أن الإنسان بمفرده يعجز عن أن يوفّر لنفسه مقومات بقائه وتطوّره واستمراره ، ومن فطرته مخالطة الآخرين من بني نوعه ليستعين بهم على توفير هذه المقومات ، ومن ثم كان توّاقاً إلى اتّخاذ الأصدقاء، ليكونوا عونا له لقضاء حاجاته وتنفيذ مهامه ، وسلواناً يخفّفون عنه المتاعب ويشاطرونه والضرّاء ويشاركونه السرّاء.
والصديق له أثرٌ بالغ على صديقه ً، لما طبع عليه الإنسان من سرعة التأثّر والانفعال بالقرناء والأخلّاء ، فالصديق الصالح يهدي إلى الرشـد والصلاح ، والصديق الفاسـد يقود إلى الغيّ والفسـاد ، وكم انحرف أشخاصٌ كانوا يعدّون مثاليين فكراً وسلوكاً، ولكن ما لبثوا أن ضلّوا في متاهة الغواية والفسـاد لتأثرهم بالأصدقاء والأخلّاء المنحرفين.
لذلك ينبغي أن نقف على : مفهوم الصداقة الحقيقية كما بينتها أحكام الإسلام ، وكيف حث على اختيار الصحبة الصالحة ، ومكانة الصديق الحقيقي في حياة المسلم ، ونقف عند صفات الصديق الصّالح ، وفوائد مجالسة الأخيار .
أولا : مفهوم الصداقة :
أ - الصداقة لغة واصطلاحا :
الصداقة لغة :
مشتقة من مادة صدق كما اشتق منها الصادق والصديق ، وجمع الأولى الصديقون ، وجمع الثانية الأصدقاء .
وأن الصداقة الحقيقية : تعني المشاعر الفياضة بين قلبين ، ويتألق صفاء تلك المشاعر على سلوك صاحبيهما ومعاملاتهما بتجاوب كامل وأمانة تامة وسعادة نفسية .
والصديق الحقيقي :
هو الذي يصدق بك وتصدق به بدون تكلف ولا تصنع ، بل بصدق النية وإخلاص القلب .
ومن التعريفات الحديثة للصداقة أنها :
علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو أكثر .
وتتميز هذه الصداقة بثلاثة خصائص هي :
1- الانسجام المتبادل الذي تبرزه المشاعر والمعتقدات والسلوك بين الطرفين .
2- الميل إلى المشاركة في نشاطات واهتمامات متنوعة وليس نشاط واحد .
3- قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة انفعالات قوية في الطرف الآخر .
ب - مفهوم الصداقة في القرآن والسنة :
وردت كلمة الصداقة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بمفاهيم تترادف مع الصداقة كالخلّة ، والأخلاء ، والخليل ، الصحبة والجليس الصالح :
1 . فجاء بمعنى الخلّة في قول الله سبحانه وتعالى : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
2 . كما جاء بمعنى الإخلاء في قوله تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض إلا المتقون ) الزخرف : 67
3 . وجاء بمعنى الخليل حيث قال تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ) الفرقان :27- 29 .
4 . كما ورد مفهوم الصداقة بمعنى الصحبة والجليس الصالح ، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ ) حسن
ثانيا : مكانة الصديق والحث على الصحبة الصالحة
أ - مكانة الصديق في حياة المرء المسلم :
لا بد للمسلم العاقل أن يحدد من يتخذه صديقا ، لأن الفاسدين من الأصدقاء يكبونه في الفساد ويزيدون به عدد المفسدين ، بينما الأصدقاء الصالحين يصلحونه ويزيدونه خيرا وثراء وسعادة في الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، ودلائل ذلك في الآتي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) .
وعن شأن الأخلاء يوم البعث والحساب ، قال الله سبحانه وتعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقون ) الزخرف : 67 .
وقال تعالى على لسان جليس السوء وصحبة اللئيم : ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) الفرقان : 28 .
وحذر الله سبحانه وتعالى أن الصحبة السوء لا تنفع يوم القيامة فقال : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
ب - الحث على اختيار الصحبة الصالحة :
وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة و الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.
ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تحثُ المســلمين لاختيار الصحبة الصالحة ، منها ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلُ عَلَى دين خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) .
وعن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله، أي جلسائنا خير؟ قال: « من ذكَّركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله » . رواه أبو يعلى الموصلي.
ومنها ما رواه البخاري عن اَبَي بُرْدَةَ بْنَ اَبِي مُوسَى، عَنْ اَبِيهِ رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً ) .
روى أبو داوود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )
هكذا فأن المسلم مطلوب منه أن يحسن اختيار أصدقائه، لأنه يتأثر بعملهم و أخلاقهم، فإن كانوا أصدقاء سوء تأثر بهم و بأخلاقهم السيئة، وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة، فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه، ويصنف تبعاً لهم.
ثالثا : صفات الصديق الصّالح
هذه خمس صفات مهمة وأساسية في اختيار الأصدقاء، حتى لا نفجع يوماً في أصدقائنا إذا رأينا منهم ما لم نكن نتوقع أن نراه، وحتى نستطيع الوثوق فيمن نصادق وبيان هذه الصفات في الآتي :
1 . أن يكون تقيًا :
فالصداقة قائمة على الثقة، والثقة لا يمكن أن تكتمل إلا لمن خشي الله سبحانه؛ فهو الذي يحفظك في غيبتك، فيستر عرضك ويحفظ أمانتك ويصاحبك في الطاعات ويبعدك عن المنكرات. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) أخرجه أحمد وأبو داود .
2 . أن يكون إلفاً يؤلف :
سهلاً في شخصيته يحب الناس ويحبه الناس، رقيق القلب، كريم السلوك، وفي الحديث ( المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف ) أخرجه احمد ، لذا فاحذر أهل القسوة والشـدة ، محبي الصراعات والاشـتباكات والعقوبات، واحذر أهل الأنانية وحب الذات
.
3 . أن يستر عيوب صديقه وينشر فضائله :
فعلى المسلم أن يحذر من يتحدث بعيبه ويكثر نقده ولا يرى فيه خير ، وفي الحديث: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة ) أخرجه أحمد .
4 . أن يكون صاحب مروءة وعطاء في المواقف :
وفي الحديث : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» ) أخرجه الطبراني ، فاحذر من يظهر في السراء ويختفي في الضراء واحذر الجبناء واحذر البخلاء، واحذر من يتركك في مواقف الشدة، ومن يخاصمك إذا اختلف معك.
5 . أن يكون واضحًا غير ماكر :
فاحذر أهل المكر وأهل الكذب، واحذر المرائين والمتلونين ، فقد أخرج الطبراني أن رسـول الله صلى الله عليه وسـلم قال : ( المكر والخديعة في النار ) .
كما اخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلَّا انماع كما ينماع الملح في الماء ) يعني ذاب الملح في الماء .
6 . أن يكون ذو خلق قويم:
الصداقة في الإسلام ترتبط بالخلق القويم ، لذلك حذر النبي الكريم من جليس السوء ، وحث على ملازمة الجليس الصالح ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ. فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً) صحيح مسلم .
رابعا : فوائد مجالسة الأخيار
1 . مجالسة الأخيار جالبة لمحبة الله :
روى الأمام مالك في موطأه: َعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي -قَال- فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ لِلَّهِ . فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . قَالَ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحبِتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيّ ).
2 . مجالسة الأخيار سبب في الحصول على البركة :
روى الأمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم ) .
3 . . مجالسة الأخيار سبب تبصرك بعيوبك ويدلك على أوجه الضعف عندك :
قال الحسن - رحمه الله -"المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه مالا يعجبـه سـدده وقومه وحاطه وحفظه في السر والعلانية".
4 . مجالسة الأخيار سبب برؤيته يذكر الله - تعالى :
قال عليه الصلاة والسلام: "أولياء الله - تعالى - الذين إذا رأوا ذكر الله - تعالى -" قال قوس بن عقبة - رحمه الله -: "إني كنت لألقى الأخ من إخواني فلأكون بلقيه عاقلا أياما".
5 . مجالسة الأخيار سبب في دخولك ضمن الذين لا خوف عليهم يوم القيامة ولاهم يحزنون :
قال الله تعالى : (الأَخِلَّاءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلَّا المُتَّقِينَ، يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ) "الزخرف: 67، 68".
6 . مجالسة الأخيار سبب للإنتفاع بدعائهم لك بظهر الغيب في حياتك وبعد مماتك :
قال - عليه الصلاة والسلام -"دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"(رواه مسلم)،
وقال عبيد الله بن الحسين - رحمه الله - لرجل"استكثر من الصديق ـ يعني الصالح ـ فإن أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك فيدعو لك".
7 . مجالسة الأخيار سبب لمحبة الله تعالى :
كما في الحديث القدسي قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: (وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتبادلين في) . "رواه مالك" .
8 . مجالسة الأخيار سبب منفعة في الدين والدنيا :
كما قال - عليه الصلاة والسلام -"المؤمن إن ماشــيته نفعك وإن شـاورته نفعك وان شاركته نفعك وكل شيء من أمره منفعة"(رواه أبو نعيم) .
خامسا : قصص للصداقة الحقيقية
1 . عن خباب بن الأرت قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعداً مع عمار، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، في أناس من ضعفاء المؤمنين؛ فلما رأوهم، حقروهم، فخلوا به؛ فقالوا: إن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن يرانا العرب قعودا مع هذه الأعبد، فإذا جئناك، فأقمهم عنا، قال: «نعم».
قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعى بالصحيفة ، ودعا علياً ليكتب ـ ونحن قعود في ناحية ـ؛ إذ نزل جبريل فقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا} [الأنعام: 25ـ54] الآية.
فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة، ودعانا، فأتيناه، وهو يقول: سلام عليكم؛ فدنونا منه، حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس معنا؛ فإذا أراد أن يقوم: قام، وتركنا؛ فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28]. قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي، فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها، قمنا، وتركناه؛ وإلا: صبر أبداً، حتى نقوم .
2 . قال ابن الجوزي – رحمه الله - : كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب .
ثم انتبهت لنفسي ، فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء .
فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة " .فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم
3 . عن أبي قلابة : أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه؛ فقال: أرأيتم، لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟
قالوا: نعم؛ قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم؛ قالوا: أفلا تبغضه؟ قال : إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي. وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: أدع الله تعالى في يوم سرائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك. حلية الأولياء
4 . عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي ذات يوم: يا يونس، إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه، فإياك أن تبادر بالعداوة، وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك؛ ولكن إلقه، وقل له: بلغني عنك كذا وكذ، وأجدر أن تسمى المبلغ؛ فإن أنكر ذلك،
فقل له: أنت أصدق، وأبر؛ ولا تزيدن على ذلك شيئاً؛ وإن اعترف بذلك، فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر، فاقبل منه؛ وإن لم يرد ذلك، فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر، فاقبله؛ وإن لم يذكر لذلك وجهاً لعذر، وضاق عليك المسلك، فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها؛ ثم أنت في ذلك بالخيار: إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه؛ والعفو أبلغ للتقوى، وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
فإن نازعتك نفسك بالمكافأة، فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة، فإن ذلك: الظلم بعينه؛ وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي، من غير أن يزيد، ولا يبخس حقاً لي؛ يا يونس: إذا كان لك صديق، فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهل؛ وقد كان الرجل الصالح، يشبه سهولة مفارقة الصديق: بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً، فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك؛ فهذه وصيتي لك، والسلام .
أن الإنسان بمفرده يعجز عن أن يوفّر لنفسه مقومات بقائه وتطوّره واستمراره ، ومن فطرته مخالطة الآخرين من بني نوعه ليستعين بهم على توفير هذه المقومات ، ومن ثم كان توّاقاً إلى اتّخاذ الأصدقاء، ليكونوا عونا له لقضاء حاجاته وتنفيذ مهامه ، وسلواناً يخفّفون عنه المتاعب ويشاطرونه والضرّاء ويشاركونه السرّاء.
والصديق له أثرٌ بالغ على صديقه ً، لما طبع عليه الإنسان من سرعة التأثّر والانفعال بالقرناء والأخلّاء ، فالصديق الصالح يهدي إلى الرشـد والصلاح ، والصديق الفاسـد يقود إلى الغيّ والفسـاد ، وكم انحرف أشخاصٌ كانوا يعدّون مثاليين فكراً وسلوكاً، ولكن ما لبثوا أن ضلّوا في متاهة الغواية والفسـاد لتأثرهم بالأصدقاء والأخلّاء المنحرفين.
لذلك ينبغي أن نقف على مفهوم الصداقة الحقيقية كما بينتها أحكام الإسلام وكيف حث على اختيار الصحبة الصالحة ، ومكانة الصديق الحقيقي في حياة المسلم ، ونقف عند صفات الصديق الصّالح ، وفوائد مجالسة الأخيار ، ثم نعرض بعض القصص الراقية للصداقة .
أولا : مفهوم الصداقة :
أ - الصداقة لغة واصطلاحا :
الصداقة لغة :
مشتقة من مادة صدق كما اشتق منها الصادق والصديق ، وجمع الأولى الصديقون ، وجمع الثانية الأصدقاء .
وأن الصداقة الحقيقية : تعني المشاعر الفياضة بين قلبين ، ويتألق صفاء تلك المشاعر على سلوك صاحبيهما ومعاملاتهما بتجاوب كامل وأمانة تامة وسعادة نفسية .
والصديق الحقيقي:
هو الذي يصدق بك وتصدق به بدون تكلف ولا تصنع ، بل بصدق النية وإخلاص القلب .
ومن التعريفات الحديثة للصداقة أنها :
علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو أكثر .
وتتميز هذه الصداقة بثلاثة خصائص هي :
1- الانسجام المتبادل الذي تبرزه المشاعر والمعتقدات والسلوك بين الطرفين .
2- الميل إلى المشاركة في نشاطات واهتمامات متنوعة وليس نشاط واحد .
3- قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة انفعالات قوية في الطرف الآخر .
ب - مفهوم الصداقة في القرآن والسنة :
وردت كلمة الصداقة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بمفاهيم تترادف مع الصداقة كالخلّة ، والأخلاء ، والخليل ، الصحبة والجليس الصالح .
1 . فجاء بمعنى الخلّة في قول الله سبحانه وتعالى : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
2 . كما جاء بمعنى الإخلاء في قوله تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض إلا المتقون ) الزخرف : 67
3 . وجاء بمعنى الخليل حيث قال تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ) الفرقان :27- 29 .
4 . كما ورد مفهوم الصداقة بمعنى الصحبة والجليس الصالح ، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ ) حسن
ثانيا : مكانة الصديق والحث على الصحبة الصالحة
أ - مكانة الصديق في حياة المرء المسلم :
لا بد للمسلم العاقل أن يحدد من يتخذه صديقا ، لأن الفاسدين من الأصدقاء يكبونه في الفساد ويزيدون به عدد المفسدين ، بينما الأصدقاء الصالحين يصلحونه ويزيدونه خيرا وثراء وسعادة في الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، ودلائل ذلك في الآتي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) .
وعن شأن الأخلاء يوم البعث والحساب ، قال الله سبحانه وتعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقون ) الزخرف : 67 .
وقال تعالى على لسان جليس السوء وصحبة اللئيم : ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) الفرقان : 28 .
وحذر الله سبحانه وتعالى أن الصحبة السوء لا تنفع يوم القيامة فقال : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
ب - الحث على اختيار الصحبة الصالحة :
وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة و الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.
ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تحثُ المســلمين لاختيار الصحبة الصالحة ، منها ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلُ عَلَى دين خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) .
وعن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله، أي جلسائنا خير؟ قال: « من ذكَّركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله » . رواه أبو يعلى الموصلي.
ومنها ما رواه البخاري عن اَبَي بُرْدَةَ بْنَ اَبِي مُوسَى، عَنْ اَبِيهِ رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً ) .
روى أبو داوود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )
هكذا فأن المسلم مطلوب منه أن يحسن اختيار أصدقائه، لأنه يتأثر بعملهم و أخلاقهم، فإن كانوا أصدقاء سوء تأثر بهم و بأخلاقهم السيئة، وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة، فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه، ويصنف تبعاً لهم.
ثالثا : صفات الصديق الصّالح
هذه خمس صفات مهمة وأساسية في اختيار الأصدقاء، حتى لا نفجع يوماً في أصدقائنا إذا رأينا منهم ما لم نكن نتوقع أن نراه، وحتى نستطيع الوثوق فيمن نصادق وبيان هذه الصفات في الآتي :
1 . أن يكون تقيًا :
فالصداقة قائمة على الثقة، والثقة لا يمكن أن تكتمل إلا لمن خشي الله سبحانه؛ فهو الذي يحفظك في غيبتك، فيستر عرضك ويحفظ أمانتك ويصاحبك في الطاعات ويبعدك عن المنكرات. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) أخرجه أحمد وأبو داود .
2 . أن يكون إلفاً يؤلف :
سهلاً في شخصيته يحب الناس ويحبه الناس، رقيق القلب، كريم السلوك، وفي الحديث ( المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف ) أخرجه احمد ، لذا فاحذر أهل القسوة والشـدة ، محبي الصراعات والاشـتباكات والعقوبات، واحذر أهل الأنانية وحب الذات
.
3 . أن يستر عيوب صديقه وينشر فضائله :
فعلى المسلم أن يحذر من يتحدث بعيبه ويكثر نقده ولا يرى فيه خير ، وفي الحديث: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة ) أخرجه أحمد .
4 . أن يكون صاحب مروءة وعطاء في المواقف :
وفي الحديث : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» ) أخرجه الطبراني ، فاحذر من يظهر في السراء ويختفي في الضراء واحذر الجبناء واحذر البخلاء، واحذر من يتركك في مواقف الشدة، ومن يخاصمك إذا اختلف معك.
5 . أن يكون واضحًا غير ماكر :
فاحذر أهل المكر وأهل الكذب، واحذر المرائين والمتلونين ، فقد أخرج الطبراني أن رسـول الله صلى الله عليه وسـلم قال : ( المكر والخديعة في النار ) .
كما اخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلَّا انماع كما ينماع الملح في الماء ) يعني ذاب الملح في الماء .
6 . أن يكون ذو خلق قويم:
الصداقة في الإسلام ترتبط بالخلق القويم ، لذلك حذر النبي الكريم من جليس السوء ، وحث على ملازمة الجليس الصالح ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ. فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً) صحيح مسلم .
رابعا : فوائد مجالسة الأخيار
1 . مجالسة الأخيار جالبة لمحبة الله :
روى الأمام مالك في موطأه: َعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي -قَال- فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ لِلَّهِ . فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . قَالَ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحبِتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيّ ).
2 . مجالسة الأخيار سبب في الحصول على البركة :
روى الأمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم ) .
خامسا : قصص للصداقة الحقيقية
1 . عن خباب بن الأرت قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعداً مع عمار، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، في أناس من ضعفاء المؤمنين؛ فلما رأوهم، حقروهم، فخلوا به؛ فقالوا: إن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن يرانا العرب قعودا مع هذه الأعبد، فإذا جئناك، فأقمهم عنا، قال: «نعم».
قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعى بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب ـ ونحن قعود في ناحية ـ؛ إذ نزل جبريل فقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا} [الأنعام: 25ـ54] الآية.
فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة، ودعانا، فأتيناه، وهو يقول: سلام عليكم؛ فدنونا منه، حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس معنا؛ فإذا أراد أن يقوم: قام، وتركنا؛ فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28]. قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي، فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها، قمنا، وتركناه؛ وإلا: صبر أبداً، حتى نقوم .
2 . قال ابن الجوزي – رحمه الله - : كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب .
ثم انتبهت لنفسي ، فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء .
فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة " .فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم
3 . عن أبي قلابة : أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه؛ فقال: أرأيتم، لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟
قالوا: نعم؛ قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم؛ قالوا: أفلا تبغضه؟ قال : إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي. وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: أدع الله تعالى في يوم سرائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك. حلية الأولياء
4 . عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي ذات يوم: يا يونس، إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه، فإياك أن تبادر بالعداوة، وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك؛ ولكن إلقه، وقل له: بلغني عنك كذا وكذ، وأجدر أن تسمى المبلغ؛ فإن أنكر ذلك،
فقل له: أنت أصدق، وأبر؛ ولا تزيدن على ذلك شيئاً؛ وإن اعترف بذلك، فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر، فاقبل منه؛ وإن لم يرد ذلك، فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر، فاقبله؛ وإن لم يذكر لذلك وجهاً لعذر، وضاق عليك المسلك، فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها؛ ثم أنت في ذلك بالخيار: إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه؛ والعفو أبلغ للتقوى، وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
فإن نازعتك نفسك بالمكافأة، فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة، فإن ذلك: الظلم بعينه؛ وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي، من غير أن يزيد، ولا يبخس حقاً لي؛ يا يونس: إذا كان لك صديق، فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهل؛ وقد كان الرجل الصالح، يشبه سهولة مفارقة الصديق: بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً، فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك؛ فهذه وصيتي لك، والسلام .
5 - يحكى انه كان هناك صاحبان يمشيان في الصحراء وفي أثناء سيرهما ، اختصما !فصفع احدهما الآخر فتألم الصاحب لصفعة صاحبه فسكت ولم يتكلم بل كتب على الرمل ) اليوم اعز أصحابي صفعني على وجهي )
وواصلا المسير ووجدا واحة فقررا أن يستحما في الماء .. ولكن الذي أنصفع وتألم من صاحبه غرق إثناء السباحة فأنقذه صاحبه الذي صفعه ولما أفاق من الغرق ابتسم ثم قام ونحت على الصخر ( اليوم اعز أصحابي أنقذ حياتي (
فسأله صاحبه : عندما صفعتك كتبت على الرمل ! لكن عندما أنقذت حياتك من الغرق كتبت على الحجر . فلماذا ؟
فأبتسم وأجابه :عندما يجرحنا من نحب علينا أن نكتب ما حدث على الرمل لتمسحها رياح التسامح والغفران ولكن عندما يعمل الحبيب شي رائع علينا أن ننحته على الصخر حتى يبقى في ذاكرة القلب حيث لا رياح تمحوهة.
والصديق له أثرٌ بالغ على صديقه ً، لما طبع عليه الإنسان من سرعة التأثّر والانفعال بالقرناء والأخلّاء ، فالصديق الصالح يهدي إلى الرشـد والصلاح ، والصديق الفاسـد يقود إلى الغيّ والفسـاد ، وكم انحرف أشخاصٌ كانوا يعدّون مثاليين فكراً وسلوكاً، ولكن ما لبثوا أن ضلّوا في متاهة الغواية والفسـاد لتأثرهم بالأصدقاء والأخلّاء المنحرفين.
لذلك ينبغي أن نقف على : مفهوم الصداقة الحقيقية كما بينتها أحكام الإسلام ، وكيف حث على اختيار الصحبة الصالحة ، ومكانة الصديق الحقيقي في حياة المسلم ، ونقف عند صفات الصديق الصّالح ، وفوائد مجالسة الأخيار .
أولا : مفهوم الصداقة :
أ - الصداقة لغة واصطلاحا :
الصداقة لغة :
مشتقة من مادة صدق كما اشتق منها الصادق والصديق ، وجمع الأولى الصديقون ، وجمع الثانية الأصدقاء .
وأن الصداقة الحقيقية : تعني المشاعر الفياضة بين قلبين ، ويتألق صفاء تلك المشاعر على سلوك صاحبيهما ومعاملاتهما بتجاوب كامل وأمانة تامة وسعادة نفسية .
والصديق الحقيقي :
هو الذي يصدق بك وتصدق به بدون تكلف ولا تصنع ، بل بصدق النية وإخلاص القلب .
ومن التعريفات الحديثة للصداقة أنها :
علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو أكثر .
وتتميز هذه الصداقة بثلاثة خصائص هي :
1- الانسجام المتبادل الذي تبرزه المشاعر والمعتقدات والسلوك بين الطرفين .
2- الميل إلى المشاركة في نشاطات واهتمامات متنوعة وليس نشاط واحد .
3- قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة انفعالات قوية في الطرف الآخر .
ب - مفهوم الصداقة في القرآن والسنة :
وردت كلمة الصداقة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بمفاهيم تترادف مع الصداقة كالخلّة ، والأخلاء ، والخليل ، الصحبة والجليس الصالح :
1 . فجاء بمعنى الخلّة في قول الله سبحانه وتعالى : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
2 . كما جاء بمعنى الإخلاء في قوله تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض إلا المتقون ) الزخرف : 67
3 . وجاء بمعنى الخليل حيث قال تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ) الفرقان :27- 29 .
4 . كما ورد مفهوم الصداقة بمعنى الصحبة والجليس الصالح ، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ ) حسن
ثانيا : مكانة الصديق والحث على الصحبة الصالحة
أ - مكانة الصديق في حياة المرء المسلم :
لا بد للمسلم العاقل أن يحدد من يتخذه صديقا ، لأن الفاسدين من الأصدقاء يكبونه في الفساد ويزيدون به عدد المفسدين ، بينما الأصدقاء الصالحين يصلحونه ويزيدونه خيرا وثراء وسعادة في الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، ودلائل ذلك في الآتي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) .
وعن شأن الأخلاء يوم البعث والحساب ، قال الله سبحانه وتعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقون ) الزخرف : 67 .
وقال تعالى على لسان جليس السوء وصحبة اللئيم : ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) الفرقان : 28 .
وحذر الله سبحانه وتعالى أن الصحبة السوء لا تنفع يوم القيامة فقال : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
ب - الحث على اختيار الصحبة الصالحة :
وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة و الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.
ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تحثُ المســلمين لاختيار الصحبة الصالحة ، منها ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلُ عَلَى دين خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) .
وعن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله، أي جلسائنا خير؟ قال: « من ذكَّركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله » . رواه أبو يعلى الموصلي.
ومنها ما رواه البخاري عن اَبَي بُرْدَةَ بْنَ اَبِي مُوسَى، عَنْ اَبِيهِ رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً ) .
روى أبو داوود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )
هكذا فأن المسلم مطلوب منه أن يحسن اختيار أصدقائه، لأنه يتأثر بعملهم و أخلاقهم، فإن كانوا أصدقاء سوء تأثر بهم و بأخلاقهم السيئة، وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة، فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه، ويصنف تبعاً لهم.
ثالثا : صفات الصديق الصّالح
هذه خمس صفات مهمة وأساسية في اختيار الأصدقاء، حتى لا نفجع يوماً في أصدقائنا إذا رأينا منهم ما لم نكن نتوقع أن نراه، وحتى نستطيع الوثوق فيمن نصادق وبيان هذه الصفات في الآتي :
1 . أن يكون تقيًا :
فالصداقة قائمة على الثقة، والثقة لا يمكن أن تكتمل إلا لمن خشي الله سبحانه؛ فهو الذي يحفظك في غيبتك، فيستر عرضك ويحفظ أمانتك ويصاحبك في الطاعات ويبعدك عن المنكرات. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) أخرجه أحمد وأبو داود .
2 . أن يكون إلفاً يؤلف :
سهلاً في شخصيته يحب الناس ويحبه الناس، رقيق القلب، كريم السلوك، وفي الحديث ( المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف ) أخرجه احمد ، لذا فاحذر أهل القسوة والشـدة ، محبي الصراعات والاشـتباكات والعقوبات، واحذر أهل الأنانية وحب الذات
.
3 . أن يستر عيوب صديقه وينشر فضائله :
فعلى المسلم أن يحذر من يتحدث بعيبه ويكثر نقده ولا يرى فيه خير ، وفي الحديث: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة ) أخرجه أحمد .
4 . أن يكون صاحب مروءة وعطاء في المواقف :
وفي الحديث : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» ) أخرجه الطبراني ، فاحذر من يظهر في السراء ويختفي في الضراء واحذر الجبناء واحذر البخلاء، واحذر من يتركك في مواقف الشدة، ومن يخاصمك إذا اختلف معك.
5 . أن يكون واضحًا غير ماكر :
فاحذر أهل المكر وأهل الكذب، واحذر المرائين والمتلونين ، فقد أخرج الطبراني أن رسـول الله صلى الله عليه وسـلم قال : ( المكر والخديعة في النار ) .
كما اخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلَّا انماع كما ينماع الملح في الماء ) يعني ذاب الملح في الماء .
6 . أن يكون ذو خلق قويم:
الصداقة في الإسلام ترتبط بالخلق القويم ، لذلك حذر النبي الكريم من جليس السوء ، وحث على ملازمة الجليس الصالح ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ. فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً) صحيح مسلم .
رابعا : فوائد مجالسة الأخيار
1 . مجالسة الأخيار جالبة لمحبة الله :
روى الأمام مالك في موطأه: َعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي -قَال- فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ لِلَّهِ . فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . قَالَ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحبِتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيّ ).
2 . مجالسة الأخيار سبب في الحصول على البركة :
روى الأمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم ) .
3 . . مجالسة الأخيار سبب تبصرك بعيوبك ويدلك على أوجه الضعف عندك :
قال الحسن - رحمه الله -"المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه مالا يعجبـه سـدده وقومه وحاطه وحفظه في السر والعلانية".
4 . مجالسة الأخيار سبب برؤيته يذكر الله - تعالى :
قال عليه الصلاة والسلام: "أولياء الله - تعالى - الذين إذا رأوا ذكر الله - تعالى -" قال قوس بن عقبة - رحمه الله -: "إني كنت لألقى الأخ من إخواني فلأكون بلقيه عاقلا أياما".
5 . مجالسة الأخيار سبب في دخولك ضمن الذين لا خوف عليهم يوم القيامة ولاهم يحزنون :
قال الله تعالى : (الأَخِلَّاءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلَّا المُتَّقِينَ، يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ) "الزخرف: 67، 68".
6 . مجالسة الأخيار سبب للإنتفاع بدعائهم لك بظهر الغيب في حياتك وبعد مماتك :
قال - عليه الصلاة والسلام -"دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"(رواه مسلم)،
وقال عبيد الله بن الحسين - رحمه الله - لرجل"استكثر من الصديق ـ يعني الصالح ـ فإن أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك فيدعو لك".
7 . مجالسة الأخيار سبب لمحبة الله تعالى :
كما في الحديث القدسي قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: (وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتبادلين في) . "رواه مالك" .
8 . مجالسة الأخيار سبب منفعة في الدين والدنيا :
كما قال - عليه الصلاة والسلام -"المؤمن إن ماشــيته نفعك وإن شـاورته نفعك وان شاركته نفعك وكل شيء من أمره منفعة"(رواه أبو نعيم) .
خامسا : قصص للصداقة الحقيقية
1 . عن خباب بن الأرت قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعداً مع عمار، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، في أناس من ضعفاء المؤمنين؛ فلما رأوهم، حقروهم، فخلوا به؛ فقالوا: إن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن يرانا العرب قعودا مع هذه الأعبد، فإذا جئناك، فأقمهم عنا، قال: «نعم».
قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعى بالصحيفة ، ودعا علياً ليكتب ـ ونحن قعود في ناحية ـ؛ إذ نزل جبريل فقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا} [الأنعام: 25ـ54] الآية.
فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة، ودعانا، فأتيناه، وهو يقول: سلام عليكم؛ فدنونا منه، حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس معنا؛ فإذا أراد أن يقوم: قام، وتركنا؛ فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28]. قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي، فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها، قمنا، وتركناه؛ وإلا: صبر أبداً، حتى نقوم .
2 . قال ابن الجوزي – رحمه الله - : كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب .
ثم انتبهت لنفسي ، فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء .
فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة " .فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم
3 . عن أبي قلابة : أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه؛ فقال: أرأيتم، لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟
قالوا: نعم؛ قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم؛ قالوا: أفلا تبغضه؟ قال : إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي. وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: أدع الله تعالى في يوم سرائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك. حلية الأولياء
4 . عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي ذات يوم: يا يونس، إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه، فإياك أن تبادر بالعداوة، وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك؛ ولكن إلقه، وقل له: بلغني عنك كذا وكذ، وأجدر أن تسمى المبلغ؛ فإن أنكر ذلك،
فقل له: أنت أصدق، وأبر؛ ولا تزيدن على ذلك شيئاً؛ وإن اعترف بذلك، فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر، فاقبل منه؛ وإن لم يرد ذلك، فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر، فاقبله؛ وإن لم يذكر لذلك وجهاً لعذر، وضاق عليك المسلك، فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها؛ ثم أنت في ذلك بالخيار: إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه؛ والعفو أبلغ للتقوى، وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
فإن نازعتك نفسك بالمكافأة، فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة، فإن ذلك: الظلم بعينه؛ وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي، من غير أن يزيد، ولا يبخس حقاً لي؛ يا يونس: إذا كان لك صديق، فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهل؛ وقد كان الرجل الصالح، يشبه سهولة مفارقة الصديق: بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً، فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك؛ فهذه وصيتي لك، والسلام .
أن الإنسان بمفرده يعجز عن أن يوفّر لنفسه مقومات بقائه وتطوّره واستمراره ، ومن فطرته مخالطة الآخرين من بني نوعه ليستعين بهم على توفير هذه المقومات ، ومن ثم كان توّاقاً إلى اتّخاذ الأصدقاء، ليكونوا عونا له لقضاء حاجاته وتنفيذ مهامه ، وسلواناً يخفّفون عنه المتاعب ويشاطرونه والضرّاء ويشاركونه السرّاء.
والصديق له أثرٌ بالغ على صديقه ً، لما طبع عليه الإنسان من سرعة التأثّر والانفعال بالقرناء والأخلّاء ، فالصديق الصالح يهدي إلى الرشـد والصلاح ، والصديق الفاسـد يقود إلى الغيّ والفسـاد ، وكم انحرف أشخاصٌ كانوا يعدّون مثاليين فكراً وسلوكاً، ولكن ما لبثوا أن ضلّوا في متاهة الغواية والفسـاد لتأثرهم بالأصدقاء والأخلّاء المنحرفين.
لذلك ينبغي أن نقف على مفهوم الصداقة الحقيقية كما بينتها أحكام الإسلام وكيف حث على اختيار الصحبة الصالحة ، ومكانة الصديق الحقيقي في حياة المسلم ، ونقف عند صفات الصديق الصّالح ، وفوائد مجالسة الأخيار ، ثم نعرض بعض القصص الراقية للصداقة .
أولا : مفهوم الصداقة :
أ - الصداقة لغة واصطلاحا :
الصداقة لغة :
مشتقة من مادة صدق كما اشتق منها الصادق والصديق ، وجمع الأولى الصديقون ، وجمع الثانية الأصدقاء .
وأن الصداقة الحقيقية : تعني المشاعر الفياضة بين قلبين ، ويتألق صفاء تلك المشاعر على سلوك صاحبيهما ومعاملاتهما بتجاوب كامل وأمانة تامة وسعادة نفسية .
والصديق الحقيقي:
هو الذي يصدق بك وتصدق به بدون تكلف ولا تصنع ، بل بصدق النية وإخلاص القلب .
ومن التعريفات الحديثة للصداقة أنها :
علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو أكثر .
وتتميز هذه الصداقة بثلاثة خصائص هي :
1- الانسجام المتبادل الذي تبرزه المشاعر والمعتقدات والسلوك بين الطرفين .
2- الميل إلى المشاركة في نشاطات واهتمامات متنوعة وليس نشاط واحد .
3- قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة انفعالات قوية في الطرف الآخر .
ب - مفهوم الصداقة في القرآن والسنة :
وردت كلمة الصداقة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بمفاهيم تترادف مع الصداقة كالخلّة ، والأخلاء ، والخليل ، الصحبة والجليس الصالح .
1 . فجاء بمعنى الخلّة في قول الله سبحانه وتعالى : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
2 . كما جاء بمعنى الإخلاء في قوله تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض إلا المتقون ) الزخرف : 67
3 . وجاء بمعنى الخليل حيث قال تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ) الفرقان :27- 29 .
4 . كما ورد مفهوم الصداقة بمعنى الصحبة والجليس الصالح ، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ ) حسن
ثانيا : مكانة الصديق والحث على الصحبة الصالحة
أ - مكانة الصديق في حياة المرء المسلم :
لا بد للمسلم العاقل أن يحدد من يتخذه صديقا ، لأن الفاسدين من الأصدقاء يكبونه في الفساد ويزيدون به عدد المفسدين ، بينما الأصدقاء الصالحين يصلحونه ويزيدونه خيرا وثراء وسعادة في الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، ودلائل ذلك في الآتي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) .
وعن شأن الأخلاء يوم البعث والحساب ، قال الله سبحانه وتعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقون ) الزخرف : 67 .
وقال تعالى على لسان جليس السوء وصحبة اللئيم : ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) الفرقان : 28 .
وحذر الله سبحانه وتعالى أن الصحبة السوء لا تنفع يوم القيامة فقال : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة : 254 .
ب - الحث على اختيار الصحبة الصالحة :
وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة و الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.
ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تحثُ المســلمين لاختيار الصحبة الصالحة ، منها ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلُ عَلَى دين خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) .
وعن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله، أي جلسائنا خير؟ قال: « من ذكَّركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله » . رواه أبو يعلى الموصلي.
ومنها ما رواه البخاري عن اَبَي بُرْدَةَ بْنَ اَبِي مُوسَى، عَنْ اَبِيهِ رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً ) .
روى أبو داوود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )
هكذا فأن المسلم مطلوب منه أن يحسن اختيار أصدقائه، لأنه يتأثر بعملهم و أخلاقهم، فإن كانوا أصدقاء سوء تأثر بهم و بأخلاقهم السيئة، وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة، فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه، ويصنف تبعاً لهم.
ثالثا : صفات الصديق الصّالح
هذه خمس صفات مهمة وأساسية في اختيار الأصدقاء، حتى لا نفجع يوماً في أصدقائنا إذا رأينا منهم ما لم نكن نتوقع أن نراه، وحتى نستطيع الوثوق فيمن نصادق وبيان هذه الصفات في الآتي :
1 . أن يكون تقيًا :
فالصداقة قائمة على الثقة، والثقة لا يمكن أن تكتمل إلا لمن خشي الله سبحانه؛ فهو الذي يحفظك في غيبتك، فيستر عرضك ويحفظ أمانتك ويصاحبك في الطاعات ويبعدك عن المنكرات. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) أخرجه أحمد وأبو داود .
2 . أن يكون إلفاً يؤلف :
سهلاً في شخصيته يحب الناس ويحبه الناس، رقيق القلب، كريم السلوك، وفي الحديث ( المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف ) أخرجه احمد ، لذا فاحذر أهل القسوة والشـدة ، محبي الصراعات والاشـتباكات والعقوبات، واحذر أهل الأنانية وحب الذات
.
3 . أن يستر عيوب صديقه وينشر فضائله :
فعلى المسلم أن يحذر من يتحدث بعيبه ويكثر نقده ولا يرى فيه خير ، وفي الحديث: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة ) أخرجه أحمد .
4 . أن يكون صاحب مروءة وعطاء في المواقف :
وفي الحديث : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» ) أخرجه الطبراني ، فاحذر من يظهر في السراء ويختفي في الضراء واحذر الجبناء واحذر البخلاء، واحذر من يتركك في مواقف الشدة، ومن يخاصمك إذا اختلف معك.
5 . أن يكون واضحًا غير ماكر :
فاحذر أهل المكر وأهل الكذب، واحذر المرائين والمتلونين ، فقد أخرج الطبراني أن رسـول الله صلى الله عليه وسـلم قال : ( المكر والخديعة في النار ) .
كما اخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلَّا انماع كما ينماع الملح في الماء ) يعني ذاب الملح في الماء .
6 . أن يكون ذو خلق قويم:
الصداقة في الإسلام ترتبط بالخلق القويم ، لذلك حذر النبي الكريم من جليس السوء ، وحث على ملازمة الجليس الصالح ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ. فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً) صحيح مسلم .
رابعا : فوائد مجالسة الأخيار
1 . مجالسة الأخيار جالبة لمحبة الله :
روى الأمام مالك في موطأه: َعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي -قَال- فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ لِلَّهِ . فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلْتُ آللَّهِ . قَالَ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحبِتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيّ ).
2 . مجالسة الأخيار سبب في الحصول على البركة :
روى الأمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم ) .
خامسا : قصص للصداقة الحقيقية
1 . عن خباب بن الأرت قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعداً مع عمار، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، في أناس من ضعفاء المؤمنين؛ فلما رأوهم، حقروهم، فخلوا به؛ فقالوا: إن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن يرانا العرب قعودا مع هذه الأعبد، فإذا جئناك، فأقمهم عنا، قال: «نعم».
قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعى بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب ـ ونحن قعود في ناحية ـ؛ إذ نزل جبريل فقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا} [الأنعام: 25ـ54] الآية.
فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة، ودعانا، فأتيناه، وهو يقول: سلام عليكم؛ فدنونا منه، حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس معنا؛ فإذا أراد أن يقوم: قام، وتركنا؛ فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28]. قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي، فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها، قمنا، وتركناه؛ وإلا: صبر أبداً، حتى نقوم .
2 . قال ابن الجوزي – رحمه الله - : كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب .
ثم انتبهت لنفسي ، فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء .
فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة " .فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم
3 . عن أبي قلابة : أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه؛ فقال: أرأيتم، لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟
قالوا: نعم؛ قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم؛ قالوا: أفلا تبغضه؟ قال : إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي. وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: أدع الله تعالى في يوم سرائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك. حلية الأولياء
4 . عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي ذات يوم: يا يونس، إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه، فإياك أن تبادر بالعداوة، وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك؛ ولكن إلقه، وقل له: بلغني عنك كذا وكذ، وأجدر أن تسمى المبلغ؛ فإن أنكر ذلك،
فقل له: أنت أصدق، وأبر؛ ولا تزيدن على ذلك شيئاً؛ وإن اعترف بذلك، فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر، فاقبل منه؛ وإن لم يرد ذلك، فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر، فاقبله؛ وإن لم يذكر لذلك وجهاً لعذر، وضاق عليك المسلك، فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها؛ ثم أنت في ذلك بالخيار: إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه؛ والعفو أبلغ للتقوى، وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
فإن نازعتك نفسك بالمكافأة، فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة، فإن ذلك: الظلم بعينه؛ وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي، من غير أن يزيد، ولا يبخس حقاً لي؛ يا يونس: إذا كان لك صديق، فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهل؛ وقد كان الرجل الصالح، يشبه سهولة مفارقة الصديق: بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً، فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك؛ فهذه وصيتي لك، والسلام .
5 - يحكى انه كان هناك صاحبان يمشيان في الصحراء وفي أثناء سيرهما ، اختصما !فصفع احدهما الآخر فتألم الصاحب لصفعة صاحبه فسكت ولم يتكلم بل كتب على الرمل ) اليوم اعز أصحابي صفعني على وجهي )
وواصلا المسير ووجدا واحة فقررا أن يستحما في الماء .. ولكن الذي أنصفع وتألم من صاحبه غرق إثناء السباحة فأنقذه صاحبه الذي صفعه ولما أفاق من الغرق ابتسم ثم قام ونحت على الصخر ( اليوم اعز أصحابي أنقذ حياتي (
فسأله صاحبه : عندما صفعتك كتبت على الرمل ! لكن عندما أنقذت حياتك من الغرق كتبت على الحجر . فلماذا ؟
فأبتسم وأجابه :عندما يجرحنا من نحب علينا أن نكتب ما حدث على الرمل لتمسحها رياح التسامح والغفران ولكن عندما يعمل الحبيب شي رائع علينا أن ننحته على الصخر حتى يبقى في ذاكرة القلب حيث لا رياح تمحوهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق