لو جلس الإنسان مع نفسه يتأمل ويتدبر نِعَم الله سُبحانه وتعالى عليه لأمضى الساعات الطويلة بدون إحصاء ، فمن أول نعم الله تعالى أن فضّل بني آدم على سائر المخلوقات ، ومن أجل نعمه سبحانه على عباده نعمة الإسلام بتوحيدهم لله تعالى وإيمانهم برسوله وطاعتهم لله ورسوله .
ومن النعم التي يتمتّع بها الإنسان الصحّة والعافية، ونِعمة السَّمع، والبصر ، ونِعمة الكلام واللسان والعقل والتفكير السليم ، قال تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل: 78 .
ومن نعمه سبحانه على عباده الصالحين السعادة في الدنيا ، كما روى ابن حبّان عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : ( أربعٌ من السعادة المرأةُ الصالحةُ ، والمسكنُ الواسعُ والجارُ الصالحُ والمركبُ الهنيءُ) ، وكذلك وعده سبحانه لهم في الآخرة بنعيم الجنة حيث روى البخاري في صحيحه : (ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وهكذا تفضّل الله سبحانه وتعالى على عباده بالنِّعم التي لا تُعدُّ ولا تُحصى ، ومن الواجب علي المسلم أن يشكر الله على نعمه عليه في كل وقت وحين ويحرص علي ذلك ، فالله سبحانه وتعالى وعد الشاكرين بالجزاء العظيم وجعل الشكر سببا للحفاظ على النعم وزيادة العطاء حين قال سبحانه وتعالى ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) إبراهيم :7 .
فهيا بنا - في هذه السطور - نتعرف على مفهوم الشكر ونقف على أركانه ، لنعلم يقينا أن شكر الله فريضة شرعية أمر الله بها عباده ، وندرك منزلة الشكر العالية وفضله الكبير الثابت في العديد من آيات من القرآن الكريم ، وذلك كله يدفعنا إلى التماس الأسباب المؤدية إلى الشكر لننال هذا الفضل ونرتقي لتلك المنزلة .
أولا : تعريف الشكر:
أ - الشُّكر لغةً:
مصدر شَكَرَ يَشكُرُ، وهو مأخوذ من مادة: (ش ك ر) وهو بمعنى : الثناء والِعرفانُ والمجازاةُ .
ب - الشُّكر اصطلاحًا:
وقال ابن القيم: الشُّكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً .
وعرفه آخرون بقولهم: الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف .
ج - معنى اسم الله الشكور :
قال الإمام الغزاليّ: الشّكور (في أسماء الله تعالى) هو الّذي يجازي بيسير الطّاعات كثير الدّرجات، ويعطي بالعمل في أيّام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود .
وقال ابن منظور : والشّكور من صفات الله- جلّ اسمه- معناه: أنّه يزكو عنده القليل من أعمال العباد ، فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده: مغفرته لهم وإنعامه على عباده وجزاؤه بما أقامه من العبادة .
وقال ابن سعديّ: وأمّا الشّكور من عباد الله فهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته.
د - أقوال علماء السلف في الشكر :
قال أبو عثمان : الشُكرُ معرفة العجزِ عن الشُكرِ .
وقالَ الجُنيد: الشُكرُ أن لا ترى نفسكَ أهلاً للنِعمة ، وأن ترى الله سبحانه وتعالى تفضّلَ عليك ، وإذا أرادَ ربُكَ إظهارَ فضلهِ عليك خلقَ الفضلَ ونسبهُ إليك .
وقالَ أحدُ العلماء: الشُكر استفراغ الطاقة ، ويشُكرُ العامةِ على المطعمِ والمشربِ والملبسِ وقوتِ الأبدان .
وقيلَ: هو عكوفُ القلب على محبة المُنعِمِ, والجوارح على طاعتهِ, وجريان اللسان بذكرهِ, والثناءِ عليه, معرفةٌ وتعبيرُ وامتنان وسلوك .
وقيلَ: الشُكرُ مُشاهدةُ المِنّةَ وحِفظُ الحُرمة .
هـ - الفرق بين الشاكر والشكور :
قال المناويّ: إنّ الشّاكر من يشكر على الرّخاء ، والشّكور من يشكر على البلاء.
وقيل: الشّاكر من يشكر على العطاء ، والشّكور من يشكر على المنع.
وإذا وصف الباري بالشّكور فالمراد إنعامه على عباده .
و - الفرق بين الشكر والحمد:
. 1 الشكر يكون بالجوارح ، والحمد يكون باللسان وبالقلب ، ولذلك نسمع بسجود الشكر ، ولا نسمع بسجود الحمد ، لأن الشكر يكون بتسخير النعمة في طاعة الله، وهذا عمل بالجوارح.
. 2 الشكر يكون عند البلاء ، والحمد يكون على كل حال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته سراء قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) ، وإن نزل به بلاء قال: ( الحمد لله على كل حال ) .
ثانيا : أركان الشكر
للشكر بمعناه الاصطلاحي ثلاثة أركان هي :
. 1 اعتراف المرء بالنعمة بقلبه :
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا ) .
. 2 التحدث بها والثناء على المنعم :
قال تعالى: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى: 11 .
. 3 تسخير النعم في طاعة المنعم بها :
قال تعالى: ( اعملوا آل داود شكر ) سبأ: 13 .
ومعنى الآية: يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره .
ثالثا : الحكم الشرعي لشكر الله :
شكر الله فريضة شرعية ، لذلك أمر الله عباده بالشكر في العديد من آيات من القرآن الكريم تفيد وجوبه ، نذكر منها ما يأتي :
1. أمر الله العباد بالشكر بعد الذكر ، قال سبحانه : {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} البقرة: 152.
2. وبعد أن وصى الله تعالى الإنسان بوالديه أمره بشكره ووالديه ، فقال سبحانه : { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) لقمان: 14.
3. وأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالشكر بعد أن حذر من الشرك فقال تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) الزمر: 65-66
4. وأمر الله تعالى موسى عليه السلام بالشكر بعد أن إصطفاء بالرسالة، فقال تعالى : {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) الأعراف:144 .\
5. وأمر الله المؤمنين بالشكر بعد أن رزقهم الطيبات ليأكلوا ، فقال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: 172
6. وطلب الله من العباد الشكر بعد أن أحيا لهم الأرض وانبت لهم فيها من الحب والنخيل والأعناب ، فقال تعالى : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } يس : 33-35 .
7. وقال أيضا : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) يس : 71-73 .
8. وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله عز وجل يوم القيامة : يابن آدم حملتك على الخيل والإبل ، وزوجتك النساء ، وجعلتك تَرْبَعُ وترأس ، فأين شكر ذلك ) رواه أحمد ، تربع : تأخذ ربع غنيمة القوم ، ترأس : تكون رئيسا للقوم .
رابعا : منزلة الشكر وفضله :
1. علو منزلة الشاكرين :
وصف الله الشاكرين بأنهم قلة من عباده ومما يدل على فضل الشكر وعلو منزلته ، وأن رضا الله معلق بالشكر ، فقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ سورة سبأ آية:13 .
2. الشكر سبب لزيادة النعمة :
وعلق سبحانه زيادة النعم بشكره عليها ومن جحدها كان له العذاب الشديد من الله ، فقال تعالى : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ سورة إبراهيم آية:7 .
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لرجل من همذان : إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد .\
3. الشكر منجاة من العذاب :
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى : قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ( ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) النساء/ 147 أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم .
4. الله يمن على الشاكرين :
أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده ، فقال سبحانه ( وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/ 53 .
5. والله تعالى يزيد الشاكرين :
علّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم :
وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر ، فقال تعالى : ( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) آل عمران: 145 ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران : 144.
6. الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره :
جعل الله تعالى الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره ، فقال تعالى ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل: 78 .
7. الشكر من سمات العابدين :
وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: ( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة: 17 .
8. الله يثني على أنبيائه بالشكر :
وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر ، فقال : ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ( الإسراء: 3.
وأثنى سبحانه على خليله إبراهيم ، فقال: ( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) النحل: 120- 121.
وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى بالشّكر. فقال تعالى: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الأعراف: 144 .
9. أن رضا الله في شكره :
كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: ( وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) الزمر: 7
10. الشكر من صفات المؤمنين:
ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .
خامسا : الأسباب المؤدية إلى الشكر :
1. التلبس بأركان الشكر وهي :
الاعتراف بالنعمة بقلبه ، والتحدث بها والثناء على المنعم ، وتسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها ، وذلك على التفصيل السالف بيانه .
2. شكر من أسدى معروفاً إليك من الناس :
لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس) رواه الترمذي .
وروى أبو داود عن ابن عمر ، أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.( وأخرج الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء(.
3. التفكر في نعم الله عليك :
إمعان النظر في كثرة النعم التي نرفل فيها ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، وأننا مطالبون بشكر الله عليها سواءً كانت حسية أو معنوية ، قال تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل : 78.
قال يونس بن عبيد رحمه الله تعالى لرجل يشكو ضيق حاله : أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا ، قال : فبيديك مائة ألف؟ قال : لا ، قال : فبرجليك مائة ألف ؟ قال : لا ، فذكره نعم الله عليه ثم قال له : أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة .
4. تقوى الله والعمل بطاعته :
قال تعالى : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) آل عمران : 123 .
5. نظر العبد لمن دونه في أمور دنياه لمن فوقك في أمور أخراه :
كما أرشدنا إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم - في قوله: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) ، ومن وسائل ذلك : زيارة المرضى في المستشفيات ودور الإعاقة والمصحات النفسية وغيرها ، والنظر في حال أولئك المرضى لنستشعر قيمة ما نحن فيه من نعم كثيرة قلّ لها شكرنا ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( كن قنعا تكن أشكر الناس ) رواه ابن ماجة .
6. أن لا ينسب العبد النعم إلى نفسك :
ويتعظ من حال قارون الذي ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) القصص : 78 ، فكان مصيره كما قال تعالى ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ) القصص : 81 .
7. كثرة العبد لحمد الله عز وجل :
قال أعرابيًا للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به ، قال ( قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله ) رواه البيهقي وحسنه الألباني ، فإن لم تستطع أن تحفظ جميع صيغ الحمد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكفي أن تحمد الله علي ما وهبك من النعم ولكن مع ذكر النعمة حتي لا تكون مجرد كلمة نُرددها على ألسنتنا ، وستجد أنك بدأت تتحدث بالنعمة وتشعر بها من داخلك فتحمد الله عليها .
8. صلاة الضحى :
ومن وسائل شكر الله تعالى صلاة الضحى ، فعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَة ٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى ) البخاري ومسلم .
9. سجود الشكر:
روى أبو داود عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر بشر به خر ساجدا ؛ شاكرا لله ، وهذه السجدة لا تشترط لها طهارة ، ولا استقبال قبلة .
10. أن يقول إذا أصبح وأمسى :
اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر .
فعن عبد الله بن غنام البياضي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ) رواه أبو داود .
11. كثرة الدعاء بشكر الله تعالى:
كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ قائلاً "فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" رواه أحمد
ومن النعم التي يتمتّع بها الإنسان الصحّة والعافية، ونِعمة السَّمع، والبصر ، ونِعمة الكلام واللسان والعقل والتفكير السليم ، قال تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل: 78 .
ومن نعمه سبحانه على عباده الصالحين السعادة في الدنيا ، كما روى ابن حبّان عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : ( أربعٌ من السعادة المرأةُ الصالحةُ ، والمسكنُ الواسعُ والجارُ الصالحُ والمركبُ الهنيءُ) ، وكذلك وعده سبحانه لهم في الآخرة بنعيم الجنة حيث روى البخاري في صحيحه : (ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وهكذا تفضّل الله سبحانه وتعالى على عباده بالنِّعم التي لا تُعدُّ ولا تُحصى ، ومن الواجب علي المسلم أن يشكر الله على نعمه عليه في كل وقت وحين ويحرص علي ذلك ، فالله سبحانه وتعالى وعد الشاكرين بالجزاء العظيم وجعل الشكر سببا للحفاظ على النعم وزيادة العطاء حين قال سبحانه وتعالى ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) إبراهيم :7 .
فهيا بنا - في هذه السطور - نتعرف على مفهوم الشكر ونقف على أركانه ، لنعلم يقينا أن شكر الله فريضة شرعية أمر الله بها عباده ، وندرك منزلة الشكر العالية وفضله الكبير الثابت في العديد من آيات من القرآن الكريم ، وذلك كله يدفعنا إلى التماس الأسباب المؤدية إلى الشكر لننال هذا الفضل ونرتقي لتلك المنزلة .
أولا : تعريف الشكر:
أ - الشُّكر لغةً:
مصدر شَكَرَ يَشكُرُ، وهو مأخوذ من مادة: (ش ك ر) وهو بمعنى : الثناء والِعرفانُ والمجازاةُ .
ب - الشُّكر اصطلاحًا:
وقال ابن القيم: الشُّكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً .
وعرفه آخرون بقولهم: الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف .
ج - معنى اسم الله الشكور :
قال الإمام الغزاليّ: الشّكور (في أسماء الله تعالى) هو الّذي يجازي بيسير الطّاعات كثير الدّرجات، ويعطي بالعمل في أيّام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود .
وقال ابن منظور : والشّكور من صفات الله- جلّ اسمه- معناه: أنّه يزكو عنده القليل من أعمال العباد ، فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده: مغفرته لهم وإنعامه على عباده وجزاؤه بما أقامه من العبادة .
وقال ابن سعديّ: وأمّا الشّكور من عباد الله فهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته.
د - أقوال علماء السلف في الشكر :
قال أبو عثمان : الشُكرُ معرفة العجزِ عن الشُكرِ .
وقالَ الجُنيد: الشُكرُ أن لا ترى نفسكَ أهلاً للنِعمة ، وأن ترى الله سبحانه وتعالى تفضّلَ عليك ، وإذا أرادَ ربُكَ إظهارَ فضلهِ عليك خلقَ الفضلَ ونسبهُ إليك .
وقالَ أحدُ العلماء: الشُكر استفراغ الطاقة ، ويشُكرُ العامةِ على المطعمِ والمشربِ والملبسِ وقوتِ الأبدان .
وقيلَ: هو عكوفُ القلب على محبة المُنعِمِ, والجوارح على طاعتهِ, وجريان اللسان بذكرهِ, والثناءِ عليه, معرفةٌ وتعبيرُ وامتنان وسلوك .
وقيلَ: الشُكرُ مُشاهدةُ المِنّةَ وحِفظُ الحُرمة .
هـ - الفرق بين الشاكر والشكور :
قال المناويّ: إنّ الشّاكر من يشكر على الرّخاء ، والشّكور من يشكر على البلاء.
وقيل: الشّاكر من يشكر على العطاء ، والشّكور من يشكر على المنع.
وإذا وصف الباري بالشّكور فالمراد إنعامه على عباده .
و - الفرق بين الشكر والحمد:
. 1 الشكر يكون بالجوارح ، والحمد يكون باللسان وبالقلب ، ولذلك نسمع بسجود الشكر ، ولا نسمع بسجود الحمد ، لأن الشكر يكون بتسخير النعمة في طاعة الله، وهذا عمل بالجوارح.
. 2 الشكر يكون عند البلاء ، والحمد يكون على كل حال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته سراء قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) ، وإن نزل به بلاء قال: ( الحمد لله على كل حال ) .
ثانيا : أركان الشكر
للشكر بمعناه الاصطلاحي ثلاثة أركان هي :
. 1 اعتراف المرء بالنعمة بقلبه :
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا ) .
. 2 التحدث بها والثناء على المنعم :
قال تعالى: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى: 11 .
. 3 تسخير النعم في طاعة المنعم بها :
قال تعالى: ( اعملوا آل داود شكر ) سبأ: 13 .
ومعنى الآية: يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره .
ثالثا : الحكم الشرعي لشكر الله :
شكر الله فريضة شرعية ، لذلك أمر الله عباده بالشكر في العديد من آيات من القرآن الكريم تفيد وجوبه ، نذكر منها ما يأتي :
1. أمر الله العباد بالشكر بعد الذكر ، قال سبحانه : {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} البقرة: 152.
2. وبعد أن وصى الله تعالى الإنسان بوالديه أمره بشكره ووالديه ، فقال سبحانه : { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) لقمان: 14.
3. وأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالشكر بعد أن حذر من الشرك فقال تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) الزمر: 65-66
4. وأمر الله تعالى موسى عليه السلام بالشكر بعد أن إصطفاء بالرسالة، فقال تعالى : {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) الأعراف:144 .\
5. وأمر الله المؤمنين بالشكر بعد أن رزقهم الطيبات ليأكلوا ، فقال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: 172
6. وطلب الله من العباد الشكر بعد أن أحيا لهم الأرض وانبت لهم فيها من الحب والنخيل والأعناب ، فقال تعالى : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } يس : 33-35 .
7. وقال أيضا : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) يس : 71-73 .
8. وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله عز وجل يوم القيامة : يابن آدم حملتك على الخيل والإبل ، وزوجتك النساء ، وجعلتك تَرْبَعُ وترأس ، فأين شكر ذلك ) رواه أحمد ، تربع : تأخذ ربع غنيمة القوم ، ترأس : تكون رئيسا للقوم .
رابعا : منزلة الشكر وفضله :
1. علو منزلة الشاكرين :
وصف الله الشاكرين بأنهم قلة من عباده ومما يدل على فضل الشكر وعلو منزلته ، وأن رضا الله معلق بالشكر ، فقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ سورة سبأ آية:13 .
2. الشكر سبب لزيادة النعمة :
وعلق سبحانه زيادة النعم بشكره عليها ومن جحدها كان له العذاب الشديد من الله ، فقال تعالى : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ سورة إبراهيم آية:7 .
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لرجل من همذان : إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد .\
3. الشكر منجاة من العذاب :
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى : قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ( ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) النساء/ 147 أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم .
4. الله يمن على الشاكرين :
أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده ، فقال سبحانه ( وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/ 53 .
5. والله تعالى يزيد الشاكرين :
علّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم :
وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر ، فقال تعالى : ( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) آل عمران: 145 ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران : 144.
6. الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره :
جعل الله تعالى الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره ، فقال تعالى ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل: 78 .
7. الشكر من سمات العابدين :
وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: ( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة: 17 .
8. الله يثني على أنبيائه بالشكر :
وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر ، فقال : ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ( الإسراء: 3.
وأثنى سبحانه على خليله إبراهيم ، فقال: ( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) النحل: 120- 121.
وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى بالشّكر. فقال تعالى: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الأعراف: 144 .
9. أن رضا الله في شكره :
كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: ( وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) الزمر: 7
10. الشكر من صفات المؤمنين:
ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .
خامسا : الأسباب المؤدية إلى الشكر :
1. التلبس بأركان الشكر وهي :
الاعتراف بالنعمة بقلبه ، والتحدث بها والثناء على المنعم ، وتسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها ، وذلك على التفصيل السالف بيانه .
2. شكر من أسدى معروفاً إليك من الناس :
لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس) رواه الترمذي .
وروى أبو داود عن ابن عمر ، أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.( وأخرج الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء(.
3. التفكر في نعم الله عليك :
إمعان النظر في كثرة النعم التي نرفل فيها ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، وأننا مطالبون بشكر الله عليها سواءً كانت حسية أو معنوية ، قال تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل : 78.
قال يونس بن عبيد رحمه الله تعالى لرجل يشكو ضيق حاله : أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا ، قال : فبيديك مائة ألف؟ قال : لا ، قال : فبرجليك مائة ألف ؟ قال : لا ، فذكره نعم الله عليه ثم قال له : أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة .
4. تقوى الله والعمل بطاعته :
قال تعالى : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) آل عمران : 123 .
5. نظر العبد لمن دونه في أمور دنياه لمن فوقك في أمور أخراه :
كما أرشدنا إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم - في قوله: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) ، ومن وسائل ذلك : زيارة المرضى في المستشفيات ودور الإعاقة والمصحات النفسية وغيرها ، والنظر في حال أولئك المرضى لنستشعر قيمة ما نحن فيه من نعم كثيرة قلّ لها شكرنا ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( كن قنعا تكن أشكر الناس ) رواه ابن ماجة .
6. أن لا ينسب العبد النعم إلى نفسك :
ويتعظ من حال قارون الذي ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) القصص : 78 ، فكان مصيره كما قال تعالى ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ) القصص : 81 .
7. كثرة العبد لحمد الله عز وجل :
قال أعرابيًا للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به ، قال ( قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله ) رواه البيهقي وحسنه الألباني ، فإن لم تستطع أن تحفظ جميع صيغ الحمد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكفي أن تحمد الله علي ما وهبك من النعم ولكن مع ذكر النعمة حتي لا تكون مجرد كلمة نُرددها على ألسنتنا ، وستجد أنك بدأت تتحدث بالنعمة وتشعر بها من داخلك فتحمد الله عليها .
8. صلاة الضحى :
ومن وسائل شكر الله تعالى صلاة الضحى ، فعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَة ٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى ) البخاري ومسلم .
9. سجود الشكر:
روى أبو داود عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر بشر به خر ساجدا ؛ شاكرا لله ، وهذه السجدة لا تشترط لها طهارة ، ولا استقبال قبلة .
10. أن يقول إذا أصبح وأمسى :
اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر .
فعن عبد الله بن غنام البياضي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ) رواه أبو داود .
11. كثرة الدعاء بشكر الله تعالى:
كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ قائلاً "فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" رواه أحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق