ذِكر الله عز وجل من أيسر العبادات وأجلِّها ، فحركة اللسان أخف حركات الجوارح ، ومع سهولة الذكر له شأن كبير في حياة المؤمن فهو قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وسبب في الشفاء من الأسقام ، لذلك فهو ملازم للإنسان في كل شؤونه و أحواله وفي كل أطواره ، ولقد أمر الله به في آيات كثيرة ، ونهى عن ضده من الغفلة والنسيان .
وقد رتب الله على الذكر من الفضل والعطاء ما لم يرتب على غيره من الأعمال ، فعلق الله تعالى الفلاح باستدامة الذكر ، وأثنى على أهله وجعلهم أهل الانتفاع بآياته ، وجعل ذكره تعالى لأهله جزاء ذكرهم له ، ووصفهم بأنهم أولو الألباب ، وأخبر عن خسران من لها عن الذكر بغيره .
فهيا بنا - في هذه السطور - نتعرف على مفهوم الذكر وأقوال العلماء عنه ومعناه في القرآن الكريم ، ومشروعيته من الكتاب والسنة ، وكون حكمه ندبا أو فرضا وقد يكون نهيا ، ونقف على درجات الذكر وأقسامه ، آداب الذكر ، ثم فوائد الذكر وثمراته
أولا : تعريف الذكر :
أ - الذِّكْر في اللغة :
الذكر : بكسر الذال وسكون الكاف والراء له معنيان:
الأول : التلفظ بالشيء . أو الشيء يجري على اللسان ، يقال: ذكرت لفلان كذا وكذا، أي تلفظت به له، أو قُلته له ، وليس من الذكر بعد النسيان ، ومنه سمي المتلفظ بتكبير الله وتحميده وتسبيحه ونحوِه ذاكراً لله تعالى.
والثاني : إحضار الشيء في الذهن بحيث لا يغيب عنه ، وهو ضد النسيان ، ومنه سمي القائم على حدود الله ذاكراً لله تعالى .
ب - والذكر اصطلاحا :
عرف العلماء الذكر بأنه : ما يجري على اللسان والقلب ، من تسبيح اللَّه تعالى وتنزيهه والثناء عليه ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال والجمال .
كما عرفه ابن عطاء الله السكندري بأنه : التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق، وقيل: ترديد اسم الله بالقلب واللسان، أو ترديد صفة من صفاته، أو حكم من أحكامه، أو فعل من أفعاله، أو غير ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى الله تعالى) .
والفرق بين الغفلة والنسيان :أن (الغفلة ) ترك باختيار الغافل ، و ( النسيان ) ترك بغير اختياره ، ولهذا قال تعالى : { وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } الأعراف : 205 ، ولم يقل : ولا تكن مع الناسيين ، فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه .
ج - أقوال العلماء حول ذكر الله:
•قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (ليسَ يَتَحَسَّرُ أهلُ الجنَّة على شيءٍ إلّا ساعةً مَرَّة بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها! .
•قال مجاهد رحمه الله تعالى: مَنِ استطاعَ ألَّا يبيتَ إلَّا طَاهراً ذاكراً مُسْتَغفراً فليفْعَل فإنَّ الأرْوَاحَ تُبْعَثُ على ما قُبِضَتْ عَلَيهِ(.
•قال لقمان رحمه الله تعالى: إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ الذِّكْرِ وَالغَفْلَةِ كَمَثَلِ النُّوْرِ وَالظُّلْمَةِ .
• قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: إنَّ في الدنيا جَنَّة مَن لم يَدْخُلْها لم يَدْخُل جَنَّة الآخِرَة، قالوا: وما هي يا إمام؟ قال: مَحَبَّةُ الله تعالى وذِكْرُهُ .
•قال الرَّبيعُ بن خُثَيم: أَقْلِل الكَلَامَ إلّا مِنْ تِسْعٍ: تَكْبيرٍ، وتهلِيلٍ، وتَسْبيحٍ، وتَحْمِيدٍ، وسُؤَالِكَ الخَيرَ، وتَعَوّذِكَ مِنَ الـشَّرّ، وأمْرِكَ بالمعروفِ، ونَهْيِكَ عَنِ المُنْكَرِ وقِرَاءَتِكَ القُرْآنَ .
• الإمام أبو القاسم القشيري : الذكر منشور الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة النهاية، فليس وراء الذكر شيء؛ وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر).
د - معنى الذكر في القرآن الكريم :
أطلقت كلمة “الذكر” في الآيات القرآنية الكريمة على عدة معاني بيانها في الآتي :
1. الذكر بمعنى القرآن الكريم :
كما في قوله تعالى: {إنَّا نحن نزّلنا الذِّكرَ وإنّا لهُ لَحافظونَ} الحجر: 9.
2. الذكر بمعنى صلاة الجمعة :
كما في قوله تعالى:{يا أيُّها الذين آمنوا إذا نُودِيَ للصلاة من يوم الجمعة فاسعَوا إلى ذكرِ اللهِ } الجمعة: 9 .
3. الذكر بمعنى العلم :
كما في قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمونَ } الأنبياء: 7.
4. وفي معظم النصوص أُريدَ بكلمة الذكر الآتي :
التسبيحُ ،والتهليل ، والتكبير ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وما إلى هنالك من الصيَغ ،
كما في قوله تعالى: {فإذا قَضيتُمُ الصلاةَ فاذكروا اللهَ قياماً وقعوداً وعلى جنوبِكُم} النساء: 102،
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتُمْ فِئةً فاثبتوا واذكروا اللهَ كثيراً} الأنفال: 45 ،
وقوله تعالى: {واذكُرِ اسمَ ربِّكَ وتَبَتَّلْ إليهِ تبتيلاً} المزمل: 8 .
ثانيا : مشروعية الذكر من الكتاب والسنة :
شكر الله فضيلة شرعية، لذلك أمر الله عباده بالشكر في العديد من آيات من القرآن الكريم والسنة المطهرة، نذكر منها ما يأتي :
أ ـ أما من الكتاب:
1. قال تعالى: {فاذكُرُوني أذكُرْكُم} البقرة: 152.
2. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسَبِّحُوه بكرةً وأصيلاً} الأحزاب: 41 ـ42 .
3. وقال تعالى: { واذكرْ ربَّك كثيراً وسبِّحْ بالعشي والإبكار) آل عمران: 41 .
4. قال أيضاً: {واذكُرِ اسمَ ربِّكَ بُكرَةً وأصيلاً} الدهر: 25 .
5. وقال أيضاً: { واذكر اسم ربِّك وتبتَّل إليه تبتيلاً} المزمل: 8 .
6. وقال جل شأنه: { وَلَذِكرُ الله أكبرُ} العنكبوت: 45 .
7. وقال أيضاً: { فإذا قضيتُمُ الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جُنوبِكُم} النساء: 103 .
8. وقال تعالى: { في بيوتٍ أَذِنَ الله أن تُرفعَ ويُذكر فيها اسمُهُ} النور: 36
9. وقال أيضاً: {يا أيها الذين آمنوا لا تُلهِكُم أموالُكم ولا أولادُكم عن ذكر الله } المنافقون:9 .
10. وقال أيضاً: {والذاكرين الله كثيراً والذاكراتِ أعدّ اللهُ لهُم مغفِرَةً وأجراً عظيماً } الأحزاب: 35 .
ب ـ وأما من السنة:
1. روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّهُ مثل الحي والميت ).
2. روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: يا رسول الله وما رياضُ الجنة ؟ قال: حِلَق الذكر)
3. روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيبعثنَّ الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله حِلْهُم [حلهم: صفهم لنا وعرفنا نزلهم] لنا نعرفْهم! قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى، وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه" [بإسناد حسن .
4. روى الترمذي وابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أُنبئكم بخير أعمالكم، وأزْكاها عند مليكِكم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والوَرِق [الورق: الفضة]، وخيرٍ لكم من أن تلْقَوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا: بلى. قال: ذكرُ الله تعالى"، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (ما شيءٌ أنجى من عذاب الله من ذكر الله ) .
5. روى مسلم والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ).
6. روى أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قومٍ اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه ؛ إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم فقد بُدلت سيئاتكم حسنات".
7. روى الترمذي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الرب تبارك وتعالى : مَن شغلَهُ قراءةُ القرآن وذكري عن مسألتي أعطيتُهُ أفضلَ ما أُعطي السائلين) .
ج - الحكم الشرعي للذكر :
وقد دلت الكثير من النصوص الشرعية كتابا وسنة على أن الأمر بالذكر قد يكون ندبا أو فرضا ، وقد يكون نهيا .
1. فلقد ندب الشارع في الذكر ورغب فيه لنيل فضله ، فشرع الله تعالى الذكر في مواضع من الصلاة وما بعد الصلاة ، وشرع من الذكر ما لا ينفك عن المسلم ، كأذكار الطعام والشراب ودخول البيت والخروج منه ، وكذلك أذكار الصباح والمساء والنوم .
2. ومن الذكر ما أوجبه الشارع وأمر به ، كتكبيرة الإحرام وقراءة القرآن في الصلاة ، والتسمية على الذبيحة ، ومن الذكر الواجب على الكفاية الأذان والإقامة ورد السلام .
3. وقد يكون الذكر حراما ، حال الجلوس لقضاء الحاجة ، وحال سماع خطبة الجمعة .
ثالثا : درجات الذكر وأقسامه :
أ - درجات الذكر :
قال ابن القيم عن درجات الذكر أنها ثلاث درجات : ثناء أو دعاء أو رعاية :
- 1ذكر الثناء :
فنحو : سبحان اللَّه ، والحمد لله ، ولا إله إلا اللَّه ، واللَّه أكبر.
- 2ذكر الدعاء :
فنحو قول الله تعالى { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف : 23 و (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ،
كما روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها ( ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ، أو تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ( أو نحو ذلك .
- 3ذكر الرعاية :
فمثل قول الذاكر : اللَّه معي ، اللَّه ناظر إلي ، اللَّه شاهدي ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع اللَّه ، وفيه رعاية لمصلحة القلب ، ولحفظ الأدب مع اللَّه ، والتحرز من الغفلة ، والاعتصام من الشيطان والنفس .
والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة ، فإنها متضمنة للثناء على اللَّه ، والتعرض للدعاء والسؤال ، والتصريح به ، وهي متضمنة أيضًا لكمال الرعاية ، ومصلحة القلب ، والتحرز من الغفلات ، والاعتصام من الوساوس والشيطان .
ب - أقسام الذكر :
1. ذكر السر والجهر:
إن ذكر الله تعالى مشروع سراً وجهراً، وقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذكر بنوعيه : السري والجهري .
إلاَّ أن علماء الشريعة الإسلامية قرروا أفضلية الجهر بالذكر إذا خلا من الرياء، أو إيذاء مُصَلٌّ أو قارئ أو نائم ، مستدلين ببعض الأحاديث النبوية الشريفة، منها: ما أخرجه البخاري والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم )]. والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر .
2. ذكر اللسان وذكر القلب:
وقال الإمام النووي رحمه الله : الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان ، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل.
وقال رحمه الله أيضا : أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحْدِث والجنب والحائض والنفساء وذلك في التسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء ونحو ذلك .
3. الذكر المنفرد والذكر مع الجماعة:
العبادات مع الجماعة تزيد في الفضل على العبادة في حالة الانفراد - ومنها ذكر الله تعالى - ففي الجماعة تلتقي القلوب، ويكون التعاون والتجاوب، ويستقي الضعيف من القوي، والمُظْلِم من المُنَوَّر، والكثيف من اللطيف، والجاهل من العالم وهكذا.
أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة ؟ قال: حِلَقُ الذكر ).
أخرج مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما من قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
4. الذكر المطلق والذكر المقيد :
الذكر المطلق : بأن تذكر الله على كل حال ، قائماً وقاعداً وعلى جنب، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191 ، وروى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنه قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
والذكر المقيد : فهو ما قيد بزمن كالذكر أدبار الصلوات ، والذكر عند دخول المسجد وعند الخروج منه، ومن ذلك أذكار الصباح والمساء .
رابعا : آداب الذكر :
1. الإخلاص لله تعالى :
الإخلاص لله هو الشرط الأول لقبول الأعمال، وكل عمل لا إخلاص فيه لا فائدة ترجى منه بل قد يضر. فينبغي أن يكون الدافع للذكر هو عبادة الله تعانى والتقرب منه ، بعيدا عن الشرك والرياء
2. استحضار القلب والتدبر :
إذ هو المقصود من الذكر، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتاب الأذكار: المراد من الذكر حضور القلب فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر ما يذكر ويتعقل معناه، فالتدبر في الذكر مطلوب... إلخ.
3. أن يذكر الله على طهارة :
وهذا مستحب- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال على طهارة. رواه أبو داود وصححه الألباني .
4. خفض الصوت بالذكر وعدم الجهر به جهراً بليغاً :
قال الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ، الأعراف: 205 ، وقال ابن كثير رحمه الله:وهكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداءً وجهراً بليغا.
5. التقيد بما حدده الشرع من عدد معين في الذكر:
ينبغي التقيد بما جاء به الشرع من الذكر والتسبيح والاستغفار ، فما علق الفضل فيه على عدد معين ، فينبغي تحصيل هذا العدد والتزامه، وذلك كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بعد الصلوات الخمس، وكبعض أذكار الصباح والمساء المقيدة بعدد معين، وغير ذلك مما شرع فيه التزام عدد معين من الذكر .
خامسا : فوائد الذكر وثمراته :
1. ذكر الله يذيب قسوة القلب:
في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله عز وجل، فالقلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة قال الله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّه) سورة الزمر الآية: 22 .
فإذا ذكر الله ذابت تلك القسوة، كما يذوب الرصاص بالنار، فالذكر شفاء للقلب، ودواء له، والغفلة مرض للقلب، وهلاك له .
2. الذكر حرزًا للإنسان من أذى الشيطان له في دينه ودنياه :
وفي الحديث أن النبي رأى رؤيا وقصها على أمته، وفي هذه الرؤيا أنه رأى رجلاً قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه، وقال ابن عباس: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس .
فإذا كان الإنسان ذاكرًا لله تعالى وعلى صلة به فإن الله يمده بمدد من عنده، فلا يستطيع شيطان أن يقربه لأنه يصير من عباد الله المخلصين الذين قال عنهم ربهم مخاطبًا إبليس اللعين: ( إنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ) الحجر:42.
3. ذكر الله تعالى جنة الدنيا:
ذكر الله تعالى جنة الدنيا، فقد قال أحد العارفين: في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، إنها ذكر الله
وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها، وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله تعالى، ومحبته، ودوام ذكره
وقال الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة، في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتمْ وجدتم، وإلاّ فالباب مغلق، فابحثوا عن السبب .
4. الذكر سبب لعطاء الله:
فالله عز وجل يعطي الذاكر أكثر مما يعطي السائل ، في الحديث القدسي: ( مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِى عَنْ مَسْأَلَتِى أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السَّائِلِينَ ) ورد في كنز العمال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
5. الذكر سبب لرحمة الله ولسكينة القلب :
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ .
وبالمقابل ، ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مَشَى طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً ) رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، وتره تعني نقصاً في حسناتهم وتَبِعةً يحاسبون عليها .
6. ذكر الله عز وجل يؤنس المؤمن ويرقى به:
ذكر الله سبحانه وتعالى يؤنس المؤمن، ويرقى به، وذكر الله تعالى يجب أن يكون كثيراً، لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) سورة الأحزاب الآيات: 41-44 .
7. أنه يبعد الإنسان عن النفاق :
لأن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنهم ( يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء:142 .
فلم يقل: إنهم لا يذكرون الله أصلاً، بل ذكر أنهم يذكرون الله تعالى، لكن لا يكثرون من ذكره ، وقد سئل علي رضي الله عنه عن الخوارج: أمنافقون هم؟ قال: (لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً). فهؤلاء الخوارج رغم فساد عقيدتهم وأعمالهم نجوا من النفاق لكونهم يذكرون الله كثيرًا.
8. الذكر يبثّ في قلب صاحبه الطمأنينة والسعادة :
كما قال تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ) الرعد:28 .
فالذاكر لله يحيا في سعادة وطمأنينة، ولا يؤثر فيه ما يلاقي في سبيل دعوته من محن وابتلاءات، بل يزيده ذلك سعادة وطمأنينة؛ لأنه على صلة بالله تعالى ، بينما المعرض عن ذكر ربه فإنه يعيش في ضنك وحيرة وأرق كما قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ ) طه:124.
9. الذكر يوقظ القلب من نومه ويحييه بعد موته :
لذا قال النبي في حديث أبي موسى رضي الله عنه عند البخاري: ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ) ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله ) .
#أبوغدير_المحامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق