قال الله تعالى : ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) من الآية 38 سورة محمد :
إن لله عز وجل سننًا لا تتبدل ولا تتخلف بإذن الله، هذه السنن من أهم دعائم بقاء الأمم واستمرارها وتمكنها وظهورها، وهذه السنن لا تعرف جورًا ولا محاباة، فهي جارية على خلق الله جميعًا، مؤمنهم وكافرهم، فأيما أمة أو جماعة أو أفراد استوفوا شروطها وعملوا بمقتضياتها جرت عليهم السنن، وجودًا وعدمًا، سلبًا وإيجابًا .
ومن أعظم هذه السنن سنة الاستبدال، التي جعلها الله عز وجل لحفظ دينه ونصرة شريعته ، وسنة الاستبدال وثيقة الصلة بوظيفة أمة الإسلام، أمة الرسالة الخاتمة،التي شرفها الله عز وجل وخصها في حمل خاتم رسالاته وإبلاغها للبشرية لقوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) آل عمران:110 .
فإذا فقدت الأمة المسلمة صفات أمة الرسالة الخالدة، وأصبحوا غير مؤهلين لها، فهمًا ووعيًا وعملًا ودعوةً وجهادًا وصبرًا وهمة؛ يستبدلهم الله بقوم آخرين، ويفقدون بذلك ريادة العالم وقيادته فأصبحوا ذيلًا بعد أن كانوا رأسًا ،تحقيقًا لسنة الله عز وجل : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) محمد:38
أولا : السنن مفهومها وخصائصها وأهمية دراستها :
أ - مفهوم السنن :
1 . تعريف السنن في اللفة :
قال الراغب الأصفهاني :" السنن جمع سُنّة, وسنة الوجه : طريقته, وسنة النبي طريقته التي كان يتحراها, وسنة الله قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته نحو قول الله تعالى : ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) الفتح : 23
2 . تعريف السنن اصطلاحا :
قال أبو البقاء : السنة شرعا اسم للطريقة المرضية المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب ،
والمراد بالمسلوكة في الدين ما سلكها رسول الله أو غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ).
ب - أنواع السنن الإلهية
للسنن الإلهية أنواع كثيرة منها :
1. سنة التغيير: قال تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) سورة الرعد11.
2. سنة المداولة: قال الله تعالى: ( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) سورة آل عمران140.
3. سنة التدافع: قال تعالى (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) سورة البقرة251 .
4. سنة العقوبات : كما قال تعالى: ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ) سورة العنكبوت40
5. سنة الإصلاح : قال تعالى ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) سورة هود88 .
ج - خصائص السنن الإلهية :
للسنن الإلهية خصائص ثلاث هي :
1 . الثبات: أي لا تتبدل ولا لقوله تعالى﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ فاطر : 43.
2 . العموم: أي أنها تشمل كل البشر والخلائق دون استثناء وبلا محاباة: لقوله تعالى﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾ النساء 123.
3 . الاطراد : أي التكرار أينما وجدت الظروف المناسبة مكانا وزمانا وأشخاصا لقوله تعالى : ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾ آل عمران 138 .
د – أهمية دراسة السنن الإلهية:
1 - دراسة السنن الإلهية فريضة شرعية وضرورة واقعية :فقد تضمن كتاب الله تعالى الكثير من أحوال الخلق وطبائعهم والسنن الإلهية في البشر وفي الآفاق والأنفس ، وعن آياته في السماوات والأرض ، وأمرنا بالنظر والتفكر فيها، الامر الذي يزيدنا ارتقاء وكمالا .
2 - وبها نفهم التاريخ ونحلل أحداثه :فمن خلالها تعرف عوامل البناء والهدم ، والخوف والأمن ، الإستقرار الإضمحلال والسقوط .
3 - وهي من أسباب النصر والتمكين والفلاح ، كما له سنن في التغيير والاستبدال وفي والنظر إليها اطمئنان إلى وعد الله تعالى بنصر المؤمنين ، وبالتدمير على المعاندين .
4 - وسيلة لاجتماع الكلمة ووحدة للصف ، لما فيها ما يعين على الخروج من الاختلاف والنزاع والتشتت ، والوصول إلى آفاق العلم الذي لا جدال فيه ولا اختلاف معه .
5 - ففي السير على هداها تحقيق لمعنى الاستخلاف في الأرض بمعرفة شروطه وأحكامها وموانع حدوثه، ويجعلنا قادرين على نستخير الواقع لصالحنا والاستفادة منه ، مما ييسر لنا مهمة الاستخلاف في الأرض وبناء الحضارة.
ثانيا : مفهوم الإستبدال :
أ - معنى الاستبدال في اللفة :
الباء والدال واللام هي الحروف الأصلية في كلمة الإستبدال وهي تعني في اللغة ترجيح شيء على شيء آخر
وقيل معناه أيضا : جعل شيء مكان شيء آخر ، سواء كان ذلك المجعول عوضاً أم لم يكن ، فجعل المال مكان الدار التي تشتريها استبدال، وهكذا.
ب - معنى الاستبدال في الاصطلاح :
مفهوم هذه السنة : أن المجتمع الذي يترك مسؤولياته ويبتعد عن أوامر الله تعالى فسوف يستبدله الله بغيره ممن يحملون المسؤولية وأعباء الرسالة الإلهية .
أو هو بإختصار شديد : تبديل قوم بآخرين أفضل منهم ، لحمل أعباء الرسالة الإلهية ،
ج - الاستبدال في القرآن الكريم :
ورد في القرآن العديد من الآيات التي تتحدّث عن الاستبدال كفعل منسوبٍ إلى الله تعالى، ومفعوله هو المسلمون من خلال تبصرته سبحانه وتعالى للمسلمين أنهم أحد الأسباب التي تمرّ من خلالها المشيئة الإلهيّة التي لا بدّ من أن تتحقّق ، وليس السبب الوحيدة لتحقيق إرادة الله تعالى ، ومن هذه الآيات :
1 - قوله تعالى: ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ سورة محمد :الآية 38.
2 - وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ سورة التوبة الآية 39.
وكلتا الآيتين وردت في سياق التحريض على نصرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحثّ المسلمين على الإمساك براية التوحيد بقوّة.
3 - وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة المائدة 54.
وهذه الآية أتت بقانون عام يحمل إنذاراً لجميع المسلمين، فأكّدت أنّ من يرتد عن دينه فهو لن يضر اللّه بارتداده هذا أبداً، ولن يضرّ الدين ولا المجتمع الإسلاميّ أو تقدّمه السريع، لأنّ اللّه كفيل باستبدالهم بغيرهم ممن تتوافر فيهم السمات الواردة في الآية السالف ذكرها .
ثالثا : أسباب الإستبدال :
1 . الارتداد عن دين الله :
وهذا السبب متعلق بالجانب العقائدي ، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) سورة المائدة 54. فالآية الكريمة تحذر أن كل من يرتد عن دين الله تعالى والإيمان الصادق به وبتعاليمه وبأنبيائه ورسله؛ فلا يطيعه في أمره ولا يلتزم بأحكامه ولا يعمل بإرادته؛ بل يستغني ويتولى معرضًا عن الدين الحنيف والملة الحقة، فسوف يستبدل الله به من هو أحق منه بهذه المَكْرُمة .
والإستبدال لا يحدث بسبب الخروج عن جميع أركان الإيمان أو الإسلام ، وإنما يكفي فقط إهمال الأمة لركن واحد من هذه الأركان لتكون مرتدة ؛ لأن هذه الأركان مرتبطة ببعضها البعض ويستحيل أن تنفك .
2 . ترك تعاليم الله وشريعته ومنها الانفاق في سبيل الله :
قال الله تعالى : ( هَا أَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) محمد 38 ،
وهذا السبب متعلق بالجانب السلوكي، وهذا هو حال الأعم الأغلب للأمة الإسلامية فالكثير من مفردات الشريعة الاسلامية من عبادات ومعاملات أصبحت مغيبة و لا أثر لها وهذا سبب حي وجوهري للإستبدال .
3 . ترك جهاد أعداء الله :
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ) التوبة 39 ، 40
يقول السيد قطب في ظلال القرآن : وما يحجم ذو عقيد عن النفرة للجهاد في سبيله، إلا وفي هذه العقيدة دخل، وفي إيمان صاحبها بها وهن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو، مات على شعبة من شعب النفاق) ، والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة ، فهو كذلك عذاب الدنيا ، عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والتضحية، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل.
4 . فقدان صفات أمة الرسالة الخالدة:
أمة الإسلام هي أمة الرسالة الخاتمة، التي شرفها الله عز وجل وخصها في حمل خاتم رسالاته، وإبلاغها للبشرية: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ } سورة آل عمران:110.
فإذا فقدت الأمة المسلمة صفات أمة الرسالة الخالدة، وأصبحوا غير مؤهلين لها، فهمًا ووعيًا وعملًا ودعوةً وجهادًا وصبرًا وهمة؛ يستبدلهم الله بقوم آخرين، ويفقدون بذلك ريادة العالم وقيادته، تحقيقًا لسنة الله عز وجل لقوله تعالى: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ْ} محمد:38 .
5 . حب الدنيا وكراهية الموت:
وحب الدنيا أن يتمسك الإنسان بالدنيا ويحبها ويرتبط بها، ويكره أن يموت، ويكره لقاء الله عز وجل والموت والشهادة في سبيل الله عز وجل، فإذا وصلت الأمة إلى هذه الحالة كانت النكبات والكوارث والمصائب على رأسها، فالدنيا خطيرة وكانت سنة الإستبدال .
أخرج أبو داود رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها»، قالوا: «أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟!»، قال: «لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم، وليلقين في قلوبكم الوهن»، قالوا : ( وما الوهن يا رسول الله؟»، قال صلى الله عليه وسلم: «حب الدنيا وكراهية الموت ) .
رابعا : سمات المجتمع البديل الذي سيتحمل أعباء الرسالة :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) الآية 54 من سورة المائدة ، الآية فيها رسالة للمؤمنين، مفادها أنَّ من يترك الصف المسلم فيرتد وينكص على عقبيه، فإنَّ الله عزَّ وجل سيبدل هذا الصف بأناس أكثر رسوخاً وإيماناً، وأكثر قوّةً وجهاداً ، وقد وصف القرآن الكريم فئة جيل النَّصر بست صفات هي :
1 - محبَّة الله لهم :
فمحبَّة الله هي أسمى نعمة يتوق لها المؤمنون ويتطلعون إليها، والمؤمن الحق لا يبغي أجراً من الناس، بل يتشوّق لنيل رضا الله عليه، فهل هناك أسمى وأكرم من محبَّة الله لعباده المؤمنين!! ، ومن علامات المحبَّة أنَّ الله تعالى يوفقهم لأداء الطَّاعات، وييسر لهم الخيرات ، كما أنَّه يحسن لهم الثواب ويرضى عنهم ويثني عليهم ، ويختارهم للقيام بواجب الإصلاح والتغيير، والسّعي لاستئناف حكم الله في الأرض، رغم ما يتعرَّضون له
2 - محبتهم لله تعالى:
ومحبَّة المؤمنين لله تعالى هي السبب الذي يستجلب محبَّة الله التي تحدثنا عنها، ومن مظاهرها: التوجه إليه وحده بالعبادة والمداومة عليها، واتّباع نبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم في كلِّ تعاليم الدين برغبة وشوق دون ملل أو ضجر. ويبتغون مرضات الله ولا يفعلوا ما يوجب سخطه وعقوبته، وحبّهم لله نابع من عقولهم، ثمَّ يتسامى إلى جوارحهم وعواطفهم، فعندها يجعلون حياتهم لله . قال تعالى : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة: 24.
3 - التَّذلّل للمؤمنين:
فقد وصفهم الله بأنَّهم أذلة لإخوانهم المؤمنين، وهو وصف للمبالغة في حبّهم لهم ورفقهم ولين جانبهم. فهم لا يستعلون أو يتكبرون عليهم، بل هم رحماء فيما بينهم، يضربون أروع الأمثلة على وحدة الصف المسلم وتماسكه، ووحدته وقوة تواده وتراحمه، فذلة المؤمن لأخيه المؤمن ترفع منزلته وتعلي شأنه، لأنَّ التَّواضع للمؤمنين يعني الرّفعة وعلو الشَّأن.
4 - العزَّة على الكافرين:
فهم أشداء على الكفَّار، ينظرون إليهم نظرة العزيز الغالب، وليس الضَّعيف الخانع، لأنَّهم مستعلون بإيمانهم، متوكلين على ربِّهم، ولهذا فهم لا يتنازلون عن ثوابتهم، ولا يستكينون لأعدائهم، ولا يرضون بأن يكونوا حراساً وخدماً لهم، فالمؤمن عزيز قويّ بإيمانه، وبحبه الله وطاعته له.
5 - الجهاد في سبيل الله:
المؤمنون يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته ودينه، وليس للهوى والشيطان وحظ النفس، وهذه من أكثر صفات المؤمنين الصادقين خصوصية ، وأعظم هذا الجهاد بذل النَّفس والمال في سبيل الله، خلافاً للمنافقين، الذين يملؤون السَّاحة صياحاً وتنظيراً لكنَّهم عند الجهاد لا يخرجون، بل يخذلون ويثبطون، وإن خرجوا ففي سبيل منفعتهم ومصلحتهم، مع الحرص على عدم خسارة نفوسهم وأموالهم، .
6 - عدم الخوف من النَّاس:
فهم يقولون كلمة الحق ويجهرون بها، ولا يخافون لومة لائم، مهما كان نوعها، ومن أي كان مصدرها، لأنَّهم لا يخشون إلاَّ الله، وهم قد ضمنوا حبّ ربّ النّاس، فلا يخافون منهم، فدينهم راسخ، وإيمانهم ثابت، وهم لا يعملون رغبة بالجزاء من الناس أو الثناء من قبلهم، بل يعملون لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
إنَّ الصَّفَ المسلم الذي يتحلَّى بهذه الصِّفات العظيمة، هو الذي يجلب النَّصر والعزَّة للأمَّة، وهو الذي يحقّق التَّمكين للدِّين، فيحرّر الأوطان، والإنسان، من ظلم المحتل والمفسد والمستبد وحزب الشيطان.
خامسا : واقع الأمة مع سنة التداول :
وسنة الإستبدال - على النحو السالف بيانه - أنه إذا فقدت الأمة المسلمة صفات أمة الرسالة الخالدة، وأصبحوا غير مؤهلين لها، فهمًا ووعيًا وعملًا ودعوةً وجهادًا وصبرًا وهمة؛ يستبدلهم الله بقوم آخرين، ويفقدون بذلك ريادة العالم وقيادته، ويصبحوا ذيلًا بعد أن كانوا رأسًا، تحقيقًا لسنة الله عز وجل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} محمد:38.
ولقد فرطت الدول العربية والإسلامية في مجدها وحضارتها الإسلامية ، فسقطت الخلافة ، وتربصت الدول الكبرى الصليبية والصهيونية بموجب معاهدات سرية أو علنية أبرمتها مع حكام عرب ومسلمين ضعفاء وعملاء ، كان ظاهر هذه الاتفاقيات التعاون وباطنها التهاون ، فتربص الحكام الظلمة بتوجيهات هذه الدول بهويتنا الإسلامية وأمتنا الدوائر .
وهنالك تقارير معاصرة صدرت يتضح منها بوضوح تام أنَّ أعداء الإسلام يريدون محق الهوية الإسلامية الصحيحة وإزالتها، فلقد ثبت أن أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل عام 1967 في محاضرة له بجامعة بريستون الأمريكية قال : ( يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل، ولذا كان من أول واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي ) ، وأن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون قال في مذكِّراته : ( ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلاَّ أحد حلَّين : الأول : تقتيلهم والقضاء عليهم ، والثاني : تذويبهم في المجتمعات الأخرى المدنيَّة العلمانيَّة .
لقد أخبرنا القرآن عن أعداء الإسلام بقوله : (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة)، فلا غرابة أن نرى سعيهم الحثيث للقضاء على الإسلام ، فلا غرابة أن يقع ذلك بإيعاز من منافقين عرب اتخذوهم أولياء من دون المؤمنين، وبتحريض منهم نحيت الشريعة الإسلامية والحكم عن مناحي الحياة ، وحورب الدعاة إلى الله والمصلحون فقتل بعضهم غيلة وألقوا جلهم في السجون بلا جريرة ، وقام الطغاة المستبدين بإذلال الشعوب وحرمانهم من حقوقهم وحرياتهم ، فلم يعد لهم صوت يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فصدق المولى سبحانه حيث قال : ( بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً..) النساء/ 138، 139.
وتبقى الحقيقة أن هذا الدين ماضٍ في طريقه ليحدث الله تعالى الغالب في الأرض ما شاء من أقدار ، يتشرف بنصره من شاء الله له الرفعة ، ويخذل عنه وعن نصره من سقط من عين الله تعالى ، فعندما يسقط من يسقط ويتراجع من يتراجع يتولى الله تعالى يستبدل الله بآخر، ليبقى للحق مدافعوه ، ويبقى الباطل في حال انزعاجٍ دائمٍ مِن كَرِّ الحق عليه، هذه هي حقيقة الأمور حتى لو بدا لوهلة أن الباطل مطمئن ، ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) الأنبياء:18 .
فالأمان أن يقف المؤمن في جانب الحق حتى لو بدا ضعيفاً أو منكسرًا إلى حين ، فكل هذه الموازين مؤقتة والأمور تتغير، وسنة الله باقية : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) سورة المائدة 54.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق