الجمعة، 2 فبراير 2018

قيم إجتماعية راقية ... ٢ _ الإحسان إلى الجار بقلم : محمد أبوغدير المحامي

 الجيران هم أقرب الناس إلى الإنسان ـ بعد أهله وقرابته - وأكثرهم معرفة بأحواله، وقد يكونوا في حالات كثيرة أقرب وأكثر إعانة لهم من الأقرباء والأصهار ، لذلك كان القيام بحق الجار من أوجب الواجبات ومن أجل الفرائض في الإسلام.

والجار الحقيقي جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي الإسلامي الفريد الذي لحمته التراحم والتعاطف والبر والتقوى ، وسداه التعاون والتكافل ، ومبناه على الأمر بالمعروف والنهي عن الإثم والعدوان .

ولكن هذا الحق العظيم قد أهمله كثير من الناس اليوم ، وانشغلوا عنه بخصوصياتهم وحب ذواتهم، وقعدوا عن القيام به بسبب أثرتهم وأنانيتهم، ولم يرعوه حق رعايته بسبب جهلهم وضعف إيمانهم .

لذلك كان من الأهمية بشان التعاون مع الجار والإحسان إليه أن نقف على مفهوم الجار من حيث اللغة والاصطلاح وبيان حده ومراتبه ، ثم فضل الإحسان إليه ، ووسائل التعاون معه وأعلاها الإحسان إليه بوسائله المتعددة ، وأن يتمتع بكافة حقوقه الشرعية وعلى رأسها حرمة التعدي عليه بالأذى قولا أو فعلا ، ونختم بذكر صور راقية للإحسان مع الجيران .
وبيان ذلك في الآتي


أولا : مفهوم الجار :


أ - معنى الجار لغة وإصلاحا :

. 1 الجار لغة :
كما جاء في المعجم الوسيط الجارُ : ذو دلالات شتى نتطرق اليها فيما يلي :
الجارُ : المُجاور في المسكن ، والشَّريك في العَقَار أَو التِّجارة ، والجارُ المُجيرُ والمستجير والمُجار ، والْجَارُ كذلك هُوَ النَّزِيلُ بَيْنَ الْقَبِيلَةِ فِي جِوَارِهَا.
. 2 الجار اصطلاحا :
هو الشخص الذي يجاورك في السكن أ، سواءٌ كان من ذو رحم أم لا ، مسلمًا كان أو كافرًا .

ب - حد الجار :

اختلف العلماء في من يشمله اسم الجوار على أقوال كثيرة:
1ـ كل من يسمع صوت مؤذن الحي الذي يؤذن بدون مكبر صوت، فإنهم يعتبرون جيرانًا.
2ـ وقيل: من سمع إقامة الصلاة، فهو جار.
3ـ وقيل: من صلى معك صلاة الفجر في المسجد فهو جار.
4ـ وقيل: من جمعتهم محلة أو حي، فهم جيران.
5ـ وقيل: حد الجوار أربعون دارًا من كل ناحية. وهذا قول عائشة والأوزاعي والحسن البصري والزهري وغيرهم.
6 ـ والراجح أن ما اعتبره العرف جارًا فإنه جار، له حق الجوار من الإكرام وبذل الندى وكف الأذى ونحو ذلك.

ج - صور أخرى للجوار:

الجار ليس هو فقط من جاورك في السكن ، بل هناك صور أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، والسوق، والمزرعة، ومقعد الدراسة،... وغير ذلك من صور الجوار .

د- مراتب الجيران ثلاثة :

1ـ جار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب ، له حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة .
2 ـ جار له حقان، وهو الجار المسلم. له حق الجوار، وحق الإسلام .
3ـ جار له حق واحد، وهو الجار الكافر .


ثانيا : فضل الإحسان إلى الجار :


فالإحسان إلى الجار خلق كريم ، يهيِّئ القلوب إلى الخير، وحين يشعر الجار بسلام مع جاره ويراه يحسن إليه، يطمئن قلبه ، وترتاح نفسه، ويَنشرح صدره.

- 1 المسلم الحق هو الذي يُحسن إلى جاره :
فقد أخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( كن ورِعًا تكن أعبد الناس، وكن قنِعًا تكن أشكر الناس، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلمًا ).

- 2 الإحسان إلى الجار من علامات أهل الإيمان :
فقد أخرج الإمام مسلم، عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحسن إلى جاره ).
وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم جاره )

- 3من يحسن إلى جاره يحبه الله ورسوله، :
أخرج الطبراني عن عبدالرحمن بن أبي قراد السلمي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن أحببتُم أن يُحبكم الله ورسوله، فأدوا إذا ائتمنتُم، واصدقوا إذا حدَّثتم، وأحسنوا جوار مَن جاوركم ) .

- 4 من يحسن الى جاره يزاد في العمر ويعمر داره :
فقد أخرج الإمام أحمد - بسند صحيح - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إنه من أعطي من الرزق، فقد أعطي حظه من الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار، يَعمُران الديار، ويَزيدان في العمر ).

- 5من يحسن إلى جاره يدخله الله الجنة :
فقد أخرج البيهقي "في شُعب الإيمان" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أن رجلاً قال : يا رسول الله دُلَّني على عمل إذا عمِلت به، دخلت الجنة، فقال : ( كن محسنًا )، فقال: يا رسول الله، كيف أعلم أني محسن؟ قال: ( سل جيرانك، فإن قالوا: إنك محسن، فأنت محسن، أو قالوا: إنك مسيء، فأنت مسيء ).



ثالثا : وسائل التعاون مع الجار :


وتتنوع وسائل التعاون مع الجيران لتشمل عامة الفضائل التي حث عليها الإسلام ولم تصل إلى مرتبة الفريضة التي يأثم تاركها ، كما تشمل كافة حقوق الجار التي أمر بها الإسلام ، وبيان هذه الوسائل وصورها في الآتي :


أ - من وسائل التعاون مع الجار الإحسان إليه :

ومن صور الإحسان ما يأتي :

. 1 تعهُّده بالهدية بين الحين والآخر :
فالهدية إلى الجار طريق إلى المحبة والأُلفة، وهي تأسِر القلب وتملك الفؤاد ، أخرج الإمام مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا ذر ، إذا طبختَ مرقةً ، فأكثِر ماءها، وتعاهد جيرانك ).
وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( يا نساء المسلمات، لا تَحقرنَّ جارة لجارتها، ولو فِرسِن شاة))؛ متفق عليه ، الفرسن : ما يكون في ظِلف الشاة، وهو شيء يسير زهيد .
وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا طبخت مَرقة، فأكثر ماءها وتعاهَد جيرانك ) ؛ صححه الألباني .

. 2 الصبر على أذى الجار:
فربما يبتلى المرء بجار سيِّئ الجوار، معتد أثيم، فعليه أن يصبر على آذاه ، ولقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نصبر على أذى الجار، ولا نعامله بالمثل، فقد أخرج أبو داود - بسند حسن - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه جارًا له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات: ((اصبر))، ثم قال في الرابعة - أو الثالثة -: ((اطرح متاعك في الطريق))، ففعل، قال: فجعل الناس يمرون به، ويقولون: ما لك؟ فيقول: آذاه جاره"، فجعلوا يقولون: لعَنه الله، فجاءه جاره، فقال: رُدَّ متاعك، لا والله لا أُؤذيك أبدًا ) .فانظر كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر هذا الرجل بالصبر، ولم يأمره أن يعامل جاره بالمثل.

. 3 تنازل الجار عن بعض حقوقه لأخيه :
ومن صور الإحسان إلى الجار؛ تعاون الجيران فيما بينهم، والتنازل للجار عن بعض الحقوق التي تنفعه ولا تضر بالمتنازل، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يمنع جار جاره أن يَغرز خشبةً في جداره) ، وأن هذا التعاون مظهر من مظاهر الأخوة الإسلامية وتكامل المجتمع المسلم .

. 4 حل مشكلات الجار وقضاء مصالحه :
ومن صور الإحسان إلى الجار حل مشكلاته فينبغي للجار أن يكون في حاجة أخيه؛ ليكون الله في حاجته؛ فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته ).

. 5 عرض العقار على الجار قبل بيعه لغيره :
فإذا رغب الرجل في بيع دار، فإنه يعرض الدار المباعة على جاره أولاً قبل غيره، وكذلك لو كانت قطعة أرض، وهذا من حق الجار عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه ، وفيه : ( من كانت له أرض، فأراد بيعها؛ فليعرضها على جاره ) ، وهذا الأمر أطيب لخاطره ولقلبه، والتفريط في هذا الأمر يفتح باب المشاحنات.


ب - من وسائل التعاون مع الجار حرمة إيذائه :

حذَّر الإسلام أشد التحذير من إيذاء الجار ، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد والإنذار لمن آذى الجار وبين ذلك في الآتي :

- 1ذنب الاعتداء على الجار مضاعف:
فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي ظَبية الكَلاعي، قال: سمعت المِقْدَاد بن الأسود يحدِّث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألهم عن الزنا، فقالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فقال: (
لأن يزني الرجل بعشر نسوة، خير له من أن يزني بامرأة جاره)، قال: وسألهم عن السرقة، فقالوا: حرام حرمها الله ورسوله، فقال: (لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره)

- 2أذى الجار سبب دخول النار:
أخرج الإمام أحمد وابن حبان - بسند صحيح - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقِط، ولا تؤذي جيرانها، قال: ( هي في الجنة) .

- 3أذى الجار سبب لعدم دخول الجنة:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جاره بوائقه)).

- 4 وأن من يؤذي جاره يكون أول من سيخاصمه أمام الله يوم القيامة هو جاره:فقد أخرج الطبراني وأحمد عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أول خصمين يوم القيامة جاران)).


ج - ومن وسائل التعاون مع الجار أن يتمتع بحقوقه ، ومن صور حقوق الجار ما يأتي :

. 1 تفقد الجار وقضاء حوائجه :
ومن حق الجار إن يتفقد أحواله وأن تقضى حوائجه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد جيرانه فكانت تأتيه الهدية من أصحابه فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول يقول: ( ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) .
وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منكِ بابًا".

. 2 ستر الجار وصيانة عرضه :
وبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت : 46
وكافة الحقوق الأخرى التي يتمتع بها المسلم هي حقوق للجار المسلم ، وكذلك الحقوق التي أقرها لأهل الذمة هي كذلك حقوق للجار غير المسلم والتي يطول بيانها في هذا المقام .

ج - ومن وسائل التعاون التقاء الجيران بشكل دوري :

ومن الأمور المعينة على القيام بحق الجار ـ وبخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الشواغل والصوارف والمغريات ـ: التقاء الجيران بشكل دوري، كل شهر أو شهرين عند أحدهم أو على التناوب فيما بينهم ، وذلك لتحقيق الأهداف الآتية :

. 1 التعارف والتآلف، وتوثيق المحبة والصلة بينهم : والوقوف على أحوال بعضهم البعض، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وتفقد غائبهم، وعيادة مريضهم، وإعانة محتاجهم، وتقويم معوجهم، ونصيحة بعضهم لبعض .

. 2 الاجتماع في مدارسة أحوال الحي وما يحتاج إليه من خدمات وإصلاحات، ومعالجة ما قد يكون فيه من مشكلات ومنكرات من تقصير في الصلاة، أو تجمعات مشبوهة، أو تسكع ومعاكسات، ودوران بالسيارات، أو تعديات وسرقات، أو غير ذلك .

. 3 العناية بأمر الناشئة والشباب، والحرص على تهيئة البيئة الصالحة لتربيتهم وإعدادهم، وحمايتهم من أنواع المنكرات والفواحش التي قد تنتشر في بعض الأحياء ، إذ يجب أن يكون الحي مكملاً لدور المنزل والمدرسة، ومعينًا على الإصلاح والتربية، يكون مسجد الحي عامرًا بحلقات التعليم والتحفيظ، وجلسات الوعظ والذكر، ومصدر إشعاع وتوجيه لكل من يرتاده أو يعيش حوله من أهل الحي .

رابعا : مراتب حق الجار :

من خلال بيان صور الإحسان وحقوق الجار السالفة يتبين أن حقوق الجار على ثلاث مراتب: أدناها كف الأذى عنه، ثم احتمال الأذى منه، وأعلاها وأكملها: إكرامه والإحسان إليه.

الأولى : وهي كف أذاه عن الجار، فهي أقل ما يجب على الجار تجاه جاره، فإنه إذا لم يفعل ذلك فقد تعدى عليه وظلمه فلا أقل من أن يكف أذاه عنه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) رواه البخاري ومسلم

الثانية: فهي احتمال الأذى منه، والتغاضي عنه، والتغافل عن زلته ، كما قال ألله تعالى : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران 134 .

الثالثة : فهي إكرام الجار والإحسان إليه بالمعنى واسع الذي تدخل فيه أنواع كثيرة من المكارم والفضائل التي أمر بها الإسلام ، وذلك على التفصيل السابق حال بيان حقوق الجار .

خامسا : صور راقية للإحسان مع الجيران

. 1 مالك بن دينار اسلم جاره اليهودي :
جاء في الإحياء أن مالك بن دينار - رحمه الله تعالى - كان له جار يهودي، فحول اليهودي مستحمه إلى جدار البيت الذي فيه مالك، وكان الجدار متهدِّمًا، فكانت تدخل منه النجاسة، ومالك ينظف البيت كلَّ يوم ولم يقل شيئًا، وأقام على ذلك مدة وهو صابر على الأذى، فضاق صدر اليهودي من كثرة صبره على هذه المشقة، فقال له: يا مالك، آذيتك كثيرًا وأنت صابر ، ولم تخبرني ، فقال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار ؛ حتى ظننت أنه سيورِّثه )، فندِم اليهودي وأسلم؛ "

. 2 سهل بن عبد الله التستري اسلم جاره المجوسي :
كان لسهل بن عبد الله التستري جار مجوسي، وكان في نفس البيت في الطابق الأعلى، فانفتَحت فتحة في كنيف المجوسي، فكان يقع منها الأذى في دار سهل ، فكان يضع كل يوم الجفنة تحت الفتحة، فينزل فيها الأذى، ثم يأخذ ذلك بالليل ثم يَطرحه بعيدًا، فمكث - رحمه الله - على هذا الحال زمانا طويلاً إلى أن أتى سهلاً المرَضُ، فاستدعى سهل جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه فرأى الفتحة والقذر، فقال: ما هذا؟ قال سهل: هذا منذ زمن طويل يسقط من دارك، وأنا أتلقاه بالنهار وأُلقيه بالليل، ولولا أنه حضَرني أجلي ما أخبرتك، وأنا أخاف أن لا تتَّسع أخلاق غيري لذلك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمن طويل، وأنا مقيم على كفري، أيها الشيخ، مد يدك، فأنا أشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل - رحمة الله عليه.

. 3 أبو الأسود الدؤلي باع جاره :
كان أبو الأسود الدؤلي واسع الحكمة والعلم وهو من نقط حروف اللغة العربية، وقيل أنَّ لأبي الأسود دار باعها ورحل عنها؛ فسأله سائلٌ: "بعت دارك؟" فأجاب: "بعت جاري ولم أبع داري"، أي أنَّه باع منزله لأن له جار سيء ينغص عليه مسكنه، فالبيوت كما يقال بجيرانها، وقد أصبحت مقولة الدؤلي مثلاً يردده الناس في الظروف المماثلة فيقال: "بعت جاري ولم أبع داري".

. 4 بجيرانها تغلو الديار وترخص :
قائل هذه الأبيات مجهول بالنسبة لنا، لكن من الواضح أنَّه تعرض لأمر مماثل من أمر أبي الأسود الدؤلي، فهجر مسكنه وباع داره لأن جاره سيء المعاملة والمعشر، فقال: يلومنني أنْ بعتُ بالرخصِ منزلي ولم يعلموا جاراً هناك ينغِّصُ ، فقلتُ لهم بعض الملام فإنَّما بجيرانها تغلوا الديارُ وترخصُ .

5 . ألف دينار للبيت وألف للجوار :
وقيل أن رجلاً أراد أن يبيع بيته لضيق حاله وطلب ألف دينارٍ ثمناً له، فقال له أحدهم أن البيت لا يستحق هذا الثمن بل نصفه، فأجاب: "بلى البيت لا يستحق أكثر من خمسمائة دينار، لكني أبيعه بألف؛ خمسمائة دينار ثمن البيت وخمسمائة دينارٍ ثمن جوار أبي دلف، وقد ورد في التراث عدد من القصص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق