعليهم يصول ويطول ، يأسرهم فيتهللون لشوكته ، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم ، ويهينهم فيثنون على رفعته ، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته ، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً ، وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً ، ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة. ))

وأنا أقول :
( العوام ) ليسوا ضعفاء العلم والثقافة أو قليلو المال أو متواضو المنزلة والمكانة ، وإنما العوام هم فاقدو الإحساس والمشاعر وضعفاء الإيمان الذين سكتوا أو رضوا او أيدوا الخروج على الشرعية وصمتوا عن الدماء الحرة المسفوكة وعن الحريات التي انتهكت والحقوق التي سلبت والكرامة التي ديست ، أنهم هم العوام ولو كانوا قمة التعليم والثقافة كأعضاء هيئة تدريس الجامعات وأعضاء منظمات حقوق الإنسان ، عوام ولو كانوا يملكون مليارات الدولارات أو أصحاب شركات ، عوام ولو كانوا قمة الجاه والسلطان كقضاة او وزراء او سفراء .
انهم يذبحون أنفسهم بأيديهم ولن ينالوا إطماعهم الخبيثة وآمالهم الواهية بسبب خوفهم الناشئ عن جهلهم وغبائهم بحقيقة الإنقلابيين المستبدين ، فالانقلابي المستبد يعتقد ان الشعب كل الشعب خُلِق ليكون خادما له ، مطيعة إنْ عدل أو جار، وخُلق هو ليحكمه كيف شاء بعدل أو ظلم وجور ، والأمة الواعية العاقلة ترفض ذلك وتبذل كل وقتها وجهدها ومالها حتى روحها لتبقى حرة كريمة ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

دستور باطل وإنقلاب ساقط بقلم محمد أحمد أبوغدير المحامي




.نشرت على الفيسبوك في ‏30 نوفمبر، 2013‏، الساعة ‏09:24 مساءً‏

 عرف فقهاء القانون الدستوري الدستور بأنه : الوثيقة التي تصدر عن الشعب وتتضمن القواعد القانونية المتعلقة بالسلطة السياسية في الدولة من حيث إنشائها وإسنادها وتنظيمها وممارستها .

وموضوع ألدستور تحديد وبيان المقومات الأساسية للمجتمع الاجتماعية والخلقية والاقتصادية ، وهو الذي يقرر الحريات والحقوق والواجبات العامة ، وهو الذي يحدد نظم الحكم في الدولة هل هو رئاسي أم برلماني ، ويقرر طريقة اختيار الرئيس ويحدد سلطاته وطريقة عزله ، وينظم السلطة التشريعية ويحدد كيفية انتخاب أعضاء البرلمان والسلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ، والسلطة القضائية ويحدد الهيئات القضائية واختصاصاتها , ويقرر الفصل بين هذه السلطات وحدود التعاون بينهم

ولهذه المكانة السامية والخطيرة للدستور ، هناك اتفاق بين الفقهاء الدستوريين قد يصل إلى إجماع على أن الدستور يكتبه ويصدره الشعب صاحب السيادة ، ويتم إعداد مشروع الدستور وكتابته عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة يتم انتخابها بطريقة مباشرة من أفراد الشعب وقد يكون بطريقة غير مباشرة بان تنتخب هذه الجمعية عن طريق البرلمان وهم نواب الشعب وممثليه ، ثم يعرض هذا المشروع على الاستفتاء الشعبي للمصادقة عليه ويصبح نافذا بمجرد موافقة الشعب عليه .

الدستور الذي يسعى الإنقلابيون لإصدارة يخالف تلك القواعد مخالفة تامة ، إذ لم تقم بإعداده وكتابته جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب ، وإنما قامت بإعداده لجنة معينة عن سلطة لانقلاب غاشم خرج عن الشرعية واغتصب السلطة بعد خطف الرئيس المدني المنتخب واسقط الدستور الشرعي الذي حاز على قبول الشعب ورضاه بنسبة تقرب من 65% من جموع المشاركين في استفتاء نزيه ، ومن ثم فإن لجنة العشرين تفتقد صلاحية كتابة الدستور أو تقديمه للشعب لإقراره بالاستفتاء عليه .

وكتابة الدستور وإصداره ينبغي أن يتم في جو من الوفاق والتوافق الوطني الذي تسوده حرية الرأي والتعبير ،ويشارك فيها ممثلين عن الشعب كله بجميع ألوانه وأطيافه لأنه صاحب السيادة وعنه تصدر كافة التشريعات الدستورية والقانونية، ولقد أعد الإنقلابيون هذا المشروع من خلال أنصارهم ومؤيديهم فقط بعد أن سرقوا مكتسبات خمس انتخابات نزيهة أسفرت نتائجها عن رضي الشعب عن أكثرية إسلامية وأقصوها عن الحياة المدنية والسياسية بعد أن قتلوا الآلاف منهم وحرقوا جثثهم وفي جو من الإرهاب غيبوا الآلاف منهم في السجون في ظل قضاء انتقائي وانتقامي .

ومؤدى ما تقدم ينعدم الدستور مشروعا ويستحيل إصداره باستفتاء نزيه يعبر عن إرادة الأمة بكل أطيافها السياسية والاجتماعية ، ويبقى وسيلة الانقلابيين الخائبة لإضفاء الشرعية على جريمتهم المنكرة بخروجهم عن الشرعية واغتصاب السلطة ، ولن يفلحوا في ذلك أبدا في ظل توره المصريين الأحرار الذين خرجوا بصدور عارية يقدمون أرواحهم على أكفهم من اجل كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم يهتفون : يسقط يسقط حكم العسكر ، واثقين أن نصر الله قريب





حتى بعد السيسي فلابد من الجهاد ليسقط الانقلاب بقلم محمد أبوغدير

حرر في 12 / 11 / 2013

غاب السيسي زعيم الانقلاب الغادر عن الأضواء خلال الأسابيع الماضية فلم يشاهده أحد في مقابلة أمام وسائل الأعلام ولم جرى معه حوار في الصحف أو تصدر عنه تصريحات ، وانشغل كثير من المصريين بهذا الغياب ، فصرح البعض على شبكات التواصل الاجتماعي بمرضه الشديد المقعد عن أداء مهامه وزعم آخرون بموته أو قتله .


وشكك كثيرون في كل صورة للسيسي تنشر عن لقائه مع غيرة فينظر إليها بريبة ويشككون في صحتها ، ونصب الكثيرون أنفسهم خبراء في هندسة التزييف والتزوير ، فيكشفون عن شواهد متناقضة او مختلفة على الصورة المنشورة ليثبتوا تزييفها ، وذلك بقصد ألا يفقدوا حلما جميلا - لا شك - يتمناه كل حر وهو هلال الطاغية الأكبر مدبر ومنفذ الانقلاب الغاشم .

ومع إقرارنا بجرم السيسي ودوره الكبير في الانقلاب ، وكذلك بالأثر المباشر والقوي الذي تتأثر به سلطة الانقلاب في حالة غيابه بالمرض المقعد عن قيامه بأعماله أو الموت المنه لحياته ، فمن الضروري والواجب القول بأن مات شخص السيسي أو قتله سيؤدي إلى انقلاب حال البلاد والعباد من بعد عسر يسرا ، ومن بعد قتل وخطف وحرق وسجن واعتقال إلى حرية وأمان واطمئنان وسائر حقوق الإنسان ، سيموت السيسي ويبقى الكثير من السيسي .

ومن ثم فلا يجب يشغل الأحرار المصريين أنفسكم بشخص السيسي ، فلا شك إن مات أو قتل عبد الفتاح السيسي وحده وبقي الانقلاب فسيهتف كل الظالمون بصوت واحدا كلنا السيسي ، رغم أنهم هم الجبناء الذين ينهارون خوفا ورعبا من شارة رابعة رمز الصمود .

ومن ثم فالسيسي ليس فردا وإنما عصابة كبيرة من المفسدين ، يتتلمذ على يديهم الشياطين لديهم منهج يكرس مطامعهم ويحمي مكتسباتهم ، يؤمنون به ويجاهدون بكل الوسائل إلى تنفيذه ، دون النظر إلى حقوق الناس وحرياتهم ، وبغض النظر عن الحل والحرمة ، ودون مراعاة لوطنية أو قومية.

السيسي : فرقة من الدعاة الضالين ، يزعمون ويدعون اﻻسلام والإيمان واﻹصلاح ركنوا إلى جنب الطغاة يبررون لهم قتلهم واعتقالهم اﻷحرار ونهبهم وسرقتهم مقدرات اﻷوطان ، وارتضوا دور الملل للانقلاب الغاشم بوقوفهم مع الخائن حال إعلانه الخروج عن الشرعية ، وأحلوا له سفك دماء المعتصمين الأحرار الرافضين لانقلابه .

السيسي : دائرة كبيرة من القضاة في كل محكمة خلعوا وشاح العدالة ، وأغمضوا أعينهم عن الحيدة والمساواة بين الناس وركنوا إلى السلطان من اجل متاع يجرهم إلى النار ، وخرجوا عن حدود اختصاصاتهم المحدودة فأبطلوا وحلوا برلمانا اختاره الشعب مصدر السلطات ، وسيسوا القضايا فكانت جل أحكامهم تبرئ المجرمين من القتله والمفسدين من مؤيدي السلطة الظالمة ، وتؤيد القبض والاعتقال دون ضمانات وإجراءات سليمة أو تحقيق نزيه ، وتحبس وتسجن دون جريرة المؤيدين للشرعية ومعارضي الانقلاب .

السيسي : عصابة من رجال أعمال المال الحرام تربوا وترعرعوا في عهد مبارك قسمت عليهم أراضي مصر بلا مقابل فباعوها بأفحش الأثمان ، وائتمنوا على أموال الشعب فنهبوا البنوك ورفعوا الأسعار ، وامتلكوا وسائل الأعلام فكذبوا وأضلوا وبغضوا الشعب الطيب في أول رئيس مدني منتخب وفي البرنامج الإسلامي الذي يحمله ، وبأموال الأمة المنهوبة مولوا الانقلاب عليه .

السيسي : كتيبة من الجند تركوا الحدود والثغور وتحالفوا مع اليهود ، وبدلا من المحافظة على وحدة الأمة وفرقوا جمعهم وحزبوا صفهم الواحد ، فاصطنعوا جبهة التمرد وأيدوا جبهة الإنقاذ وانقلبوا على الرئيس ولاحقوا أنصاره من الحكومة والبرلمان الذين حازوا على ثقة الشعب في خمس انتخابات نزيهة بعد ثورة يناير.

السيسي : هو العسكر التي تقاعس عن الأمانة ونفض يده من تأمين الشعب فلا تأمين للأجساد أو الأرواح فكثر التعدي على الناس بالضرب والقتل ، ولا حماية للأموال فتسورت البيوت لتنهب وتركت السيارات لتسرق ، وانشغلوا بتأمين السلطة الحاكمة الظالمة ليقتلوا شهامة الرجال وشجاعة النساء فاعتقلوا الأطفال من مدارسهم والفتيان من جامعاتهم ، وانشغلوا بزراعة وبيع الخضار والفاكهة عن صنع السلاح .

السيسي : هم الجهلاء الذين يزعمون أنهم مثقفوا الأمة وروادها وحماة للديمقراطية وحقوق الإنسان ، الذين أيدوا الانقلاب الغادر وباركوا الخروج على الشرعية ، وصفقوا لحل البرلمان المنتخب وإلغاء الدستور ، ورضي بتولي السلطة من ؟؟؟ رئيس المحكمة الدستورية .

يا حسرة على الصفوة المثقفين ، الذين لم تقشعر جاودهم لدماء عزيزة سالت ، وأرواح الآلاف التي زهقت ، وأجساد المصابين وجثث الموتى التي حرقت وتفحمت ، وآلاف المعتقلين دون جريرة في غياهب سجون ، ولقد قطعت ألسنتهم عن النطق بدعواهم الكاذبة بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته ، أرضوا بذلك كله وباركوه لكون الضحايا اغلبهم إسلاميون ؟؟؟؟ ، حسبنا الله ونعم الوكيل .

السيسي كل هؤلاء الظالمون الفاسدون المجرمون جميعا ، وهم يد واحة على كل حر أبي ، يعملون دون كلل أو فتور ليبق حال الوطن إلى ما صار عليه بعد الانقلاب ، لأنهم يعلمون يقينا أن في سقوط انقلابهم فضلا عن ضياع جاههم وسلطانهم المغتصب ، تقديمهم للمحاكم لما اقترفت أيديهم من جرائم الإبادة الإنسانية بالخيانة والغدر والخروج على الدستور والقتل الحرق والنهب .

ويسعون السيسيون المجرمون - إذا لم يسقط انقلابهم سريعا - لإثبات شرعيتهم بالانتهاء من إعداد الدستور وإقراره بموجب استفتاء مزور منسوب إلى الشعب وإجراء انتخابات برلمانية يخوضها المجرمون ليحصلوا بموجبها على الحصانة التي تقيهم الشنق والحبس على ما اقترفت يداهم من جرائم .

ومن الجانب الآخر يجب على المصريون الأحرار المجاهدين وعلى الآخرين التائهين الغافلين أن يعلموا علم اليقين أن الحقوق والحريات ليست من منحة من حاكم ولا هبة من ملك أو أمير يصدرها ثم يمنعها يزيدها أو ينقصها وإنما هي حقوق متأصلة في كل إنسان لا تنفك عنه أحد من الناس فقد ولدوا بها وتظل تلازمهم حتى يواروا بالتراب .

وأن الحقوق والحريات التي سلبت من الشعب المصري قسرا وقهرا لا تسترد إلا بالجهاد الطويل والتضحية والبذل بالغالي والنفيس من أرواحهم وأموالهم وابدأنهم في سبيل إعلاء كلمة الله الداعية إلى الحق والخير وكرامة الإنسان ، وعليهم أن يوقنوا ويعملوا بقوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) .