الأربعاء، 14 فبراير 2018

الموت وسكراته ... تذكرة للغافلين وعبر وعظات للذاكرين والاستعداد له بكل الوسائل واجب وله فوائد كثيرة إعداد : محمد أبوغدير المحامي


 الموت هو الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها، وهو يأتي بغتةً، ولا يدري أحد من الناس متى وأين وكيف سينتهي أجله، وأكيس المؤمنين َأكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، والغافلون عنه توقظهم سكرات الموت فينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم ، وفي الموت عبر وعظات، ومن ثم وجب علينا أن نلتمس وسائل الاستعداد للموت قبل فوات الأوان حتى تتحقق فوائده.

وبيان ذلك في هذه السطور.

أولاً : الموت وسكراته :

أ - الموت قَضاء نافذ :

الموت عاقبة كلِّ حيّ، وخِتام كلِّ شيّ، ونهاية كلِّ موجود، سوى الربِّ المعبود ، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ الرحمن: 26، 27 .

الموت قَضاء نافذ ، وحُكم شامل، وأمر حاتم لازم، لا تمنع منه حَصانة القِلاع، ولا يَحُول دُونه حِجابٌ، ولا تردد الأبواب، كما قال العزيز الوهَّاب: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ النساء: 78.

ب - للموت سكرات مؤلمة :

إن لسكرات الموت آلامًا لا يعلمها إلا الميت؛ فالميت ينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم، فالموت قد هد كل جزء من أجزاء البدن، فلم يترك لإنسان قوة للاستغاثة، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها غرغرة تصدر من حلقه وصدره، وقد تغير لونه، حتى تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها .

 1 - سكرات الموت في القرآن والسنة  :

تحدث القرآن الكريم عن شدة الموت فقال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾ الواقعة: 83 – 85 ، قال الإمام ابن كثير: قوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴾ أي: إلى المحتَضَر وما يكابده من سكرات الموت .

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة - أو علبة - فيها ماء، فجعل يُدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه، ويقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت سكرات )، ثم نصب يده فجعل يقول: ( في الرفيق الأعلى ) حتى قبض ومالت يده)
قال البخاري: (العلبة من الخشب، والركوة من الجلد ) .

2 . أقوال السلف في سكرات الموت:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب الأحبار: يا كعب، حدثنا عن الموت، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، إن الموت كغصنٍ كثير الشوك، أُدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبه رجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ .

كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحض على القتال ويقول: إن لم تقتلوا تموتوا، والذي نفسي بيده، لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من موت على فراش.

قال شداد بن أوس رضي الله عنه: الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن، وهو أشد من نشرٍ بالمناشير، وقرضٍ بالمقاريض، وغليٍ في القدور، ولو أن الميت نُشِر فأخبَر أهل الدنيا بالموت، ما انتفعوا بعيش، ولا لذوا بنوم .


ثانيا : الموت تذكرة للغافلين  وعبر وعظات للذاكرين :

 أ – الموت تذكرة للغافلين :

يقول القرطبي - رحمه الله - في كتابه "التذكرة "
( تفكَّر يا مغرور في الموت وسَكرته، وصُعوبة كأسه ومَرارته، فيا للموت من وعدٍ ما أصدَقَه، ومن حاكمٍ ما أعدله! كفى بالموت مُقرحًا للقلوب ومُبكيًا للعيون، ومُفرِّقًا للجماعات، وهادمًا للذَّات، وقاطعًا للأُمنيات، فهل تفكَّرت يا ابن آدم في يوم مَصرعك، وانتقالك من موضعك، وإذا نقلت من سَعة إلى ضِيق، وخانَك الصاحب والرفيق، وهجَرَك الأخ والصديق، وأخَذت من فراشك وغِطائك إلى عرر وغطُّوك بعد لين لحافك بتراب .

فيا جامع المال، والمجتهِد في البُنيان، ليس لك والله من مالِك إلا الأكفان، بل هي والله للخَراب والذَّهاب وجِسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعتَه من مال؟ هل أنقذَكَ من الأهوال؟ كلا، بل تركتَه إلى مَن لا يحمدك، وقدِمت بأوزارك على مَن لا يعذرك".

ويقول القرطبي أيضًا في كتابه "التذكرة"
: "يا هذا، أين الذي جمعتَه من الأموال، وأعددته للشدائد والأهوال، لقد أصبحتْ كفُّك منه عند الموت خاليةً صفْرًا، وبُدِّلت من بعد غِناك وعِزِّك ذلاًّ وفَقْرًا، فكيف أصبحت يا رهينَ أوزاره؟ ويا مَن سُلِبَ من أهله ودِياره؟ ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد، وأقل اهتمامك لحمْل الزاد إلى سفرك البعيد، وموقفك الصَّعب الشديد!
أوَمَا علمت يا مغرور أن لا بُدَّ من الارتحال، إلى يوم شديد الأهوال، وليس ينفعك ثَمَّ قيل ولا قال، بل يعد عليك بين يدي الملك الدَّيَّان، ما بطشت اليدان، ومشت القَدَمان، ونطَق به اللسان، وعملت الجوارح والأركان، فإنْ رحمك فإلى الجنان، وإن كانت الأخرى فإلى النِّيران.

يا غافلاً عن هذه الأحوال، إلى كم هذه الغَفلة والتوان! أتحسب أنَّ الأمر صغير، وتزعم أنَّ الخطب يسير؟ وتظنُّ أنْ سينفعك حالك إذا آنَ ارتحالُك، أو ينقذك مالك حين تُوبقك أعمالك، أو يُغني عنك ندَمُك إذا زلَّت بك قدمك، أو يعطف عليك معشرُك حين يضمُّك محشرُك، كلا والله ساءَ ما تتوهَّم، ولا بُدَّ لك أنْ ستعلَم، لا بالكفاف تقنع، ولا من الحَرام تشبع، ولا للعِظات تسمع، ولا بالوعيد ترتدع، دأبك أنْ تنقلب مع الأهواء، وتخبط خبط العَشواء، يعجبك التكاثُر بما لديك، ولا تذكُر ما بين يديك.

يا نائمًا في غَفلة، وفي خبطة يَقظان، إلى كم هذه الغفلة والتَّوان! أتزعُم أنْ ستُتْرَك سُدًى، وألا تُحاسب غدًا، أم تحسب أنَّ الموت يقبَلُ الرِّشا، أم يميز بين الأسد والرَّشا؟ كلا والله لن يدفَع عنك الموت مالٌ ولا بنون، ولا ينفع أهلَ القبور إلا العمل المبرور.


ب -  الموت عبر وعظات :

كان السَّلف الكِرام يُذكِّر أحدُهم أخاه بالموت وما بعدَه؛ حتى يتأهَّب لهذه اللَّحظة ولا يغفل عنها، فالموت خير واعظ.

دخَل يزيد الرقاشي على عمر بن عبدالعزيز فقال له: "عِظني، فقال يزيد الرقاشي: لست أوَّل خليفة تموت يا أمير المؤمنين، قال: زِدني، قال: لم يبقَ أحدٌ من آبائك من لدُن آدم إلى بلغت النوبة إليك إلا وقد ذاق الموت، قال: زِدْنِي، قال: ليس بين الجنَّة والنَّار منزل والله... ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ الانفطار: 13، 14]، وأنت أبصَرُ ببرِّك وفُجورك، فبكى عمر حتى سقَط عن سريره.
قال الحارث بن إدريس: قلت لداود الطائي: أوصِني، فقال: "عسكر الموت ينتظرونك".
قال لقمان لابنه: "يا بني، أمرٌ لا تدري متى يلقاك، استعدَّ له قبل أنْ يفجاك".
وقال الحسن : "أيها الناس، أصبحتم والله في أجلٍ منقوص، وعمل محصى محروس، والموت فوق رؤوسكم، والنار بين أيديكم"
وحضر الحسن جنازةً ثم قال: "أيها الناس، اعمَلُوا لمثل هذا اليوم، ﴿وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ التوبة: 94 .


ثالثا : الاستعداد للموت

أ - الموت يأتي فجأة فيجب الاستعداد له :

يجب علينا أن نعلم أن الموت يأتي بغتةً، ولا يدري أحد من الناس متى وأين وكيف سينتهي أجله الذي كتبه الله تعالى.

1. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ لقمان: 34 .

2. روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئٍ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبة عنده) .

3. قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ المؤمنون: 99، 100.

4. قال جل شأنه: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ الجمعة: 8 .

5. وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعِظه: ( اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك .

ب - وسائل الاستعداد للموت:

وسائل الاستعداد للموت كثيرة، ويمكن أن نوجزها في الأمور الآتية:

 . 1 المحافظة على فرائض الله تعالى وسنه رسول الله :

يجب على المسلم أن يستعد للموت بالمحافظة على أداء كل ما افترضه الله تعالى عليه، من الصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان، وأن يتبع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال.
قال سبحانه:﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ البقرة: 43 .

وقال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة: 183.

وقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران: 97 .

روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، الحج، وصوم رمضان)
وأمرنا الله تعالى باتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، بقدر المستطاع، ولا يكلف الله تعالى نفسًا إلا وسعها.

وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ الحشر: 7 .

 . 2 الإكثار من ذكر الموت:

روى الحاكم عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنه يرق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هُجْرًا ) هُجْرًا: الكلام الباطل المخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

روى الترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذِكْرَ هاذم اللذات)) يعني الموت.

 . 3 الاستعداد للموت بالتوبة الصداقة:

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ التحريم: 8 .

والتوبة النصوح كما قال الإمام ابن كثير هي التوبةً الصادقةً اجازمةً، التي تمحو ما قبلها من السيئات، وتلمُّ شعث التائب وتجمعه، وتكفه عما كان يتعاطاه من النداءات.

 . 4 حسن الظن بالله عند الموت:

روى مسلم عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: ( لا يموتن أحدُكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل ).

وقال الإمام النووي (رحمه الله) هذا الحديث تحذيرٌ من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة.
روى ابن ماجه عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: ( كيف تجدك؟ )، قال: أرجو الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف .

. 5  استحضار ما بعد الموت من منازل

بذكر عذاب القبر ونعيمه، والبعث والحشر، والعرق، والمرور على الصراط، وصحيفة الأعمال، والميزان، والحوض والشفاعة، والجنة والنار، وما أعد الله لأهلهما، والوقوف للحساب أمام الله تعالى.

قال الله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ إبراهيم: 27. روى النسائي عن البراء أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر .

قال الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ الأنبياء: 47 .

وقال جل شأنه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ القارعة: 6 – 11.
قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ'على التحكيم ﴾ يس: 65.

روى الترمذي عن المقداد بن الأسود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان يوم القيامة أُدنِيَت الشمس من العباد حتى تكون قِيد مِيل أو اثنين - قال سليم: لا أدري أي المِيلين عَنَى؛ أمسافة الأرض أم المِيل الذي تكتحل به العين؟! - قال: فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم؛ فمنهم من يأخذه إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حِقْويه، ومنهم من يلجمه إنجازًا ) ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه؛ أي: يُلجمه إنجازًا  ) .

روى البخاري عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني فَرَطُكم على الحوض، مَن مر عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليَرِدَنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا لِمن غيَّر بعدي  ) .

قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ الأنعام: 94 .
روى الشيخان عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاءَ وجهه؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة)  .

رابعا : فوائد ذكر الموت :

اعلم أن في ذكر الموت فوائد عديدة من ذلك :

1. أنه يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي.

2. يذهب الفرح والسرور بالدنيا، ويزهد فيها، ويهون المصائب.

3. التأثر في مشاهدة المحتضرين الذين تخرج أرواحهم، فإن في النظر إليهم ومشاهدة سكراتهم  .
4. عند نزع أرواحهم، وشخوص أبصارهم عند نزعها، وعجزهم عن الكلام، عند تسلل الروح من الجسد ، وتأمل صورهم بعد خروج الروح ما يقطع عن النفوس لذاتها ويطرد عن القلوب مسراتها ويمنع الجفون من النوم ويمنع الأبدان من الراحة، ويبعث على الجد والاجتهاد في العمل للآخرة.

5. يلين القلوب القاسية زيارة القبور، فإنها تبلغ من القلوب ما لا يبلغه الأول والثاني والثالث لأنها تذكر بالآخرة ، وَلَمْ أَرَى كَالْمَواتِ أَفْجَعَ مَنْظَرًا=وَلاَ وَاعِظِي جُلاَّسِهم كَالْمَقَابِرِ

6. زيارة المستشفيات والمستوصفات فإنها تلين القلوب وتحث الإنسان على حمد الله وشكره، وعلى الجد والاجتهاد فيما يعود نفعه على الإنسان في الآخرة ، وينبغي للإنسان أن يقوي ظنه بالله ويستحضر رحمته ورأفته ولطفه بعباده ولا سيما عند الاحتضار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق